الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِن دابَّةٍ ولَكِنْ يُؤَخِّرُهم إلى أجَلٍ مُسَمًّى فَإذا جاءَ أجَلُهم لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً ولا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ ﴿ويَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ وتَصِفُ ألْسِنَتُهُمُ الكَذِبَ أنَّ لَهُمُ الحُسْنى لا جَرَمَ أنَّ لَهُمُ النّارَ وأنَّهم مُفْرَطُونَ﴾ ﴿تاللَّهِ لَقَدْ أرْسَلْنا إلى أُمَمٍ مِن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أعْمالَهم فَهو ولِيُّهُمُ اليَوْمَ ولَهم عَذابٌ ألِيمٌ﴾ ﴿وما أنْزَلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ إلّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وهُدًى ورَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا حَكى عَنِ القَوْمِ عَظِيمَ كُفْرِهِمْ وقَبِيحَ قَوْلِهِمْ، بَيَّنَ أنَّهُ يُمْهِلُ هَؤُلاءِ الكُفّارَ ولا يُعاجِلُهم بِالعُقُوبَةِ، إظْهارًا لِلْفَضْلِ والرَّحْمَةِ والكَرَمِ، وفي الآيَةِ مَسائِلُ:
المسألة الأُولى: احْتَجَّ الطّاعِنُونَ في عِصْمَةِ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِن دابَّةٍ﴾ مِن وجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: أنَّهُ قالَ ﴿ولَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النّاسَ بِظُلْمِهِمْ﴾ فَأضافَ الظُّلْمَ إلى كُلِّ النّاسِ، ولا شَكَّ أنَّ الظُّلْمَ مِنَ المَعاصِي، فَهَذا يَقْتَضِي كَوْنَ كُلِّ إنْسانٍ آتِيًا بِالذَّنْبِ والمَعْصِيَةِ، والأنْبِياءُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ مِنَ النّاسِ، فَوَجَبَ كَوْنُهم آتِينَ بِالذَّنْبِ والمَعْصِيَةِ.
والثّانِي: أنَّهُ تَعالى قالَ: ﴿ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِن دابَّةٍ﴾ . وهَذا يَقْتَضِي أنَّ كُلَّ مَن كانَ عَلى ظَهْرِ الأرْضِ فَهو آتٍ بِالظُّلْمِ والذَّنْبِ، حَتّى يَلْزَمَ مِن إفْناءِ كُلِّ مَن كانَ ظالِمًا إفْناءُ كُلِّ النّاسِ.
أمّا إذا قُلْنا: الأنْبِياءُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ لَمْ يَصْدُرْ عَنْهم ظُلْمٌ فَلا يَجِبُ إفْناؤُهم، وحِينَئِذٍ لا يَلْزَمُ مِن إفْناءِ كُلِّ الظّالِمِينَ إفْناءُ كُلِّ النّاسِ، وأنْ لا يَبْقى عَلى ظَهْرِ الأرْضِ دابَّةٌ، ولَمّا لَزِمَ عَلِمْنا أنَّ كُلَّ البَشَرِ ظالِمُونَ سَواءٌ كانُوا مِنَ الأنْبِياءِ أوْ لَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ.
والجَوابُ: ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ أنَّ كُلَّ النّاسِ لَيْسُوا ظالِمِينَ لِأنَّهُ تَعالى قالَ: ﴿ثُمَّ أوْرَثْنا الكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِن عِبادِنا فَمِنهم ظالِمٌ لِنَفْسِهِ ومِنهم مُقْتَصِدٌ ومِنهم سابِقٌ بِالخَيْراتِ﴾ [فاطر: ٣٢] أيْ: فَمِنَ العِبادِ مَن هو ظالِمٌ لِنَفْسِهِ، ومِنهم مُقْتَصِدٌ، ومِنهم سابِقٌ، ولَوْ كانَ المُقْتَصِدُ والسّابِقُ ظالِمًا لَفَسَدَ ذَلِكَ التَّقْسِيمُ، فَعَلِمْنا أنَّ المُقْتَصِدِينَ والسّابِقِينَ لَيْسُوا ظالِمِينَ، فَثَبَتَ بِهَذا الدَّلِيلِ أنَّهُ لا يَجُوزُ أنْ يُقالَ: كُلُّ الخَلْقِ ظالِمُونَ.
وإذا ثَبَتَ هَذا فَنَقُولُ: النّاسُ المَذْكُورُونَ في قَوْلِهِ: ﴿ولَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النّاسَ﴾ إمّا كُلُّ العُصاةِ المُسْتَحِقِّينَ لِلْعِقابِ أوِ الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهم مِنَ المُشْرِكِينَ ومِنَ الَّذِينَ أثْبَتُوا لِلَّهِ البَناتِ. وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ فَيَسْقُطُ الِاسْتِدْلالُ. واللَّهُ أعْلَمُ.
* * *
المسألة الثّانِيَةُ: مِنَ النّاسِ مَنِ احْتَجَّ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى أنَّ الأصْلَ في المَضارِّ الحُرْمَةُ، فَقالَ: لَوْ كانَ الضَّرَرُ مَشْرُوعًا لَكانَ إمّا أنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا عَلى وجْهٍ يَكُونُ جَزاءً عَلى جُرْمٍ صادِرٍ مِنهم أوْ لا عَلى هَذا الوجه، والقِسْمانِ باطِلانِ، فَوَجَبَ أنْ لا يَكُونَ مَشْرُوعًا أصْلًا.
أمّا بَيانُ فَسادِ القِسْمِ الأوَّلِ، فَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِن دابَّةٍ﴾
(p-٤٨)والِاسْتِدْلالُ بِهِ مِن وجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: أنَّ كَلِمَةَ ”لَوْ“ وُضِعَتْ لِانْتِفاءِ الشَّيْءِ لِانْتِفاءِ غَيْرِهِ. فَقَوْلُهُ: ولَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِن دابَّةٍ. يَقْتَضِي أنَّهُ تَعالى ما أخَذَهم بِظُلْمِهِمْ، وأنَّهُ تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِن دابَّةٍ.
والثّانِي: أنَّهُ لَمّا دَلَّتِ الآيَةُ عَلى أنَّ لازِمَةَ أخْذِ اللَّهِ النّاسَ بِظُلْمِهِمْ هو أنْ لا يَتْرُكَ عَلى ظَهْرِها دابَّةً، ثُمَّ إنّا نُشاهِدُ أنَّهُ تَعالى تَرَكَ عَلى ظَهْرِها دَوابَّ كَثِيرِينَ، فَوَجَبَ القَطْعُ بِأنَّهُ تَعالى لا يُؤاخِذُ النّاسَ بِظُلْمِهِمْ، فَثَبَتَ بِهَذا أنَّهُ لا يَجُوزُ أنْ تَكُونَ المَضارُّ مَشْرُوعَةً عَلى وجْهٍ تَقَعُ أجِزْيَةً عَنِ الجَرائِمِ
وأمّا القِسْمُ الثّانِي: وهو أنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا ابْتِداءً لا عَلى وجْهٍ يَقَعُ أجِزْيَةً عَنْ جُرْمٍ سابِقٍ، فَهَذا باطِلٌ بِالإجْماعِ، فَثَبَتَ أنَّ مُقْتَضى هَذِهِ الآيَةِ تَحْرِيمُ المَضارِّ مُطْلَقًا، ويَتَأكَّدُ هَذا أيْضًا بِآياتٍ أُخْرى كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولا تُفْسِدُوا في الأرْضِ بَعْدَ إصْلاحِها﴾ [الأعراف: ٥٦] وكَقَوْلِهِ: ﴿وما جَعَلَ عَلَيْكم في الدِّينِ مِن حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨] وكَقَوْلِهِ ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ ولا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥] وكَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: ”«لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ في الإسْلامِ» “ وكَقَوْلِهِ: ”«مَلْعُونٌ مَن ضَرَّ مُسْلِمًا» “ فَثَبَتَ بِمَجْمُوعِ هَذِهِ الآياتِ والأخْبارِ أنَّ الأصْلَ في المَضارِّ الحُرْمَةُ، فَنَقُولُ: إذا وقَعَتْ حادِثَةٌ مُشْتَمِلَةٌ عَلى الضَّرَرِ مِن كُلِّ الوُجُوهِ، فَإنْ وجَدْنا نَصًّا خاصًّا يَدُلُّ عَلى كَوْنِهِ مَشْرُوعًا قَضَيْنا بِهِ تَقْدِيمًا لِلْخاصِّ عَلى العامِّ، وإلّا قَضَيْنا عَلَيْهِ بِالحُرْمَةِ بِناءً عَلى هَذا الأصْلِ الَّذِي قَرَّرْناهُ. ومِنهم مَن قالَ: هَذِهِ القاعِدَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّ كُلَّ ما يُرِيدُهُ الإنْسانُ وجَبَ أنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا في حَقِّهِ؛ لِأنَّ المَنعَ مِنهُ ضَرَرٌ، والضَّرَرُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِمُقْتَضى هَذا الأصْلِ، وكُلُّ ما يَكْرَهُهُ الإنْسانُ وجَبَ أنْ يَحْرُمَ؛ لِأنَّ وُجُودَهُ ضَرَرٌ، والضَّرَرُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، فَثَبَتَ أنَّ هَذا الأصْلَ يَتَناوَلُ جَمِيعَ الوَقائِعِ المُمْكِنَةِ إلى يَوْمِ القِيامَةِ. ثُمَّ نَقُولُ: القِياسُ الَّذِي يُتَمَسَّكُ بِهِ في إثْباتِ الأحْكامِ إمّا أنْ يَكُونَ عَلى وفْقِ هَذِهِ القاعِدَةِ أوْ عَلى خِلافِها، والأوَّلُ باطِلٌ؛ لِأنَّ هَذا الأصْلَ يُغْنِي عَنْهُ، والثّانِي باطِلٌ؛ لِأنَّ النَّصَّ راجِحٌ عَلى القِياسِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
* * *
المسألة الثّالِثَةُ: قالَتِ المُعْتَزِلَةُ: هَذِهِ الآيَةُ دالَّةٌ عَلى أنَّ الظُّلْمَ والمَعاصِيَ لَيْسَتْ فِعْلًا لِلَّهِ تَعالى، بَلْ تَكُونُ أفْعالًا لِلْعِبادِ، لِأنَّهُ تَعالى أضافَ ظُلْمَ العِبادِ إلَيْهِمْ وما أضافَهُ إلى نَفْسِهِ، فَقالَ: ﴿ولَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النّاسَ بِظُلْمِهِمْ﴾ وأيْضًا فَلَوْ كانَ خَلْقًا لِلَّهِ تَعالى لَكانَتْ مُؤاخَذَتُهم بِها ظُلْمًا مِنَ اللَّهِ تَعالى، ولَمّا مَنَعَ اللَّهُ تَعالى العِبادَ مِنَ الظُّلْمِ في هَذِهِ الآيَةِ؛ فَبِأنْ يَكُونَ مُنَزَّهًا عَنِ الظُّلْمِ كانَ أوْلى، قالُوا: ويَدُلُّ أيْضًا عَلى أنَّ أعْمالَهم مُؤَثِّرَةٌ في وُجُوبِ الثَّوابِ والعِقابِ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿بِظُلْمِهِمْ﴾ الباءُ فِيهِ تَدُلُّ عَلى العِلِّيَّةِ كَما في قَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ بِأنَّهم شاقُّوا اللَّهَ﴾ [الأنفال: ١٣] .
واعْلَمْ أنَّ الكَلامَ في هَذِهِ المَسائِلِ قَدْ ذَكَرْناهُ مِرارًا فَلا نُعِيدُهُ. واللَّهُ أعْلَمُ.
* * *
المسألة الرّابِعَةُ: ظاهِرُ الآيَةِ يَدُلُّ عَلى أنَّ إقْدامَ النّاسِ عَلى الظُّلْمِ يُوجِبُ إهْلاكَ جَمِيعِ الدَّوابِّ وذَلِكَ غَيْرُ جائِزٍ؛ لِأنَّ الدّابَّةَ لَمْ يَصْدُرْ عَنْها ذَنْبٌ، فَكَيْفَ يَجُوزُ إهْلاكُها بِسَبَبِ ظُلْمِ النّاسِ ؟ !
والجَوابُ عَنْهُ مِن وجْهَيْنِ:
الوجه الأوَّلُ: أنّا لا نُسَلِّمُ أنَّ قَوْلَهُ: ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِن دابَّةٍ. يَتَناوَلُ جَمِيعَ الدَّوابِّ. وأجابَ أبُو عَلِيٍّ الجُبّائِيُّ عَنْهُ: أنَّ المُرادَ لَوْ يُؤاخِذُهُمُ اللَّهُ بِما كَسَبُوا مِن كُفْرٍ ومَعْصِيَةٍ لَعَجَّلَ هَلاكَهم، وحِينَئِذٍ لا يَبْقى لَهم نَسْلٌ، ثُمَّ مِنَ المَعْلُومِ أنَّهُ لا أحَدَ إلّا وفي أحَدِ آبائِهِ مَن يَسْتَحِقُّ العَذابَ، وإذا هَلَكُوا فَقَدْ بَطَلَ نَسْلُهم، فَكانَ يَلْزَمُهُ أنْ لا يَبْقى في العالَمِ أحَدٌ مِنَ النّاسِ، وإذا بَطَلُوا وجَبَ أنْ لا يَبْقى أحَدٌ مِنَ الدَّوابِّ أيْضًا؛ لِأنَّ الدَّوابَّ (p-٤٩)مَخْلُوقَةٌ لِمَنافِعِ العِبادِ ومَصالِحِهِمْ، فَهَذا وجْهٌ لَطِيفٌ حَسَنٌ.
والوجه الثّانِي: أنَّ الهَلاكَ إذا ورَدَ عَلى الظَّلَمَةِ ورَدَ أيْضًا عَلى سائِرِ النّاسِ والدَّوابِّ، فَكانَ ذَلِكَ الهَلاكُ في حَقِّ الظَّلَمَةِ عَذابًا، وفي حَقِّ غَيْرِهِمُ امْتِحانًا، وقَدْ وقَعَتْ هَذِهِ الواقِعَةُ في زَمانِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ.
والوجه الثّالِثُ: أنَّهُ تَعالى لَوْ آخَذَهم لانْقَطَعَ القَطْرُ، وفي انْقِطاعِهِ انْقِطاعُ النَّبْتِ، فَكانَ لا تَبْقى عَلى ظَهْرِها دابَّةٌ، وعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: إنَّ الظّالِمَ لا يَضِيرُ إلّا نَفْسَهُ، فَقالَ: لا واللَّهِ بَلْ إنَّ الحُبارى في وكْرِها لَتَمُوتَ بِظُلْمِ الظّالِمِ، وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كادَ الجَعْلُ يَهْلِكُ في جُحْرِهِ بِذَنْبِ ابْنِ آدَمَ، فَهَذِهِ الوُجُوهُ الثَّلاثَةُ مِنَ الجَوابِ مُفَرَّعَةٌ عَلى تَسْلِيمِ أنَّ لَفْظَةَ الدّابَّةِ يَتَناوَلُ جَمِيعَ الدَّوابِّ.
والجَوابُ الثّانِي: أنَّ المُرادَ مِن قَوْلِهِ: ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِن دابَّةٍ، أيْ: ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِن كافِرٍ، فالمُرادُ بِالدّابَّةِ الكافِرُ، والدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ كالأنْعامِ بَلْ هم أضَلُّ﴾ [الأعراف: ١٧٩] واللَّهُ أعْلَمُ.
* * *
المسألة الخامِسَةُ: الكِنايَةُ في قَوْلِهِ: ﴿عَلَيْها﴾ عائِدَةٌ عَلى الأرْضِ، ولَمْ يَسْبِقْ لَها ذِكْرٌ، إلّا أنَّ ذِكْرَ الدّابَّةِ يَدُلُّ عَلى الأرْضِ، فَإنَّ الدّابَّةَ إنَّما تَدِبُّ عَلَيْها، وكَثِيرًا ما يُكَنّى عَنِ الأرْضِ وإنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُها، لِأنَّهم يَقُولُونَ: ما عَلَيْها مِثْلُ فُلانٍ، وما عَلَيْها أكْرَمُ مِن فُلانٍ، يَعْنُونَ: عَلى الأرْضِ.
* * *
ثم قال تَعالى: ﴿ولَكِنْ يُؤَخِّرُهم إلى أجَلٍ مُسَمًّى﴾ لِيَتَوالَدُوا، وفي تَفْسِيرِ هَذا الأجَلِ قَوْلانِ:
القَوْلُ الأوَّلُ: وهو قَوْلُ عَطاءٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ يُرِيدُ أجَلَ القِيامَةِ.
والقَوْلُ الثّانِي: أنَّ المُرادَ مُنْتَهى العُمُرِ.
وجْهُ القَوْلِ الأوَّلِ: أنَّ مُعْظَمَ العَذابِ يُوافِيهِمْ يَوْمَ القِيامَةِ.
ووَجْهُ القَوْلِ الثّانِي: أنَّ المُشْرِكِينَ يُؤاخِذُهم بِالعُقُوبَةِ إذا انْقَضَتْ أعْمارُهم وخَرَجُوا مِنَ الدُّنْيا.
النوع الثّالِثُ مِنَ الأقاوِيلِ الفاسِدَةِ الَّتِي كانَ يَذْكُرُها الكُفّارُ وحَكاها اللَّهُ تَعالى عَنْهم، قَوْلُهُ: ﴿ويَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ﴾ .
واعْلَمْ أنَّ المُرادَ مِن قَوْلِهِ ﴿ويَجْعَلُونَ﴾ أيِ: البَناتِ الَّتِي يَكْرَهُونَها لِأنْفُسِهِمْ، ومَعْنى قَوْلِهِ: ﴿ويَجْعَلُونَ﴾ يَصِفُونَ اللَّهَ بِذَلِكَ، ويَحْكُمُونَ بِهِ لَهُ كَقَوْلِهِ: جَعَلْتُ زَيْدًا عَلى النّاسِ أيْ: حَكَمْتُ بِهَذا الحكم، وذَكَرْنا مَعْنى الجَعْلِ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿ما جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ ولا سائِبَةٍ﴾ [المائدة: ١٠٣] .
ثم قال تَعالى: ﴿وتَصِفُ ألْسِنَتُهُمُ الكَذِبَ أنَّ لَهُمُ الحُسْنى﴾ قالَ الفَرّاءُ والزَّجّاجُ: مَوْضِعُ ”أنْ“ نَصْبٌ لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿أنَّ لَهُمُ الحُسْنى﴾ بَدَلٌ مِنَ الكَذِبِ، وتَقْدِيرُ الكَلامِ: وتَصِفُ ألْسِنَتُهم أنَّ لَهُمُ الحُسْنى.
وفِي تَفْسِيرِ ”الحُسْنى“ هَهُنا قَوْلانِ.
الأوَّلُ: المُرادُ مِنهُ البَنُونَ، يَعْنِي: أنَّهم قالُوا: لِلَّهِ البَناتُ ولَنا البَنُونَ.
والثّانِي: أنَّهم مَعَ قَوْلِهِمْ بِإثْباتِ البَناتِ لِلَّهِ تَعالى، يَصِفُونَ أنْفُسَهم بِأنَّهم فازُوا بِرِضْوانِ اللَّهِ تَعالى بِسَبَبِ هَذا القَوْلِ، وأنَّهم عَلى الدِّينِ الحَقِّ والمَذْهَبِ الحَسَنِ.
الثّالِثُ: أنَّهم حَكَمُوا لِأنْفُسِهِمْ بِالجَنَّةِ والثَّوابِ مِنَ اللَّهِ تَعالى.
فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ يَحْكُمُونَ بِذَلِكَ وهم كانُوا مُنْكِرِينَ لِلْقِيامَةِ ؟
قُلْنا: كُلُّهم ما كانُوا مُنْكِرِينَ لِلْقِيامَةِ، فَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ كانَ في العَرَبِ جَمْعٌ يُقِرُّونَ بِالبَعْثِ والقِيامَةِ، ولِذَلِكَ فَإنَّهم كانُوا يَرْبُطُونَ البَعِيرَ النَّفِيسَ عَلى قَبْرِ المَيِّتِ ويَتْرُكُونَهُ إلى أنْ يَمُوتَ ويَقُولُونَ: إنَّ ذَلِكَ المَيِّتَ إذا (p-٥٠)حُشِرَ فَإنَّهُ يُحْشَرُ مَعَهُ مَرْكُوبُهُ، وأيْضًا فَبِتَقْدِيرِ أنَّهم كانُوا مُنْكِرِينَ لِلْقِيامَةِ فَلَعَلَّهم قالُوا: إنْ كانَ مُحَمَّدٌ صادِقًا في قَوْلِهِ بِالبَعْثِ والنُّشُورِ فَإنَّهُ يَحْصُلُ لَنا الجَنَّةُ والثَّوابُ بِسَبَبِ هَذا الدِّينِ الحَقِّ الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ، ومِنَ النّاسِ مَن قالَ: الأوْلى أنْ يُحْمَلَ ﴿الحُسْنى﴾ عَلى هَذا الوجه بِدَلِيلِ أنَّهُ تَعالى قالَ بَعْدَهُ: ﴿لا جَرَمَ أنَّ لَهُمُ النّارَ﴾ فَرَدَّ عَلَيْهِمْ قَوْلَهم وأثْبَتَ لَهُمُ النّارَ، فَدَلَّ هَذا عَلى أنَّهم حَكَمُوا لِأنْفُسِهِمْ بِالجَنَّةِ. قالَ الزَّجّاجُ: ”لا“ رَدٌّ لِقَوْلِهِمْ، والمَعْنى لَيْسَ الأمْرُ كَما وصَفُوا، ”جَرَمَ“ فِعْلُهم أيْ: كَسْبُ ذَلِكَ القَوْلِ لَهُمُ النّارُ، فَعَلى هَذا اللَّفْظِ ”أنَّ“ في مَحَلِّ النَّصْبِ بِوُقُوعِ الكَسْبِ عَلَيْهِ. وقالَ قُطْرُبٌ ”أنَّ“ في مَوْضِعِ رَفْعٍ، والمَعْنى: وجَبَ أنَّ لَهُمُ النّارَ. وكَيْفَ كانَ الإعْرابُ فالمَعْنى هو أنَّهُ يَحِقُّ لَهُمُ النّارُ ويَجِبُ ويَثْبُتُ. وقَوْلُهُ ﴿وأنَّهم مُفْرَطُونَ﴾ قَرَأ نافِعٌ وقُتَيْبَةُ عَنِ الكِسائِيِّ ”مُفْرِطُونَ“ بِكَسْرِ الرّاءِ، والباقُونَ ”مُفْرَطُونَ“ بِفَتْحِ الرّاءِ. أمّا قِراءَةُ نافِعٍ فَقالَ الفَرّاءُ: المَعْنى أنَّهم كانُوا مُفْرِطِينَ عَلى أنْفُسِهِمْ في الذُّنُوبِ، وقِيلَ: أفْرَطُوا في الِافْتِراءِ عَلى اللَّهِ تَعالى، وقالَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ: كَأنَّهُ مِن أفْرَطَ، أيْ: صارَ ذا فَرَطٍ، مِثْلَ أجْرَبَ أيْ: صارَ ذا جَرَبٍ، والمَعْنى: أنَّهم ذَوُو فَرَطٍ إلى النّارِ، كَأنَّهم قَدْ أرْسَلُوا مَن يُهَيِّئُ لَهم مَواضِعَ فِيها. وأمّا قِراءَةُ قَوْلِهِ: ”مُفْرَطُونَ“ بِفَتْحِ الرّاءِ فَفِيهِ قَوْلانِ:
القَوْلُ الأوَّلُ: المَعْنى: أنَّهم مُتْرَكُونَ في النّارِ.
قالَ الكِسائِيُّ: يُقالُ ما أفْرَطْتُ مِنَ القَوْمِ أحَدًا، أيْ: ما تَرَكْتُ. وقالَ الفَرّاءُ: تَقُولُ العَرَبُ: أفْرَطْتُ مِنهم ناسًا، أيْ: خَلَّفْتُهم وأُنْسِيتُهم.
والقَوْلُ الثّانِي: ﴿مُفْرَطُونَ﴾ أيْ: مُعَجَّلُونَ. قالَ الواحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وهو الِاخْتِيارُ، ووَجْهُهُ ما قالَ أبُو زَيْدٍ وغَيْرُهُ: فَرَطَ الرَّجُلُ أصْحابَهُ يَفْرُطُهم فَرَطًا وفُرُوطًا، إذا تَقَدَّمَهم إلى الماءِ لِيُصْلِحَ الدِّلاءَ والأرْسانَ، وأفْرَطَ القَوْمُ الفارِطَ وفَرَّطُوهُ إذا قَدَّمُوهُ، فَمَعْنى قَوْلِهِ: ﴿مُفْرَطُونَ﴾ عَلى هَذا التَّقْدِيرِ كَأنَّهم قُدِّمُوا إلى النّارِ، فَهم فِيها فَرَطٌ لِلَّذِينِ يَدْخُلُونَ بَعْدَهم، ثُمَّ بَيَّنَ تَعالى أنَّ مِثْلَ هَذا الصُّنْعِ الَّذِي يَصْدُرُ مِن مُشْرِكِي قُرَيْشٍ قَدْ صَدَرَ مِن سائِرِ الأُمَمِ السّابِقِينَ في حَقِّ الأنْبِياءِ المُتَقَدِّمِينَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، فَقالَ: ﴿تاللَّهِ لَقَدْ أرْسَلْنا إلى أُمَمٍ مِن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أعْمالَهُمْ﴾ وهَذا يَجْرِي مَجْرى التَّسْلِيَةِ لِلرَّسُولِ ﷺ، فِيما كانَ يَنالُهُ مِنَ الغَمِّ بِسَبَبِ جَهالاتِ القَوْمِ. قالَتِ المُعْتَزِلَةُ: الآيَةُ تَدُلُّ عَلى فَسادِ قَوْلِ المُجْبِرَةِ مِن وُجُوهٍ.
الأوَّلُ: أنَّهُ إذا كانَ خالِقُ أعْمالِهِمْ هو اللَّهُ تَعالى، فَلا فائِدَةَ في التَّزْيِينِ.
والثّانِي: أنَّ ذَلِكَ التَّزْيِينَ لَمّا كانَ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعالى لَمْ يَجُزْ ذَمُّ الشَّيْطانِ بِسَبَبِهِ.
والثّالِثُ: أنَّ التَّزْيِينَ هو الَّذِي يَدْعُو الإنْسانَ إلى الفِعْلِ، وإذا كانَ حُصُولُ الفِعْلِ فِيهِ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعالى كانَ ضَرُورِيًّا، فَلَمْ يَكُنِ التَّزْيِينُ داعِيًا.
والرّابِعُ: أنَّ عَلى قَوْلِهِمْ: الخالِقُ لِذَلِكَ العَمَلِ أجْدَرُ أنْ يَكُونَ ولِيًّا لَهم مِنَ الدّاعِي إلَيْهِ.
والخامِسُ: أنَّهُ تَعالى أضافَ التَّزْيِينَ إلى الشَّيْطانِ، ولَوْ كانَ ذَلِكَ المُزَيِّنُ هو اللَّهُ تَعالى لَكانَتْ إضافَتُهُ إلى الشَّيْطانِ كَذِبًا.
وجَوابُهُ: إنْ كانَ مُزَيِّنُ القَبائِحِ في أعْيُنِ الكُفّارِ هو الشَّيْطانُ، فَمُزَيِّنُ تِلْكَ الوَساوِسِ في عَيْنِ الشَّيْطانِ إنْ كانَ شَيْطانًا آخَرَ لَزِمَ التَّسَلْسُلُ. وإنْ كانَ هو اللَّهُ تَعالى فَهو المَطْلُوبُ.
ثم قال تَعالى: ﴿فَهُوَ ولِيُّهُمُ اليَوْمَ﴾ وفِيهِ احْتِمالانِ:
الأوَّلُ: أنَّ المُرادَ مِنهُ كُفّارُ مَكَّةَ وبِقَوْلِهِ: ﴿فَهُوَ ولِيُّهُمُ اليَوْمَ﴾ أيِ: الشَّيْطانُ ويَتَوَلّى إغْواءَهم وصَرْفَهم عَنْكَ، كَما فَعَلَ بِكُفّارِ الأُمَمِ قَبْلَكَ فَيَكُونُ عَلى هَذا التَّقْدِيرِ رَجَعَ عَنْ أخْبارِ الأُمَمِ الماضِيَةِ إلى الأخْبارِ عَنْ كُفّارِ مَكَّةَ.
الثّانِي: أنَّهُ أرادَ بِاليَوْمِ يَوْمَ القِيامَةِ، يَقُولُ فَهو ولِيُّ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا يُزَيِّنُ لَهم أعْمالَهم يَوْمَ القِيامَةِ، وأطْلَقَ اسْمَ اليَوْمِ عَلى يَوْمِ القِيامَةِ لِشُهْرَةِ ذَلِكَ اليَوْمِ، (p-٥١)والمَقْصُودُ مِن قَوْلِهِ: ﴿فَهُوَ ولِيُّهُمُ اليَوْمَ﴾ هو أنَّهُ لا ولِيَّ لَهم ذَلِكَ اليَوْمَ ولا ناصِرَ، وذَلِكَ لِأنَّهم إذا عايَنُوا العَذابَ وقَدْ نَزَلَ بِالشَّيْطانِ كَنُزُولِهِ بِهِمْ، ورَأوْا أنَّهُ لا مُخَلِّصَ لَهُ مِنهُ، كَما لا مُخَلِّصَ لَهم مِنهُ، جازَ أنْ يُوَبَّخُوا بِأنْ يُقالَ لَهم: هَذا ولِيُّكُمُ اليَوْمَ عَلى وجْهِ السُّخْرِيَةِ.
* * *
ثُمَّ ذَكَرَ تَعالى أنَّ مَعَ هَذا الوَعِيدِ الشَّدِيدِ أقامَ الحُجَّةَ وأزاحَ العِلَّةَ فَقالَ: ﴿وما أنْزَلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ إلّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وهُدًى ورَحْمَةً﴾ وفِيهِ مَسائِلُ:
المسألة الأُولى: المَعْنى: أنّا ما أنْزَلْنا عَلَيْكَ القُرْآنَ إلّا لِتُبَيِّنَ لَهم بِواسِطَةِ بَياناتِ هَذا القُرْآنِ الأشْياءَ الَّتِي اخْتَلَفُوا فِيها، والمُخْتَلِفُونَ هم أهْلُ المِلَلِ والأهْواءِ، وما اخْتَلَفُوا فِيهِ، هو الدِّينُ، مِثْلَ التَّوْحِيدِ والشِّرْكِ والجَبْرِ والقَدَرِ، وإثْباتِ المَعادِ ونَفْيِهِ، ومِثْلَ الأحْكامِ، مِثْلَ أنَّهم حَرَّمُوا أشْياءَ تَحِلُّ كالبَحِيرَةِ والسّائِبَةِ وغَيْرِهِما، وحَلَّلُوا أشْياءَ تَحْرُمُ كالمَيْتَةِ.
المسألة الثّانِيَةُ: اللّامُ في قَوْلِهِ: ﴿لِتُبَيِّنَ﴾ تَدُلُّ عَلى أنَّ أفْعالَ اللَّهِ تَعالى مُعَلَّلَةٌ بِالأغْراضِ، ونَظِيرُهُ آياتٌ كَثِيرَةٌ مِنها قَوْلُهُ: ﴿كِتابٌ أنْزَلْناهُ إلَيْكَ لِتُخْرِجَ النّاسَ﴾ [إبراهيم: ١] وقَوْلُهُ: ﴿وما خَلَقْتُ الجِنَّ والإنْسَ إلّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦] .
وجَوابُهُ: أنَّهُ لَمّا ثَبَتَ بِالعَقْلِ امْتِناعُ التَّعْلِيلِ وجَبَ صَرْفُهُ إلى التَّأْوِيلِ.
المسألة الثّالِثَةُ: قالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“: قَوْلُهُ: ﴿وهُدًى ورَحْمَةً﴾ مَعْطُوفانِ عَلى مَحَلِّ قَوْلِهِ: ﴿لِتُبَيِّنَ﴾ إلّا أنَّهُما انْتَصَبا عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُما، لِأنَّهُما فِعْلا الَّذِي أنْزَلَ الكِتابَ، ودَخَلَتِ اللّامُ في قَوْلِهِ: ﴿لِتُبَيِّنَ﴾ لِأنَّهُ فِعْلُ المُخاطَبِ لا فِعْلُ المُنْزِلِ، وإنَّما يَنْتَصِبُ مَفْعُولًا لَهُ ما كانَ فِعْلًا لِذَلِكَ الفاعِلِ.
المسألة الرّابِعَةُ: قالَ الكَلْبِيُّ: وصْفُ القُرْآنِ بِكَوْنِهِ هُدًى ورَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، لا يَنْفِي كَوْنَهُ كَذَلِكَ في حَقِّ الكُلِّ، كَما أنَّ قَوْلَهُ تَعالى في أوَّلِ سُورَةِ البَقَرَةِ: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ٢] لا يَنْفِي كَوْنَهُ هُدًى لِكُلِّ النّاسِ، كَما ذَكَرَهُ في قَوْلِهِ: ﴿هُدًى لِلنّاسِ وبَيِّناتٍ مِنَ الهُدى والفُرْقانِ﴾ [البقرة: ١٨٥] وإنَّما خَصَّ المُؤْمِنِينَ بِالذِّكْرِ مِن حَيْثُ أنَّهم قَبِلُوهُ فانْتَفَعُوا بِهِ، كَما في قَوْلِهِ: ﴿إنَّما أنْتَ مُنْذِرُ مَن يَخْشاها﴾ [النازعات: ٤٥] لِأنَّهُ إنَّما انْتَفَعَ بِإنْذارِهِ هَذا القَوْمُ فَقَطْ، واللَّهُ أعْلَمُ.
{"ayahs_start":61,"ayahs":["وَلَوۡ یُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلۡمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَیۡهَا مِن دَاۤبَّةࣲ وَلَـٰكِن یُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ مُّسَمࣰّىۖ فَإِذَا جَاۤءَ أَجَلُهُمۡ لَا یَسۡتَـٔۡخِرُونَ سَاعَةࣰ وَلَا یَسۡتَقۡدِمُونَ","وَیَجۡعَلُونَ لِلَّهِ مَا یَكۡرَهُونَۚ وَتَصِفُ أَلۡسِنَتُهُمُ ٱلۡكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ٱلنَّارَ وَأَنَّهُم مُّفۡرَطُونَ","تَٱللَّهِ لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَاۤ إِلَىٰۤ أُمَمࣲ مِّن قَبۡلِكَ فَزَیَّنَ لَهُمُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ أَعۡمَـٰلَهُمۡ فَهُوَ وَلِیُّهُمُ ٱلۡیَوۡمَ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمࣱ","وَمَاۤ أَنزَلۡنَا عَلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ إِلَّا لِتُبَیِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِی ٱخۡتَلَفُوا۟ فِیهِ وَهُدࣰى وَرَحۡمَةࣰ لِّقَوۡمࣲ یُؤۡمِنُونَ"],"ayah":"وَلَوۡ یُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلۡمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَیۡهَا مِن دَاۤبَّةࣲ وَلَـٰكِن یُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ مُّسَمࣰّىۖ فَإِذَا جَاۤءَ أَجَلُهُمۡ لَا یَسۡتَـٔۡخِرُونَ سَاعَةࣰ وَلَا یَسۡتَقۡدِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق