الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَأِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ وَالْمَلَأُ مِنَ الْقَوْمِ: وُجُوهُهُمْ وَأَشْرَافُهُمْ، وَأَصْلُ الْمَلَأِ الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ وَلَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، كَالْقَوْمِ وَالرَّهْطِ وَالْإِبِلِ وَالْخَيْلِ وَالْجَيْشِ وَجَمْعُهُ أَمْلَاءٌ ﴿مِنْ بَعْدِ مُوسَى﴾ أَيْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِ مُوسَى ﴿إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ﴾ وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ النَّبِيِّ فَقَالَ قَتَادَةُ هُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونِ بْنِ افْرَائِيمَ بْنِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَالَ السُّدِّيُّ: اسْمُهُ شَمْعُونُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ شَمْعُونَ، لِأَنَّ أُمَّهُ دَعَتِ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَهَا غُلَامًا فَاسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهَا فَوَلَدَتْ غُلَامًا فَسَمَّتْهُ سَمْعُونَ تَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ تَعَالَى دُعَائِي وَالسِّينُ تَصِيرُ شِينًا بِالْعِبْرَانِيَّةِ، وَهُوَ شَمْعُونُ بْنُ صَفِيَّةَ بْنِ عَلْقَمَةَ مِنْ وَلَدِ لَاوِي بْنِ يَعْقُوبَ، وَقَالَ سَائِرُ الْمُفَسِّرِينَ: هُوَ إِشْمَوِيلُ وَهُوَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَالَ بْنِ عَلْقَمَةَ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هُوَ مِنْ نَسْلِ هَارُونَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ إِشْمَوِيلُ وَهُوَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ إِسْمَاعِيلُ بْنَ يَالَ بْنِ عَلْقَمَةَ. وَقَالَ وَهْبٌ وَابْنُ إِسْحَاقَ وَالْكَلْبِيُّ وَغَيْرُهُمْ: كَانَ سَبَبُ مَسْأَلَتِهِمْ إِيَّاهُ ذَلِكَ لَمَّا مَاتَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ خَلَفَ بَعْدَهُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، يُقِيمُ فِيهِمُ التَّوْرَاةَ وَأَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ خَلَفَ فِيهِمْ كَالِبُ كَذَلِكَ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ خَلَفَ حِزْقِيلُ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، ثُمَّ عَظُمَتِ الْأَحْدَاثُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ونسوا عهد لله حَتَّى عَبَدُوا الْأَوْثَانَ، فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ إِلْيَاسَ نَبِيًّا فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَكَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى يُبْعَثُونَ إِلَيْهِمْ بِتَجْدِيدِ مَا نَسُوا مِنَ التَّوْرَاةِ، ثُمَّ خَلَفَ مِنْ بَعْدِ إِلْيَاسَ الْيَسَعَ فَكَانَ فِيهِمْ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ قَبَضَهُ اللَّهُ، وَخَلَفَ فِيهِمُ الْخُلُوفُ وَعَظُمَتِ الْخَطَايَا فَظَهَرَ لَهُمْ عَدُوٌّ يُقَالُ لَهُ الْبِلْشَاثَا، وَهُمْ قَوْمُ جَالُوتَ كَانُوا يَسْكُنُونَ سَاحِلَ بَحْرِ الرُّومِ بَيْنَ مِصْرَ وَفِلَسْطِينَ وَهُمُ الْعَمَالِقَةُ فظهروا على ٤٢/أبَنِي إِسْرَائِيلَ وَغَلَبُوا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَرْضِهِمْ وَسَبَوْا كَثِيرًا مِنْ ذَرَارِيهِمْ وَأَسَرُوا مِنْ أَبْنَاءِ مُلُوكِهِمْ أربعين وأربعمائة غلاما، فَضَرَبُوا عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ وَأَخَذُوا تَوْرَاتَهُمْ، وَلَقِيَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْهُمْ بَلَاءً وَشِدَّةً وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ نَبِيٌّ يُدِيرُ أَمْرَهُمْ، وَكَانَ سِبْطُ النُّبُوَّةِ قَدْ هَلَكُوا، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا امْرَأَةً حُبْلَى فَحَبَسُوهَا فِي بَيْتٍ رَهْبَةً أَنْ تَلِدَ جَارِيَةً فَتُبَدِّلَهَا بِغُلَامٍ لِمَا تَرَى مِنْ رَغْبَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي وَلَدِهَا وَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَهَا غُلَامًا فَوَلَدَتْ غُلَامًا، فَسَمَّتْهُ إِشْمَوِيلَ تَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ تَعَالَى دُعَائِي، فَكَبِرَ الْغُلَامُ فَأَسْلَمَتْهُ لِيَتَعَلَّمَ التَّوْرَاةَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَكَفَلَهُ شَيْخٌ مِنْ عُلَمَائِهِمْ وَتَبَنَّاهُ، فَلَمَّا بَلَغَ الْغُلَامُ أَتَاهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ نَائِمٌ إِلَى جَنْبِ الشَّيْخِ وَكَانَ لَا يَأْتَمِنُ عَلَيْهِ أَحَدًا فَدَعَاهُ جِبْرِيلُ بِلَحْنِ الشَّيْخِ يَا إِشْمَوِيلُ، فَقَامَ الْغُلَامُ فَزِعًا إِلَى الشَّيْخِ فَقَالَ: يَا أَبَتَاهُ دَعَوْتَنِي؟ فَكَرِهَ الشَّيْخُ أن يقول لئلا فَيَفْزَعُ الْغُلَامُ فَقَالَ يَا بُنَيَّ ارْجِعْ فَنَمْ، فَرَجَعَ الْغُلَامُ فَنَامَ ثُمَّ دَعَاهُ الثَّانِيَةَ فَقَالَ الْغُلَامُ يَا أَبَتِ دَعَوْتَنِي؟ فَقَالَ ارْجِعْ فَنَمَّ فَإِنْ دَعْوَتُكَ الثَّالِثَةَ فَلَا تُجِبْنِي (فَرَجَعَ الْغُلَامُ فَنَامَ) [[ساقط من ب، ومن المطبوع.]] فَلَمَّا كَانَتِ الثَّالِثَةُ ظَهَرَ لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ: اذْهَبْ إِلَى قَوْمِكَ فَبَلِّغْهُمْ رِسَالَةَ رَبِّكَ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ بَعَثَكَ فِيهِمْ نَبِيًّا، فَلَمَّا أَتَاهُمْ كَذَّبُوهُ وَقَالُوا: اسْتَعْجَلْتَ بِالنُّبُوَّةِ وَلَمْ تَنَلْكَ، وَقَالُوا لَهُ: إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، آيَةً مِنْ نُبُوَّتِكَ، وَإِنَّمَا كَانَ قِوَامُ أَمْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالِاجْتِمَاعِ عَلَى الْمُلُوكِ وَطَاعَةِ الْمُلُوكِ لِأَنْبِيَائِهِمْ، فَكَانَ الْمَلِكُ هُوَ الَّذِي يَسِيرُ بِالْجُمُوعِ، وَالنَّبِيُّ يُقِيمُ لَهُ أَمْرَهُ وَيُشِيرُ عَلَيْهِ بِرُشْدِهِ وَيَأْتِيهِ بِالْخَبَرِ مِنْ رَبِّهِ، قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى إِشْمَوِيلَ نَبِيًّا فَلَبِثُوا أَرْبَعِينَ سَنَةً بِأَحْسَنِ حَالٍ، ثُمَّ كَانَ مِنْ أَمْرِ جَالُوتَ وَالْعَمَالِقَةِ مَا كَانَ فَقَالُوا لِإِشْمَوِيلَ: ﴿ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ جَزْمٌ عَلَى جَوَابِ الْأَمْرِ فَلَمَّا قَالُوا لَهُ ذَلِكَ ﴿قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ﴾ اسْتِفْهَامُ شَكٍّ. قَرَأَ نَافِعٌ: عَسَيْتُمْ بِكَسْرِ السِّينِ كُلَّ الْقُرْآنِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ وَهِيَ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿عَسَى رَبُّكُمْ﴾ ﴿إِنْ كُتِبَ﴾ فُرِضَ ﴿عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ﴾ مَعَ ذَلِكَ الْمَلِكِ ﴿أَلَّا تُقَاتِلُوا﴾ أَنْ لَا تَفُوا بِمَا تَقُولُوا مَعَهُ ﴿قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ فَإِنْ قِيلَ فَمَا وَجْهُ دُخُولِ أَنْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَالْعَرَبُ لا تقول مالك أَنْ لَا تَفْعَلَ وَإِنَّمَا يُقَالُ مَا لَكَ لَا تَفْعَلُ؟ قِيلَ: دُخُولُ أَنْ وَحَذْفُهَا لُغَتَانِ صَحِيحَتَانِ فَالْإِثْبَاتُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَا لَكَ أَنْ لَا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ﴾ (٣٢-الْحِجْرِ) وَالْحَذْفُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ (٨-الْحَدِيدِ) وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: مَعْنَاهُ وَمَا لَنَا فِي أَنْ لَا نُقَاتِلَ فَحَذَفَ "فِي" وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَيْ وَمَا يَمْنَعُنَا أَنْ لَا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَا مَنَعَكَ أن لا تَسْجُدَ﴾ (١٢-الْأَعْرَافِ) وَقَالَ الْأَخْفَشُ: "أَنْ" هَاهُنَا زَائِدَةٌ مَعْنَاهُ: وَمَا لَنَا لَا نُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴿وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا﴾ أَيْ أُخْرِجَ مَنْ غُلِبَ عَلَيْهِمْ مِنْ دِيَارِهِمْ، ظَاهِرُ الْكَلَامِ الْعُمُومُ وَبَاطِنُهُ الْخُصُوصُ، لِأَنَّ الَّذِينَ قَالُوا لِنَبِيِّهِمُ: ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانُوا فِي دِيَارِهِمْ وَأَوْطَانِهِمْ وَإِنَّمَا أُخْرِجَ مَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ، وَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا مُجِيبِينَ لِنَبِيِّهِمْ: إِنَّمَا كُنَّا نَزْهَدُ فِي الْجِهَادِ إِذْ كُنَّا مَمْنُوعِينَ فِي بِلَادِنَا لَا يَظْهَرُ عَلَيْنَا عَدُوُّنَا، فَأَمَّا إِذَا بَلَغَ ذَلِكَ مِنَّا فَنُطِيعُ رَبَّنَا فِي الْجِهَادِ وَنَمْنَعُ نِسَاءَنَا وَأَوْلَادَنَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا﴾ أَعْرَضُوا عَنِ الْجِهَادِ وَضَيَّعُوا أَمْرَ اللَّهِ ﴿إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ﴾ الَّذِينَ عَبَرُوا النَّهْرَ مَعَ طَالُوتَ وَاقْتَصَرُوا عَلَى الْغُرْفَةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب