الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ﴾، قال ابن عباس: يريد: الذين هاجروا بعد الحديبية وهي الهجرة الثانية [[يعني إلى المدينة بعد صلح الحديبية، انظر: "تفسير ابن عطية" 6/ 394، والقرطبي 8/ 58.]] التي فيها الصلح [[ذكره ابن الجوزي 3/ 387، وأبو حيان في "البحر المحيط" 5/ 360.]]. وقوله تعالى: ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ﴾، قال ابن عباس: يريد: إن أولي الأرحام لم يكونوا يتوارثون، وكان من واخى بينهم رسول الله ﷺ أولى بالميراث، كان إذا أسلم الأخوان فهاجر أحدهما فمات [[ساقط من (ح).]] لم يرثه الذي لم يهاجر، وكان الذي واخى بينهم رسول الله -ﷺ- أولى بالميراث وإن كان بعيدًا [[في (ح): (بعيد).]] في النسب حتى فتحت مكة فرد الله المواريث إلى أولي الأرحام فقال: ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ يريد: في فرائض الله، هذا كلام ابن عباس [[رواه بلفظ مقارب: البغوي 3/ 379، ورواه بمعناه ابن جرير 10/ 51 - 52، وابن مردويه كما في "الدر المنثور" 3/ 374. ورواه مختصرًا الطبراني في "المعجم الكبير" 11/ 284، ورجاله رجال "الصحيح" كما في "مجمع الزوائد" 7/ 102.]]. قال أصحابنا [[يعني أئمة الشافعية، انظر. "الأم" للشافعي 4/ 106، و"مختصر المزني" ص 153، و"الحاوي الكبير" للماوردي 8/ 73، 174، و"المجموع" للنووي 16/ 53، 55.]]: فليس في الآية حجة لمن قال بتوريث العمة والخالة وذوي الأرحام؛ لأن الله تعالى أراد بهذه الآية نقل الموارثة عن الحلف إلى القرابة. وهذا إجماع من المفسرين أن قوله: ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ﴾ نسخ للميراث بالهجرة والحلف [[انظر: "الناسخ والمنسوخ" لأبي عبيد ص 224، وللنحاس 2/ 394، و"تفسير ابن جرير" 10/ 52، والبغوي 3/ 381، وقول المؤلف: هذا إجماع من المفسرين، فيه نظر، فقد ذهب الإمام ابن جرير إلى أنه ليس في الآيات ناسخ ولا منسوخ، فعند تفسير قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ الآية، قال: وهذه الآية تنبيء عن صحة ما قلنا: إن معنى قوله الله: ﴿بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ في هذه الآية، وقوله: ﴿مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ إنما هو النصرة والمعونة، دون الميراث؛ لأنه جل ثناؤه عقب ذلك بالثناء على المهاجرين والأنصار، والخبر عما لهِم عنده، دون من لم يهاجر، بقوله: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا﴾ الآية، ولو كان مراداً بالآيات قبل ذلك الدلالة على حكم ميراثهم، لم يكن عقيب ذلك إلا الحث على إمضاء الميراث على ما أمر، وفي صحة ذلك كذلك الدليل الواضح على أن لا ناسخ في هذه الآيات لشيء ولا منسوخ. "تفسير الطبري" 10/ 57، وانظر: "النسخ في القرآن" 2/ 737.]]. ومعنى قوله: ﴿فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾، قال الزجاج: أي في حكم الله كقوله: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾ [المجادلة: 21] أي: حكم الله [[هذا القول ليس موجودًا في "معاني القرآن وإعرابه" المطبوع، وقد ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" 3/ 387، والمصنف في "الوسيط" 2/ 474.]]، قال الزجاج: وجائز أن تكون هذه الأشياء [[(ح): (الآية)، وهو خطأ.]] مكتوبة في اللوح المحفوظ، كقوله: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ﴾ إلى قوله: ﴿إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا﴾ [الحديد: 22] [[ليس موجودًا في "معاني القرآن وإعرابه" المطبوع، ومراده أن معنى (في كتاب الله) أي في اللوح المحفوظ، ولا يريد جواز ذلك وجواز عدمه كما قد يتبادر إلى الذهن من عبارته.]]. وذكر أبو علي وجهين آخرين فقال: ﴿فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ أي فيما فرض لهم من السهام في المواريث [[اهـ. كلام أبي علي، انظر: "الحجة" 2/ 456.]]، وذلك في سورة النساء، وذكرنا أن (كتب) بمعنى فرض يأتي في القرآن عند قوله: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى﴾ [البقرة: 178]، وهذا يقوي قول من لا يقول بتوريث ذوي الأرحام [[وهم: زيد بن ثابت ومالك والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وداود الظاهري وابن جرير، وهؤلاء يجعلون الباقي إذا لم يكن للميت من يعصبه لبيت المال. انظر: "المغني" 9/ 82، و"الشرح الكبير" 4/ 49.]]؛ لأنه لم يفرض لهم سهم في الميراث عند ذكر فرض السهام، قال: ويجوز أن يُعْنَى بالكتاب ههنا: التنزيل، أي: هم في فرض كتاب الله أولى بأرحامهم، قال: وأن يحمل الكتاب على المكتتب أولى، وذلك كقوله في سورة الأحزاب [6]: ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ إلى قوله: ﴿كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا﴾ والمسطور إنما يسطر في صحف أو ألواح، فَرَدُّ المطلق منهما إلى هذا المقيد أولى؛ لأنه أمر واحد [["الحجة للقراء السبعة" 2/ 456 بتصرف.]]. وقوله تعالى: ﴿أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾، قال ابن عباس: يريد: كل شيء خلق، وكل شيء فرض، وكل شيء حد [[لم أقف على مصدره، وفي "تنوير المقباس": "إن الله بكل شيء من قسمة المواريث وصلاحكم وغيرهما (عليم) "، وفي "الوسيط" 2/ 474: "إن الله بكل شيء: مما خلق وفرض وحد (عليم) ". ولم ينسبه.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب