الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ﴾ الآية، يقول: وكما فصلنا لك في هذه السورة دلائلنا وأعلامنا على المشركين كذلك نميّز ونبيّن لك حجتنا وأدلتنا في كل حق ينكره أهل الباطل [[انظر: "تفسير البغوي" 3/ 148، الرازي 13/ 6، القرطبي 6/ 436.]]، ومعنى التفصيل [[الفَصْل: إبانة أحد الشيئين من الآخر حتى يكون بينهما فُرجة، ويستعمل في الأقوال والأفعال، فهو أصل يدل على تمييز الشيء من الشيء وإبانته وتمييزه عنه، ويقال: تفصيل الآيات بيانها، وتفصيلها بالفواصل. انظر: "العين" 7/ 126، و"الجمهرة" 2/ 891، و"تهذيب اللغة" 3/ 2794، و"الصحاح" 5/ 1790، و"المجمل" 3/ 722، و"مقاييس اللغة" 4/ 505، و"المفردات" ص 638، و"اللسان" 6/ 3422 (فصل).]]: التمييز للبيان، ولهذا فسر بالتبيين وهو قول ابن عباس [["تنوير المقباس" 2/ 24.]] وقتادة وابن زيد [[أخرجه الطبري 7/ 210 بسند جيد عن قتادة وابن زيد. وذكره السيوطي في "الدر" 3/ 276.]] قالوا في تفسير ﴿نُفَصِّلُ﴾: (نبيّن). وقوله تعالى: ﴿وَلِتَسْتَبِينَ﴾ عطف على المعنى كأنه قيل ليظهر الحق [وليستبين] [[في (ش): ﴿وَلِتَسْتَبِينَ﴾ بالتاء.]]، فترك ذكر ما هو بيّن من المعلوم وذكر ما يحتاج إلى بيانه [[انظر: "تفسير الرازي" 13/ 6.]]. واختلف القراء في قوله: ﴿وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ﴾ فقرأ بعضهم [[قرأ نافع: (وَلِتَسْتَبِينَ) بالتاء، و (سَبِيلَ) بالنصب. وقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية: (وليستبين) بالياء، و (سبيلُ) بالرفع. وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو وعاصم في رواية: ﴿وَلِتَسْتَبِينَ﴾ بالتاء، و (سبيلُ) بالرفع. انظر: "السبعة" ص 258، و"المبسوط" ص 169، و"التذكرة" 2/ 399، و"التيسير" ص 103، و"النشر" 2/ 258.]] بالتاء، ورفع السبيل على أنها فاعل الاستبانة، والسبيل [[انظر: "المذكر والمؤنث للفراء" ص 87، ولابن الأنباري 1/ 423، ولابن التستري الكاتب ص 81.]] يؤنث ويذكر، فالتأنيث كقوله تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي﴾ [يوسف: 108] والتذكير كقوله تعالى: ﴿وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا﴾ [الأعراف: 146] ويقال: استبان الشيء [[هذه القراءات دائرة على تعدي استبان ولزومه وتذكير سبيل وتأنيثه، وكل ذلك لغة فصيحة، وتذكيره لغة تميم ونجد، والتأنيث لغة الحجاز، ويقال: استبان الصبح واستبنت الشيء، والخطاب للنبي ﷺ ولأمته، أي: لتستبينوا ﴿سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾. انظر: "معاني الفراء" 1/ 337، والأخفش 2/ 276، والزجاج 2/ 254، والزاهر 2/ 179، و"الدر المصون" 4/ 655.]] واستبنته، ومن قرأ بالياء ورفع السبيل كان الفعل أيضًا مسندًا إلى السبيل إلا أنه ذكّر السبيل وقرأ نافع ﴿وَلِتَسْتَبِينَ﴾ بالتاء (سَبِيلَ) نصبًا، والتاء في هذه القراءة للخطاب أي: ﴿وَلِتَسْتَبِينَ﴾ أيها المخاطب [[ما تقدم قول أبي علي في "الحجة" 3/ 314 - 316، بتصرف واختصار، وانظر: "إعراب القراءات" 1/ 158، و"الحجة لابن خالويه" ص 141، ولابن زنجلة ص 253، و"الكشف" 1/ 433.]]. قال أهل المعاني: (وخص ﴿سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾ بالذكر، والمعنى: ﴿سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾ وسبيل المؤمنين فحذف؛ لأن ذكر أحد القبيلين يدل على الآخر، كقوله تعالى: ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ [النحل: 81] ولم يذكر البرد لدلالة الفحوى عليه. وهذا قول الزجاج [["معاني الزجاج" 2/ 255.]] وأبي علي [["الحجة" لأبي علي 3/ 316.]]. ودل كلام الزجاج على وجه آخر وهو: (أن يكون سبيل المؤمنين مضمنا به الكلام؛ لأن ﴿سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾ إذا بانت فقد بانت معها سبيل المؤمنين كما تقول: زيد ضاربٌ، تضمن هذا الكلام ذكر المضروب) [[وذكر هذا الوجه أيضاً النحاس في "معانيه" 2/ 432 - 433، واقتصر عليه الأزهري في "معاني القراءات" 1/ 358.]]. قال ابن عباس: (﴿وَلِتَسْتَبِينَ﴾ يا محمد ﴿سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾ يريد: ما جعلوا لله في الدنيا من الشرك وما بيّنت من سبيلهم يوم القيامة ومصيرهم إلى الخزي) [[ذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 50، وابن الجوزي في "زاد المسير" 3/ 50.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب