الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ﴾ الآية.
قتادةُ [[قوله في "تفسير الطبري" 3/ 313.]]، والرَّبيعُ [[قوله في "تفسير الطبري" 3/ 314.]]، والسُّدي [[قوله في "تفسير الطبري" 3/ 314، "تفسير ابن أبي حاتم" 2/ 681 "النكت والعيون" 1/ 400.]]، والحسنُ [[لم أقف على مصدر قوله وهو في "زاد المسير" 406/ 1، "النكت والعيون" 1/ 400.]]، وابن زيد [[قوله في "تفسير الطبري" 3/ 314، "النكت والعيون" 1/ 401.]]، وأكثرهم: على أن هذا من كلام اليهود بعضهم لبعض؛ والمعنى: لا تصدِّقوا إلا لِمَن تبع دينكم اليهودية، وقام بشرائعكم.
﴿أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ﴾ من: العلم، والحكمة، والكتاب، والحجة، والمَنِّ والسَّلْوَى، والفضائل والكرامات. والتقدير: [[في (ج): (ولا).]] لا تُصَدِّقوا بأن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم، إلا لِمَنْ تبع دينكم.
وقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ﴾ اعتراضٌ بين المفعول وفعله، وهو من كلام الله تعالى.
قال ابن عباس [[لم أقف على مصدر قوله، وفي "تنوير المقباس" 1/ 50 (إنَّ دينَ الله هو الإسلام، وقبلة الله هي الكعبة).]]: ومعناه: إنَّ الدينَ دينُ اللهِ. ومثله في سورة البقرة: ﴿قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى﴾ [[في (ج): (قل إن الهدى هدى الله).]] [البقرة: 120].
وقوله تعالى: ﴿أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ﴾ التقدير: (بأن يُؤتى)؛ لأن الإيمان يتعدَّى بالجارِّ، فلمَّا حذفَ الجار من ﴿أَنْ﴾، كان موضع ﴿أَنْ﴾ على ما ذكرنا من الخلاف؛ في قول الخليل: يكون جَرًّا [[في (ج): (خبرا).]]، وفي قول سيبويه: يكون نصبًا [[انظر ما ذكره عند تفسير: ﴿أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ﴾ آية: 39 من آل عمران.]]. وقد ذكرنا هذا الخلاف في مواضع.
فأما الَّلام في ﴿لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ﴾، فقال أكثر النحويين [[منهم: الفراء في "معاني القرآن" 1/ 222، وابن شقير في "المحلى" 238، والزجاجي، في "اللامات" 147.]]: إنها دخلت صِلَةً وتأكيدًا [[حروف الصلة، هي حروف الزيادة، وأشهرها: الباء، الكاف، اللام، مِن. وتستعمل هذه الحروف أصلية، وأحيانًا زائدة؛ وهي لا تجلب معنى جديدًا، وإنَّما تؤكد وتقوي المعنى العام في الجملة كلها، سواء أكان المعنى العام إيجابًا أم سلبًا. انظر: "النحو الوافي" 2/ 449 - 450، وانظر للتوسع في نقاش هذا الأمر في "سر صناعة الإعراب"120 وما بعدها، "شرح المفصل" 8/ 128.]]؛ كهي في قوله: ﴿رَدِفَ لَكُمْ﴾ [[[سورة النمل: 72]. ﴿قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ﴾. وممن قال بزيادتها: الفراء في "معاني القرآن" 1/ 222، والطبري في "تفسيره" 3/ 314، وابن شقير في "المحلى" 238، والزجاجي في "اللامات" 147.]]؛ والمعنى: رَدِفَكم. وأنشد ابن الأنباري [[لم أقف على مصدره. وقد أورده ابنُ الجوزي في "الزاد" 1/ 407.]] على هذا:
ما كنتُ أَخدَعُ للخليلِ بِخُلَّةٍ ... حتى يكونَ ليَ الخليلُ خَدوعا [[لم أقف على قائله فيما رجعت إليه من مصادر. وقد ورد في "زاد المسير" 1/ 407، "البحر المحيط" 1/ 494.]]
قال: أراد: ما كنت أَخدَعُ الخليلَ، فزاد الَّلام.
وقال الآخر:
يَذمُّونَ للدنيا [[في (ج): (لي الدنيا).]] وهم يَحْلِبونها ... أَفَاوِيقَ [[في (أ)، (ب): فاويق. والمثبت من: (ج)، ومصادر البيت.]] حتى ما يَدُرُّ لها ثُعْلُ [[في (أ): (نَعل). وفي (ب): (حتى لا يدرها نعل)، والمثبت من: (ج) ومصادر البيت. والبيت لعبد الله بن همام السلُولي. وقد ورد منسوبًا له، في "إصلاح المنطق" 213، " الكامل" 1/ 55، "الصحاح" 1646 (ثعل)، والمخصص: 15/ 59، "اللسان" 8/ 4857 (وضع)، 6/ 3487 (فوق)، 1/ 484 (ثعل).
وورد في "المخصص" 1/ 25 ونسبه لهمام بن مرة.
وورد غير منسوب، في "مجالس ثعلب" 447، "جمهرة اللغة" 746 (وضع)، "التهذيب" 2/ 1418 (رضع)، 1/ 482 (ثعل)، "معجم المقاييس" 2/ 401 (رضع)، و"المجمل" 380 (رضع)، "زاد المسير" 1/ 407، "الدر المصون" 3/ 250.
وفي كل المصادر السابقة ما عدا "زاد المسير" ورد: (وذمُّوا لنا الدنيا وهم يرضِعُونها ..)، وفي "معجم المقاييس" (.. الثُّعْلُ)، وفي "الدر المصون" (ويروى: (بالدنيا) بالباء.
و (الثُعْل)، و (الثَّعْل)، و (الثَّعَل): زيادة في حَلَمات الناقة والشاء والبقر. وقيل: هو خِلْفٌ زائد في أخلاف الناقة وضرِع الشاة. انظر: "اللسان" 6/ 3487 (فوق)، 1/ 484 (ثعل).]]
أراد: يذمون [الدنيا. فأكَّدَ الكلامَ بالَّلام. وُيروى: (يَذُمُّونَ لِي الدنيا) بالياء.
وقال] [[ما بين المعقوفين زيادة من: (ج).]] أبو علي الفارسي [[في "الحجة" له: 3/ 53. نقله عنه بالمعنى.]]: (الإيمان) لا يتعدَّى إلى مفعولين، فلا يجوز أيضًا أن يَتعَلَّقَ [[في (ج): (تعلق).]] بجارَّيْنِ، وقد تعلق بالجارِّ المحذوف من قوله: ﴿أَنْ يُؤْتَى﴾ فلا يتعلق بالَّلام من [[في (ج): (في).]] قوله: ﴿لَمَنْ﴾، إلا أن يُحمَل (الإيمان) على معناه، فيَتَعدَّى إلى مفعولين، ويكون المعنى: ولا تقرُّوا بأنْ يؤتَى أحدٌ مثلَ ما أوتيتم، إلا لِمَن تبع دينكم؛ كما تقول: (أقررت لِزيدٍ بألف)، فيكون اللامُ متعلقًا بالمعنى، ولا تكون زائدةً [[في (ج): (زيادة).
قال أبو حيان في "البحر المحيط" 1/ 494: (والأجود أن لا تكون اللام زائدة، بل ضُمِّن (آمَن) معنى أقَرَّ، واعترف، فتعدى باللام).]] على حَدِّ ﴿رَدِفَ لَكُمْ﴾ [[سورة النمل: 72 ﴿قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ﴾.]]، و ﴿إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾ [[سورة يوسف: 43. وقبلها: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾.
قال العكبري: في "التبيان" (472) (للرؤيا): اللام فيه زائدة، تقوية للفعل لمَّا تقدم مفعوله عليه، ويجوز حذفها في غير القرآن؛ لأنه يقال: عبَّرت الرؤيا).]].
وقوله تعالى: ﴿أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ﴾ (أحَدٌ) [[(أحد): ساقطة من: (ج). وفي (أ)، (ب): (أحدًا بما).
ومن قوله: (أحد ..) إلى (.. لدخول النفي في أول الكلام): نقله بتصرف من "الحجة" للفارسي: 3/ 54 - 55.]] إنَّما يُستعمل [[في (ج): (استعمل).]] لتعميم النفي؛ كقولك: (ما رأيت أحدًا مِنَ الناس) [[(أحدٌ) الذي يلازم النفي، تكون همزته أصلية، وهو وإن كان لفظه مفردا، إلا أنه يدل على الجمع ويفيد العموم. أما (أحد) الذي بمعنى واحد، فهمزته بدل من واو.]]. وههنا دخل (أَحَدٌ) للنفي الواقع في أول الكلام، وهو قوله: ﴿وَلَا تُؤْمِنُوا﴾؛ كما دخلت [[(دخلت): ساقطة من: (ج).]] (مِنْ) في صِلَةِ (أنْ يُنَزَّلَ) في قوله: ﴿مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ﴾ [البقرة: 105]. فكما دخلت (مِنْ) في صلة (أنْ يُنَزَّلَ)؛ لأنه مفعول للنَّفي الَّلاحق لأوَّلِ الكلام [[(الكلام): ساقطة من: (ج).]]، كذلك دخل (أحدٌ) في [صِلَةِ (أنْ) في] [[ما بين المعقوفين زيادة من: (ج).]] قوله: ﴿أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ﴾؛ لدخول النفي في أول الكلام. والكلام في معنى (أحد)، قد تقدم عند قوله: ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ﴾ [البقرة: 102].
وقوله تعالى: ﴿أَوْ يُحَاجُّوكُمْ﴾ عطف على قوله: ﴿أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ﴾؛ المعنى: ولا تؤمنوا بأن يحاجُّوكم عند ربكم؛ لأنكم أصح دينًا منهم، فلا يكون لهم الحجة عليكم عند الله.
قوله: ﴿يُحَاجُوكُمْ﴾، الضمير [[من قوله: (الضمير ..) إلى: (.. للمتَّقين إماما): نقله بالمعنى من "الحجة" للفارسي: 3/ 57.]] فيه ضمير الجماعة، وهو خبر عن ﴿أحدٌ﴾ في قوله: ﴿أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ﴾، وجاز ذلك؛ لأن الأسماء المنفردة قد تقع للشياع [[يريد بالشياع: الجمع والعموم، وشمول اللفظ المفرد لأكثر من فرد.]] في المواضع التي يراد بها الكثرة؛ كقوله: ﴿يُخرِجُكم طِفْلاً﴾ [[سورة غافر: 67. وقد وردت في (أ)، (ب)، (ج): (ويخرجكم). والشاهد في الآية: أن (طفلا) بمعنى أطفال، وأفرد اللفظ وأراد به الجنس. انظر: "تفسير أبي السعود" 7/ 283، "تفسير البيضاوي" 2/ 345.]]، وقوله: ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [[الشاهد هنا إفراد لفظ (إمام) ليدل على الجنس. انظر: "تفسير أبي السعود" 6/ 231، "تفسير البيضاوي" 2/ 75.]] [الفرقان: 74]، وقوله: ﴿فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾ [[سورة الحاقة: 47. والشاهد هنا: أن حاجزين جمع، وهو وصف لـ (أحد) الذي يدل على جماعة. انظر: "الكشاف" 4/ 55.]].
وقد مضى مثل هذا في قوله: ﴿لَا نُفَرقُ بَينَ أَحَدٍ﴾ [[مقطع من آية 136 ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾، وآية 285 ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾. سورة البقرة.]].
وقرأ ابن كثير: ﴿أَنْ يُؤْتَى﴾ [[في (ج): (أن يؤتى).]] بالمدِّ [[أي على الاستفهام. انظر: "السبعة" 207، "الحجة" 3/ 52، "التيسير" 89.]]. وعلى هذه القراءة يحتاج أن يستأنف الآية في بيان المعنى والنظم. فقوله: ﴿وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ﴾؛ معناه على هذه القراءة: ما ذكره الزجَّاجُ، قال [[في "معاني القرآن" له: 1/ 430. نقله عنه بتصرف.]]:
قالت اليهود بعضهم لبعض: لا تجعلوا تصديقكم للنبي ﷺ في شيء مما جاء به، إلا لليهود؛ أي: لا تخبروا أحدًا بصدق ما أتى به، إلا أن يكونَ منكم؛ فإنكم [[في (ج): (وإنكم).]] إن قلتم ذلك للمشركين كان [[في (ج): (كانوا).]] عونًا لهم على تصديقه، ويكون معنى (الإيمان): الإقرار، كما ذكرنا، وأحد مفعوليه محذوف، والتقدير: لا تقروا إلا لليهود [[في (ج): (اليهود).]] بصدق محمد.
وقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ﴾ هو من كلام الله، معترض من كلام اليهود على ما ذكرنا.
وقوله تعالى: ﴿أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ﴾ ﴿أَنْ﴾ [[من قوله: (أن في موضع ..) إلى (.. إن أحدًا ووحدا وواحدا بمعنى): نقله عن== "الحجة" للفارسي: 3/ 55 - 57، نقل بعض عباراته بالنص، وتصرف في بعضها، واختصر في بعض المواضع.]] في موضع رفع بالابتداء [[هذا التوجيه النحوي بناء على قراءة ابن كثير.]]، ولا يجوز أن يُحمل على ما قبله؛ لقطع الاستفهام بينهما، وخبره محذوف؛ والمعنى: أأنْ [[في (أ)، (ب): (آأن). وفي (ج): (ان). وما أثبتُّهُ هو الصواب.]] يُؤتَى أحَدٌ، يا معشر اليهود، مثل ما أوتيتم من الكتاب والعلم، تصدقون به، أو تعترفون، أو تذكرونه لغيركم، أو تشيعونه في الناس؟ أو نحو هذا مما دلَّ عليه قوله: ﴿وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ﴾. وهذا في قول من قال: (أزيدٌ ضربته) [[فالاسم هنا واقع بعد همزة الاستفهام، وقد قال عنه السمين الحلبي: (وهو وجه مرجوح). "الدر المصون" 3/ 257.]]؟
ومن قال: (أزيدًا ضربته؟)، كان (أنْ) عنده في موضع نصب [[فالفعل هنا مضمر بعد حرف الاستفهام، وقد استحسن هذا، وقال بوجوب اختياره، مكيُّ في "الكشف" 1/ 348 وقال: (فهو أقوى في العربية؛ لأن الاستفهام بالفعل أولى؛ لأنك عنه تستفهم، لست تستفهم عن شخص زيد، إنما تستفهم عن الفعل، هل وقع بزيد). وانظر: "الدر المصون" 3/ 257 - 258.]].
ومِثْلُ حَذْفِ خبر المبتدأ لدلالة ما قبل الاستفهام عليه: حَذْفُ الفعل في قوله: ﴿آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ﴾ [يونس: 91] التقدير [[(التقدير): ساقط م: (ج).]]: آلآن أسلمتَ حين لا ينفعك الإيمانُ من أجل المعاينة؟. فحذف الفعل لدلالة ما قبل الاستفهام عليه. ومثل هذه الآية في المعنى: قوله: ﴿أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: 76]، وبَّخ بعضهم بعضًا بالحديث بما علموه من أمر النبي ﷺ، وعرفوه من صفته.
ولعل ابن كثير اعتبر هذه الآية في قراءته [[أي: اعتبر الآية السالفة 76 من البقرة، حيث إنها في معنى قراءة ابن كثير. وقد سبق أن بينت أن القراءات المتواترة، لا تقوم على مقايسات ذوقية، ولا على اعتبارات لغوية، أو نظر عقلي، إنما هي سنَّةٌ متَّبعة، متلقاة بالسند الصحيح عن النبي ﷺ. وابن كثير أحد أئمة القراء، الذين تلقت الأمة قراءتهم بالقبول، بعد أن تلقاها هو بالسند الصحيح عمن قبله من القراء المعتبرين، إلى النبي ﷺ. فهم اعتبروا السند الصحيح للقراءة قبل كل شيء؛ لأن الإسناد الصحيح في القراءات هو (الأصل الأعظم والركن الأقوم) كما قال ابن الجزري في "النشر" 1/ 10.]].
فإن قيل: فكيف وجْهُ دخول ﴿أحدٌ﴾ في هذه القراءة، وقد انقطع من النفي [بِلحاقِ] [[ما بين المعقوفين زيادة من "الحجة" للفارسي: 3/ 56 ليتم ويصح بها المعنى.]] الاستفهام [[في (ج): (والاستفهام).]]، وإذا انقطع، كان [[(كان): ساقطة من: (ج).]] الكلام إيجابًا وتقريرًا، فلا يجوز دخول ﴿أحدٌ﴾؟
قيل: يجوز أن يكون ﴿أحدٌ﴾ في هذا الموضع (أحدًا) الذي في نحو: (أحدٌ وعشرون)، وهذا يقع في الإيجاب، ألا ترى أنه بمعنى واحد؟.
وقال أبو العباس [[هو أحمد بن يحيى، ثعلب. كما في "الحجة" للفارسي: 3/ 57.]]: إن (أحدًا)، و (وَحَدًا)، و (واحدًا) بمعنىً.
وقوله تعالى: ﴿أَوْ يُحَاجُوكُمْ﴾ (أو) في هذه القراءة [[أي: في قراءة ابن كثير.]] بمعنى: حتىَّ [[قال الرماني: (وتضمر مع (أو) (أن)؛ وذلك إذا كان معناها معنى "حتى". كتاب "معاني الحروف" له: 79. وانظر: "كتاب سيبويه" 3/ 47، "المقتضب" 2/ 28، و"حروف المعاني والصفات" للزجاجي: 58.]]؛ ومعنى الكلام: أأن [[في (ج): (أن).]] يُؤتَى أحدٌ مثل ما أوتيتم، تذكرونه لغيركم؛ حتى يحاجُّوكم عند ربكم؟.
قال الفرَّاء [[في "معاني القرآن" له: 1/ 223. نقله عنه بالمعنى. وانظر نفس المصدر 2/ 70 - 71.]]: ومثله في الكلام: قولك: (تعلَّقْ به، أو يُعْطِيَكَ حقَّكَ)؛ أي: حتى. وقال امرؤ القيس:
فقلتُ له لا تَبْكِ عينُكَ إنَّما ... نُحاوِلُ [[في (ب): نجادل.]] مُلْكًا أو تَموتَ فنُعْذَرا [[البيت في ديوانه: 66. وقد نسبته إليه أكثر المصادر التالية: "كتاب سيبويه" 3/ 48، "معاني القرآن" للفراء: 2/ 71، "المقتضب" 2/ 28، "الزاهر" 2/ 183، "إيضاح الوقف والابتداء" 2/ 584، "القطع والائتناف" للنحاس 233، "معاني القرآن" له: 1/ 243، وكتاب "حروف المعاني" للزجاجي: 58، "اللامات" للزجاجي: 68، "معاني الحروف" للرماني: 79، "الخصائص" 1/ 263، "الموضح في التفسير" 38، "أمالي ابن الشجري" 3/ 78، "شرح المفصل" 7/ 22، 33، "تفسير القرطبي" 4/ 113، "رصف المباني" 212، "منهج السالك" 558، "الخزانة" 8/ 543. وقد ورد في كل المصادر السابقة: (.. أو نموتَ فنُعذَرا).
والبيت من قصيدة له، وقبله:
بَكَى صاحبي لمَّا رأى الدربَ دونه ... وأيقن أنَّا لاحقان بقيصرا
وصاحبه هو عمرو بن قميئة الذي استصحبه معه في ذهابه إلى القيصر، لاستنصاره على قتلة أبيه واستعادة ملكه، فلما توسطوا الدرب بين بلاد العرب وبلاد الروم، وأيقن صاحبه أنهما لاحقان بقيصر، حنَّ إلى بلاده فبكى، فقال له الشاعر هذا القول.
والشاهد فيه: قوله: (أو نموت ..)؛ بمعنى: حتى نموت.]]
أي: حتى تموت. ومن هذا قوله تعالى: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ [آل عمران: 128]، وسنذكره إن شاء الله.
فهذا [[في (ب): (وهذا).]] وجهٌ، وأجود منه: أن نجعله عطفًا على الاستفهام؛ والمعنى: أنْ يؤتى أحدٌ مثلَ ما أوتيتم، أو يُحاجَّكم [[في (ب): (يحاجوكم).]] أحدٌ عند الله، تصدِّقون به؟. وهذه الآية من مشكلات القرآن، وأصعبه تفسيرًا، ولقد تدبَّرت أقوال أهل التفسير والمعاني في هذه الآية، فلم أجدْ قولًا يطرد في الآية من أولها إلى آخرها مع بيان المعنى، وصحة النظم. وقد يسر الله تعالى بفضله ههنا سوق الآية في القراءتين على تفسيرٍ بيِّن، ونظمٍ صحيحٍ، وله المِّنة في ذلك.
وقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ﴾ قال ابن عباس [[لم أقف على مصدره وفي "زاد المسير" 1/ 408: (قال ابن عباس: يعني النبوَّة، والكتاب، والهدى). وهو بمعنى ما ذكره المؤلف عنه.]]: يريد: ما تفضَّل به عليك، وعلى أمَّتك.
{"ayah":"وَلَا تُؤۡمِنُوۤا۟ إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِینَكُمۡ قُلۡ إِنَّ ٱلۡهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ أَن یُؤۡتَىٰۤ أَحَدࣱ مِّثۡلَ مَاۤ أُوتِیتُمۡ أَوۡ یُحَاۤجُّوكُمۡ عِندَ رَبِّكُمۡۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡفَضۡلَ بِیَدِ ٱللَّهِ یُؤۡتِیهِ مَن یَشَاۤءُۗ وَٱللَّهُ وَ ٰسِعٌ عَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق