الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿إنَّما المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذا ذُكِرَ اللهُ وجِلَتْ قُلُوبُهم وإذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهم إيمانًا وعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَلاةَ ومِمّا رَزَقْناهم يُنْفِقُونَ﴾ ﴿أُولَئِكَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهم دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ ومَغْفِرَةٌ ورِزْقٌ كَرِيمٌ﴾
"إنَّما" لَفْظٌ لا تُفارِقُهُ المُبالَغَةُ والتَأْكِيدُ حَيْثُ وقَعَ، ويَصْلُحُ مَعَ ذَلِكَ لِلْحَصْرِ، فَإذا دَخَلَ في قِصَّةٍ وساعَدَ مَعْناها عَلى الِانْحِصارِ صَحَّ ذَلِكَ وتَرَتَّبَ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أنَّما إلَهُكم إلَهٌ واحِدٌ﴾ [الكهف: ١١٠] وغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأمْثِلَةِ، وإذا كانَتِ القِصَّةُ لا تَتَأتّى لِلِانْحِصارِ بَقِيَتْ "إنَّما" لِلْمُبالَغَةِ والتَأْكِيدِ فَقَطْ، كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ: « "إنَّما الرِبا في النَسِيئَةِ"»، وكَقَوْلِهِمْ: "إنَّما الشُجاعُ عنتَرَةُ"، وأمّا مَن قالَ: "إنَّما" هي لِبَيانِ المَوْصُوفِ، فَهي عِبارَةٌ فاتِرَةٌ، إذْ بَيانُ المَوْصُوفِ يَكُونُ في مُجَرَّدِ الإخْبارِ دُونَ "إنَّما". وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ هاهُنا ﴿إنَّما المُؤْمِنُونَ﴾ ظاهِرُها أنَّها لِلْمُبالَغَةِ والتَأْكِيدِ فَقَطْ، أيِ:الكامِلُونَ.
و﴿وَجِلَتْ﴾ مَعْناهُ: فَزِعَتْ ورَقَّتْ وخافَتْ، وبِهَذِهِ المَعانِي فَسَّرَتِ العُلَماءُ. وقَرَأ (p-١٣٦)ابْنُ مَسْعُودٍ: (فَرِقَتْ)، وقَرَأ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: (فَزِعَتْ). يُقالُ: وجَلَ يَوْجَلُ وياجَلَ ويَيْجَلُ -وَهِيَ شاذَّةٌ- ويِيجَلُ بِكَسْرِ الياءِ الأُولى، ووَجْهُ هَذِهِ أنَّهم لَمّا أبْدَلُوا الواوَ ياءً لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ وجْهُ قِياسٍ فَكَسَرُوا الياءَ الأُولى لِيَجِيءَ بَدَلَ الواوِ ياءٌ لِعِلَّةٍ، حَكى هَذِهِ اللُغاتِ الأرْبَعَ سِيبَوَيْهِ رَحِمَهُ اللهُ. و( تُلِيَتْ ) مَعْناهُ: سُرِدَتْ وقُرِئَتْ، والآياتُ هُنا: القُرْآنُ المَتْلُوُّ، وزِيادَةُ الإيمانِ عَلى وُجُوهٍ كُلُّها خارِجٌ عن نَفْسِ التَصْدِيقِ، مِنها أنَّ المُؤْمِنَ إذا كانَ لَمْ يَسْمَعْ حُكْمًا مِن أحْكامِ اللهِ في القُرْآنِ فَنَزَلَ عَلى النَبِيِّ ﷺ فَسَمِعَهُ فَآمَنَ بِهِ زادَ إيمانًا إلى سائِرِ ما قَدْ آمَنَ بِهِ، إذْ لِكُلِّ حُكْمٍ تَصْدِيقٌ خاصٌّ بِهِ، وهَذا يَتَرَتَّبُ فِيمَن بَلَغَهُ ما لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنَ الشَرْعِ إلى يَوْمِ القِيامَةِ، وتَتَرَتَّبُ زِيادَةُ الإيمانِ بِزِيادَةِ الدَلائِلِ، ولِهَذا قالَ مالِكٌ: الإيمانُ يَزِيدُ ولا يَنْقُصُ، وتَتَرَتَّبُ زِيادَةُ الأعْمالِ البَرَّةِ عَلى قَوْلِ مَن يَرى لَفْظَةَ الإيمانِ واقِعَةً عَلى التَصْدِيقِ والطاعاتِ، وهَؤُلاءِ يَقُولُونَ: يَزِيدُ ويَنْقُصُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ عِبارَةٌ جامِعَةٌ لِمَصالِحِ الدُنْيا والآخِرَةِ إذا اعْتُبِرَتْ وعُمِلَ بِحَسَبِها في أنْ يَمْتَثِلَ الإنْسانُ ما أُمِرَ بِهِ ويَبْلُغُ في ذَلِكَ أقْصى جُهْدِهِ دُونَ عَجْزٍ، ويَنْتَظِرُ بَعْدَما تَكَفَّلَ لَهُ بِهِ مِن نَصْرٍ أو رِزْقٍ أو غَيْرِهِ.
وهَذِهِ أوصافٌ جَمِيلَةٌ وصَفَ اللهُ بِها فُضَلاءَ المُؤْمِنِينَ، فَجَعَلَها غايَةً لِلْأُمَّةِ لِيَسْتَبِقَ إلَيْها الأفاضِلُ، ثُمَّ أتْبَعَ ذَلِكَ عَدَّهم ووَسْمَهم بِإقامَةِ الصَلاةِ، ومَدْحَهم بِها حَضًّا عَلى ذَلِكَ.
وقَوْلُهُ: ﴿وَمِمّا رَزَقْناهم يُنْفِقُونَ﴾ قالَ جَماعَةٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ: هي الزَكاةُ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وإنَّما حَمَلَهم عَلى ذَلِكَ اقْتِرانُ الكَلامِ بِإقامَةِ الصَلاةِ وإلّا فَهو لَفْظٌ عامٌّ في الزَكاةِ ونَوافِلِ الخَيْرِ وصِلاتِ المُسْتَحِقِّينَ، ولَفْظُ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما في هَذا المَعْنى مُحْتَمَلٌ.
(p-١٣٧)وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقًّا﴾ يُرِيدُ: كُلَّ المُؤْمِنِينَ، و"حَقًّا" مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ، كَذا نَصَّ عَلَيْهِ سِيبَوَيْهِ، وهو المَصْدَرُ غَيْرُ المُتَنَقِّلِ، والعامِلُ فِيهِ أحُقُّ ذَلِكَ حَقًّا. وقَوْلُهُ: ﴿دَرَجاتٌ﴾ ظاهِرُهُ -وَهُوَ قَوْلُ الجُمْهُورِ- أنَّ المُرادَ: مَراتِبُ الجَنَّةِ ومَنازِلُها، ودَرَجَتُها عَلى قَدْرِ أعْمالِهِمْ. وحَكى الطَبَرِيُّ عن مُجاهِدٍ أنَّها دَرَجاتُ أعْمالِ الدُنْيا. وقَوْلُهُ: ﴿وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ يُرِيدُ بِهِ: مَآكِلَ الجَنَّةِ ومَشارِبَها، و"كَرِيمٌ" صِفَةٌ تَقْتَضِي رَفْعَ المَذامِّ كَقَوْلِكَ: ثَوْبٌ كِرِيمٌ وحَسَبٌ كَرِيمٌ.
{"ayahs_start":2,"ayahs":["إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِینَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَإِذَا تُلِیَتۡ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِیمَـٰنࣰا وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ یَتَوَكَّلُونَ","ٱلَّذِینَ یُقِیمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَـٰهُمۡ یُنفِقُونَ","أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقࣰّاۚ لَّهُمۡ دَرَجَـٰتٌ عِندَ رَبِّهِمۡ وَمَغۡفِرَةࣱ وَرِزۡقࣱ كَرِیمࣱ"],"ayah":"إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِینَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَإِذَا تُلِیَتۡ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِیمَـٰنࣰا وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ یَتَوَكَّلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق