الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأُولُوا الأرْحامِ بَعْضُهم أوْلى بِبَعْضٍ في كِتابِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ . لَمْ يُعَيِّنْ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ (p-١٠٦)الكَرِيمَةِ المُرادَ بِأُولِي الأرْحامِ، واخْتَلَفَ العُلَماءُ في هَذِهِ الآيَةِ، هَلْ جاءَ في القُرْآنِ ما يُبَيِّنُ المُرادَ مِنها أوْ لا، فَذَهَبَ جَماعَةٌ مِن أهْلِ العِلْمِ إلى أنَّها بَيَّنَتْها آياتُ المَوارِيثِ، كَما قَدَّمْنا نَظِيرَهُ في قَوْلِهِ: ﴿لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ والأقْرَبُونَ﴾ [النساء: ٧] . قالُوا: فَلا إرْثَ لِأحَدٍ مِن أُولِي الأرْحامِ غَيْرُ مَن عُيِّنَتْ لَهم حُقُوقُهم في آياتِ المَوارِيثِ. وَمِمَّنْ قالَ بِهَذا زَيْدُ بْنُ ثابِتٍ، ومالِكٌ، والشّافِعِيُّ، والأوْزاعِيُّ، وأبُو ثَوْرٍ، وداوُدُ، وابْنُ جَرِيرٍ وغَيْرُهم، وقالُوا: الباقِي عَنْ نَصِيبِ الوَرَثَةِ المَنصُوصِ عَلى إرْثِهِمْ لِبَيْتِ مالِ المُسْلِمِينَ، واسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ ﷺ: «إنَّ اللَّهَ قَدْ أعْطى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلا وصِيَّةَ لِوارِثٍ» رَواهُ الإمامُ أحْمَدُ والتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ، والنَّسائِيُّ، وابْنُ ماجَهْ، والدّارَقُطْنِيُّ، والبَيْهَقِيُّ، مِن حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ خارِجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ . وَرَواهُ أيْضًا الإمامُ أحْمَدُ، وأبُو داوُدَ، والتِّرْمِذِيُّ، وابْنُ ماجَهْ مِن حَدِيثِ أبِي أُمامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وابْنُ حَجَرٍ، ولا يَضْعُفُ بِأنَّ في إسْنادِهِ إسْماعِيلَ بْنَ عَيّاشٍ، لِما قَدَّمْنا مِرارًا أنَّ رِوايَتَهُ عَنِ الشّامِيِّينَ قَوِيَّةٌ، وشَيْخُهُ في حَدِيثِ أبِي أُمامَةَ هَذا شُرَحْبِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ، وهو شامِيٌّ ثِقَةٌ، وقَدْ صَرَّحَ في رِوايَتِهِ بِالتَّحْدِيثِ. وَقالَ فِيهِ ابْنُ حَجَرٍ في ”التَّقْرِيبِ“: صَدُوقٌ فِيهِ لِينٌ، فَقَوْلُهُ ﷺ في هَذا الحَدِيثِ الَّذِي صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، مِن رِوايَةِ عَمْرِو بْنِ خارِجَةَ، وحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وابْنُ حَجَرٍ مِن رِوايَةِ أبِي أُمامَةَ: «إنَّ اللَّهَ قَدْ أعْطى كُلَّ ذِي حَقِّ حَقَّهُ» يَدُلُّ بِعُمُومِهِ عَلى أنَّهُ لَمْ يَبْقَ في التَّرِكَةِ حَقٌّ لِغَيْرِ مَن عُيِّنَتْ لَهم أنْصِباؤُهم في آياتِ المَوارِيثِ. وَقَدْ قالَ بَعْضُ أهْلِ هَذا القَوْلِ: المُرادُ بِذَوِي الأرْحامِ العُصْبَةُ خاصَّةً، قالُوا: ومِنهُ قَوْلُ العَرَبِ: وصَلَتْكَ رَحِمٌ، يَعْنُونَ قَرابَةَ الأبِ دُونَ قَرابَةِ الأُمِّ، ومِنهُ قَوْلُ قَتِيلَةَ بْنِ الحارِثِ، أوْ بِنْتِ النَّضْرِ بِنْتِ الحارِثِ: [ الكامِلُ ] ؎ظَلَّتْ سُيُوفُ بَنِي أبِيهِ تَنُوشُهُ لِلَّهِ أرْحامٌ هُناكَ تَشَقَّقُ فَأطْلَقَتِ الأرْحامَ عَلى قَرابَةِ بَنِي أبِيهِ، والأظْهَرُ عَلى القَوْلِ بِعَدَمِ التَّوْرِيثِ، أنَّ المُرادَ بِذَوِي الأرْحامِ القُرَباءُ، الَّذِينَ بُيِّنَتْ حُقُوقُهم بِالنَّصِّ مُطْلَقًا. واحْتَجَّ أيْضًا مَن قالَ: لا يَرِثُ ذَوُو الأرْحامِ، بِما رُوِيَ عَنْ عَطاءِ بْنِ يَسارٍ، «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَكِبَ إلى قُباءَ يَسْتَخِيرُ في مِيراثِ العَمَّةِ والخالَةِ فَأُنْزِلَ عَلَيْهِ: ”لا مِيراثَ لَهُما“»، أخْرَجَهُ أبُو داوُدَ، في المَراسِيلِ والدّارَقُطْنِيُّ، والبَيْهَقِيُّ، مِن طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ أسْلَمَ، عَنْ عَطاءٍ، مُرْسَلًا، وأخْرَجَهُ النَّسائِيُّ في (p-١٠٧)”سُنَنِهِ“، وعَبْدُ الرَّزّاقِ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، مِن مُرْسَلِ زَيْدِ بْنِ أسْلَمَ، لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ عَطاءٍ، ورَدَّ المُخالِفُ هَذا بِأنَّهُ مُرْسَلٌ. وَأُجِيبُ بِأنَّ مَشْهُورَ مَذْهَبِ مالِكٍ، وأبِي حَنِيفَةَ، وأحْمَدَ: الِاحْتِجاجُ بِالمُرْسَلِ، وبِأنَّهُ رَواهُ البَيْهَقِيُّ، والحاكِمُ، والطَّبَرانِيُّ، مَوْصُولًا مِن حَدِيثِ أبِي سَعِيدٍ، وما ذَكَرَهُ البَيْهَقِيُّ مِن وصْلِهِ مِن طَرِيقَيْنِ. إحْداهُما: مِن رِوايَةِ ضِرارِ بْنِ صُرَدٍ أبِي نُعَيْمٍ. والثّانِيَةُ: مِن رِوايَةِ شَرِيكِ بْنِ أبِي نَمِرٍ، عَنِ الحارِثِ بْنِ عَبْدٍ، مَرْفُوعًا. وَقالَ مُحَشِّيهِ، صاحِبُ ”الجَوْهَرِ النَّقِيِّ“ في ضِرارٍ المَذْكُورِ: إنَّهُ مَتْرُوكٌ، وعَزا ذَلِكَ لِلنَّسائِيِّ، وعَزا تَكْذِيبَهُ لِيَحْيى بْنِ مَعِينٍ. وَقالَ في ابْنِ أبِي نَمِرٍ: فِيهِ كَلامٌ يَسِيرٌ، وفي الحارِثِ بْنِ عَبْدٍ: إنَّهُ لا يَعْرِفُهُ، ولا ذِكْرَ لَهُ إلّا عِنْدَ الحاكِمِ في ”المُسْتَدْرَكِ“ في هَذا الحَدِيثِ. قالَ مُقَيِّدُهُ عَفا اللَّهُ عَنْهُ: ما ذَكَرَهُ مِن أنَّ ضِرارَ بْنَ صُرَدٍ مَتْرُوكٌ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأنَّهُ صَدُوقٌ لَهُ بَعْضُ أوْهامٍ لا تُوجِبُ تَرْكَهُ. وَقالَ فِيهِ ابْنُ حَجَرٍ في ”التَّقْرِيبِ“: صَدُوقٌ لَهُ أوْهامٌ وخَطَأٌ، ورُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ، وكانَ عارِفًا بِالفَرائِضِ. وَأمّا ابْنُ أبِي نَمِرٍ: فَهو مِن رِجالِ البُخارِيِّ، ومُسْلِمٍ. وَأمّا إسْنادُ الحاكِمِ: فَقالَ فِيهِ الشَّوْكانِيُّ، في ”نَيْلِ الأوْطارِ“: إنَّهُ ضَعِيفٌ وقالَ في إسْنادِ الطَّبَرانِيِّ: فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الحارِثِ المَخْزُومِيُّ، قُلْتُ: قالَ فِيهِ ابْنُ حَجَرٍ في ”التَّقْرِيبِ“: مَقْبُولٌ، وقالَ الشَّوْكانِيُّ أيْضًا، قالُوا: وصَلَهُ أيْضًا الطَّبَرانِيُّ مِن حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ. وَيُجابُ: بِأنَّهُ ضَعَّفَهُ بِمَسْعَدَةَ بْنِ اليَسَعِ الباهِلِيِّ. قالُوا: وصَلَهُ الحاكِمُ أيْضًا مِن حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وصَحَّحَهُ. وَيُجابُ: بِأنَّ في إسْنادِهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ المَدَنِيَّ، وهو ضَعِيفٌ. قالُوا: رَوى لَهُ الحاكِمُ شاهِدًا مِن حَدِيثِ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي نَمِرٍ، عَنِ الحارِثِ بْنِ عَبْدٍ، مَرْفُوعًا. (p-١٠٨)وَيُجابُ: بِأنَّ في إسْنادِهِ سُلَيْمانَ بْنَ داوُدَ الشّاذَكُونِيَّ، وهو مَتْرُوكٌ. قالُوا: أخْرَجَهُ الدّارَقُطْنِيُّ مِن وجْهٍ آخَرَ عَنْ شَرِيكٍ. وَيُجابُ: بِأنَّهُ مُرْسَلٌ. اهـ. قالَ مُقَيِّدُهُ عَفا اللَّهُ عَنْهُ: وهَذِهِ الطُّرُقُ المَوْصُولَةُ والمُرْسَلَةُ يَشُدُّ بَعْضُها بَعْضًا، فَيَصْلُحُ مَجْمُوعُها لِلِاحْتِجاجِ، ولا سِيَّما أنَّ مِنها ما صَحَّحَهُ بَعْضُ العُلَماءِ، كالطَّرِيقِ الَّتِي صَحَّحَها الحاكِمُ، وتَضْعِيفُها بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ المَدَنِيِّ: فِيهِ أنَّهُ مِن رِجالِ مُسْلِمٍ، وأخْرَجَ لَهُ البُخارِيُّ تَعْلِيقًا، وقالَ فِيهِ ابْنُ حَجَرٍ في ”التَّقْرِيبِ“: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. اهـ. واحْتَجُّوا أيْضًا بِما رَواهُ مالِكٌ في ”المُوَطَّأِ“، والبَيْهَقِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَنْظَلَةَ الزُّرَقِيِّ: أنَّهُ أخْبَرَهُ عَنْ مَوْلى لِقُرَيْشٍ كانَ قَدِيمًا يُقالُ لَهُ ابْنُ مُوسى، أنَّهُ قالَ: كُنْتُ جالِسًا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ، فَلَمّا صَلّى الظَّهْرَ، قالَ: ”يا يَرْفَأُ“، هَلُمَّ ذَلِكَ الكِتابَ - لِكِتابٍ كَتَبَهُ في شَأْنِ العَمَّةِ - فَنَسْألَ عَنْها، ونَسْتَخْبِرَ عَنْها، فَأتاهُ بِهِ ”يَرْفَأُ“ فَدَعا بِتَوْرٍ أوْ قَدَحٍ فِيهِ ماءٌ، فَمَحا ذَلِكَ الكِتابَ فِيهِ، ثُمَّ قالَ: لَوْ رَضِيَكَ اللَّهُ أقَرَّكَ، لَوْ رَضِيَكَ اللَّهُ أقَرَّكَ. وَقالَ مالِكٌ في ”المُوَطَّأِ“ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ: أنَّهُ سَمِعَ أباهُ: كَثِيرًا يَقُولُ: كانَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ يَقُولُ: عَجَبًا لِلْعَمَّةِ تَرِثُ ولا تُورَثُ، والجَمِيعُ فِيهِ مَقالٌ، وقالَ جَماعَةٌ مِن أهْلِ العِلْمِ: لا بَيانَ لِلْآيَةِ مِنَ القُرْآنِ، بَلْ هي باقِيَةٌ عَلى عُمُومِها، فَأوْجِبُوا المِيراثَ لِذَوِي الأرْحامِ. وَضابِطُهم: أنَّهُمُ الأقارِبُ الَّذِينَ لا فَرْضَ لَهم ولا تَعْصِيبَ. وَهم أحَدَ عَشَرَ حَيِّزًا: ١ - أوْلادُ البَناتِ. ٢ - وأوْلادُ الأخَواتِ. ٣ - وبَناتُ الإخْوَةِ. ٤ - وأوْلادُ الإخْوَةِ مِنَ الأُمِّ. ٥ - والعَمّاتُ مِن جَمِيعِ الجِهاتِ. ٦ - والعَمُّ مِنَ الأُمِّ. (p-١٠٩)٧ - والأخْوالُ. ٨ - والخالاتُ. ٩ - وبَناتُ الأعْمامِ. ١٠ - والجَدُّ أبُو الأُمِّ. ١١ - وكُلُّ جَدَّةٍ أدْلَتْ بِأبٍ بَيْنَ أُمَّيْنِ، أوْ بِأبٍ أعْلى مِنَ الجَدِّ. فَهَؤُلاءِ، ومَن أدْلى لَهم يُسَمَّوْنَ ذَوِي الأرْحامِ، ومِمَّنْ قالَ بِتَوْرِيثِهِمْ إذا لَمْ يُوجَدْ وارِثٌ بِفَرْضٍ أوْ تَعْصِيبٍ إلّا الزَّوْجُ والزَّوْجَةُ الإمامُ أحْمَدُ. وَيُرْوى هَذا القَوْلُ، عَنْ عُمَرَ، وعَلِيٍّ، وعَبْدِ اللَّهِ، وأبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الجَرّاحِ، ومُعاذِ بْنِ جَبَلٍ، وأبِي الدَّرْداءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم، وبِهِ قالَ شُرَيْحٌ وعُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ، وعَطاءٌ، وطاوُسٌ، وعَلْقَمَةُ، ومَسْرُوقٌ، وأهْلُ الكُوفَةِ، وغَيْرُهم. نَقَلَهُ ابْنُ قُدامَةَ في ”المُغْنِي“، واحْتَجُّوا بِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَأُولُو الأرْحامِ بَعْضُهم أوْلى بِبَعْضٍ﴾ [الأنفال: ٧٥]، وعُمُومِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ والأقْرَبُونَ﴾ الآيَةَ، ومِنَ السُّنَّةِ بِحَدِيثِ المِقْدامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، أنَّهُ قالَ: «مَن تَرَكَ مالًا فَلِوَرَثَتِهِ، وأنا وارِثُ مَن لا وارِثَ لَهُ، أعْقِلُ عَنْهُ، وأرِثُهُ، والخالُ وارِثُ مَن لا وارِثَ لَهُ، يَعْقِلُ عَنْهُ ويَرِثُهُ» أخْرَجَهُ الإمامُ أحْمَدُ وأبُو داوُدَ، والنَّسائِيُّ وابْنُ ماجَهْ، وابْنُ حِبّانَ، والحاكِمُ وصَحَّحاهُ، وحَسَّنَهُ أبُو زُرْعَةَ الرّازِيُّ، وأعَلَّهُ البَيْهَقِيُّ بِالِاضْطِرابِ، ونُقِلَ عَنْ يَحْيى بْنِ مَعِينٍ، أنَّهُ كانَ يَقُولُ: لَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ قَوِيٌّ، قالَهُ في ”نَيْلِ الأوْطارِ“ . واحْتَجُّوا أيْضًا بِما رَواهُ أبُو أُمامَةَ بْنُ سَهْلٍ، أنَّ رَجُلًا رَمى رَجُلًا بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ، ولَيْسَ لَهُ وارِثٌ إلّا خالٌ، فَكَتَبَ في ذَلِكَ أبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرّاحِ إلى عُمَرَ، فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ: «إنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: ”اللَّهُ ورَسُولُهُ مَوْلى مَن لا مَوْلى لَهُ، والخالُ وارِثُ مَن لا وارِثَ لَهُ»“ رَواهُ أحْمَدُ، وابْنُ ماجَهْ، ورَوى التِّرْمِذِيُّ المَرْفُوعَ مِنهُ، وقالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. قالَ الشَّوْكانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وفي البابِ عَنْ عائِشَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ والنَّسائِيِّ، والدّارَقُطْنِيِّ، مِن رِوايَةِ طاوُسٍ، عَنْها قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الخالُ وارْثُ مَن لا وارِثَ لَهُ»، قالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وأعَلَّهُ النَّسائِيُّ بِالِاضْطِرابِ، ورَجَّحَ الدّارَقُطْنِيُّ، (p-١١٠)والبَيْهَقِيُّ وقْفَهُ. قالَ التِّرْمِذِيُّ: وقَدْ أرْسَلَهُ بَعْضُهم ولَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عائِشَةَ. وَقالَ البَزّارُ: أحْسَنُ إسْنادٍ فِيهِ حَدِيثُ أبِي أُمامَةَ بْنِ سَهْلٍ، وأخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزّاقِ عَنْ رَجُلٍ مِن أهْلِ المَدِينَةِ، والعُقَيْلِيُّ وابْنُ عَساكِرَ عَنْ أبِي الدَّرْداءِ، وابْنُ النَّجّارِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، كُلُّها مَرْفُوعَةٌ. اهـ. قالَ التِّرْمِذِيُّ: وإلى هَذا الحَدِيثِ ذَهَبَ أكْثَرُ أهْلِ العِلْمِ في تَوْرِيثِ ذَوِي الأرْحامِ، واحْتَجُّوا أيْضًا بِما رَواهُ أبُو داوُدَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، «عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، أنَّهُ جَعَلَ مِيراثَ ابْنِ المُلاعَنَةِ لِأُمِّهِ ولِوَرَثَتِها مِن بَعْدِها»: وفِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ. قالَ مُقَيِّدُهُ عَفا اللَّهُ عَنْهُ: أظْهَرُ الأقْوالِ دَلِيلًا عِنْدِي، أنَّ الخالَ يَرِثُ مَن لا وارِثَ لَهُ، دُونَ غَيْرِهِ مِن ذَوِي الأرْحامِ؛ لِثُبُوتِ ذَلِكَ فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِالحَدِيثَيْنِ المَذْكُورَيْنِ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأنَّ المِيراثَ لا يَثْبُتُ إلّا بِدَلِيلٍ، وعُمُومُ الآيَتَيْنِ المَذْكُورَتَيْنِ لا يَنْهَضُ دَلِيلًا؛ لِقَوْلِهِ ﷺ: «إنَّ اللَّهَ قَدْ أعْطى كُلَّ ذِي حَقِّ حَقَّهُ» كَما تَقَدَّمَ. فَإذا عَلِمْتَ أقْوالَ العُلَماءِ، وحُجَجَهم في إرْثِ ذَوِي الأرْحامِ وعَدَمِهِ، فاعْلَمْ أنَّ القائِلِينَ بِالتَّوْرِيثِ: اخْتَلَفُوا في كَيْفِيَّتِهِ، فَذَهَبَ المَعْرُوفُونَ مِنهم بِأهْلِ التَّنْزِيلِ إلى تَنْزِيلِ كُلِّ واحِدٍ مِنهم مَنزِلَةَ مَن يُدْلِي بِهِ مِنَ الوَرَثَةِ، فَيُجْعَلُ لَهُ نَصِيبُهُ، فَإنْ بَعُدُوا نَزَلُوا دَرَجَةً دَرَجَةً، إلى أنْ يَصِلُوا مَن يُدْلُونَ بِهِ، فَيَأْخُذُونَ مِيراثَهُ، فَإنْ كانَ واحِدًا أخَذَ المالَ كُلَّهُ، وإنْ كانُوا جَماعَةً، قُسِّمَ المالُ بَيْنَ مَن يُدْلُونَ بِهِ، فَما حَصَلَ لِكُلِّ وارِثٍ جُعِلَ لِمَن يُدْلِي بِهِ، فَإنْ بَقِيَ مِن سِهامِ المَسْألَةِ شَيْءٌ، رُدَّ عَلَيْهِمْ عَلى قَدْرِ سِهامِهِمْ. وَهَذا هو مَذْهَبُ الإمامِ أحْمَدَ، وهو قَوْلُ عَلْقَمَةَ، ومَسْرُوقٍ، والشَّعْبِيِّ، والنَّخَعِيِّ، وحَمّادٍ، ونُعَيْمٍ، وشَرِيكٍ، وابْنِ أبِي لَيْلى، والثَّوْرِيِّ، وغَيْرِهِمْ؛ كَما نَقَلَهُ عَنْهُمُ ابْنُ قُدامَةَ في ”المُغْنِي“ . وَقالَ أيْضًا: قَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وعَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: أنَّهُما نَزَّلا بِنْتَ البِنْتِ مَنزِلَةَ البِنْتِ، وبِنْتَ الأخِ مَنزِلَةَ الأخِ، وبِنْتَ الأُخْتِ مَنزِلَةَ الأُخْتِ، والعَمَّةَ مَنزِلَةَ الأبِ، والخالَةَ مَنزِلَةَ الأُمِّ، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في العَمَّةِ، والخالَةِ. وَعَنْ عَلِيٍّ أيْضًا: أنَّهُ نَزَّلَ العَمَّةَ مَنزِلَةَ العَمِّ، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلْقَمَةَ، ومَسْرُوقٍ، وهي الرِّوايَةُ الثّانِيَةُ عَنْ أحْمَدَ، وعَنِ الثَّوْرِيِّ وأبِي عُبَيْدٍ: أنَّهُما نَزَّلاها مَنزِلَةَ الجَدِّ مَعَ ولَدِ (p-١١١)الإخْوَةِ والأخَواتِ، ونَزَّلَها آخَرُونَ مَنزِلَةَ الجَدَّةِ. وَإنَّما صارَ هَذا الخِلافُ في العَمَّةِ؛ لِأنَّها أدْلَتْ بِأرْبَعِ جِهاتٍ وارِثاتٍ: فالأبُ والعَمُّ أخَواها، والجَدُّ والجَدَّةُ أبَواها، ونَزَّلَ قَوْمَ الخالَةِ مَنزِلَةَ جَدَّةٍ؛ لِأنَّ الجَدَّةَ أُمُّها، والصَّحِيحُ مِن ذَلِكَ تَنْزِيلُ العَمَّةِ أبًا، والخالَةِ أُمًّا. اهـ. مِنَ ”المُغْنِي“ . وَذَهَبَتْ جَماعَةٌ أُخْرى مِمَّنْ قالَ بِالتَّوْرِيثِ مِنهم أبُو حَنِيفَةَ، وأصْحابُهُ إلى أنَّهم يُوَرَّثُونَ عَلى تَرْتِيبِ العَصَباتِ، فَقالُوا: يُقَدَّمُ أوْلادُ المَيِّتِ وإنْ سَفَلُوا، ثُمَّ أوْلادُ أبَوَيْهِ أوْ أحَدُهُما وإنْ سَفَلُوا، ثُمَّ أوْلادُ أبَوَيْ أبَوَيْهِ وإنْ سَفَلُوا، وهَكَذا أبَدًا لا يَرِثُ بَنُو أبٍ أعْلى وهُناكَ بَنُو أبٍ أقْرَبُ مِنهُ، وإنْ نَزَلَتْ دَرَجَتُهم. وَعَنْ أبِي حَنِيفَةَ: أنَّهُ جَعَلَ أبا الأُمِّ، وإنْ عَلا أوْلى مِن ولَدِ البَناتِ، ويُسَمّى مَذْهَبُ هَؤُلاءِ: مَذْهَبَ أهْلِ القَرابَةِ. وَ العِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب