الباحث القرآني

(p-٢٢)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِن خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافًا﴾ اخْتَلَفُوا في المُخاطَبِ بِهَذِهِ الآَيَةِ عَلى ثَلاثَةِ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهُ خِطابٌ لِلْحاضِرِينَ عِنْدَ المُوصِي، وفي مَعْنى الآَيَةِ: عَلى هَذا القَوْلِ قَوْلانِ. . أحَدُهُما: ولْيَخْشَ الَّذِينَ يَحْضُرُونَ مُوصِيًا في مالِهِ أنْ يَأْمُرُوهُ بِتَفْرِيقِهِ فِيمَن لا يَرِثُهُ، فَيُفَرِّقُهُ، ويَتْرُكُ ورَثَتَهُ، كَما لَوْ كانُوا هُمُ المُوصِينَ لَسَرَّهم أنْ يَحُثَّهم مَن حَضَرَهم عَلى حِفْظِ الأمْوالِ لِلْأوْلادِ، وهَذا المَعْنى مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، والحَسَنِ، وسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، ومُجاهِدٍ، وقَتادَةَ، والضَّحّاكِ، والسُّدِّيِّ، ومُقاتِلٍ. والثّانِي: عَلى الضِّدِّ مِن هَذا القَوْلِ، وهو أنَّهُ نُهِيَ لِحاضِرِي المُوصِي أيْ: يَمْنَعُوهُ مِنَ الوَصِيَّةِ لِأقارِبِهِ، وأنْ يَأْمُرُوهُ بِالِاقْتِصارِ عَلى ولَدِهِ، وهَذا قَوْلُ مِقْسَمٍ، وسُلَيْمانَ التَّيْمِيِّ في آخَرِينَ. والقَوْلُ الثّانِي: أنَّهُ خِطابٌ لِأوْلِياءِ اليَتامى مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلا تَأْكُلُوها إسْرافًا وبِدارًا﴾ فَمَعْنى الكَلامِ: أحْسَنُوا فِيمَن وُلِّيتُمْ مِنَ اليَتامى، كَما تُحِبُّونَ أنْ يَحْسُنَ وُلاةُ أوْلادِكم بَعْدَكم، وهَذا المَعْنى مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وابْنِ السّائِبِ. والثّالِثُ: أنَّهُ خِطابٌ لِلْأوْصِياءِ أُمِرُوا بِأداءِ الوَصِيَّةِ عَلى ما رَسَمَ المُوصِي، وأنْ تَكُونَ الوُجُوهُ الَّتِي عَيَّنَها مَرْعِيَّةً بِالمُحافَظَةِ كَرَعْيِ الذُّرِّيَّةِ الضِّعافِ مِن غَيْرِ تَبْدِيلٍ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَمَن خافَ مِن مُوصٍ جَنَفًا أوْ إثْمًا فَأصْلَحَ بَيْنَهم فَلا إثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البَقَرَةِ: ١٨٢] فَأمَرَ الوَصِيَّ بِهَذِهِ الآَيَةِ إذا وجَدَ مَيْلًا عَنِ الحَقِّ أنْ يَسْتَعْمِلَ قَضِيَّةَ الشَّرْعِ، ويُصْلِحَ بَيْنَ الوَرَثَةِ، ذَكَرَهُ شَيْخُنا عَلِيُّ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وغَيْرُهُ، في "النّاسِخِ والمَنسُوخِ" فَعَلى هَذا تَكُونُ الآيَةُ مَنسُوخَةً، وعَلى ما قَبْلُهُ تَكُونُ مَحْكَمَةً. (p-٢٣)وَ"الضِّعافُ": جَمْعُ ضَعِيفٍ، وهُمُ الأوْلادُ الصِّغارُ. وقَرَأ حَمْزَةُ: "ضِعافًا" بِإمالَةِ العَيْنِ. قالَ أبُو عَلِيٍّ: ووَجْهُها: أنَّ ما كانَ عَلى "فِعالٍ" وكانَ أوَّلُهُ حَرْفًا مُسْتَعْلِيًا مَكْسُورًا، نَحْوُ ضِعافٌ، وقِفافٌ، وخِفافٌ؛ حَسُنَتْ فِيهِ الإمالَةُ، لِأنَّهُ قَدْ يُصَعِّدُ بِالحَرْفِ المُسْتَعْلِي، ثُمَّ يُحْدَرُ بِالكَسْرِ، فَيُسْتَحَبُّ أنْ لا يَصْعَدَ بِالتَّفْخِيمِ بَعْدَ التَّصَوُّبِ بِالكَسْرِ، فَيُجْعَلُ الصَّوْتُ عَلى طَرِيقَةٍ واحِدَةٍ، وكَذَلِكَ قَرَأ حَمْزَةُ: ﴿خافُوا عَلَيْهِمْ﴾ بِإمالَةِ الخاءِ، والإمالَةُ هاهُنا: حَسَنَةٌ، وإنْ كانَتِ "الخاءُ" حَرْفًا مُسْتَعْلِيًا، لِأنَّهُ يَطْلُبُ الكَسْرَةَ الَّتِي في "خِفْتُ" فَيَنْحُو نَحْوَها بِالإمالَةِ. والقَوْلُ السَّدِيدُ: الصَّوابُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب