الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ﴾ الآية. اختلفوا في هذه الآية على قولين: أحدهما: أن معنى الآية: وليخش من لو كان له ولد صغار خاف عليهم بعده الضيعة، أن يأمر الموصي بالإسراف فيما يعطيه اليتامى المساكين وأقاربه الذين لا يورثون، فيكون قد أمره بما لم يكن يفعله لو كان هو الميت. قال ابن عباس في رواية عطاء: كان الرجل إذا حضرته الوفاة قعد عنده أصحاب رسول الله ﷺ فقالوا: انظر لنفسك فإنّ ولدك لا يُغنون عنك من الله شيئًا، فيُقدِّم جل ماله وَيحجب ولده، وهذا قبل أن تكون الوصية في الثلث، فكره الله ذلك منهم وقال: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ﴾ يريد: من بعدهم. ﴿ذُرِّيَّةً ضِعَافًا﴾ يريد: صغارًا. ﴿خَافُوا عَلَيْهِمْ﴾ الفقر، ﴿فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ﴾ يريد: فليخافوا الله إذا تَعدَّوا عند أحد من إخوانهم وهو في الموت. ﴿وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾ يريد بالسديد من القول العدل، وهو أن يأمره أن يُخَلِّف ماله لولده ويتصدق ما دون الثلث [[أورده عن عطاء عن ابن عباس الهواري في "تفسير كتاب الله العزيز" 1/ 351، وأخرجه بمعناه عن ابن عباس الطبري 4/ 269 - 270 لكن من طريق ابن أبي طلحة -وهي أصح- وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" 2/ 220، أيضًا إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي. وانظر: "تحقيق المروي عن ابن عباس" 1/ 175.]]. وهذا قول أكثر المفسرين، سعيد بن جبير والحسن وقتادة والسدي والضحاك ومجاهد [[انظر: "تفسير القرآن" لعبد الرازق 1/ 150، والطبري 270 - 271، و"زاد المسير" 2/ 22، وابن كثير (495)، و"الدر المنثور" 2/ 220.]]. والقول الثاني: أن هذا وعظ لولاة اليتامى، وعظوا في تَوِليَتِهم أمرهم بأن يفعلوا كما يحبون أن يُفعل بأولادهم من بعدهم. يقول: وليخش من لو ترك ولدًا صغارًا خاف عليهم الضَّيعة، فليُحسن إلى من كفله من اليتامى، وليفعل بهم ما يحب أن يفعل بولده من بعده. وهذا قول تحتمله الآية، ولم أر أحدًا من المفسرين ذكره [[بل ذكره غير واحد، وهو مروي عن ابن عباس وابن زيد، واستحسنه ابن كثير. انظر "تأويل مشكل القرآن" ص 323، والطبري 4/ 270، و"معاني الزجاج" 2/ 17، و"زاد المسير" 2/ 22، وابن كثير 2/ 210.]]، وبعض المتأخرين حكاه، وعزاه إلى الكلبي [[يقصد بمن حكاه وعزاه شيخه الثعلبي كما في "الكشف والبيان" 4/ 18 ب.]]. وليس هو في تفسيره المعروف بطريق يوسف بن بلال [[لم أقف له على ترجمته.]]. وقرأ [[الكلام في القراءة من "الحجة" 3/ 133.]] حمزة: ﴿ضِعَافًا خَافُوا﴾ بالإمالة فيهما [[أي بإمالة العين والخاء. انظر: "الحجة" 3/ 133.]]. ووجه إمالة (ضعاف) أنّ ما كان على وزن فِعال، وكان أوله حرفًا مستعليًا مكسورًا، نحو: صِفات [[في "الحجة": ضعاف.]]، وقِفاف [[في "الحجة": قباب.]]، وخِباث وغِلاب، يحسن فيه الإمالة، وذلك أنه تصعّد بالحرف المستعلي ثم انحدر بالكسر، فيستحب أن لا يتصعّد بالتفخيم بعد التصوّب [[في "الحجة": التصويب.]] بالكسر، فيجعل الصوت [[في (أ)، (ب): الصوب بالباء الموحدة، والتصحيح من "الحجة".]] على طريقة واحدة فلا يتصعّد بالتفخيم بعد التصوّب بالكسرة [[في "الحجة": بالكسر.]] التي في خفت فينحوا نحوها بالإمالة. قال سيبويه: بلغنا عن ابن أبي إسحاق [[لعله أبو بحر عبد الله بن زيد الحضرمي العلامة المقرئ النحوي المتوفى سنة 114هـ. انظر: "أخبار النحويين" للسيرافي ص 42، "نزهة الألباء" ص 26، "بغية الوعاة" 1/ 401.]] أنه سمع كثير عزة يقول: صار مكان كذا [[في "الكتاب" 4/ 121 لكن فيه: صار بمكان كذا وكذا، وانظر: "الحجة" 2/ 30.]]، بالإمالة [[انتهى من "الحجة" 3/ 133 - 135 بتصرف، وانظر: "معاني القراءات" للأزهري 1/ 292، "الكشف" لمكي 1/ 377، "النشر" 2/ 247.]]. وقوله تعالى: ﴿وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾ السديد: العدل والصواب من القول [["الكشف والبيان" 4/ 19 أ.]]. قال ابن المظّفر [[في "تهذيب اللغة" 2/ 1656 (سدد).]]: قال قل قولا سَدَدًا وسدَادًا وسدِيدًا [[في "تهذيب اللغة": ... وسديدًا أي: صوابًا.]] والسدَد مقصور من السداد [[انتهى من "تهذيب اللغة" 2/ 1656 (سدد) بتقديم وتأخير لا يؤثر في المعنى. وانظر: "العين" 7/ 184، "اللسان" 4/ 1970 (سدد).]]، وأنشد [[ليس في "التهذيب".]] لكعب [[لم أعرفه.]]: ماذا عليها وماذا كان ينقصها ... يوم الترّحل لو قالت لنا سدَدَا [[نسبه إلى كعب -كالمؤلف- الزمخشري في "أساس البلاغة" 1/ 430 (سدد) ولم أجده في "ديوان كعب بن زهير" غير أن الجوهري في "الصحاح" 2/ 485 (سدد) نسبه إلى الأعشى، وكذا في "لسان العرب" 4/ 1970 (سدد) ولم أجده في "ديوان الأعشى الكبير" -ميمون بن قيس-. والشاهد منه: أن السدد مقصور من السداد.]] قال الأزهري: وقرأت بخط شَمِر: يقال سدّ عليك الرجل يسدّ سدًّا إذا أتى السداد. وما كان هذا الشيء سديدًا. ولقد سد يسد سدادًا وسدودا. وقال أوس: فما جَبُنوا أنّا نَسُدّ عليهِمُ ... ولكِن لَقُوا نارًا تحُسُّ وتَسْفَعُ [[البيت منسوب لأوس في "التهذيب" 2/ 1655 (سد)، "اللسان" (1969) (سدد) ، 6/ 52 (حسس). غير أنه نسب إلى فروة بن مسيك المرادي في "مجالس العلماء" للزجاجي ص 143، "الخصائص" 3/ 292، ولعل الراجح الأول. والشاهد منه: نسد بالسين المهملة، وهي كذلك في "التهذيب"، وبقية المراجع بالشين المعجمة، ومعنى تَحُسّ: تُحْرِق، وتَسفَع لعل المراد: تُسَوَّد من الإحراق. انظر: "التهذيب" 2/ 1704 - 1705 (سفع)، 1/ 816 (حس)، "اللسان" 4/ 2028 (سفع).]] يقول لم يجبنوا من الإنصاف في القتال، ولكنا جُرنا عليهم فلقونا ونحن كالنار التي لا تُبقي شيئًا [[انتهى قول الأزهري من "التهذيب" 4/ 1969 (سد).]]. ويقال: إنه لَيَسد في القول، إذا كان يأتي القول السديد، وقد أسددت ما شئت، أي: طلبت السداد، أصبته أو لم تصبه. ويقال: سدده الله، أي: وفقه للسداد [[انظر: "التهذيب" 2/ 1657 (سد)، "مقاييس اللغة" 3/ 66 (سد)، "الصحاح" 2/ 485 (سدد)، "أساس البلاغة" 1/ 430 (سدد).]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب