الباحث القرآني

ولَمّا حَصَرَ المُؤْمِنِينَ حَقًّا في المَوْصُوفِينَ، بَيَّنَ أنَّ مَن تَرَكَ ما هو عَلَيْهِ مِن لُزُومِ دارِ الكُفْرِ والقُعُودِ عَنِ الجِهادِ، لَحِقَ بِمُطْلَقِ دَرَجَتِهِمْ وإنْ كانُوا فِيها أعْلى مِنهُ فَقالَ ذاكِرًا القِسْمَ الرّابِعَ: ﴿والَّذِينَ آمَنُوا﴾ ولَمّا كانُوا قَدْ تَأخَّرُوا عَنْ دَعْوَةِ النَّبِيِّ ﷺ مُدَّةً، أدْخَلَ الجارَّ فَقالَ: ﴿مِن بَعْدُ﴾ أيْ: مِن بَعْدِ تَأخُّرِ إيمانِهِمْ عَنِ السّابِقِينَ ﴿وهاجَرُوا﴾ أيْ: لاحِقِينَ لِلسّابِقِينَ، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أنَّهم مَن هاجَرَ بَعْدَ الحُدَيْبِيَةِ، قالَ: وهي الهِجْرَةُ الثّانِيَةُ ﴿وجاهَدُوا مَعَكُمْ﴾ أيْ: مَن تُجاهِدُونَهُ مِن حِزْبِ الشَّيْطانِ ﴿فَأُولَئِكَ مِنكُمْ﴾ أيْ: لَهم ما لَكم وعَلَيْهِمْ ما عَلَيْكم مِنَ المَوارِيثِ والمَغانِمِ وغَيْرِها؛ لِأنَّ الوَصْفَ الجامِعَ هو المَدارُ لِلْأحْكامِ وإنْ تَأخَّرَتْ رُتْبَتُهم عَنْكم كَما أفْهَمَتْهُ أداةُ البُعْدِ. ولَمّا بَيَّنَ أنَّهم مِنهُمْ، بَيَّنَ أنَّهُ مَتى جَمَعَهُمُ الوَصْفُ المُحَصِّلُ لِلْوِلايَةِ، كانَ القُرْبُ في الرَّحِمِ أوْلى مِن غَيْرِهِ فَقالَ: ﴿وأُولُو الأرْحامِ﴾ أيْ: مِنَ المُؤْمِنِينَ المَوْصُوفِينَ ﴿بَعْضُهم أوْلى بِبَعْضٍ﴾ أيْ: في الإرْثِ وغَيْرِهِ مِنَ المُتَّصِفِينَ بِوِلايَةِ الدِّينِ الخالِيَةِ عَنِ الرَّحِمِ ﴿فِي كِتابِ اللَّهِ﴾ (p-٣٤٩)أيِ: القُرْآنِ أوْ في حُكْمِهِ وقَسْمِهِ الَّذِي أنْزَلَهُ إلَيْكُمُ المَلِكُ الأعْظَمُ في آياتِ الإرْثِ، وهي مُقَيَّدَةٌ بِالعَصِباتِ فَنَسَخَتِ الوِلايَةَ فَلا دَلالَةَ عَلى تَوْرِيثِ غَيْرِهِمْ، وذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ في الِاسْتِيعابِ في تَرْجَمَةِ المُنْذِرِ بْنِ عَمْرٍو أنَّ بَدْرًا قَطَعَتِ المُواخاةَ بَيْنَ الصَّحابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، يَعْنِي فَتَكُونُ هَذِهِ الآيَةُ ناسِخَةَ آيَةِ: ”بَعْضُهم أوْلِياءُ بَعْضٍ“ وتَكُونُ تِلْكَ حِينَئِذٍ مُبَيِّنَةً أمْرَ ما كانَ قَبْلَ غَزْوَةِ بَدْرٍ - وهو حَسَنٌ، والآيَةُ الَّتِي في سُورَةِ الأحْزابِ مُؤَيِّدَةٌ لَهُ، ثُمَّ عَلَّلَ سُبْحانَهُ ما ذُكِرَ بِما يُرَغِّبُ فِيهِ فَقالَ: ﴿إنَّ اللَّهَ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ صِفاتُ الكَمالِ كُلُّها ﴿بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ فَهو يَعْلَمُ أنَّ هَذا هو الَّذِي تَدُورُ عَلَيْهِ المَصْلَحَةُ وتَدُومُ بِهِ الأُلْفَةُ كَما عَلِمَ في أوَّلِ الأمْرِ أنَّ نَوْطَ الإرْثِ وغَيْرِهِ مِن لَوازِمِ القُرْبِ بِالأُخُوَّةِ الإسْلامِيَّةِ أوْلى لِما في ذَلِكَ مِن تَكْثِيرِ قِلَّتِكم ونَصْرِ ذِلَّتِكم وجَمْعِ شَتاتِكم وجَعَلَ ما بَيْنَكم مِنَ الأُخُوَّةِ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ، فَأمّا الآنُ فَقَدْ ضَرَبَ الدِّينَ بِجِرانِهِ، وثَبَتَ بِقَواعِدِهِ وأرْكانِهِ، ووَلّى الكُفْرُ بِسُلْطانِهِ، ونَكَصَ مُدْبِرًا بِأعْوانِهِ، فَتَوارَثُوا بِالإسْلامِ والقَرابَةِ وتَقاطَعُوا الكُفّارَ، وقَرِّبُوا وبَعِّدُوا، وانْحازُوا عَنْهم كَما انْحازُوا عَنْكُمْ، وتَبَرَّؤُوا مِنهم كَما تَبَرَّؤُوا مِنكُمْ، فَقَدِ انْطَبَقَ آخِرُ السُّورَةِ بِالإعْراضِ عَنِ الدُّنْيا وإصْلاحِ ذاتِ البَيْنِ وبَيانِ المُؤْمِنِينَ حَقًّا وتَقْلِيدِ العَلِيمِ في جَمِيعِ الأعْمالِ مِن غَيْرِ اعْتِراضٍ - عَلى أوَّلِها، وبِبَيانِ مَن يُوالِي ومَن يُعادِي عَلى أوَّلِ بَراءَةَ. واللَّهُ المُوَفِّقُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب