الباحث القرآني
ثم قال عز وجل: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾.
﴿أَلَمْ تَرَ﴾ الخطاب إما للرسول عليه الصلاة والسلام، وخطاب زعيم الأمة خطاب له وللأمة؛ لأنها تبعه، وإما أنه خطاب لكل من يتوجه إليه الخطاب، فيكون عامًّا في أصل وضعه.
الفرق بين المعنيين: أن الأول عام باعتبار التبعية للمخاطب به أولًا، وهو الرسول ﷺ.
والوجه الثاني: أنه عام باعتبار وضعه؛ يعني ألم تر أيها المخاطب؟
وقوله: ﴿تَرَ﴾ هل المراد تنظر، أو المراد تسمع، أو المراد تعلم؟ نشوف الفعل هنا عدي بـ (إلى)، وإذا عدي بـ (إلى) تعين أن يكون من رؤية العين، تقول: رأى إلى كذا، أو نظر إلى كذا، لو عدي بنفسه لأمكن أن يكون المراد بالرؤية العلم، فإذا كان كذلك فإنه يلزم أن يكون المعنى: ألم ترَ إلى شأن الملأ من بني إسرائيل؛ لأنه من المعلوم أننا نحن بل والرسول عليه الصلاة والسلام لم يشاهده.
ويمكن أن نقول: إنها عديت بـ (إلى) وهي بمعنى (النظر)؛ لأن الإخبار بها جاء من عند الله، وما كان من عند الله فهو كالمرئي بالعين بل أشد وأبلغ.
قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ﴾ الاستفهام هنا للتقرير أو للتشويق؟
الظاهر أنه للتشويق؛ يعني يشوقنا أن ننظر إلى هذه القصة لنعتبر بها؛ لأن التقرير -أيها الجماعة- التقرير إنما يكون في أمر كان معلومًا للمخاطب فيقرر به، مثل: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ [الشرح ١] أما هذا فهو أمر غير معلوم للمخاطب إلا بعد أن يخبر به، فيكون هنا للتشويق.
يعني مثل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ﴾ [الصف ١٠]، ومثل قوله: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾ [الغاشية ١] وما أشبهها؛ فالمعنى يشوقنا الله عز وجل أن ننظر إلى هذه القصة من أجل أن نعتبر بها، أما لو كان يخاطب من كان عالِمًا بها لقلنا: إن الاستفهام للتقرير.
﴿إِلَى الْمَلَإِ﴾ ﴿الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ إذا أُضيف إلى أحد فإن المراد الأشراف مثل: ﴿قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ﴾ [الأعراف ٦٠] يعنى الأشراف والكبراء.
وقد يراد به الملأ الطائفة مطلقًا سواء كانوا من أشراف الناس أو من غير أشرافهم، هؤلاء ملأ من بني إسرائيل ﴿إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾.
﴿إِذْ﴾ هذه ظرفية.
* طالب: ﴿مِنْ بَعْدِ مُوسَى﴾.
* الشيخ: نعم ﴿إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى﴾.
﴿مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ (بني) في الأصل للذكور، لكن إذا وُصف بها القبيلة صارت عامة للذكور والإناث، كما نقول: بنو تميم يعم ذكورهم وإناثهم.
وقوله: ﴿إِسْرَائِيلَ﴾ من هو إسرائيل؟ هو يعقوب بن إسحاق، ومعنى إسرائيل أي: عبد الله أو ما أشبه ذلك من الأوصاف التي تضاف إلى الله.
وقوله: ﴿مِنْ بَعْدِ مُوسَى﴾ لما بين قبيلتهم وأنهم من بني إسرائيل ذكر زمنهم، فقال: ﴿مِنْ بَعْدِ مُوسَى﴾ موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام وهو أفضل أنبياء بني إسرائيل.
﴿إِذْ قَالُوا﴾ هذه ظرف، وهي مبنية على السكون في محل نصب أي: وقت قولهم.
﴿إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ﴾ وفي ﴿نَبِيٍّ﴾ قراءتان: لِنَبِيٍّ (...) أصلها (نبيء) لكن خُففت الهمزة فلا خلاف، وإذا قلنا: نبيء من النبوة لا من النبأ فبينهما خلاف. ﴿لِنَبِيٍّ لَهُمُ﴾ لهؤلاء الملأ ﴿ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا﴾.
النبي عند جمهور أهل العلم هو الذي أوحى الله إليه بالشرع ولم يلزمه بإبلاغه، ما أمره به، فيكون بمنزلة المجدد الذي يصلح ما فسد عند الناس وإن كان لا يلزم بالإبلاغ؛ إبلاغ هذا الوحي إلى غيره، وأشبه ما له في هذه الأمة العالم، أشبه ما له العالم مع أن العالم مأمور بالإبلاغ، لكن مأمور بإبلاغ رسالة من قبله.
وقيل: إن النبي هو الذي أُمر بإبلاغ رسالة من قبله، وأُوحي إليه وحي خاص، يُبلغ رسالة من قبله، وهذا هو ظاهر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، ويستدل له بقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا﴾ [المائدة ٤٤] (يحكم بها) فلم يجعل لهؤلاء الأنبياء وحيًا خاصًّا يعني وحيًا مستقلًّا، بل جعلهم يحكمون بالتوراة، وهذا القول جيد لولا أنه منتقض بنبوة آدم، فإن آدم كان نبيًّا ولم يسبقه شرع، ولولا هذا النقض لكان ما ذهب إليه الشيخ أرجح.
وقد يقال: إن النبي إذا أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه فإنما يوحى إليه بالشرع السابق ليؤكد ذلك الشرع ويجدد ما اندثر منه، ولكن المشهور عند أهل العلم هو المعنى الأول.
وقوله: ﴿لِنَبِيٍّ لَهُمُ﴾. لو قال قائل: من هذا النبي؟ قلنا: إن الله تعالى أبهمه فلنبهم ما أبهمه الله، ولو كان في معرفة اسمه فائدة لكان الله عز وجل يبينها لنا؛ يبين اسمه لنا، لكن ليس لنا فيه فائدة، المهم أنه نبي من الأنبياء.
﴿ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ ﴿ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا﴾ معنى ابعث يعني مُرْ ملكًا، وأقم لنا ملكًا. ﴿نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ وكأن أمرهم في ذلك الوقت كأن أمرهم فوضوي ليس عندهم ملك يدبر أمورهم ويدبر شؤونهم، والناس إذا كان ليس لهم ولي أمر صار أمرهم فوضى كما قيل:
؎لَا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لَا سَرَاةَ لَهُمْ ∗∗∗ .................................
ولهذا «أمر النبي ﷺ القوم إذا سافروا أن يُؤمِّروا أحدهم حتى لا تكون أمورهم فوضى »[[أخرجه أبو داود في سننه (٢٦٠٩)، وأبو عوانة (٧٥٣٩) من حديث أبي هريرة.]].
يقول: ﴿ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا﴾ أي: أقم لنا ملكًا ﴿نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ الذي جزم كلمة ﴿نُقَاتِلْ﴾ جواب الطلب: ﴿ابْعَثْ﴾.
وهذا دليل على أنهم عازمون على أن يكون لهم ولي أمر يقودهم للقتال في سبيل الله.
وقوله: ﴿نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ سبق لنا معنى قوله: ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ وأن رسول الله ﷺ فسرها بأحسن تفسير، وهو أيش؟ بماذا فسرها الرسول عليه الصلاة والسلام؟
* الطالب: «وَمَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (١٢٣)، ومسلم (١٩٠٤ / ١٥٠)، من حديث أبي موسى الأشعري.]].
* الشيخ: «وَمَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا». هذا في سبيل الله. فقال لهم النبي يريد أن يثبتهم وينظر عزيمتهم: ﴿هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا﴾.
﴿عَسَيْتُمْ﴾ فيها قراءتان الكسر والفتح.
* طالب: النصب.
* الشيخ: ما هو النصب، النصب في الإعراب، الكسر والفتح ﴿هَلْ عَسِيتُمْ﴾ و﴿هَلْ عَسَيْتُمْ﴾ يعني يقول: هل يُتوقع منكم إن كُتب عليكم القتال ألا تقاتلوا؟
فقالوا: ﴿وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا﴾. فيكون المعنى هنا: هل يتوقع؟ فـ(عسى) هنا للتوقع، أي: هل إذا كُتب عليكم القتال يتوقع منكم ألا تقاتلوا؟
فجملة ﴿إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ﴾ جملة شرطية معترضة بين اسم (عسى) وخبرها؛ لأن اسم (عسى) الضمير التاء. و﴿أَلَّا تُقَاتِلُوا﴾ هو خبرها. وعسى تقترن بـ (أن) ولَّا لا؟ تقترن بـ (أن) كثيرًا، كما في الألفية. وجملة ﴿إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ﴾ جملة شرطية معترضة جوابها محذوف، وقد نقول: إنها لا تحتاج إلى جواب لعلمه بالسياق، لكن قدره بعض المعربين فقال: فلا تقاتلوا، هل يتوقع منكم ألا تقاتلوا إن كتب عليكم القتال فلا تقاتلوا؟
والجواب: إي نعم هذا هو الجواب محذوف. ولو قلنا: بأنه لما كان معلومًا بالسياق فإنه لا يحتاج إليه كما في نظائره لكان له وجه.
وقوله: ﴿إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ﴾ كُتب بمعنى فُرض، فرض عليكم القتال ألا تقاتلوا.
ماذا كان جوابهم؟ ﴿قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا﴾. قوله: ﴿وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ﴾ (أن) هذه زائدة ولَّا غير زائدة؟
الصواب أنها غير زائدة؛ لأن مثل هذا التركيب يصح فيه وجود (أن) ويصح فيه حذفها. قال الله تعالى: ﴿وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا﴾ [إبراهيم ١٢]، وقال تعالى: ﴿وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ﴾ [المائدة ٨٤]. ففي الآية الأولى ﴿أَلَّا﴾ أتت (أن)، وفي الثانية حُذفت، وعلى هذا فهما استعمالان عربيان مشهوران؛ أي أن (أن) في مثل هذا التركيب يجوز أن توجد ويجوز أن تُحذف.
﴿وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ يعني: أي شيء لنا في عدم القتال؟ يعني أي مانع لنا يمنعنا من القتال في سبيل الله وقد وجد مقتضي ذلك ويش المقتضي؟ ﴿وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا﴾. والإنسان إذا أخرج من داره وبنيه فلا بد أن يقاتل لتحرير البلاد وفك الأسرى.
قوله: ﴿وَمَا لَنَا﴾. نرجع إلى إعرابها، ﴿مَا﴾ اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع. و﴿لَنَا﴾ جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر ما، و﴿أَلَّا نُقَاتِلَ﴾ منصوب بنزع الخافض، وأصله: وما لنا في ألا نقاتل.
وقد مر علينا أن (أنْ) المصدرية إذا دخلت على حرف نفي فإن الحرف يُقدّر بكلمة؟
* طلبة: في.
* الشيخ: لا، بكلمة (عدم). فالمعنى إذن: وما لنا في عدم القتال، يعني أي شيء لنا في ألا نقاتل، أي مانع؟ والجواب: فيه مانع ولَّا لا؟ لا مانع.
﴿وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ ﴿وَقَدْ أُخْرِجْنَا﴾ الجملة هنا حالية، فهي في محل نصب.
﴿وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا﴾. قولهم: ﴿أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا﴾ قال المفسرون: إن المراد إخراج بعضهم؛ لأن هؤلاء الذين كلموا نبيهم كانوا في ديارهم، لكن كان لهم أقوام سبقوا تسلط عليهم العدو فأخرجهم من ديارهم ومن أبنائهم.
قال الله عز وجل: ﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا﴾. نسأل الله السلامة، هم طلبوا الآن أن يبعث لهم نبيهم ملكًا يقاتل في سبيل الله ليقاتلوا في سبيل الله، ولما استثبت نبيهم منهم ماذا قالوا؟
قالوا: إنا عازمون، عازمون على ذلك، وثابتون عليه، ولكن لما كتب عليهم القتال وفُرض عليهم تولوا، فصار ما توقعه بنبيهم حقًّا أنهم لم يقاتلوا. وسيأتينا في الفوائد أن بعض السؤال يكون نكبة على السائل كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ﴾ [المائدة ١٠١].
فهنا قال الله عز وجل: ﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا﴾ يعني أعرضوا عن هذا الفرض ولم يقوموا به.
﴿إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ﴾ والقليل عادة يكون أقل من النصف ولَّا لا؟ أو نقول: أقل من الثلث أيضًا لقول الرسول ﷺ: «الثُّلُثُ كَثِيرٌ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٥٦٦٨)، ومسلم (١٦٢٨ / ٥، ٧، ٨) من حديث سعد بن أبي وقاص.]]. فهم تولوا كلهم إلا القليل، ممكن أن نقول: أقل من الثلث، وهي منصوبة على أنها مستثناة.
﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ عليم بالظالمين، ومقتضى علمه بهم أن يجازيهم على ظلمهم، والظلم هنا ليس لفعل محرم، ولكنه لترك واجب؛ لأن ترك الواجب كفعل المحرم فيه ظلم للنفس ونقص من حقها.
من فوائد الآية الكريمة: الحث على النظر والاعتبار لقوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ إلى آخره.
ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا: أن في هذه القصة عِبرًا لهذه الأمة، حيث إن هؤلاء القوم الذين كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلًا منهم، ففيها تحذير هذه الأمة من التولي عن القتال إذا كُتب عليهم.
* ومن فوائدها: أنه لا بد للجيوش من قائد يتولى قيادتها لقولهم: ﴿ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾.
ومنها: أن مرتبة النبوة أعلى من مرتبة الْمُلك لقولهم: ﴿ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا﴾ يخاطبون النبي، فالنبي إذن له السلطة أن يبعث لهم ملكًا يتولى أمورهم ويدبرهم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: ذكر ما يشجع على إجابة الطلب فيما إذا طَلب الإنسان شيئًا من غيره أن يذكر ما يشجعه على إجابة الطلب لقولهم: ﴿نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ فإن هذا يبعث النبي ويشجعه على أن يبعث لهم الملك.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الإشارة إلى الإخلاص في قولهم: ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾.
* ومن فوائدها: تثبيت المخاطَب بما طلب إيجاده، تثبيته هل يقوم بما يجب عليه نحوه أم لا لقوله: ﴿هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا﴾. فإذا طلبك إنسان أن تُرسله في حاجة، أو أن تكلفه بعمل فلا حرج عليك أن تذكر له الأشياء التي يتبين بها أيش؟ ثباته وقيامه بهذا العمل، لهذه الآية.
ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا: أن الإنسان بفطرته يكون مستعدًّا لقتال من قاتله لقولهم: ﴿وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا﴾.
ولهذا تجد الجبان اللي من أجبن ما يكون إذا حُصر يأتي بما عنده من الشجاعة، يستنفد كل شيء حتى وإن كان أجبن من النعامة فإنه عندما يُحشر يكون عنده قوة للمدافعة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن من أسباب القتال إخراج الإنسان من نفسه وأهله، قصدي إخراج الإنسان من بلده وأهله لقولهم: ﴿وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الإنسان قد يظن الصبر على ترك المحظور أو القيام بفعل المأمور، فإذا ابتلي به نكص، من أين يؤخذ؟ ﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ﴾ مع أنهم كانوا في الأول كانوا متشجعين على أن يقاتلوا.
* طالب: الفائدة الأخيرة تعيدها يا شيخ؟
* الشيخ: أقول: ومنها: أن الإنسان قد يظن أنه قادر على فعل المأمور وترك المحظور، فإذا ابتُلي به نكص وعجز، فهؤلاء ظنوا أنهم قادرون على القتال، لكن لما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلًا منهم.
ويتفرع على هذا: أن فيه إشارة إلى قول النبي ﷺ: «لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا؛ فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٢٩٦٥، ٢٩٦٦)، ومسلم (١٧٤٢ / ٢٠)، من حديث عبد الله بن أبي أوفى.]] فالإنسان قد يتمنى الشيء من أمور تنزل به ويعجز عنها.
وهذه الفائدة يشير إليها قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَأْتِيهِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَلَا يَزَالُ بِهِ حَتَّى يَتْبَعَهُ فِيمَا يَبْعَثُ فِيهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ»[[أخرجه أبو داود في سننه (٤٣١٩)، ولفظه «مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ، فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ، مِمَّا يَبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ»، أو: «لِمَا يَبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ»، من حديث عمران بن حصين.]] هذا الحديث أو معناه.
ومنها أيضًا؛ يتفرع مهنا: أن كثيرًا من الناس ينذرون النذر وهم يظنون أنهم يوفون به ثم لا يوفون به، كما في قوله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ [التوبة ٧٥، ٧٦].
وهل يستفاد من الآية أن البلاء موكل بالمنطق؟ لأنه قال لهم: ﴿هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا﴾ فكان ما توقعه نبيهم كان ما توقعه واقعًا، فإنه لما كتب عليهم القتال تولوا.
* ومن فوائد الآية: وجوب القتال دفاعًا عن النفس، من أين يؤخذ؟ لأنه لما قال: ﴿وَقَدْ أُخْرِجْنَا﴾ قال: ﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ﴾ ﴿كُتِبَ﴾ أي فرض ليدافعوا عن أنفسهم، ويحرروا بلادهم من عدوهم، وكذلك أبناءهم من السبي.
* ومن فوائد الآية الكريمة: تحذير الظالم من الظلم لقوله: ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ أي ظلم كان.
ومنها؛ أي من فوائدها: سعة علم الله سبحانه وتعالى، حيث كان عالِمًا حتى بظلم الظالم وإن كان واحدًا لقوله: ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾.
ومن ذلك أيضًا؛ من فوائد الآية: تحريم الظلم لوقوع التهديد به.
* ومن فوائدها: أن ترك الواجب من الظلم لقوله: ﴿تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ أي: المتولين الذين فُرض عليهم القتال ولم يقوموا به؛ فدل ذلك على أن الظلم ينقسم إلى قسمين: إما فِعل محرم، وأما ترك واجب.
ثم قال الله عز وجل: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ﴾.
* طالب: شيخ فيه فائدة.
* الشيخ: وهي؟
* طالب: حكم سؤال الناس قائدًا يقودهم إلى الجهاد؛ يعني إذا كانت أحوال المسلمين مثلًا مضطربة بعض العلم عنها يعني مثلًا يقول: والله إن قائدًا يعني يقودنا إلى الجهاد (...)، هل هذا من هذه الآية ولَّا لا؟
* الشيخ: إي نعم، ويش تقولون؟ إنه ينبغي مثلًا إذا كان أمر المسلمين منفرطًا أن يُدعى الله عز وجل بأن يهيئ لهم قائدًا يجمع كلمتهم؟ يؤخذ من هذا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: كيف؟
* الطلبة: ﴿ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا﴾.
* الشيخ: لأنهم طلبوا من نبيهم أن يبعث لهم ملكًا يقاتل في سبيل الله.
* طالب: شيخ، لماذا لم يطلبوا من نبيهم أن يقودهم في الحرب؟
* الشيخ: إي نعم، لعلهم يريدون من نبيهم أن يتفرغ للدعوة إلى الله عز وجل، ويكون هذا هو القائد.
* طالب: هنا يا شيخ فيه فائدة.
* طالب آخر: شيخ، أما كان النبي ﷺ هو القائد للمسلمين؟
* الشيخ: محمد، بلى.
* الطالب: طيب ويش الفرق بين هنا وهناك؟
* الشيخ: ما نقدر نقول، نقول: هذا اللي وقع، فالذي يظهر لنا أنهم أرادوا من نبيهم أن يبقى في الدعوة إلى الله عز وجل وعند من كان فيمن لم يقاتل ممن لا يجب عليه القتال.
* طالب: قلنا في التفسير أنه سيأتي لنا أن بعض السؤال قد يكون نقمة على بعض الآخرين؟
* الشيخ: كيف؟
* طالب: قلنا: في التفسير أن بعض السؤال قد يكون نقمة على الباقين؟
* الشيخ: هذه تعرضنا لها في قوله: أن الإنسان قد يطلب الشيء وهو يظن أنه يقوم به ولكن ما يقوم به يخطئ.
{"ayah":"أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلۡمَلَإِ مِنۢ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰۤ إِذۡ قَالُوا۟ لِنَبِیࣲّ لَّهُمُ ٱبۡعَثۡ لَنَا مَلِكࣰا نُّقَـٰتِلۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِۖ قَالَ هَلۡ عَسَیۡتُمۡ إِن كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ أَلَّا تُقَـٰتِلُوا۟ۖ قَالُوا۟ وَمَا لَنَاۤ أَلَّا نُقَـٰتِلَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَقَدۡ أُخۡرِجۡنَا مِن دِیَـٰرِنَا وَأَبۡنَاۤىِٕنَاۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَیۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ تَوَلَّوۡا۟ إِلَّا قَلِیلࣰا مِّنۡهُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِیمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق