الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ﴾ قال ابن عباس: يريد المشركين، ﴿بِظُلْمِهِمْ﴾ قال: يريد بافترائهم على الله، ﴿مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ﴾ قال: يريد من [[موضع طمس في (ع) وغير واضح.]] مفتر، هذا قوله في رواية عطاء [[انظر: "تفسير الزمخشري" 2/ 333، وأبي حيان 5/ 506، وفيهما قال: ﴿مِنْ دَابَّةٍ﴾ أي: من مشرك يدبّ عليها.]]، ومعناه: أنه لو عاجلهم بالعقوبة على كفرهم ما أمهلهم طرفة عين ولأخلى وجه الأرض عنهم، والكناية في: ﴿عَلَيْهَا﴾ تعود إلى الأرض ولم يسبق لها ذكر، ولكن ذكر الدابة تدل على الأرض؛ فإنها تَدُبّ عليها، وكثير ما يُكَنّي عن الأرض وإن لم يتقدم ذكرها؛ لأنه لا يُشْكِل، يقولون: ما عليها مثل فلان، وما عليها أكرم من فلان؛ يعنون على الأرض [[نقله الفخر الرازي بنصه دون عزو، انظر: "تفسير الفخر الرازي" 20/ 60.]]، وعلى هذا التفسير الدابة تختص بالمفتري، وقال سائر المفسرين: يعني دواب الأرض؛ روى السدي عن أصحابه في قوله: ﴿مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ﴾ يقول لأقحط المطر، فلم يبق في الأرض دابة إلا هلكت [[انظر: "تفسير ابن الجوزي" 4/ 459، وأبي حيان 5/ 506، وورد في "تفسير مقاتل" 1/ 204 أ، بنحوه غير منسوب.]]، ورُوي عن ابن مسعود أنه قرأ هذه الآية، فقال: كاد [[في (أ)، (د): (كان) والمثبت من (ش)، (ع) يتفق مع السياق والمعنى.]] أن يَهْلِكَ الجُعَلُ [[الجُعَلُ: دويبَّة سوداء صغيرة تألف المواضع النديّة، وهي من الخنافس، أو هو الحرباء، وكنيته أبو جِعْران، وأبو وجزة في لغة طيىء، وجمعه جِعْلاَن. انظر: "المحيط في اللغة" (جعل) 1/ 256، و"متن اللغة" 1/ 538.]] في جُحْره بذنب ابن آدم [[أخرجه الطبري 14/ 126 بنصه، وورد في "تفسير السمرقندي" 2/ 239 ، بنحوه، والثعلبي 2/ 158 ب، بنحوه، وانظر: "تفسير البغوي" 3/ 74، والزمخشري 2/ 333، و"تفسير القرطبي" 10/ 120، والبيضاوي 1/ 278، والخازن 3/ 121، وابن كثير 2/ 631.]]، وقال قتادة في هذه الآية: قد فَعَل ذلك زمان نوح [[انظر: "تفسير البغوي" 5/ 26، وابن الجوزي 4/ 459، والخازن 3/ 120، وأبي حيان 5/ 506.]]، والمعنى على هذا: أن شؤم ذنوب المشركين كاد أن يصيب دواب الأرض حتى تهلك بسبب ذلك، لولا حلم الله وتأخيره العقوبة، كما روى عن أبي حمزة الثُّمالي [[أبو حمزة ثابت بن أبي صفية الثُّمالي، اسم أبيه دينار، وقيل: سعيد، مولى المهلَّب بن أبي صُفرة، كوفي ضعيف رافضي، روى عن أنس والشعبي، وعنه: وكيع وأبو نعيم، مات في خلافة أبي جعفر. انظر: "الجرح والتعديل" 2/ 450، و"ميزان الاعتدال" 1/ 363، و"الكاشف" 1/ 282، و"تقريب التهذيب" ص 132 (818).]] أنه قال: يحبس المطر فيَهلكَ كلُ شيء [[أقف عليه.]]. وقال أهل المعاني: معنى الآية، أن الله تعالى لو أهلك الآباء بكفرهم لم يكن الأبناء [[ورد في "تفسير الماوردي" 3/ 196، بنصه، والطوسي 6/ 396، بنصه، وانظر: "تفسير البغوي" 5/ 26، والزمخشرى 2/ 333، والفخر الرازي 20/ 59، ونسبه لأبي علي الجبائي، و"تفسير القرطبي" 10/ 119، و"البيضاوي" 1/ 278، والخازن 3/ 121.]]، فكانت الأرض تبقى خالية، وقد ضرب الله لهلاك الخلق وخلو الأرض عن سكانها أجلاً، فهو يؤخرهم إلى أجل مُسَمّى كي يتوالدوا، والأجل المسمى في هذه الآية: القيامة، في قول عطاء عن ابن عباس [[انظر: "تفسير الفخر الرازي" 20/ 60، وورد غير منسوب في "تفسير هود الهواري" 2/ 375، و"تفسير الماوردي" 3/ 195، والخازن 3/ 121.]]، ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ﴾ يريد أجل القيامة، وفي قول الآخرين: يعني منتهى الأجل وانقضاء العمر [[ورد في "تفسير الثعلبي" 2/ 158 ب، بنصه، والطوسي 6/ 396، بمعناه، وانظر: "تفسير البغوي" 5/ 26، وابن الجوزي 4/ 460، والفخر الرازي 20/ 60، و"تفسير البيضاوي" 1/ 278، والخازن 3/ 121، وذهب بعضهم إلى أنه الوقت الذي قدّره الله لإنزال العذاب بهم في الدنيا، فيكون الناس من العام المخصوص؛ أي أهل المعاصي والكفر؛ كما في قول ابن عباس القول الأول. انظر: "تفسير مقاتل" 1/ 204 أ، والطبري 14/ 125 - 126، و"تفسير الماوردي" 3/ 195، والفخر الرازي 20/ 60، و"القرطبي" 10/ 119، والخازن 3/ 120.]]، ولعل الأقرب هذا؛ فإن المشركين يؤاخذون بالعقوبة إذا انقضت أعمارهم وخرجوا من الدنيا، ووجه القول الأول: أن معظم العذاب يوافيهم يوم القيامة، وذكرنا معنى: ﴿لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ في سورة الأعراف: [34].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب