الباحث القرآني
﴿لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أنْزَلَ إلَيْكَ أنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ والمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وكَفى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ .
هَذا اسْتِدْراكٌ عَلى مَعْنًى أثارَهُ الكَلامُ: لِأنَّ ما تَقَدَّمَ مِن قَوْلِهِ ﴿يَسْألُكَ أهْلُ الكِتابِ﴾ [النساء: ١٥٣] مَسُوقٌ مَساقَ بَيانِ تَعَنُّتِهِمْ ومُكابَرَتِهِمْ عَنْ أنْ يَشْهَدُوا بِصِدْقِ الرَّسُولِ ﷺ وصِحَّةِ نِسْبَةِ القُرْآنِ إلى اللَّهِ تَعالى، فَكانَ هَذا المَعْنى يَسْتَلْزِمُ أنَّهم يَأْبَوْنَ مِنَ الشَّهادَةِ بِصِدْقِ الرَّسُولِ، وأنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُ الرَّسُولَ ﷺ، فَجاءَ الِاسْتِدْراكُ بِقَوْلِهِ (﴿لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ﴾) . فَإنَّ الِاسْتِدْراكَ تَعْقِيبُ الكَلامِ بِرَفْعِ ما يُتَوَهَّمُ ثُبُوتُهُ أوْ نَفْيُهُ. والمَعْنى: لَمْ يَشْهَدْ أهْلُ الكِتابِ لَكِنَّ اللَّهَ شَهِدَ وشَهادَةُ اللَّهِ خَيْرٌ مِن شَهادَتِهِمْ.
وقَدْ مَضى عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿واسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِجالِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢] في سُورَةِ البَقَرَةِ، أنَّ حَقِيقَةَ الشَّهادَةِ إخْبارٌ لِتَصْدِيقِ مُخْبِرٍ، وتَكْذِيبِ مُخْبِرٍ آخَرَ. وتَقَدَّمَ أنَّها تُطْلَقُ عَلى الخَبَرِ المُحَقِّقِ الَّذِي لا يَتَطَرَّقُهُ الشَّكُّ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿شَهِدَ اللَّهُ أنَّهُ لا إلَهَ إلّا هُوَ﴾ [آل عمران: ١٨] في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ. فالشَّهادَةُ في قَوْلِهِ (﴿لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ﴾) أُطْلِقَتْ عَلى الإخْبارِ بِنُزُولِ القُرْآنِ مِنَ اللَّهِ إطْلاقًا مَجازِيًّا، لِأنَّ هَذا الخَبَرَ تَضَمَّنَ تَصْدِيقَ الرَّسُولِ وتَكْذِيبَ مُعانَدِيهِ، وهو إطْلاقٌ عَلى وجْهِ الِاسْتِعارَةِ مِنَ الإطْلاقِ الحَقِيقِيِّ هو غَيْرُ الإطْلاقِ الَّذِي في قَوْلِهِ ﴿شَهِدَ اللَّهُ أنَّهُ لا إلَهَ إلّا هُوَ﴾ [آل عمران: ١٨] فَإنَّهُ عَلى طَرِيقَةِ المَجازِ المُرْسَلِ. وعُطِفَ شَهادَةُ المَلائِكَةِ عَلى شَهادَةِ اللَّهِ: لِزِيادَةِ تَقْرِيرِ هَذِهِ الشَّهادَةِ بِتَعَدُّدِ الشُّهُودِ، ولِأنَّ شَهادَةَ اللَّهِ مَجازٌ في العِلْمِ وشَهادَةَ المَلائِكَةِ (p-٤٥)حَقِيقَةٌ. وإظْهارُ فِعْلِ (يَشْهَدُونَ) مَعَ وُجُودِ حَرْفِ العَطْفِ لِلتَّأْكِيدِ. وحَرْفُ (لَكِنْ) بِسُكُونِ النُّونِ مُخَفَّفُ (لَكِنَّ) المُشَدَّدَةِ النُّونِ الَّتِي هي مِن أخَواتِ (إنَّ) وإذا خُفِّفَتْ بَطُلَ عَمَلُها.
وقَوْلُهُ ﴿وكَفى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ يَجْرِي عَلى الِاحْتِمالَيْنِ.
وقَوْلُهُ ﴿بِما أنْزَلَ إلَيْكَ أنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ﴾ وقَعَ تَحْوِيلٌ في تَرْكِيبِ الجُمْلَةِ لِقَصْدِ الإجْمالِ الَّذِي يَعْقُبُهُ التَّفْصِيلُ، لِيَكُونَ أوْقَعَ في النَّفْسِ. وأصْلُ الكَلامِ: يَشْهَدُ بِإنْزالِ ما أنْزَلَهُ إلَيْكَ بِعِلْمِهِ، لِأنَّ قَوْلَهُ (بِما أنْزَلَ إلَيْكَ) لَمْ يُفَدِ المَشْهُودُ بِهِ إلّا ضِمْنًا مَعَ المَشْهُودِ فِيهِ إذْ جِيءَ بِاسْمِ المَوْصُولِ لِيُوصِلَ بِصِلَةٍ فِيها إيماءٌ إلى المَقْصُودِ، ومَعَ ذَلِكَ لَمْ يُذْكَرِ المَقْصُودُ مِنَ الشَّهادَةِ الَّذِي هو حَقُّ مَدْخُولِ الباءِ بَعْدَ مادَّةِ شَهِدَ، فَتَكُونُ جُمْلَةُ (أنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) مُكَمِّلَةَ مَعْنى الشَّهادَةِ. وهَذا قَرِيبٌ مِنَ التَّحْوِيلِ الَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ العَرَبُ في تَمْيِيزِ النِّسْبَةِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مَوْقِعُ قَوْلِهِ (﴿أنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ﴾) مِن قَوْلِهِ ﴿لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أنْزَلَ إلَيْكَ﴾ مَوْقِعُ الجُمْلَةِ المُفَسِّرَةِ؛ لِأنَّهُ بَيانٌ لِلشَّهادَةِ وأنَّ شَهادَتَهُ بِصِحَّتِهِ أنَّهُ أنْزَلَهُ بِالنَّظْمِ المُعْجِزِ. فَلَعَلَّهُ يَجْعَلُ جُمْلَةَ ﴿لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أنْزَلَ إلَيْكَ﴾ مُسْتَقِلَّةً بِالفائِدَةِ، وأنَّ مَعْنى (بِما أنْزَلَ إلَيْكَ) بِصِحَّةِ ما أنْزَلَ إلَيْكَ، وما ذَكَرْتُهُ أعْرَقُ في البَلاغَةِ.
ومَعْنى (أنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) أيْ مُتَلَبِّسًا بِعِلْمِهِ، أيْ بالِغًا الغايَةَ في بابِ الكُتُبِ السَّماوِيَّةِ، شَأْنُ ما يَكُونُ بِعِلْمٍ مِنَ اللَّهِ تَعالى، ومَعْنى ذَلِكَ أنَّهُ مُعْجِزٌ لَفْظًا ومَعْنًى، فَكَما أعْجَزَ البُلَغاءَ مِن أهْلِ اللِّسانِ أعْجَزَ العُلَماءَ مِن أهْلِ الحَقائِقِ العالِيَةِ.
والباءُ في قَوْلِهِ ﴿وكَفى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ زائِدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ، وأصْلُهُ: كَفى اللَّهُ شَهِيدًا كَقَوْلِهِ:
؎كَفى الشَّيْبُ والإسْلامُ لِلْمَرْءِ ناهِيًا
أوْ يُضَمَّنُ (كَفى) مَعْنى اقْتَنِعُوا، فَتَكُونُ الباءُ لِلتَّعْدِيَةِ.
{"ayah":"لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ یَشۡهَدُ بِمَاۤ أَنزَلَ إِلَیۡكَۖ أَنزَلَهُۥ بِعِلۡمِهِۦۖ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ یَشۡهَدُونَۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِیدًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق