الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ﴾ الآية. قال ابن عباس وغيره من المفسرين: إن رؤساء مكة قالوا: يا محمد سألنا اليهود عنك وعن صفتك، فزعموا أنهم لا يعرفونك في كتابهم. فقال رسول الله ﷺ لليهود: "إني والله أعلم أنكم لتعلمون أني رسول الله"، فقالوا: ما نعلم ذلك. فأنزل الله هذه الآية [[انظر: الطبري 6/ 31، و"الكشف والبيان" 4/ 145 أ، وابن كثير 1/ 651.]]. قال أهل المعاني: "لكن" لا يبتدأ به، لأنه لاستدراك ما سبق ومضى، وإنما يجيء بعد نفي لشيء فيثبت ذلك الشيء به، وهذه الآية من باب الحذف والاختصار، وذلك أن اليهود لما جحدوا نبوته وأنكروا ما أنزل الله عليه قالوا: ما نشهد لك بهذا، فمن يشهد لك به؟ فترك ذكر قولهم، وأنزل: ﴿لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ﴾ [[أخرجه الطبري 6/ 31، وذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" 4/ 145 ب، والمؤلف في "أسباب النزول" ص 189، وابن كثير 1/ 651 - 652، والسيوطي في "الدر المنثور" 2/ 439، وعزاه إضافة إلى الطبري إلى كل من ابن إسحاق وابن المنذر والبيهقي.]]. قال الزجاج: ومعنى ﴿لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَد﴾ أنَ الشاهد هو المبين لما يشهد به، فالله عز وجل يبين ما أنزل إليه، ويعلم مع إبانته أنه حق [["تأويل مشكل القرآن" ص 231، وانظر: "بحر العلوم" 1/ 406، و"الكشاف" 1/ 314، و"رصف المباني" ص 347، و"الدر المصون" 4/ 162.]]. ومعنى إبانة الله تعالى ذلك نصب المعجزة له. ووجه الاحتجاج بشهادة الله على اليهود أنهم أبوا أن يشهدوا بما شهد الله به، وكفى بهذا خزيًا بهم، وأيضًا فإن الله تعالى شهادته تبين صدق نبيه بما يغني عن بيان أهل الكتاب. وقوله تعالى: ﴿أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ﴾ فيه قولان: أحدهما: أنزله وهو يعلم أنك أهل لإنزاله عليك، لقيامك به وعملك بالحق فيه. وفي هذا إثبات العلم لله، لأن المعنى: أنزله بعلمه الذي هو عالم به [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 134، وانظر: "زاد المسير" 2/ 257.]]. الثاني: ما ذكره الزجاج، وهو أنه قال: معنى ﴿أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ﴾ أي أنزل القرآن الذي فيه علمه [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 134.]]. قال أبو علي: (أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ) أنزله وفيه علمه. والجار في موضع الحال، كما أن: خرج بعدته، معناه: خرج وعليه عدته. والعلم المعلوم، أي أنزله وفيه معلومه، كما أن الصيد يراد به المصاد في قوله: ﴿بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ﴾ [المائدة: 94]. والأيدي [[في "الحجة": "فالأيدي".]] والرماح إنما تلحق الأعيان، ولا تلحق الأحداث. هذا كلامه [["الحجة" لأبي علي 2/ 160.]]. قوله تعالى: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ﴾ إنما تعرف شهادة الملائكة بقيام المعجزة ووضوحها، ومن قامت له المعجزة شهدت الملائكة بصدقه، ولا نحتاج مع شهادة الله تعالى في تصحيح المشهود به إلى شهادة غيره، لكن ذكرت شهادة الملائكة الذين هم عباد الله في مقابلة جحود اليهود الذين هم عباد الله، على جهة الاعتياض بهذه من ذاك. ذكره بعض أهل المعاني [["الحجة" لأبي علي 2/ 160.]] وقوله تعالى: ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ دخلت الباء مؤكدة، المعنى: وكفي الله شهيدًا، ويجوز أن يكون المعنى: اكتفوا بالله في شهادته [[انظر: "بحر العلوم" 3/ 399.]]. وقد سبق الكلام في مثل هذا [["معاني الزجاج" 2/ 134، وانظر: "زاد المسير" 2/ 257.]]. وهذه الآية تسلية للنبي ﷺ عن شهادة أهل الكتاب، فشهادة الله عز وجل والملائكة (مع ما) [[في المخطوط جاءت هكذا: "معما".]] فيه من الحجة على جهل من قعد عن هذه الشهادة [[يكون في الكلام سقط، ولعل الصواب: "دليل على جهل من قعد عن هذِه الشهادة".]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب