الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهم فَهم لا يُؤْمِنُونَ﴾
اعْلَمْ أنّا رُوِّينا في الآيَةِ الأُولى أنَّ الكُفّارَ سَألُوا اليَهُودَ والنَّصارى عَنْ صِفَةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فَأنْكَرُوا دَلالَةَ التَّوْراةِ والإنْجِيلِ عَلى نُبُوَّتِهِ، فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعالى في الآيَةِ الأُولى أنَّ شَهادَةَ اللَّهِ عَلى صِحَّةِ نُبُوَّتِهِ كافِيَةٌ في ثُبُوتِها وتَحَقُّقِها، ثُمَّ بَيَّنَ في هَذِهِ الآيَةِ أنَّهم كَذَبُوا في قَوْلِهِمْ أنّا لا نَعْرِفُ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، لِأنَّهم يَعْرِفُونَهُ بِالنُّبُوَّةِ والرِّسالَةِ كَما يَعْرِفُونَ أبْناءَهم لِما رُوِيَ أنَّهُ لَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ المَدِينَةَ قالَ عُمَرُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ: أنْزَلَ اللَّهُ عَلى نَبِيِّهِ هَذِهِ الآيَةَ فَكَيْفَ هَذِهِ المَعْرِفَةُ ؟ فَقالَ: يا عُمَرُ لَقَدْ عَرَفْتُهُ فِيكم حِينَ رَأيْتُهُ كَما أعْرِفُ ابْنِي ولَأنا أشَدُّ مَعْرِفَةً بِمُحَمَّدٍ مِنِّي بِابْنِي لِأنِّي لا أدْرِي ما صَنَعَ النِّساءُ، وأشْهَدُ أنَّهُ حَقٌّ مِنَ اللَّهِ تَعالى. (p-١٤٩)واعْلَمْ أنَّ ظاهِرَ هَذِهِ الآيَةِ يَقْتَضِي أنْ يَكُونَ عِلْمُهم بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلامُ مِثْلَ عِلْمِهِمْ بِأبْنائِهِمْ، وفِيهِ سُؤالٌ وهو أنْ يُقالَ: المَكْتُوبُ في التَّوْراةِ والإنْجِيلِ مُجَرَّدُ أنَّهُ سَيَخْرُجُ نَبِيٌّ في آخِرِ الزَّمانِ يَدْعُو الخَلْقَ إلى الدِّينِ الحَقِّ، أوِ المَكْتُوبُ فِيهِ هَذا المَعْنى مَعَ تَعَيُّنِ الزَّمانِ والمَكانِ والنَّسَبِ والصِّفَةِ والحِلْيَةِ والشَّكْلِ، فَإنْ كانَ الأوَّلَ فَذَلِكَ القَدْرُ لا يَدُلُّ عَلى أنَّ ذَلِكَ الشَّخْصَ هو مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَكَيْفَ يَصِحُّ أنْ يُقالَ: عِلْمُهم بِنُبُوَّتِهِ مِثْلُ عِلْمِهِمْ بِبُنُوَّةِ أبْنائِهِمْ، وإنْ كانَ الثّانِيَ وجَبَ أنْ يَكُونَ جَمِيعُ اليَهُودِ والنَّصارى عالِمِينَ بِالضَّرُورَةِ مِنَ التَّوْراةِ والإنْجِيلِ بِكَوْنِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ نَبِيًّا مِن عِنْدِ اللَّهِ تَعالى، والكَذِبُ عَلى الجَمْعِ العَظِيمِ لا يَجُوزُ لِأنّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أنَّ التَّوْراةَ والإنْجِيلَ ما كانا مُشْتَمِلَيْنِ عَلى هَذِهِ التَّفاصِيلِ التّامَّةِ الكامِلَةِ، لِأنَّ هَذا التَّفْصِيلَ إمّا أنْ يُقالَ: إنَّهُ كانَ باقِيًا في التَّوْراةِ والإنْجِيلِ حالَ ظُهُورِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، أوْ يُقالُ: إنَّهُ ما بَقِيَتْ هَذِهِ التَّفاصِيلُ في التَّوْراةِ والإنْجِيلِ في وقْتِ ظُهُورِهِ لِأجْلِ أنَّ التَّحْرِيفَ قَدْ تَطَرَّقَ إلَيْهِما قَبْلَ ذَلِكَ، والأوَّلُ باطِلٌ لِأنَّ إخْفاءَ مِثْلِ هَذِهِ التَّفاصِيلِ التّامَّةِ في كِتابٍ وصَلَ إلى أهْلِ الشَّرْقِ والغَرْبِ مُمْتَنِعٌ، والثّانِي أيْضًا باطِلٌ؛ لِأنَّ عَلى هَذا التَّقْدِيرِ لَمْ يَكُنْ يَهُودُ ذَلِكَ الزَّمانِ ونَصارى ذَلِكَ الزَّمانِ عالِمِينَ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ عِلْمَهم بِبُنُوَّةِ أبْنائِهِمْ، وحِينَئِذٍ يَسْقُطُ هَذا الكَلامُ.
والجَوابُ عَنِ الأوَّلِ: أنْ يُقالَ المُرادُ بِـ: ﴿الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ﴾ اليَهُودُ والنَّصارى، وهم كانُوا أهْلًا لِلنَّظَرِ والِاسْتِدْلالِ، وكانُوا قَدْ شاهَدُوا ظُهُورَ المُعْجِزاتِ عَلى الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَعَرَفُوا بِواسِطَةِ تِلْكَ المُعْجِزاتِ كَوْنَهُ رَسُولًا مِن عِنْدِ اللَّهِ، والمَقْصُودُ مِن تَشْبِيهِ إحْدى المَعْرِفَتَيْنِ بِالمَعْرِفَةِ الثّانِيَةِ هَذا القَدْرُ الَّذِي ذَكَرْناهُ.
أمّا قَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهم فَهم لا يُؤْمِنُونَ﴾ فَفِيهِ قَوْلانِ:
الأوَّلُ: أنَّ قَوْلَهُ (الَّذِينَ) صِفَةٌ لِلَّذِينِ الأُولى، فَيَكُونُ عامِلُهُما واحِدًا ويَكُونُ المَقْصُودُ وعِيدَ المُعانِدِينَ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ ويَجْحَدُونَ.
والثّانِي: أنَّ قَوْلَهُ الَّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهُمُ ابْتِداءٌ، وقَوْلَهُ: ﴿فَهم لا يُؤْمِنُونَ﴾ خَبَرُهُ، وفي قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا﴾ وجْهانِ:
الأوَّلُ: أنَّهم خَسِرُوا أنْفُسَهم بِمَعْنى الهَلاكِ الدّائِمِ الَّذِي حَصَلَ لَهم بِسَبَبِ الكُفْرِ.
والثّانِي: جاءَ في التَّفْسِيرِ أنَّهُ لَيْسَ مِن كافِرٍ ولا مُؤْمِنٍ إلّا ولَهُ مَنزِلَةٌ في الجَنَّةِ فَمَن كَفَرَ صارَتْ مَنزِلَتُهُ إلى مَن أسْلَمَ فَيَكُونُ قَدْ خَسِرَ نَفْسَهُ وأهْلَهُ بِأنْ ورِثَ مَنزِلَتَهُ غَيْرُهُ
{"ayah":"ٱلَّذِینَ ءَاتَیۡنَـٰهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ یَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا یَعۡرِفُونَ أَبۡنَاۤءَهُمُۘ ٱلَّذِینَ خَسِرُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ فَهُمۡ لَا یُؤۡمِنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق