قوله تعالى: {أَفَمَنِ اتبع رِضْوَانَ الله} : الكلامُ على مثلِه قد تقدَّم مِنْ أنَّ الفاءَ النيةُ بها التقديمُ على الهمزةِ، وأن مذهبَ الزمخشري تقديرُ فعلٍ بينهما. قال الشيخ: «وتقديرُه في مثلِ هذا التركيبِ متكلَّفٌ جداً» . انتهى. والذي يَظْهَرُ من التقديرات: «أحَصَل لكم تمييزٌ بين الضالِّ والمُهْتدي، فَمَنِ اتَّبع رضوانَ اللهِ واهتدى ليس كَمَنْ باءَ بسخطِه وغلَّ» . لأنَّ الاستفهامَ هنا للنفي. و «مَنْ» هنا موصولةٌ بمعنى الذي في محلِّ رفع بالابتداء، والجارُّ والمجرورُ الخبرُ. قال أبو البقاء: «ولا يجوزُ أَنْ تكونَ شرطاً، لأنَّ» كَمَنْ «لا يصلُح أن يكونَ جواباً» يعني لأنَّه كان يَجِبُ اقترانُه بالفاءِ، ولأنَّ المعنى يأْباه.
و «بسَخَطٍ» يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بنفسِ الفعلِ أي: رَجَع بسَخَطِه، ويجوزُ أَنْ يكونَ حالاً فيتعلَّقَ بمحذوفٍ أي: رجَع مصاحباً لسَخَطه أو ملتبساً به. و «مِنَ الله» صفتُه. والسَّخَط: الغضبُ الشديد، ويقال: «سَخَط» بفتحتين وهو مصدرٌ قياسي، ويقال: «سُخط» بضمِّ السين وسكونِ الخاء، وهو غيرُ مقيسٍ، ويقال: «هو في سُخْطَةِ المَلِك» بالتاءِ أي: في كراهةٍ منه له.
قوله: {وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ} في هذه الجملةِ احتمالان: أن تكون مستأنفةً، أخبر أنَّ مَنْ باءَ بسَخَطِه أَوَى إلى جهنَّم. ويُفْهَمُ منه مقابله وهو: أنَّ مَنِ اتَّبع الرضوانَ كان مأواه الجنة، وإنما سَكَتَ عن هذا ونَصَّ على ذلك ليكونَ أبلغَ في الزجر، ولا بُدَّ مِنْ حَذْفٍ في هذه الجمل تقديرُه: أفَمَنْ اتبع ما يؤولُ به إلى رضا الله فباء برِضاه كَمَنِ اتَّبع ما يَؤُول به إلى سَخَطه.
والثاني: أنها داخلةٌ في حَيِّز الموصولِ، فتكونُ معطوفةً على «باء بسخط» ، فيكونُ قد وَصَل الموصولَ بجملتين اسميةٍ وفعلية، وعلى كلا الاحتمالَيْن لا محلَّ لها من الإِعراب. والمخصوصُ بالذمِّ محذوف أي: وبئس المصيرُ جهنمُ. واشتملت هذه الآياتُ على الطباق في قوله: «يَنْصُرْكم ويَخْذُلْكم» ، وفي قولِه: «رضوان الله وسخطه» ، والتجنيسُ المماثِلُ في قولِه: «يَغْلُلْ» و «بما غلَّ» .
{"ayah":"أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَ ٰنَ ٱللَّهِ كَمَنۢ بَاۤءَ بِسَخَطࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأۡوَىٰهُ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِیرُ"}