الباحث القرآني
﴿ولَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النّاسَ﴾ الظّالِمِينَ مُطْلَقًا، وقِيلَ: بِالكُفْرِ والمُؤاخَذَةُ مُفاعَلَةٌ مِن فاعِلٍ بِمَعْنى فَعَلَ وهو الظّاهِرُ، وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: هي مَجازٌ كَأنَّ العَبْدَ يَأْخُذُ حَقَّ اللَّهِ تَعالى بِمَعْصِيَتِهِ واللَّهُ تَعالى يَأْخُذُ مِنهُ بِعاقِبَتِهِ وكَذا الحالُ في مُؤاخَذَةِ الخَلْقِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا ﴿بِظُلْمِهِمْ﴾ أيْ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ ومَعاصِيهِمْ بِناءً عَلى أنَّ الظُّلْمَ فِعْلُ ما لا يَنْبَغِي ووَضْعُهُ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ وقَدْ يُخَصُّ بِالكُفْرِ والتَّعَدِّي عَلى الغَيْرِ ويَدْخُلُ فِيهِ ما عُدَّ مِنَ القَبائِحِ، وهَذا تَصْرِيحٌ بِما أفادَهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ وإيذانٌ بِأنَّ ما أتاهُ هَؤُلاءِ الكَفَرَةُ مِنَ القَبائِحِ قَدْ تَناهى إلى أمَدٍ لا غايَةَ وراءَهُ ﴿ما تَرَكَ عَلَيْها﴾ أيْ عَلى الأرْضِ المَدْلُولِ عَلَيْها بِالنّاسِ وبِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿مِن دابَّةٍ﴾ بِناءً عَلى شُهْرَةِ كَوْنِ الدَّبِيبِ في الأرْضِ أيْ ما تَرَكَ عَلَيْها شَيْئًا مِنَ الدَّوابِّ أصْلًا بَلْ أهْلَكَها بِالمَرَّةِ، أمّا الظّالِمُ فَبِظُلْمِهِ وأمّا غَيْرُهُ فَبِشُؤْمِ ذَلِكَ فَقَدْ قالَ سُبْحانَهُ: ﴿واتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ).﴾ ﴿الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكم خاصَّةً﴾ وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ وغَيْرُهُ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: إنَّ الظّالِمَ لا يَضُرُّ إلّا نَفْسَهُ فَقالَ: بَلى واللَّهِ إنَّ الحُبارى لَتَمُوتُ هَزْلًا (p-171)فِي وكْرِها مِن ظُلْمِ الظّالِمِ، وأخْرَجَ أيْضًا هو فِيهِ وغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: كادَ الجَعْلُ أنْ يُعَذَّبَ في جُحْرِهِ بِذَنْبِ ابْنِ آدَمَ ثُمَّ قَرَأ الآيَةَ، وأخْرَجَ أحْمَدُ في الزُّهْدِ عَنْهُ أنَّهُ قالَ: ذُنُوبُ ابْنِ آدَمَ قَتَلَتِ الجَعْلَ في جُحْرِهِ ثُمَّ قالَ: إي واللَّهِ زَمَنَ غَرَقِ قَوْمِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ، وقِيلَ: المُرادُ مِن دابَّةٍ ظالِمَةٍ عَلى أنَّ التَّنْوِينَ لِلنَّوْعِ وهو مَخْصُوصٌ بِالكُفّارِ والعُصاةِ مِنَ الإنْسِ، وقِيلَ: مِنهم ومِنَ الجِنِّ، وقِيلَ: المُرادُ الدّابَّةُ الظّالِمَةُ الفاعِلَةُ لِما لا يَنْبَغِي شَرْعًا أوْ عُرْفًا فَيَدْخُلُ بَعْضُ الدَّوابِّ إذا ضَرَّ غَيْرَهُ، وقالَتْ فِرْقَةٌ مِنهُمُ ابْنُ عَبّاسٍ: المُرادُ بِالدّابَّةِ المُشْرِكُ فَقَدْ قالَ تَعالى: ﴿إنَّ شَرَّ الدَّوابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وقالَ الجَبائِيُّ: الدّابَّةُ عَلى عُمُومِها فَتَشْمَلُ سائِرَ الحَيَواناتِ، والمُرادُ بِالنّاسِ الظّالِمُونَ مُطْلَقًا ووَجْهُ المُلازَمَةِ أنَّهُ تَعالى لَوْ آخَذَهم بِما كَسَبُوا مِن كُفْرٍ أوْ مَعْصِيَةٍ لَعَجَّلَ هَلاكَهم وحِينَئِذٍ لا يَبْقى لَهم نَسْلٌ، ومِنَ المَعْلُومِ أنْ لا أحَدَ إلّا وفي آبائِهِ مَن يَسْتَحِقُّ العِقابَ وإذا هَلَكُوا جَمِيعًا وبَطَلَ نَسْلُهم لا يَبْقى أحَدٌ مِنَ النّاسِ وحِينَئِذٍ يَهْلَكُ الدَّوابُّ لِأنَّها مَخْلُوقَةٌ لِمَنافِعِ العِبادِ ومَصالِحِهِمْ كَما يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿خَلَقَ لَكم ما في الأرْضِ جَمِيعًا﴾ وبِتَخْصِيصِ النّاسِ يَسْقُطُ الِاسْتِدْلالُ بِالآيَةِ عَلى عَدَمِ عِصْمَةِ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، وقالَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ: لا حاجَةَ إلى التَّخْصِيصِ في ذَلِكَ والآيَةُ مِن بابِ بَنُو تَمِيمٍ قَتَلُوا قَتِيلًا لِتَظافُرِ الأدِلَّةِ والنُّصُوصِ عَلى عِصْمَةِ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ. فَلا يُقالُ: الأصْلُ الحَمْلُ عَلى الحَقِيقَةِ.
واسْتَدَلَّ بَعْضُهم لِلتَّخْصِيصِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ثُمَّ أوْرَثْنا الكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِن عِبادِنا فَمِنهم ظالِمٌ لِنَفْسِهِ ومِنهم مُقْتَصِدٌ ومِنهم سابِقٌ بِالخَيْراتِ﴾ وإلّا يَفْسَدُ التَّقْسِيمُ، وقَدْ يُقالُ: إنَّهُ ما أحَدٌ إلّا وهو مُتَّصِفٌ بِظُلْمٍ إلّا أنَّ مَراتِبَهُ مُخْتَلِفَةٌ فَحَسَناتُ الأبْرارِ سَيِّئاتُ المُقَرَّبِينَ، والعِصْمَةُ الَّتِي تُدْعى لِلْأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ إنَّما هي العِصْمَةُ مِمّا يُعَدُّ ذَنْبًا بِالنِّسْبَةِ إلى غَيْرِهِمْ وأمّا العِصْمَةُ مِمّا يُعَدُّ ذَنْبًا بِالنِّسْبَةِ إلى مَقامِهِمْ ومَرْتَبَتِهِمْ فَلا تُدْعى لَهم إذْ قَدْ وقَعَ ذَلِكَ مِنهم كَما يَشْهَدُ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الآياتِ، وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: ««قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَوْ أنَّ اللَّهَ تَعالى يُؤاخِذُنِي وعِيسى ابْنَ مَرْيَمَ بِذُنُوبِنا- وفي لَفْظٍ- بِما جَنَتْ هاتانِ الإبْهامُ والَّتِي تَلِيها لَعَذَّبَنا ما يَظْلِمُنا شَيْئًا»».
نَعَمْ إنَّهُ لا يُقالُ لِنَبِيٍّ هو ظالِمٌ ولا لِلْأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ هم ظالِمُونَ ويُقالُ النّاسُ ظالِمُونَ وهَذا نَظِيرُ قَوْلِهِمْ: لا يُقالُ لِلَّهِ سُبْحانَهُ خالِقُ القِرَدَةِ والخَنازِيرِ ويُقالُ هو خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، ورُبَّ شَيْءٍ يَجُوزُ تَبَعًا ولا يَجُوزُ اسْتِقْلالًا، وأمْرُ التَّقْسِيمِ هَيِّنٌ عِنْدَ المُتَأمِّلِ فَلْيُتَأمَّلْ، ومِنَ النّاسِ مَنِ احْتَجَّ بِالآيَةِ عَلى أنَّ أصْلَ المِضْمارِ الحُرْمَةُ إذْ لَوْ كانَ الضَّرَرُ مَشْرُوعًا فَإمّا أنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا عَلى وجْهٍ يَكُونُ جَزاءً عَلى جُرْمٍ أوْ لا وكِلا القِسْمَيْنِ باطِلٌ، أمّا الأوَّلُ فَلِلْآيَةِ وذَلِكَ مِن وجْهَيْنِ:
الأوَّلُ أنَّها لِمَكانِ لَوْ تَقْتَضِي أنَّ تَعالى ما آخَذَ النّاسَ بِظُلْمِهِمْ وأنَّهُ تَرَكَ عَلى ظَهْرِها دابَّةً. الثّانِي أنَّ مُقْتَضى المُؤاخَذَةِ عَدَمُ تَرْكِ دابَّةٍ عَلى ظَهْرِها ونَحْنُ نُشاهِدُ أنَّهُ سُبْحانَهُ قَدْ تَرَكَ كَثِيرًا مِنَ الدَّوابِّ فَيَجِبُ القَطْعُ بِأنَّهُ تَعالى لَمْ يُؤاخِذْ بِالظُّلْمِ، وأمّا الثّانِي فَباطِلٌ بِالإجْماعِ فَثَبَتَ بِمُقْتَضى آيَةِ تَحْرِيمِ المَضارِّ، ويُؤَكِّدُ ذَلِكَ آياتٌ أُخَرُ وأخْبارٌ وحِينَئِذٍ يُقالُ: إذا وقَعَتْ حادِثَةٌ مُشْتَمِلَةٌ عَلى الضَّرَرِ مِن جَمِيعِ الوُجُوهِ فَإنْ وجَدْنا نَصًّا يَدُلُّ عَلى كَوْنِهِ مَشْرُوعًا قَضَيْنا بِهِ تَقْدِيمًا لِلْخاصِّ عَلى العامِ وإلّا قَضَيْنا بِالحُرْمَةِ بِناءً عَلى الأصْلِ الَّذِي قُرِّرَ. واسْتَدَلَّ بِها المُعْتَزِلَةُ عَلى أنَّ العِبادَ خالِقُونَ لِأفْعالِهِمْ ووَجْهٌ مَعَ رَدِّهِ غَنِيٌّ عَنِ البَيانِ ﴿ولَكِنْ﴾ لا يُؤاخِذُهم بِذَلِكَ بَلْ ﴿يُؤَخِّرُهم إلى أجَلٍ مُسَمًّى﴾ سَمّاهُ سُبْحانَهُ وعَيَّنَهُ لِأعْمالِهِمْ أوْ لِعَذابِهِمْ كَيْ يَتَوالَدُوا أوْ يَكْثُرَ عَذابُهم ﴿فَإذا جاءَ أجَلُهُمْ﴾ المُسَمّى ﴿لا يَسْتَأْخِرُونَ﴾ عَنْهُ ﴿ساعَةً﴾ أقَلَّ مُدَّةٍ ﴿ولا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ عَلَيْهِ، وقَدْ مَرَّ الكَلامُ في نَظِيرِها
{"ayah":"وَلَوۡ یُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلۡمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَیۡهَا مِن دَاۤبَّةࣲ وَلَـٰكِن یُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ مُّسَمࣰّىۖ فَإِذَا جَاۤءَ أَجَلُهُمۡ لَا یَسۡتَـٔۡخِرُونَ سَاعَةࣰ وَلَا یَسۡتَقۡدِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق