الباحث القرآني
قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا والَّذِينَ هاجَرُوا وجاهَدُوا في سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ . (p-٣٤)
فِي الآيَةِ مَسْألَتانِ:
المَسْألَةُ الأُولى: في تَعَلُّقِ هَذِهِ الآيَةِ بِما قَبْلَها وجْهانِ:
الأوَّلُ: «أنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، هَبْ أنَّهُ لا عِقابَ فِيما فَعَلْنا، فَهَلْ نَطْمَعُ مِنهُ أجْرًا وثَوابًا ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ»؛ لِأنَّ عَبْدَ اللَّهِ كانَ مُؤْمِنًا، وكانَ مُهاجِرًا، وكانَ بِسَبَبِ هَذِهِ المُقاتَلَةِ مُجاهِدًا.
والثّانِي: أنَّهُ تَعالى لَمّا أوْجَبَ الجِهادَ مِن قَبْلُ بِقَوْلِهِ: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتالُ وهو كُرْهٌ لَكُمْ﴾ [البَقَرَةِ: ٢١٦] وبَيَّنَ أنَّ تَرْكَهُ سَبَبٌ لِلْوَعِيدِ أتْبَعَ ذَلِكَ بِذِكْرِ مَن يَقُومُ بِهِ فَقالَ: ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا والَّذِينَ هاجَرُوا وجاهَدُوا في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ ولا يَكادُ يُوجَدُ وعِيدٌ إلّا ويَعْقُبُهُ وعْدٌ.
* * *
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: ﴿هاجَرُوا﴾ أيْ فارَقُوا أوْطانَهم وعَشائِرَهم، وأصْلُهُ مِنَ الهَجْرِ الَّذِي هو ضِدُّ الوَصْلِ، ومِنهُ قِيلَ لِلْكَلامِ القَبِيحِ: هُجْرٌ؛ لِأنَّهُ مِمّا يَنْبَغِي أنْ يُهْجَرَ، والهاجِرَةُ وقْتٌ يُهْجَرُ فِيهِ العَمَلُ، والمُهاجَرَةُ مُفاعَلَةٌ مِنَ الهِجْرَةِ، وجازَ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنهُ أنَّ الأحْبابَ والأقارِبَ هَجَرُوهُ بِسَبَبِ هَذا الدِّينِ، وهو أيْضًا هَجَرَهم بِهَذا السَّبَبِ، فَكانَ ذَلِكَ مُهاجَرَةً، وأمّا المُجاهَدَةُ فَأصْلُها مِنَ الجَهْدِ الَّذِي هو المَشَقَّةُ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَعْنى المُجاهَدَةِ أنْ يَضُمَّ جُهْدَهُ إلى جُهْدٍ آخَرَ في نُصْرَةِ دِينِ اللَّهِ، كَما أنَّ المُساعَدَةَ عِبارَةٌ عَنْ ضَمِّ الرَّجُلِ ساعِدَهُ إلى ساعِدٍ آخَرَ لِيَحْصُلَ التَّأْيِيدُ والقُوَّةُ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنَ المُجاهَدَةِ بَذْلَ الجُهْدِ في قِتالِ العَدُوِّ، وعِنْدَ فِعْلِ العَدُوِّ مِثْلَ ذَلِكَ فَتَصِيرُ مُفاعَلَةً.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ﴾ وفِيهِ قَوْلانِ:
الأوَّلُ: أنَّ المُرادَ مِنهُ الرَّجاءُ، وهو عِبارَةٌ عَنْ ظَنِّ المَنافِعِ الَّتِي يَتَوَقَّعُها، وأرادَ تَعالى في هَذا المَوْضِعِ أنَّهم يَطْمَعُونَ في ثَوابِ اللَّهِ؛ وذَلِكَ لِأنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ ما كانَ قاطِعًا بِالفَوْزِ والثَّوابِ في عَمَلِهِ، بَلْ كانَ يَتَوَقَّعُهُ ويَرْجُوهُ.
فَإنْ قِيلَ: لِمَ جُعِلَ الوَعْدُ مُطْلَقًا بِالرَّجاءِ، ولَمْ يَقَعْ بِهِ كَما في سائِرِ الآياتِ ؟
قُلْنا: الجَوابُ مِن وُجُوهٍ:
أحَدُها: أنَّ مَذْهَبَنا أنَّ الثَّوابَ عَلى الإيمانِ والعَمَلِ غَيْرُ واجِبٍ عَقْلًا، بَلْ بِحُكْمِ الوَعْدِ، فَلِذَلِكَ عَلَّقَهُ بِالرَّجاءِ.
وثانِيها: هَبْ أنَّهُ واجِبٌ عَقْلًا بِحُكْمِ الوَعْدِ، ولَكِنَّهُ تَعَلَّقَ بِأنْ لا يَكْفُرَ بَعْدَ ذَلِكَ، وهَذا الشَّرْطُ مَشْكُوكٌ فِيهِ لا مُتَيَقَّنٌ، فَلا جَرَمَ كانَ الحاصِلُ هو الرَّجاءَ لا القَطْعَ.
وثالِثُها: أنَّ المَذْكُورَ هَهُنا هو الإيمانُ، والهِجْرَةُ، والجِهادُ في سَبِيلِ اللَّهِ، ولا بُدَّ لِلْإنْسانِ مَعَ ذَلِكَ مِن سائِرِ الأعْمالِ، وهو أنْ يَرْجُوَ أنْ يُوَفِّقَهُ اللَّهُ لَها، كَما وفَّقَهُ لِهَذِهِ الثَّلاثَةِ، فَلا جَرَمَ عَلَّقَهُ عَلى الرَّجاءِ.
ورابِعُها: لَيْسَ المُرادُ مِنَ الآيَةِ أنَّ اللَّهَ شَكَّكَ العَبْدَ في هَذِهِ المَغْفِرَةِ، بَلِ المُرادُ وصْفُهم بِأنَّهم يُفارِقُونَ الدُّنْيا مَعَ الهِجْرَةِ والجِهادِ، مُسْتَقْصِرِينَ أنْفُسَهم في حَقِّ اللَّهِ تَعالى، يَرَوْنَ أنَّهم لَمْ يَعْبُدُوهُ حَقَّ عِبادَتِهِ، ولَمْ يَقْضُوا ما يَلْزَمُهم في نُصْرَةِ دِينِهِ، فَيُقْدِمُونَ عَلى اللَّهِ مَعَ الخَوْفِ والرَّجاءِ، كَما قالَ: ﴿والَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وقُلُوبُهم وجِلَةٌ أنَّهم إلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ﴾ [المُؤْمِنُونَ: ٦٠] .
القَوْلُ الثّانِي: أنَّ المُرادَ مِنَ الرَّجاءِ: القَطْعُ واليَقِينُ في أصْلِ الثَّوابِ، والظَّنُّ إنَّما دَخَلَ في كَمِّيَّتِهِ وفي وقْتِهِ، وفِيهِ وُجُوهٌ قَرَّرْناها في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ أنَّهم مُلاقُو رَبِّهِمْ﴾ [البَقَرَةِ: ٤٦] .
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ أيْ إنَّ اللَّهَ تَعالى يُحَقِّقُ لَهم رَجاءَهم إذا ماتُوا عَلى الإيمانِ والعَمَلِ الصّالِحِ، وأنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، غَفَرَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ وأصْحابِهِ ما لَمْ يَعْلَمُوا ورَحِمَهم. (p-٣٥)
{"ayah":"إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَٱلَّذِینَ هَاجَرُوا۟ وَجَـٰهَدُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ یَرۡجُونَ رَحۡمَتَ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق