الباحث القرآني

ولَمّا بَيَّنَ سُبْحانَهُ وتَعالى المَقْطُوعَ لَهم بِالنّارِ بَيَّنَ الَّذِينَ هم أهْلٌ لِرَجاءِ الجَنَّةِ لِئَلّا يَزالَ العَبْدُ هارِبًا مِن مُوجِباتِ النّارِ مُقْبِلًا عَلى مُرْجِئاتِ الجَنَّةِ خَوْفًا مِن أنْ يَقَعَ فِيما يُسْقِطُ رَجاءَهُ - وقالَ الحَرالِيُّ: لَمّا ذَكَرَ أمْرَ المُتَزَلْزِلِينَ ذَكَرَ أمْرَ الثّابِتِينَ؛ انْتَهى - فَقالَ: ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أيْ أقَرُّوا بِالإيمانِ. ولَمّا كانَتِ الهِجْرَةُ الَّتِي هي فِراقُ المَأْلُوفِ والجِهادُ الَّذِي هو المُخاطَرَةُ بِالنَّفْسِ في مُفارَقَةِ وطَنِ البَدَنِ والمالِ في مُفارَقَةِ وطَنِ النِّعْمَةِ أعْظَمَ الأشْياءِ عَلى النَّفْسِ بَعْدَ مُفارَقَةِ وطَنِ الدِّينِ كَرَّرَ لَهُما المَوْصُولَ إشْعارًا (p-٢٣٧)بِاسْتِحْقاقِهِما لِلصّالَّةِ في أنْفُسِهِما فَقالَ مُؤَكِّدًا لِلْمَعْنى بِالإخْراجِ في صِيغَةِ المُفاعَلَةِ: ﴿والَّذِينَ هاجَرُوا﴾ أيْ أوْقَعُوا المُهاجَرَةَ بِأنْ فارَقُوا بُغْضًا ونَفْرَةً تَصْدِيقًا لِإقْرارِهِمْ بِذَلِكَ دِيارَهم ومَن خالَفَهم فِيهِ مِن أهْلِهِمْ وأحْبابِهِمْ. قالَ الحَرالِيُّ: مِنَ المُهاجَرَةِ وهو مُفاعَلَةٌ مِنَ الهِجْرَةِ وهو التَّخَلِّي عَمّا شَأْنُهُ الِاغْتِباطُ بِهِ لِمَكانِ ضَرَرٍ مِنهُ ﴿وجاهَدُوا﴾ أيْ أوْقَعُوا المُجاهَدَةَ، مُفاعَلَةٌ مِنَ الجَهْدِ - فَتْحًا وضَمًّا، وهو الإبْلاغُ في الطّاقَةِ والمَشَقَّةِ في العَمَلِ ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أيْ دِينِ المَلِكِ الأعْظَمِ كُلَّ مَن خالَفَهم ﴿أُولَئِكَ﴾ العالُّو الرُّتْبَةِ العَظِيمُو الزُّلْفى والقُرْبَةِ ولَمّا كانَ أجْرُهم إنَّما هو مِن فَضْلِ اللَّهِ قالَ: ﴿يَرْجُونَ﴾ مِنَ الرَّجاءِ وهو تَرَقُّبُ الِانْتِفاعِ بِما تَقَدَّمَ لَهُ سَبَبُ ما - قالَهُ الحَرالِيُّ ﴿رَحْمَتَ اللَّهِ﴾ (p-٢٣٨)أيْ إكْرامُهُ لَهم غَيْرَ قاطِعِينَ بِذَلِكَ عِلْمًا مِنهم أنَّ لَهُ أنْ يَفْعَلَ ما يَشاءُ لِأنَّهُ المَلِكُ الأعْظَمُ فَلا كُفُؤَ لَهُ وهم غَيْرُ قاطِعِينَ بِمَوْتِهِمْ مُحْسِنِينَ، قاطِعُونَ بِأنَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى لَوْ أخَذَهم بِما يَعْلَمُ مِن ذُنُوبِهِمْ عَذَّبَهم. ولَمّا كانَ الإنْسانُ مَحَلَّ النُّقْصانِ فَهو لا يَزالُ في فِعْلِ ما إنْ أُوخِذَ بِهِ هَلَكَ قالَ مُشِيرًا إلى ذَلِكَ مُبَشِّرًا بِسِعَةِ الحِلْمِ في جُمْلَةٍ حالِيَّةٍ مِن واوِ ﴿يَرْجُونَ﴾ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلى ما تَقْدِيرُهُ: ويَخافُونَ عَذابَهُ فاللَّهُ مُنْتَقِمٌ عَظِيمٌ: ﴿واللَّهُ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ صِفاتُ الكَمالِ ﴿غَفُورٌ﴾ أيْ سَتُورٌ لِما فَرَطَ مِنهم مِنَ الصَّغائِرِ أوْ تابُوا عَنْهُ مِنَ الكَبائِرِ ﴿رَحِيمٌ﴾ فاعِلٌ بِهِمْ فِعْلَ الرّاحِمِ مِنَ الإحْسانِ والإكْرامِ والِاسْتِقْبالِ بِالرِّضا. قالَ الحَرالِيُّ: وفي الخَتْمِ بِالرَّحْمَةِ أبَدًا في خَواتِمِ الآيِ إشْعارٌ بِأنَّ (p-٢٣٩)فَضْلَ اللَّهِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ ابْتِداءُ فَضْلٍ لَيْسَ في الحَقِيقَةِ جَزاءَ العَمَلِ فَكَما يَرْحَمُ العَبْدُ طِفْلًا ابْتِداءً يَرْحَمُهُ كَهْلًا انْتِهاءً ويَبْتَدِئُهُ بِرَحْمَتِهِ في مَعادِهِ كَما ابْتَدَأهُ بِرَحْمَتِهِ في ابْتِدائِهِ - انْتَهى بِالمَعْنى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب