الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّما المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذا ذُكِرَ اللَّهُ وجِلَتْ قُلُوبُهم وإذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهم إيمانًا وعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ومِمّا رَزَقْناهم يُنْفِقُونَ﴾ ﴿أُولَئِكَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهم دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ ومَغْفِرَةٌ ورِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ .
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا قالَ: ﴿وأطِيعُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ واقْتَضى ذَلِكَ كَوْنَ الإيمانِ مُسْتَلْزِمًا لِلطّاعَةِ، شَرَحَ ذَلِكَ في هَذِهِ الآيَةِ مَزِيدَ شَرْحٍ وتَفْصِيلٍ، وبَيَّنَ أنَّ الإيمانَ لا يَحْصُلُ إلّا عِنْدَ حُصُولِ هَذِهِ الطّاعاتِ فَقالَ: ﴿إنَّما المُؤْمِنُونَ﴾ الآيَةَ، واعْلَمْ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ تَدُلُّ عَلى أنَّ الإيمانَ لا يَحْصُلُ إلّا عِنْدَ حُصُولِ أُمُورٍ خَمْسَةٍ:
الأوَّلُ: قَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ إذا ذُكِرَ اللَّهُ وجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ قالَ الواحِدِيُّ يُقالُ: وجِلَ يَوْجَلُ وجَلًا، فَهو وجِلٌ، وأوْجَلَ إذا خافَ. قالَ الشّاعِرُ:
؎لَعَمْرُكَ ما أدْرِي وإنِّي لَأوْجَلُ عَلى أيِّنا تَعْدُو المَنِيَّةُ أوَّلُ
والمُرادُ أنَّ المُؤْمِنَ إنَّما يَكُونُ مُؤْمِنًا إذا كانَ خائِفًا مِنَ اللَّهِ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿تَقْشَعِرُّ مِنهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾ [الزُّمَرِ: ٢٣] وقَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ هم مِن خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ﴾ [المُؤْمِنُونَ: ٥٧] وقَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ هم في صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ﴾ [المُؤْمِنُونَ: ٢] .
وقالَ أصْحابُ الحَقائِقِ: الخَوْفُ عَلى قِسْمَيْنِ: خَوْفُ العِقابِ، وخَوْفُ العَظَمَةِ والجَلالِ. أمّا خَوْفُ العِقابِ فَهو لِلْعُصاةِ، وأمّا خَوْفُ الجَلالِ والعَظَمَةِ فَهو لا يَزُولُ عَنْ قَلْبِ أحَدٍ مِنَ المَخْلُوقِينَ، سَواءً كانَ مَلَكًا مُقَرَّبًا أوْ نَبِيًّا مُرْسَلًا، وذَلِكَ لِأنَّهُ تَعالى غَنِيٌّ لِذاتِهِ عَنْ كُلِّ المَوْجُوداتِ وما سِواهُ مِنَ المَوْجُوداتِ فَمُحْتاجُونَ إلَيْهِ، والمُحْتاجُ إذا حَضَرَ عِنْدَ المَلِكِ الغَنِيِّ يَهابُهُ ويَخافُهُ، ولَيْسَتْ تِلْكَ الهَيْبَةُ مِنَ العِقابِ، بَلْ مُجَرَّدُ عِلْمِهِ بِكَوْنِهِ غَنِيًّا عَنْهُ، وكَوْنِهِ مُحْتاجًا إلَيْهِ يُوجِبُ تِلْكَ المَهابَةَ وذَلِكَ الخَوْفَ.
(p-٩٦)إذا عَرَفْتَ هَذا فَنَقُولُ: إنْ كانَ المُرادُ مِنَ الوَجَلِ القِسْمَ الأوَّلَ، فَذَلِكَ لا يَحْصُلُ مِن مُجَرَّدِ ذِكْرِ اللَّهِ، وإنَّما يَحْصُلُ مِن ذِكْرِ عِقابِ اللَّهِ، وهَذا هو اللّائِقُ بِهَذا المَوْضِعِ؛ لِأنَّ المَقْصُودَ مِن هَذِهِ الآيَةِ إلْزامُ أصْحابِ بَدْرٍ طاعَةَ اللَّهِ وطاعَةَ الرَّسُولِ في قِسْمَةِ الأنْفالِ، وأمّا إنْ كانَ المُرادُ مِنَ الوَجَلِ القِسْمَ الثّانِيَ، فَذَلِكَ لازِمٌ مِن مُجَرَّدِ ذِكْرِ اللَّهِ، ولا حاجَةَ في الآيَةِ إلى الإضْمارِ.
فَإنْ قِيلَ: إنَّهُ تَعالى قالَ هَهُنا: ﴿وجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ وقالَ في آيَةٍ أُخْرى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهم بِذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الرَّعْدِ: ٢٨] فَكَيْفَ الجَمْعُ بَيْنَهُما ؟ وأيْضًا قالَ في آيَةٍ أُخْرى: ﴿ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهم وقُلُوبُهم إلى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الزُّمَرِ: ٢٣] قُلْنا: الِاطْمِئْنانُ إنَّما يَكُونُ عَنْ ثَلْجِ اليَقِينِ، وشَرْحِ الصَّدْرِ بِمَعْرِفَةِ التَّوْحِيدِ، والوَجَلُ إنَّما يَكُونُ مِن خَوْفِ العُقُوبَةِ، ولا مُنافاةَ بَيْنَ هاتَيْنِ الحالَتَيْنِ، بَلْ نَقُولُ: هَذانِ الوَصْفانِ اجْتَمَعا في آيَةٍ واحِدَةٍ، وهي قَوْلُهُ تَعالى: ﴿تَقْشَعِرُّ مِنهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهم ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهم وقُلُوبُهم إلى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الزُّمَرِ: ٢٣] والمَعْنى: تَقْشَعِرُّ الجُلُودُ مِن خَوْفِ عَذابِ اللَّهِ، ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهم وقُلُوبُهم عِنْدَ رَجاءِ ثَوابِ اللَّهِ.
* * *
الصِّفَةُ الثّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهم إيمانًا﴾ وهو كَقَوْلِهِ: ﴿وإذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنهم مَن يَقُولُ أيُّكم زادَتْهُ هَذِهِ إيمانًا﴾ [التَّوْبَةِ: ١٢٤] ثُمَّ فِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: زِيادَةُ الإيمانِ الَّذِي هو التَّصْدِيقُ عَلى وجْهَيْنِ:
الوَجْهُ الأوَّلُ: وهو الَّذِي عَلَيْهِ عامَّةُ أهْلِ العِلْمِ عَلى ما حَكاهُ الواحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: أنَّ كُلَّ مَن كانَتِ الدَّلائِلُ عِنْدَهُ أكْثَرَ وأقْوى كانَ أزْيَدَ إيمانًا، لِأنَّ عِنْدَ حُصُولِ كَثْرَةِ الدَّلائِلِ وقُوَّتِها يَزُولُ الشَّكُّ ويَقْوى اليَقِينُ، وإلَيْهِ الإشارَةُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: ”«لَوْ وُزِنَ إيمانُ أبِي بَكْرٍ بِإيمانِ أهْلِ الأرْضِ لَرَجَحَ» “ يُرِيدُ أنَّ مَعْرِفَتَهُ بِاللَّهِ أقْوى.
ولِقائِلٍ أنْ يَقُولَ: المُرادُ مِن هَذِهِ الزِّيادَةِ: إمّا قُوَّةُ الدَّلِيلِ أوْ كَثْرَةُ الدَّلائِلِ، أمّا قُوَّةُ الدَّلِيلِ فَباطِلٌ، وذَلِكَ لِأنَّ كُلَّ دَلِيلٍ فَهو مُرَكَّبٌ لا مَحالَةَ مِن مُقَدِّماتٍ، وتِلْكَ المُقَدِّماتُ إمّا أنْ يَكُونَ مَجْزُومًا بِها جَزْمًا مانِعًا مِنَ النَّقِيضِ أوْ لا يَكُونَ، فَإنْ كانَ الجَزْمُ المانِعُ مِنَ النَّقِيضِ حاصِلًا في كُلِّ المُقَدِّماتِ، امْتَنَعَ كَوْنُ بَعْضِ الدَّلائِلِ أقْوى مِن بَعْضٍ عَلى هَذا التَّفْسِيرِ، لِأنَّ الجَزْمَ المانِعَ مِنَ النَّقِيضِ لا يَقْبَلُ التَّفاوُتَ، وأمّا إنْ كانَ الجَزْمُ المانِعُ مِنَ النَّقِيضِ غَيْرَ حاصِلٍ إمّا في الكُلِّ أوْ في البَعْضِ فَذَلِكَ لا يَكُونُ دَلِيلًا، بَلْ أمارَةً، والنَّتِيجَةُ الحاصِلَةُ مِنها لا تَكُونُ عِلْمًا بَلْ ظَنًّا، فَثَبَتَ بِما ذَكَرْنا أنَّ حُصُولَ التَّفاوُتِ في الدَّلائِلِ بِسَبَبِ القُوَّةِ مُحالٌ، وأمّا حُصُولُ التَّفاوُتِ بِسَبَبِ كَثْرَةِ الدَّلائِلِ فالأمْرُ كَذَلِكَ، لِأنَّ الجَزْمَ الحاصِلَ بِسَبَبِ الدَّلِيلِ الواحِدِ إنْ كانَ مانِعًا مِنَ النَّقِيضِ لَمْ يَكُنْ دَلِيلًا، بَلْ كانَ أمارَةً ولَمْ تَكُنِ النَّتِيجَةُ مَعْلُومَةً بَلْ مَظْنُونَةً، فَثَبَتَ أنَّ هَذا التَّأْوِيلَ ضَعِيفٌ.
واعْلَمْ أنَّهُ يُمْكِنُ أنْ يُقالَ: المُرادُ مِن هَذِهِ الزِّيادَةِ الدَّوامُ وعَدَمُ الدَّوامِ، وذَلِكَ لِأنَّ بَعْضَ المُسْتَدِلِّينَ لا يَكُونُ مُسْتَحْضِرًا لِلدَّلِيلِ والمَدْلُولِ إلّا لَحْظَةً واحِدَةً، ومِنهم مَن يَكُونُ مُداوِمًا لِتِلْكَ الحالَةِ وبَيْنَ هَذَيْنِ الطَّرَفَيْنِ أوْساطٌ مُخْتَلِفَةٌ ومَراتِبُ مُتَفاوِتَةٌ، وهو المُرادُ مِنَ الزِّيادَةِ.
والوَجْهُ الثّانِي مِن زِيادَةِ التَّصْدِيقِ: أنَّهم يُصَدِّقُونَ بِكُلِّ ما يُتْلى عَلَيْهِمْ مِن عِنْدِ اللَّهِ، ولَمّا كانَتِ التَّكالِيفُ مُتَوالِيَةً في زَمَنِ الرَّسُولِ ﷺ مُتَعاقِبَةً، فَعِنْدَ حُدُوثِ كُلِّ تَكْلِيفٍ كانُوا يَزِيدُونَ تَصْدِيقًا وإقْرارًا، ومِنَ المَعْلُومِ أنَّ مَن صَدَّقَ إنْسانًا في شَيْئَيْنِ كانَ تَصْدِيقُهُ لَهُ أكْثَرَ مِن تَصْدِيقِ مَن صَدَّقَهُ في شَيْءٍ واحِدٍ، وقَوْلُهُ: ﴿وإذا تُلِيَتْ﴾ (p-٩٧)﴿عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهم إيمانًا﴾ مَعْناهُ: أنَّهم كُلَّما سَمِعُوا آيَةً جَدِيدَةً أتَوْا بِإقْرارٍ جَدِيدٍ فَكانَ ذَلِكَ زِيادَةً في الإيمانِ والتَّصْدِيقِ.
وفِي الآيَةِ وجْهٌ ثالِثٌ: وهو أنَّ كَمالَ قُدْرَةِ اللَّهِ وحِكْمَتِهِ إنَّما تُعْرَفُ بِواسِطَةِ آثارِ حِكْمَةِ اللَّهِ في مَخْلُوقاتِهِ، وهَذا بَحْرٌ لا ساحِلَ لَهُ، وكُلَّما وقَفَ عَقْلُ الإنْسانِ عَلى آثارِ حِكْمَةِ اللَّهِ في تَخْلِيقِ شَيْءٍ آخَرَ، انْتَقَلَ مِنهُ إلى طَلَبِ حِكْمَتِهِ في تَخْلِيقِ شَيْءٍ آخَرَ، فَقَدِ انْتَقَلَ مِن مَرْتَبَةٍ إلى مَرْتَبَةٍ أُخْرى أعْلى مِنها وأشْرَفَ وأكْمَلَ، ولَمّا كانَتْ هَذِهِ المَراتِبُ لا نِهايَةَ لَها، لا جَرَمَ لا نِهايَةَ لِمَراتِبِ التَّجَلِّي والكَشْفِ والمَعْرِفَةِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: اخْتَلَفُوا في أنَّ الإيمانَ هَلْ يَقْبَلُ الزِّيادَةَ والنُّقْصانَ أمْ لا ؟ أمّا الَّذِينَ قالُوا: الإيمانُ عِبارَةٌ عَنْ مَجْمُوعِ الِاعْتِقادِ والإقْرارِ والعَمَلِ، فَقَدِ احْتَجُّوا بِهَذِهِ الآيَةِ مِن وجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: أنَّ قَوْلَهُ: ﴿زادَتْهم إيمانًا﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّ الإيمانَ يَقْبَلُ الزِّيادَةَ، ولَوْ كانَ الإيمانُ عِبارَةً عَنِ المَعْرِفَةِ والإقْرارِ لَما قَبِلَ الزِّيادَةَ.
والثّانِي: أنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَ هَذِهِ الأُمُورَ الخَمْسَةَ قالَ في المَوْصُوفِينَ بِها: ﴿أُولَئِكَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقًّا﴾ وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ كُلَّ تِلْكَ الخِصالِ داخِلٌ في مُسَمّى الإيمانِ، ورُوِيَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: ”«الإيمانُ بِضْعٌ وسَبْعُونَ شُعْبَةً أعْلاها شَهادَةُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، وأدْناها إماطَةُ الأذى عَنِ الطَّرِيقِ، والحَياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمانِ» “ واحْتَجُّوا بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى أنَّ الإيمانَ عِبارَةٌ عَنْ مَجْمُوعِ الأرْكانِ الثَّلاثَةِ، قالُوا: لِأنَّ الآيَةَ صَرِيحَةٌ في أنَّ الإيمانَ يَقْبَلُ الزِّيادَةَ، والمَعْرِفَةُ والإقْرارُ لا يَقْبَلانِ التَّفاوُتَ، فَوَجَبَ أنْ يَكُونَ الإيمانُ عِبارَةً عَنْ مَجْمُوعِ الإقْرارِ والِاعْتِقادِ والعَمَلِ، حَتّى أنَّ بِسَبَبِ دُخُولِ التَّفاوُتِ في العَمَلِ يَظْهَرُ التَّفاوُتُ في الإيمانِ. وهَذا الِاسْتِدْلالُ ضَعِيفٌ لِما بَيَّنّا أنَّ التَّفاوُتَ بِالدَّوامِ وعَدَمِ الدَّوامِ حاصِلٌ في الِاعْتِقادِ والإقْرارِ، وهَذا القَدْرُ يَكْفِي في حُصُولِ التَّفاوُتِ في الإيمانِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قَوْلُهُ: ﴿وإذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهم إيمانًا﴾ ظاهِرُهُ مُشْعِرٌ بِأنَّ تِلْكَ الآياتِ هي المُؤَثِّرَةُ في حُصُولِ الزِّيادَةِ في الإيمانِ، ولَيْسَ الأمْرُ كَذَلِكَ، لِأنَّ نَفْسَ تِلْكَ الآياتِ لا تُوجِبُ الزِّيادَةَ، بَلْ إنْ كانَ ولا بُدَّ فالمُوجِبُ هو سَماعُ تِلْكَ الآياتِ أوْ مَعْرِفَةُ تِلْكَ الآياتِ تُوجِبُ زِيادَةً في المَعْرِفَةِ والتَّصْدِيقِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
الصِّفَةُ الثّالِثَةُ لِلْمُؤْمِنِينَ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ واعْلَمْ أنَّ صِفَةَ المُؤْمِنِينَ أنْ يَكُونُوا واثِقِينَ بِالصِّدْقِ في وعْدِهِ ووَعِيدِهِ، وأنْ يَقُولُوا صَدَقَ اللَّهُ ورَسُولُهُ، وأنْ لا يَكُونَ قَوْلُهم كَقَوْلِ المُنافِقِينَ: ﴿ما وعَدَنا اللَّهُ ورَسُولُهُ إلّا غُرُورًا﴾ [الأحْزابِ: ١٢] ثُمَّ نَقُولُ: هَذا الكَلامُ يُفِيدُ الحَصْرَ، ومَعْناهُ: أنَّهم لا يَتَوَكَّلُونَ إلّا عَلى رَبِّهِمْ، وهَذِهِ الحالَةُ مَرْتَبَةٌ عالِيَةٌ ودَرَجَةٌ شَرِيفَةٌ، وهي: أنَّ الإنْسانَ بِحَيْثُ يَصِيرُ لا يَبْقى لَهُ اعْتِمادٌ في أمْرٍ مِنَ الأُمُورِ إلّا عَلى اللَّهِ.
واعْلَمْ أنَّ هَذِهِ الصِّفاتِ الثَّلاثَةَ مُرَتَّبَةٌ عَلى أحْسَنِ جِهاتِ التَّرْتِيبِ:
فَإنَّ المَرْتَبَةَ الأُولى: هي الوَجَلُ مِن عِقابِ اللَّهِ.
والمَرْتَبَةُ الثّانِيَةُ: هي الِانْقِيادُ لِمَقاماتِ التَّكالِيفِ لِلَّهِ.
والمَرْتَبَةُ الثّالِثَةُ: هي الِانْقِطاعُ بِالكُلِّيَّةِ عَمّا سِوى اللَّهِ، والِاعْتِمادُ بِالكُلِّيَّةِ عَلى فَضْلِ اللَّهِ، بَلِ الغِنى بِالكُلِّيَّةِ عَمّا سِوى اللَّهِ تَعالى.
والصِّفَةُ الرّابِعَةُ والخامِسَةُ: قَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ومِمّا رَزَقْناهم يُنْفِقُونَ﴾ واعْلَمْ أنَّ المَراتِبَ (p-٩٨)الثَّلاثَةَ المُتَقَدِّمَةَ أحْوالٌ مُعْتَبَرَةٌ في القُلُوبِ والبَواطِنِ، ثُمَّ انْتَقَلَ مِنها إلى رِعايَةِ أحْوالِ الظّاهِرِ؛ ورَأْسُ الطّاعاتِ المُعْتَبَرَةِ في الظّاهِرِ ورَئِيسُها بَذْلُ النَّفْسِ في الصَّلاةِ، وبَذْلُ المالِ في مَرْضاةِ اللَّهِ، ويَدْخُلُ فِيهِ الزَّكَواتُ والصَّدَقاتُ والصِّلاتُ، والإنْفاقُ في الجِهادِ، والإنْفاقُ عَلى المَساجِدِ والقَناطِرِ، قالَتِ المُعْتَزِلَةُ: إنَّهُ تَعالى مَدَحَ مَن يُنْفِقُ ما رَزَقَهُ اللَّهُ، وأجْمَعَتِ الأُمَّةُ عَلى أنَّهُ لا يَجُوزُ الإنْفاقُ مِنَ الحَرامِ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ الحَرامَ لا يَكُونُ رِزْقًا، وقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ هَذا الكَلامِ مِرارًا.
{"ayahs_start":2,"ayahs":["إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِینَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَإِذَا تُلِیَتۡ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِیمَـٰنࣰا وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ یَتَوَكَّلُونَ","ٱلَّذِینَ یُقِیمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَـٰهُمۡ یُنفِقُونَ"],"ayah":"إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِینَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَإِذَا تُلِیَتۡ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِیمَـٰنࣰا وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ یَتَوَكَّلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق