الباحث القرآني
اعلم أنَّ الكُفَّار لمَّا سألوا اليهود والنَّصَارى عن صَفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فأنكروا دلالة التَّوْرَاةِ والإنجيل على نُبُوًّتِهِ بَيَّنَ اللَّهُ - تعالى - في الآية الأولى أنَّ شهادةَ اللَّه على صِحًّةِ نُبُوَّتِهِ كافيةٌ في ثبوتها، ثُمَّ بَيّن في هذه الآية أنهم كذبوا في قولهم: لا نعرف محمداً، لأنهم يعرفونه بالنُّبُوًّةِ والرسالة، كما يعرفون أبناءهم.
روي أنه لما قدم رسوله الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «المدينة» قال عمر لعبد الله بن سلام: أنزل اللَّهُ على نبيِّه هذه الآية، فكيف هذه المعرفة؟ فقال: يا عمرُ لقد عرفته فيكم حين رَأيْتُهُ، كما أعرف ابني، ولأنا أشَدُّ معرفةٌ بمحمد منِّي بابني؛ لأني لا أدري ما صنعَ النساء وأشهدُ أنه حَقّ من الله تعالى.
قوله: ﴿الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب﴾ الموصول مبتدأن و «يَعْرِفُونه» خبره، والضميرُ المَنْصُوبُ يجوز عَوْدُهُ على الرسول صلى اله عليه الصَّلاة والسَّلام، وعلى القرآن لتقدُّمهِ قوله: «وأوحِيَ إليَّ هذا القُرآنُ لأنذركُمْ بِهِ» أو على التوحيد لدلالة قوله: ﴿إِنَّمَا هُوَ إله وَاحِدٌ﴾ [الأنعام: 19] أو على كتابهم، أو على جميع ذلك، وأفرد الضمير باعتبار المَعْنَى، كأنَّهُ قيل: يعرفون ما ذكرنا وقَصَصْنَا.
وقد تقدَّم إعْرَابُ هذه الجملة في «البقرة» .
قوله: «الَّذينَ خَسِرُوا» في مَحَلّه أربعة أوجه: أظهرها: أنه مبتدأ، وخبره الجملة من قوله: ﴿فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ ، ودخلت «الفاء» لما تقدَّم من شهب الموْصُولِ بالشرط.
الثاني: أنه نَعْت للذين آتياناهم الكتاب. قاله الزَّجَّاج.
الثالث: أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هم الذين خسروا.
الرابع: أنه منصوبٌ على الذَّمِّ، وهذان الوجهان فَرْعَانِ على النعت؛ لأنهما مقطوعان عنه، وعلى الأقوال الثلاثة الأخيرة يكون ﴿فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ من باب عطف جملة اسمية على مَثْلَهَا، ويجوز أن يكون عَطْفاً على «خَسِرُواط وفيه نَظَرٌ من حيث إنه يؤدِّي إلى ترتُّب عدم الإيمان على خسرانهم، والظاهر أنَّ الخُسْرَانَ هو المترتب على عدم الإيمان وعلى الوجه الأول يكون» الذين خسروا «أعمُّ من أهل الكتاب الجاحدين والمشركين، وعلى غيره يكون خَاصّاً بأهل الكتاب، والتقدير: الذين خسروا أنفسهم منهم، أي: من أهْلِ الكتاب.
واسْتُشْكِلَ على كونه نَعْتاً الاستشهادُ بهم على كُفَّار قريش وغيرهم من العرب، يعني كيف يُسْتَشْهَدُ بهم، ويُذَمُّون في آيةٍ واحدة؟
فقيل: إنَّ هذا سيق للذَّم لا للاستشهاد.
وقيل: بل سِيقَ للاستشهاد، وإن كان في بعض الكلام ذَمٌّ لهم، لأنَّ ذلك بوجهين واعتبارين.
قال ابن عطية: فصَحَّ ذلك لاختلاف ما استشهد بهم فيه، وما ذُمُوا فيه، وأنَّ الذَّمَّ والاستشهاد ليسا من جِهِةٍ واحدةٍ.
* فصل في بيان المراد من ظاهر الآية
ظَاهِرُ هذه الآية الكريمة يقتضي أن يكون علمهم بنُبُوَّةِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ علمهم بأبنائهم، وهنا سُؤالٌ - وهو أن يُقَالَ: المكتوب في التَّوْرَاةِ والإنجيل مُجَرَّدُ أنه سيخرج نَبِيٌّ في آخر الزمان يدعو الخَلْقَ إلى الحَقِّ، أو المكتوب فيه ذه االمعنى مع تعيين الزَّمَانِ والمكان والنَّسَبِ والصِّفَةٍ والحِلْيَةِ والشَّكْلِ، فإن كان الأول، فذلك القدر لا يَدُلُّ على أنَّ ذلك الشَّخْصَ هو مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فكيف يَصِحُّ أن يقال: علمهم بنوبته مثل علمهم ببنوَّةِ أبنائهم وإن كان الثاني وجب أن يكون [جميع] اليَهُودِ والنَّصَارَى عالمين بالضرورة بأنَّ محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ نَبِيُّ من عِنْدِ الله، والكَذِبٌ على الجَمْعِ العظيم لا يجوز، ولأنَّا نَعْلَمُ بالضرورة أن التوراة والإنجيل ما كانا مُشْتَمِلَيْنِ على هذه التفاصيل التَّامَّةِ الكاملة؛ لأن هذا التفصيل إمَّا أن يُقَالَ: إنه كان بَاقِياً في التَّوْرَاةِ والإنجيل، أو كان مَعْدُماً في وَقْتِ طهوره، لأجل أن التَّحْريف قد تَطَرَّقَ إليهما قبل ذلك، والأول باطلٌ؛ لأنَّ إخْفاءَ مِثْلِ هذه التفاصيل التامة في كتاب وصل إلى أهل الشرق والغرب مُمْتَنِعٌ.
والثاني: أيضاً باطل؛ لأن على هذا التقدير لم يكن يَهُودُ أهل ذلك الزمان، ونصارى ذلك الزَّمان عالمين بنبُوِّة مُحَمِّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ علهمهم بنبوِّةِ أنبيائهم، وحينئدٍ يَسْقُطُ هذا الكلام.
والجوابُ ان يقالك المراد ب «الذين آتيناهم الكتاب» اليهود والنَّصارىن وهم كانوا أهْلاً للنَّظَرِ والاستدلال، وكانوا قد شاهدوا ظهور المعجزات على الرسول عليه الصَّلاةُ والسِّلامُ، فعرفوا بوساطة تلك المعجزات كونه رسولاً من عند اللَّهِ تعالى، والمقصود بمعرفتهم هي المعرفةُ من طريق النَّظرِ، والاستدلال من طري النَّقْلِ.
* فصل في المراد بالخسران
قال المفسرون: معنى هذا الخُسْران أنَّ الله - تبارك وتعالى - جعل لكلِّ آدمي مَنْزِلاً في الجنِّةِ ومَنْزِلاً في النَّار، فإذا كان يوم القيامة جعل اللَّه تبارك وتعالى للمؤمنين مَنَازِلَ أهل النار في الجنة ولأهل النار منازل أهل الجنَّة في النَّار وذلك هو الخسران.
{"ayah":"ٱلَّذِینَ ءَاتَیۡنَـٰهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ یَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا یَعۡرِفُونَ أَبۡنَاۤءَهُمُۘ ٱلَّذِینَ خَسِرُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ فَهُمۡ لَا یُؤۡمِنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











