الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ الآية.
يقال: وجل يوجل وجلًا فهو وجل وأوجل: إذا فرق وخاف، وقال معن بن أوس [[هو: معن بن أوس بن نصر المزني، شاعر فحل، أدرك الجاهلية والإسلام، توفي سنة 64هـ. انظر: "الإصابة" 3/ 499، و"خزانة الأدب" 7/ 260، و"الأعلام" 7/ 273.]]:
لعمرك ما أدري وإني لأوجل ... على أينا تغدو المنية أول [[البيت في "ديوانه" ص 28، وهو مطلع لاميته المشهورة باسم لامية العجم، والتي يستعطف بها صديقه، وكان معن طلق أخته وتزوج بأخرى، فآلى أخوها أن لا يكلمه. والشاعر يريد في البيت: أنه يؤثر أن يكون هو السابق في الوفاة، وهو وجل أن يبقى بعد وفاة صاحبه فيتألم لفراقه، ويذوق مرارة ذلك.
انظر: "شرح ديوان الحماسة" للتبريزي 3/ 4132 و"خزانة الآدب" 8/ 291.]] قال المفسرون وأهل المعاني [[المراد بأهل المعاني: اللغويون الذين تكلموا عن معاني القرآن من جهة اللغة والنحو كالفراء وأبي عبيدة والأخفش والزجاج والنحاس وأبي عبيد وابن قتيبة وابن الأنباري والأزهري، قال الزركشي في "البرهان" 1/ 192: قال ابن الصلاح: وحيث رأيت في كتب التفسير: قال أهل المعاني، فالمراد به مصنفو الكتب في معاني القرآن كالزجاج ومن قبله، وفي بعض كلام الواحدي: أكثر أهل المعاني، الفراء والزجاج وابن الأنباري قالوا كذا.
وانظر نحو هذا القول في: "الإتقان" للسيوطي 1/ 149.]]: هذه الآية تتضمن وصف المؤمنين بوجل القلوب عند ذكر الله [[انظر: "تفسير ابن جرير" 9/ 179، والسمرقندي 2/ 4، ولم أجده عند أهل المعاني.]].
قال الزجاج: تأويله: إذا ذكرت عظمة الله جل وعز وقدرته وما خوف به من عصاه وجلت قلوبهم أي: فزعت [["معاني القرآن وإعرابه" للزجاج 2/ 400.]].
يقول: إنما المؤمن الذي إذا خوف بالله فرق قلبه وانقاد لأمره خوفًا من عقابه، ومفهومه: ليس المؤمن الذي يخالف الله ورسوله ويترك اتباع ما أنزل في كتابه، والإشارة فيه إلى إلزام أصحاب بدر طاعة الرسول فيما يرى من قسمة الغنيمة.
قال ابن عباس: ﴿وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾: خافت قلوبهم وخشعت لذكر الله [["تنوير المقباس" ص 177 مختصرًا، وقد روى ابن أبي حاتم عنه مثل قول مجاهد. انظر: "تفسير ابن أبي حاتم" 5/ 1655، و"الدر المنثور" 3/ 297.]]. وقال مجاهد: فرقت قلوبهم [[رواه ابن جرير 13/ 386، وابن أبي حاتم 5/ 1655، وهو في "تفسير مجاهد" ص 351.]].
فإن قيل: قوله: ﴿وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ وقوله في آية أخرى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ﴾ الرعد: 28. كيف يجمع بينهما والآيتان متدافعتان؛ لأن الوجل خلاف الطمأنينة؟ قيل: هذا جهل وذهاب عما عليه الآيتان لأن الاطمئنان إنما يكون من [[في (س): (عن).]] ثلج اليقين [[في (ح): (النفس)، وهما بمعنى. يقال: ثَلَجَ قلبه وثَلِجَ: تيقن. انظر: "اللسان" (ثلج) 1/ 500.]]، وشرح الصدور، ولمعرفة التوحيد والعلم به، وما يتبع ذلك من الدرجة الرفيعة والثواب الجزيل الموعود به، والوجل إنما يكون من خوف العقوبة أو عند خوف الزيغ عن الهدى وما يستحق به الوعيد، فتوجل القلوب لذلك فكل واحدة من الحالتين غير صاحبتها فليس هنا إذًا تضاد ولا تدافع وهذان المعنيان المفترقان في هاتين الآيتين اجتمعا في آية واحدة وهو قوله: ﴿تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الزمر: 23]؛ لأن هؤلاء قد سكنت نفوسهم إلى معتقدهم ووثقوا فانتفى عنهم الشك والارتياب فهو معنى قوله: ﴿تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ وهذا كله كلام أبي علي الفارسي [[انظر: "الحجة للقراء السبعة" 1/ 222.]].
وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾. قال ابن عباس: يريد تصديقًا ويقينًا [[رواه بنحوه ابن جرير 9/ 179، وابن أبي حاتم 5/ 1656 أمن رواية علي بن أبي طلحة.]]، وزيادة الإيمان الذي هو التصديق [[التصديق بعض الإيمان، فإن كان المؤلف يريد أن يبين كيفية زيادة هذا البعض فكلامه مقبول، وإن كان يريد أن يفسر الإيمان بالتصديق فقط فكلامه محل نظر إذ إن الثابت عند أهل السنة والجماعة أن الإيمان: تصديق الجنان، وقول اللسان، == وعمل الأركان. وزيادة الإيمان تكون بزيادة أحد هذه الثلاثة، فزيادة التصديق تكون بما ذكره المؤلف رحمه الله وزيادة الإيمان بالقول والعمل تكون بزيادة ما يحبه الله ويرضاه من القول والعمل والإحسان فيه.
قال الإمام البخاري رحمه الله كتبت عن ألف نفر من العلماء وزيادة، ولم أكتب إلا عمن قال: الإيمان قول وعمل. "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" للإمام اللالكائي 5/ 889. وقال أبو عمر بن عبد البر المالكي: أجمع أهل الفقه والحديث على أن الإيمان قول وعمل، ولا عمل إلا بنية، والإيمان عندهم يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، والطاعات كلها عندهم إيمانا، إلا ما ذكر عن أبي حنيفة وأصحابه فإنهم ذهبوا إلى أن الطاعة لا تسمى إيمانًا، قالوا إنما الإيمان: التصديق والإقرار، إلى أن قال: وأما سائر الفقهاء من أهل الرأي والآثار بالحجاز والعراق والشام ومصر فقالوا: الإيمان قول وعمل، قول باللسان وهو الإقرار، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح من الإخلاص. "التمهيد" 9/ 238 - 243.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: المأثور عن الصحابة، وأئمة التابعين، وجمهور السلف، وهو مذهب أهل الحديث، وهو المنسوب إلى أهل السنة: أن الإيمان قول وعمل. "مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية" 7/ 505.
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الخلاف بين أبي حنيفة وسائر الأئمة فيما يقع عليه اسم الإيمان اختلاف صوري.
انظر: "شرح العقيدة الطحاوية" لابن أبي العز الدمشقي 2/ 462.]] يكون على وجهين: أحدهما: وهو الذي عليه عامة أهل العلم أن ذلك يكون بانشراح الصدور ووضوح الدليل، فكل من زاده الله شرح الصدر واتضاح الدلائل زاده معرفة ويقينًا، وما من آية ظهرت له إلا زاد تصديقه لقوة المعرفة التي تقوي بها البصيرة؛ لأنه يكون من الشك أبعد، واليقين مهما كان احتمال الشك عنه أبعد كان أقوى، وإلى هذا أشار النبي ﷺ في قوله: "لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح" [[الصحيح أنه من كلام عمر -رضي الله عنه-، ولا يصح رفعه. انظر: "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" للشوكانى ص 235.]].
يريد أن معرفته بالله أقوى وإلا فكان غيره من الصحابة يصدق الرسول كما يصدق هو.
الوجه الثاني في زيادة التصديق: أنهم يصدقون بكل ما يتلى عليهم من عند الله، يصدقون بالأول والثاني والثالث، وكل ما يأتي من عند الله؛ فيزيد تصديقهم؛ لأن من صدق إنسانًا في شيئين كان تصديقه له أكثر من تصديق من صدقه في شيء واحد، وهذا معنى قول أبي إسحاق [[يعني الزجاج. انظر: "معاني القرآن وإعرابه" 2/ 401.]]، يدل على صحة هذا قول مقاتل: ﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾: تصديقًا مع تصديقهم [[في "تفسير مقاتل": تصديقًا مع إيمانهم مع تصديقهم ... إلخ.]] بما أنزل عليهم من قبل ذلك من القرآن [[انظر: "تفسير مقاتل بن سليمان" 118 أ.]].
فعلى هذا ما من آية استأنفوا بها تصديقًا إلا ازدادوا إيمانا.
وقوله تعالى: ﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾. قال ابن عباس: يريد بالله يثقون، لا يرجون غيره [[رواه مختصرًا ابن جرير 9/ 179، وابن أبي حاتم 5/ 1656 أ.]].
{"ayah":"إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِینَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَإِذَا تُلِیَتۡ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِیمَـٰنࣰا وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ یَتَوَكَّلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق