الباحث القرآني
﴿الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهم فَهم لا يُؤْمِنُونَ﴾ تَقَدَّمَ شَرْحُ الجُمْلَةِ الأُولى في البَقَرَةِ، وشَرْحُ الثّانِيَةِ في هَذِهِ السُّورَةِ مِن قَرِيبٍ. وقالُوا هُنا الضَّمِيرُ في (يَعْرِفُونَهُ) عائِدٌ عَلى الرَّسُولِ، قالَهُ قَتادَةُ والسُّدِّيُّ وابْنُ جُرَيْجٍ. والجُمْهُورُ، ومِنهم عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ، أوْ عَلى التَّوْحِيدِ، وذَلِكَ لِقُرْبِ قَوْلِهِ: ﴿قُلْ إنَّما هو إلَهٌ واحِدٌ﴾ [الأنعام: ١٩] . وفِيهِ اسْتِشْهادٌ عَلى كَفَرَةِ قُرَيْشٍ والعَرَبِ بِأهْلِ الكِتابِ، أوْ عَلى القُرْآنِ، قالَهُ فِرْقَةٌ؛ لِقَوْلِهِ: ﴿وأُوحِيَ إلَيَّ هَذا القُرْآنُ﴾ [الأنعام: ١٩] . وقِيلَ: يَعُودُ عَلى جَمِيعِ هَذِهِ الأشْياءِ مِنَ التَّوْحِيدِ والرَّسُولِ والقُرْآنِ، كَأنَّهُ ذَكَرَ أشْياءَ، ثُمَّ قالَ أهْلُ الكِتابِ (يَعْرِفُونَهُ) أيْ يَعْرِفُونَ ما قُلْنا وما قَصَصْنا. وقِيلَ: يَعُودُ عَلى كِتابِهِمْ؛ أيْ: يَعْرِفُونَ كِتابَهم، وفِيهِ ذِكْرُ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ . وقِيلَ: يَعُودُ عَلى الدِّينِ والرَّسُولِ، فالمَعْنى يَعْرِفُونَ الإسْلامَ أنَّهُ دِينُ اللَّهِ، وأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. و﴿الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ﴾ هُنا لَفْظُهُ عامٌّ، ويُرادُ بِهِ الخاصُّ، فَإنَّ هَذا لا يَعْرِفُهُ، ولا يَقْرَبُهُ إلّا مَن آمَنُ مِنهم، أوْ مَن أنْصَفَ. والكِتابُ التَّوْراةُ والإنْجِيلُ، ووُحِّدَ رَدًّا إلى الجِنْسِ. وقِيلَ: الكِتابُ هُنا القُرْآنُ. والضَّمِيرُ في (يَعْرِفُونَهُ) عائِدٌ عَلَيْهِ، ذَكَرَهُ الماوَرْدِيُّ. وقالَ أبُو عَبْدِ اللَّهِ الرّازِيُّ ما مُلَخَّصُهُ: إنْ كانَ المَكْتُوبُ في التَّوْراةِ والإنْجِيلِ خُرُوجَ نَبِيٍّ في آخِرِ الزَّمانِ فَقَطْ، فَلا يَتَعَيَّنُ أنْ يَكُونَ هو مُحَمَّدًا ﷺ، أوْ مُعَيَّنًا زَمانُهُ ومَكانُهُ ونَسَبُهُ وحِلْيَتُهُ وشَكْلُهُ، فَيَكُونُونَ إذْ ذاكَ عالِمِينَ بِهِ بِالضَّرُورَةِ، ولا يَجُوزُ الكَذِبُ عَلى الجَمْعِ العَظِيمِ. ولِأنّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أنَّ كِتابَهم لَمْ يَشْتَمِلْ عَلى هَذِهِ التَّفاصِيلِ التّامَّةِ، وعَلى هَذَيْنِ التَّقْدِيرَيْنِ، فَكَيْفَ يَصِحُّ أنْ يُقالَ: ﴿يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أبْناءَهُمُ﴾ ؟ وأجابَ بِأنَّهم كانُوا أهْلًا لِلنَّظَرِ والِاسْتِدْلالِ، وكانُوا شاهَدُوا ظُهُورَ المُعْجِزاتِ عَلى يَدِ الرَّسُولِ، فَعَرَفُوا بِالمُعْجِزاتِ كَوْنَهُ رَسُولًا مِن عِنْدِ اللَّهِ، فالمَقْصُودُ تَشْبِيهُ مَعْرِفَتِهِ بِمَعْرِفَةِ أبْنائِهِمْ بِهَذا القَدْرِ الَّذِي ذَكَرْناهُ انْتَهى. ولا يَلْزَمُ ذَلِكَ التَّقْسِيمُ الَّذِي ذَكَرَهُ؛ لِأنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَعْرِفُونَهُ بِالتَّوْراةِ والإنْجِيلِ، إنَّما ذَكَرَ (يَعْرِفُونَهُ) فَجازَ أنْ تَكُونَ هَذِهِ المَعْرِفَةُ مُسْنَدَةً إلى التَّوْراةِ والإنْجِيلِ مِن أخْبارِ أنْبِيائِهِمْ ونُصُوصِهِمْ، فالتَّفاصِيلُ عِنْدَهم مِن ذَلِكَ، لا مِنَ التَّوْراةِ والإنْجِيلِ، فَيَكُونُ مَعْرِفَتُهم إيّاهُ مُفَصَّلَةً واضِحَةً بِالأخْبارِ (p-٩٣)لا بِالنَّظَرِ في المُعْجِزاتِ ﴿كَما يَعْرِفُونَ أبْناءَهُمُ﴾ وأيْضًا فَلا نُسَلِّمُ لَهُ حَصْرَ التَّقْسِيمِ فِيما ذَكَرَهُ؛ لِأنَّهُ يُحْتَمَلُ قِسْمًا آخَرَ، وهو أنْ يَكُونَ التَّوْراةُ والإنْجِيلُ يَدُلّانِ عَلى خُرُوجِ نَبِيٍّ في آخِرِ الزَّمانِ وعَلى بَعْضِ أوْصافِهِ، لا عَلى جَمِيعِ الأوْصافِ الَّتِي ذُكِرَتْ مِن تَعْيِينِ زَمانٍ ومَكانٍ ونَسَبٍ وحِلْيَةٍ وشَكْلٍ، ويَدُلُّ عَلى هَذا القِسْمِ حَدِيثُ عُمَرَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ، وقَوْلُهُ لَهُ: إنَّ اللَّهَ أنْزَلَ عَلى نَبِيِّهِ بِمَكَّةَ إنَّكم تَعْرِفُونَهُ، كَما تَعْرِفُونَ أبْناءَكم، فَكَيْفَ هَذِهِ المَعْرِفَةُ ؟ فَقالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ: نَعَمْ أعْرِفُهُ بِالصِّفَةِ الَّتِي وصَفَهُ اللَّهُ بِها في التَّوْراةِ ؟ فَلا أشُكُّ فِيهِ، وأمّا ابْنِي فَلا أدْرِي ما أحْدَثَتْ أُمُّهُ، ومِمّا يَدُلُّ أيْضًا عَلى أنَّ مَعْرِفَتَهم إيّاهُ، لا يَتَعَيَّنُ أنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُها التَّوْراةَ والإنْجِيلَ فَقَطْ. أسْئِلَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ حِينَ اجْتَمَعَ أوَّلَ اجْتِماعِهِ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ما أوَّلُ ما يَأْكُلُ أهْلُ الجَنَّةِ ؟ فَحِينَ أخْبَرَهُ بِجَوابِ تِلْكَ الأسْئِلَةِ أسْلَمَ لِلْوَقْتِ، وعَرَفَ أنَّهُ الرَّسُولُ الَّذِي نُبِّهَ عَلَيْهِ في التَّوْراةِ. وحَدِيثُ زَيْدِ بْنِ سَعْنَةَ حِينَ ذَكَرَ أنَّهُ عَرَفَ جَمِيعَ أوْصافِهِ، غَيْرَ أنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ أنَّ حِلْمَهُ يَسْبِقُ غَضَبَهُ، فَجَرَّبَ ذَلِكَ مِنهُ، فَوَجَدَ هَذِهِ الصِّفَةَ، فَأسْلَمَ. وأُعْرِبَ ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا﴾ مُبْتَدَأً، والخَبَرُ ﴿فَهم لا يُؤْمِنُونَ﴾ . و﴿الَّذِينَ خَسِرُوا﴾ عَلى هَذا أعَمُّ مِن أهْلِ الكِتابِ الجاحِدِينَ ومِنَ المُشْرِكِينَ. والخُسْرانُ الغَبْنُ. ورُوِيَ أنَّ لِكُلِّ عَبْدٍ مَنزِلًا في الجَنَّةِ ومَنزِلًا في النّارِ، فالمُؤْمِنُونَ يَنْزِلُونَ مَنازِلَ أهْلِ الكُفْرِ في الجَنَّةِ، والكافِرُونَ يَنْزِلُونَ مَنازِلَ أهْلِ الجَنَّةِ في النّارِ، فالخَسارَةُ والرِّبْحُ هُنا، وجَوَّزُوا أنْ يَكُونَ ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا﴾ نَعْتًا لِقَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ﴾ . و﴿فَهم لا يُؤْمِنُونَ﴾ جُمْلَةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةٍ، فَيَكُونُ مَساقُ ﴿الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ﴾، مَساقَ الذَّمِّ لا مَقامَ الِاسْتِشْهادِ بِهِمْ عَلى كُفّارِ قُرَيْشٍ وغَيْرِهِمْ مِنَ العَرَبِ، قالُوا: لِأنَّهُ لا يَصِحُّ أنْ يُسْتَشْهَدَ بِهِمْ، ويُذَمُّوا في آيَةٍ واحِدَةٍ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: يَصِحُّ ذَلِكَ لِاخْتِلافِ ما اسْتُشْهِدَ فِيهِ بِهِمْ وما ذُمُّوا فِيهِ، وأنَّ الذَّمَّ والِاسْتِشْهادَ مِن جِهَةٍ واحِدَةٍ انْتَهى. ويَكُونُ ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا﴾، إذْ ذاكَ لَيْسَ عامًّا، إذِ التَّقْدِيرُ الَّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهم مِنهُمْ؛ أيْ مِن أهْلِ الكِتابِ.
{"ayah":"ٱلَّذِینَ ءَاتَیۡنَـٰهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ یَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا یَعۡرِفُونَ أَبۡنَاۤءَهُمُۘ ٱلَّذِینَ خَسِرُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ فَهُمۡ لَا یُؤۡمِنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق