الباحث القرآني
طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (٦٩) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٧٠) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٧١) وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٧٢) وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (٧٣) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [آل عمران ٦٩ - ٧٤]
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. قال الله تعالى: ﴿وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾.
﴿وَدَّتْ﴾ أي: أحبت، والود خالص المحبة، ومن أسماء الله تعالى الودود؛ بمعنى: الوادّ والمودود، فهو سبحانه وتعالى وادّ لأوليائه وأصفيائه، وهو أيضًا مودود من أوليائه وأصفيائه، فالود إذن خالص المحبة؛ يعني أحب هؤلاء أو هذه الطائفة بكل خالص المحبة.
وقوله: ﴿طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ الطائفة بمعنى الجماعة، والمراد بأهل الكتاب هنا اليهود والنصارى، ولكن الأغلب هم اليهود؛ لأنهم أكثر ممارسة للعرب من النصارى، فإن اليهود كانوا في المدينة؛ قدموا من أذرعات ومن الشام ينتظرون النبي الذي بشّرت به التوراة، يعني قدموا من بلاد الشام؛ لأنهم علموا أن مهاجَر هذا النبي المدينة حسب ما في التوراة من البشارة به، فقالوا: نذهب إلى هناك لنكون معه. ﴿وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ﴾ [البقرة ٨٩].
﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ اليهود والنصارى، والغالب أنهم اليهود. ﴿لَوْ يُضِلُّونَكُمْ﴾ (لو) هذه مصدرية بمعنى (أن)، والقاعدة في (لو) أنها إذا أتت بعد ما يفيد الودّ والمحبة تكون مصدرية ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ [القلم ٩] أي: ودوا أن تدهن، ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا﴾ [البقرة ١٠٩] أي: ودوا أن يردوكم، فهي هنا مصدرية، وقد عُلم أنها تأتي شرطية حرف امتناع لامتناع مثل: لو جاء زيد لأكرمتك، فهنا امتنع إكرامي إياك لامتناع مجيء زيد.
يقول عز وجل: ﴿لَوْ يُضِلُّونَكُمْ﴾ يعني ودوا أن يضلوكم، والإضلال بمعنى الإتاهة عن الحق؛ يعني ودوا أن يخرجوكم من الهدى إلى الضلال، وما نوع هذا الضلال الذي أرادوه بالمسلمين؟ يمكن أن يُفسّر بالآية الثانية التي في البقرة: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ﴾ [البقرة ١٠٩].
يقول عز وجل: ﴿وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾ [آل عمران ٦٩] يعني بمحاولتهم وودهم هذا لا يضلون إلا أنفسهم، وبماذا يضلون أنفسهم؟ المعروف عند أكثر المفسرين أن المعنى: وما يهلكون إلا أنفسهم؛ وذلك لأنهم إذا تمنوا لكم الضلال أثموا على ذلك فصاروا هم كالضالين، وقيل: بل المعنى ﴿وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾ أنهم إذا اشتغلوا بمحاولة إضلالكم اشتغلوا عما فيه هداهم كما هو الواقع أن الإنسان إذا أراد أن يردّ الحق وأن يضلّ غيره اشتغل بمحاولة إضلال غيره عن محاولة هداية نفسه، فيكون المعنى: ما يضلون إلا أنفسهم؛ لأنهم اشتغلوا بمحاولة إضلالهم إياكم عن أيش؟ عن طلب هدايتهم؛ لأن العادة أن الإنسان إذا اشتغل بمحاولة إضلال غيره تجده يطرق كل باب ويسلك كل طريق يحاول به إضلال الغير وينسى نفسه، ينسى نفسه، وهذا واقع كثيرًا حتى بين طلبة العلم أحيانًا يريد الإنسان أن ينتصر لنفسه ولقوله ولو كان على خطأ فتجده يحاول أن يلتمس الأعذار والتحريفات والتأويلات وصرف النصوص عن ظاهرها من أجل أن توافق قوله، وينسى أن يكون الواجب عليه إذا عُورض أن يطلب الحق، وأن يراجع نفسه لعل الصواب مع غيره كما يقع كثيرًا عندما يختار الإنسان قولًا أو يقول قولًا، ثم يراجَع فيه يتبين له أن الصواب في خلاف ما كان يعتقد أولًا. إذن ﴿وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾ فيها رأيان:
الرأي الأول: ﴿مَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾ بالإهلاك وكثرة العقاب حيث حاولوا صد الناس عن دين الله.
والثاني: ﴿مَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾ بانشغالهم بمحاولة إضلالكم عن طلب هداية أنفسهم.
قال بعض المفسرين: وهذا أوْلى؛ وذلك لأن الوعيد عليهم بما يكون في الآخرة غير مُجْدٍ في هذا المقام؛ لأنهم أصلًا لا يؤمنون بمن أنذر بهذا حتى يقال: إنهم لا يهلكون إلا أنفسهم، ولكن الواقع أن هذا غير وارد؛ يعني بمعنى أن الله يتكلم عن الأمر الواقع، فالآية محتملة للمعنيين؛ المعنى الأول المشهور عند أكثر المفسرين أنهم يضلون أنفسهم بماذا؟ بهلاكهم بما يكتسبون من الذنوب والآثام. والمعنى الثاني: يضلون أنفسهم بإضاعتها وانشغالهم بما يكون سببًا لضلالكم.
﴿وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ يعني ما يشعرون أنهم أضاعوا الوقت في محاولة إضلالكم ونسوا أنفسهم؛ لأن الإنسان في غمرة الغلَبة أو حب الغلَبة وسكرة حب الظهور ينسى ولا يشعر بالوقت إذا ضاع عليه، فهؤلاء لا يشعرون بأن الوقت ضاع عليهم بانشغالهم بطلب أو بمحاولة إضلالكم، والشعور هو المعنى النفسي الذي يشعر به الإنسان في نفسه توبيخًا وتنديمًا أحيانًا أو عكس ذلك تفريحًا وتفاؤلًا.
* في هذه الآية الكريمة: بيان عداوة أهل الكتاب للمسلمين، حيث يودون لهم الإضلال، والطائفة من القوم الغالب أن مشرَب بقية القوم مشربها، فإذا كانت هذه الطائفة تود هذا فغيرها كذلك.
* ومن فوائد الآية: التحذير من أهل الكتاب وأنهم يحاولون صدّ المسلمين عن دينهم كالمشركين، وكل من الطائفتين يودّون من المسلمين الضلال، قال الله تعالى: ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً﴾ [النساء ٨٩] وقال تعالى عن المشركين من قريش: ﴿وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ﴾ [الممتحنة ٢] فكل المشركين، وكل الملحدين، وكل من ادعى أنه صاحب كتاب كلهم يودون من المسلمين أن يكفروا ويضلوا بعد هدايتهم وإيمانهم.
وإذا كان كذلك فيجب علينا الحذر منهم واعتقاد أنهم أعداء ألداء يودون أن يقضوا علينا وعلى ديننا بين عشية وضحاها.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن المعتدي يجازَى بمثل عدوانه ويُبتلى بمثل ما ابتلى غيره به، لقوله: ﴿وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: تعزية المسلمين بما يريد بهم هؤلاء من الإضلال فكأن الله قال: لا تخافوا منهم؛ فإن الإضلال إنما يعود عليهم، ولكن هذا في حق المؤمنين حقًّا الذين يؤمنون بدينهم تمامًا ويفخرون به ويعتزون به دون الذين يجعلون دينهم أقوالًا باللسان أو حروفًا على الأوراق وهم في الحقيقة يتبعون غيرهم ويعظّمون غيرهم في نفوسهم فإن هؤلاء ربما يُصابون برجس هؤلاء الكفار الذين يريدون إضلالهم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الإنسان قد يعمى عن الباطل مع ممارسته له لقوله تعالى: ﴿وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إحاطة علم الله عز وجل بما في قلوب الخلق لقوله: ﴿وَدَّتْ طَائِفَةٌ﴾ فإن الود محله القلب، ولا يعلم ما في القلوب إلا الله عز وجل.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أننا نرد على كل شخص يدعي أو يتوهم أن الكفار يريدون الخير بالمسلمين؛ لأننا نقول له: إنك لا تعلم ما في قلوبهم واسمع إلى علام الغيوب عز وجل يقول: ﴿وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ﴾ فأنت لا تعلم، ولا تغتر بمصانعتهم ومخادعتهم ومكرهم.
ثم قال الله عز وجل: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٧٠) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ خطاب من الله لأهل الكتاب على سبيل التوبيخ ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾ اليهود والنصارى، وبالأخص اليهود. ﴿لِمَ تَكْفُرُونَ﴾ (ما) اسم استفهام حُذفت ألفها لدخول حرف الجر عليها، والاستفهام هنا للتوبيخ. ﴿لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ آيات الله جمع (آية)، وهي العلامة الدالة على الله عز وجل، وكل آية من آيات الله تدل على صفة من صفاته؛ فالانتقام آية تدل على الغضب، وبسط الرزق إذا لم يكن الإنسان على معصية الله آية تدل على الرضا والرحمة.
فالآيات تتنوع بحسب متعلقها، هؤلاء كفروا بآيات الله، الآيات الشرعية ما جاءت به الرسل، فما الآيات التي كفر بها هؤلاء؟ الآيات التي كفر بها هؤلاء الآيات التي نزلت على رسلهم وعلى محمد ﷺ؛ فاليهود كفروا بآيات الله؛ وهي التوراة، والنصارى كفروا بآيات الله؛ وهي الإنجيل، كفروا بذلك، كيف كفروا بهما؟ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ [الأعراف ١٥٧] موجود بهذا الوصف، وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾ [البقرة ١٤٦] ما قال: أولادهم أو بناتهم؛ لأن معرفة الإنسان لابنه أقوى من معرفته لبنته لشدة تعلقه به، فهو لا يجهل شيئًا منه، فهم يعرفون الرسول ﷺ كما يعرفون أبناءهم؛ لأن نعته موجود عندهم في التوراة والإنجيل، ولكنهم كفروا بآيات الله ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ﴾ [البقرة ٨٩] إذن (بآيات الله) تشمل التوراة والإنجيل والقرآن، كفروا بهذه الثلاثة كلها.
﴿وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ لم يقل: وأنتم تعلمون؛ لأن الشهادة أقوى؛ لأن الشهادة تقتضي أن يكون العالِم كالمشاهِد للشيء بحسه، والمشاهدة بالحس أقوى من المشاهدة بالذهن أو من العلم بالذهن، فهم يشهدون الآيات ويعلمونها ومع ذلك يكفرون بهذه الآيات.
﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ﴾ [آل عمران ٧١] وهم في كفرهم مخادِعون، يلبسون الحق بالباطل، ومعنى لبس الحق بالباطل خلط الحق بالباطل، فهم يأتون بالباطل ويموهِّونه بحق، ووجه ذلك أنهم لو جاؤوا بالباطل صراحًا ما قُبل، أليس كذلك؟
* طلبة: بلى.
* الشيخ: لكنهم يأتون به مخلوطًا بحق من أجل أن يكون في ذلك تمويه على من لا يعرف الحقائق، وهذا من المكر والخداع لكل مبطل يموّه الحق بالباطل.
ومن ذلك أن يأتي بعبارة مجملة تحتمل حقًّا وباطلًا لكن هو يريد بها الباطل، ومن سمعها قد يحملها على إرادة الحق، هذا أيضًا من لبس الحق بالباطل، وسيأتي إن شاء الله في الفوائد.
قال: ﴿لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ﴾ تكتمون الحق: تخفونه. وهنا قد يقول قائل: كيف قال: ﴿تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ﴾؟ أليس في هذا تناقض؟ الجواب: لا، ليس فيه تناقض؛ لأنهم يكتمون الحق الصريح ويأتون به مخلوطًا مموهًا بالباطل، وليس قصدهم أيضًا الحق إذا جاؤوا بالحق مخلوطًا بالباطل، قصدهم أيش؟ الباطل، وهذا الحق الذي جاؤوا به كالثوب الذي يخفي العيب تحت الثياب.
﴿وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ تعلمون أيش؟ تعلمون الحق، بل وتعلمون حالكم أنكم لابسو الحق بالباطل، فهم يعلمون الأمرين: يعلمون الحق الصريح ويعلمون أنهم قد خلطوا الحق بالباطل ولا سيما اليهود؛ لأن اليهود عصوا الله وهم يعلمون أنهم عصوه، عصوا الله على بصيرة.
* في هاتين الآيتين من الفوائد: توبيخ أهل الكتاب على كفرهم بآيات الله.
* ومن فوائد الآية الأولى: أن هذا التوبيخ واقع موقعه؛ لأنهم كفروا بآيات الله وهم يشهدون.
* ومن فوائد الآية: الحكم الصريح الذي لا يقبل التأويل على أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بمحمد ﷺ بالكفر. ﴿لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ ولا يُوبَّخ إلا على أمر واقع، والكفر بآيات الله كفر بالله، وبه نعلم أنهم وإن زعموا أنهم مؤمنون بالله فهم كافرون به، كافرون به كفرًا صريحًا خالصًا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن هؤلاء الكفار كفروا عن علم وشهادة لقوله: ﴿وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾.
وفي الآية الثانية من الفوائد: أن هؤلاء الكفار من أهل الكتاب كانوا يخادِعون ويمكرون، بماذا؟ بلبس الحق بالباطل، وما أكثر ما يموهّون بالقرآن الكريم على بطلان ما ذهبوا إليه، مثل قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة ٦٢] فيقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ المسلمون، ﴿وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى﴾ اليهود والنصارى. ﴿وَالصَّابِئِينَ﴾ الصابئة، من آمن منهم بالله واليوم الآخر فلهم أجرهم عند ربهم، فجعلنا نحن وأنتم في صف واحد، المؤمن منا بالله واليوم الآخر له الأجر ولو كنا مخالفين لكم ما كان لنا أجر، ويقولون: عيسى ابن مريم بشّر برسول يأتي من بعده اسمه أحمد، ولم يأتِ بعد؛ لأن الذي جاء اسمه محمد ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ [آل عمران ١٤٤] ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾ [الفتح ٢٩] فنحن ننتظر أحمد. فهم يلبسون الحق بالباطل ويمكرون، ولكن من أعطاه الله علمًا وفهمًا تبيّن له أنهم ملبسون، وقد ألَّف علماء المسلمين -ولله الحمد- في بيان باطلهم ودحض حُججهم ما هو كالشمس إضاءة ونورًا يخفي ضوؤُه كل ساطع، الآية الأولى مثلا: قيد الله عز وجل من له الأجر من هؤلاء الأصناف بأيش؟ ﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ [البقرة ٦٢] فأنتم ما آمنتم بالله واليوم الآخر بنص هذه الآية: ﴿لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ كفار، أنتم مؤمنون لما كانت رسالة النبي قائمة، النبي الذي أرسل إليكم قائمة، أما وقد نسخت فإذا بقيتم عليها فأنتم كفار.
وأما قوله: ﴿وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ [الصف ٦] فلا مانع من تعدد الأسماء على مسمى واحد، وقد جاءكم أحمد، ولهذا قال الله تعالى في الآية نفسها: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ إذن فأحمد جاءكم، ولا نعلم أن نبيًّا جاء بعد عيسى إلا محمد ﷺ، وعلى هذا فيكون هذا التمويه لا يخفى على الإنسان الذي يعطيه الله تعالى علمًا وبصيرة، وقد ألَّف شيخ الإسلام رحمه الله كتابًا في جزأين سماه: الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح. والرد على النصارى من أئمة المسلمين كثير.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه يجب الحذر من أهل الباطل إذا لبسوا الحق بالباطل، وأن لا نغتر بهم؛ لأنهم يأتون بزخرف القول غرورًا، ومن هذا ما حصل للمبتدِعة من هذه الأمة فإنك إذا سمعت كلامهم قلت: لا أعدل بذلك شيئًا، هذا هو الحق، ولن أتجاوزه، ولكنه كما قيل:
؎حُجَجٌ تَهَافَتُ كَالزُّجَاجِ تخَالُهَا ∗∗∗ حَقًّــــا وَكُــــلٌّ كَاسِــــرٌمَكْسُــــــــــــــــــــــــورُ
حججهم كلها متهافتة ليس لها ما يقوّمها على قدميها فضلًا عن أن يجعلها مهاجمة، هي لا تدافع عن نفسها فضلًا عن أن تهاجم غيرها، لكن مع ذلك يموهّون، ومر علينا في كتاب العقيدة شيء كثير من هذا من تمويههم ودجلهم وزخرفهم للقول، فعلى الإنسان أن يحترز من هؤلاء الذين يلبسون الحق بالباطل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: التوبيخ أو توبيخ من سلك هذا المسلك، ووجه ذلك أن تخصيص التوبيخ لأهل الكتاب ليس تخصيصًا بالشخص والعين، ولكنه بالجنس والنوع والوصف، فكل من كان على شاكلتهم فإنه يستحق هذا التوبيخ.
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب بيان الحق لمن علمه، أو على من علمه، وجوب بيان الحق على من علمه لقوله: ﴿وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أما من لم يعلم فعُذره ظاهر، لكن من علم وجب عليه بيان الحق، ثم اعلم أن بيان الحق يجب عند السؤال عنه إما بلسان الحال وإما بلسان المقال، السؤال بلسان المقال أن يأتيك شخص ويقول: ما حكم كذا وكذا؟ السؤال بلسان الحال: أن يقع الناس في معصية يحتاجون إلى أن تبين لهم، لا تقل: والله الناس لما لم يأتوا إليّ فأنا ما أنا ما أنا ملزوم، أنت ملزوم، لا بد أن تبيّن، لا تكتم.
ثم قال تعالى: ﴿وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ﴾ إلى آخره [آل عمران: ٧٢] لما ذكر الله تعالى مكرهم بالقول ذكر مكرهم بالحيل الفعلية؛ القول: أنهم يلبسون الحق بأيش؟ بالباطل، الحيل الفعلية؛ هذه الحيلة الماكرة ﴿قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ﴾ ﴿آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا﴾ يعني القرآن، وإن شئت فقل: الشريعة كلها، آمنوا به وجه النهار أي أوّله، والدليل على أن المراد بوجه النهار أوّله قوله: ﴿وَاكْفُرُوا آخِرَهُ﴾ وهذا أحد الطرق الذي يُعلم به معنى الكلمات في القرآن الكريم، أن يُعلم معنى الكلمة بذكر مقابلها كقوله تعالى: ﴿فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا﴾ [النساء ٧١]، لو قال لك قائل: ما معنى ﴿ثُبَاتٍ﴾؟ نشوف قسيمها، ﴿أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا﴾ إذن انفروا ثباتٍ يعني وحدانًا متفرقين.
هنا وجه النهار لو قال قائل: ما الذي أعلمنا أن وجه النهار أوّله؟ لماذا لا يكون وجه النهار وسطه؟ قلنا: دلّنا على ذلك قوله: ﴿وَاكْفُرُوا آخِرَهُ﴾. ﴿لَعَلَّهُمْ﴾ الضمير يعود على المؤمنين، ﴿يَرْجِعُونَ﴾ أي: يرجعون عن دينهم؛ لأنكم أنتم أهل كتاب، فإذا آمنتم أول النهار ثم رجعتم قال الناس: لولا أنهم علموا أن دينهم باطل لم يرجعوا، شوف كيف المكر، ادخلوا معهم في أول النهار وصلّوا كما يصلون واحضروا مجالس الذكر، وإن وُجِدَ بكاء فابكوا، كونوا معهم تمامًا، وإذا كان في آخر النهار اكفروا قولوا: كفرنا بهذا الدين؛ لأن الناس إذا فعلتم هكذا قالوا: لولا أن هذا الدين باطل ما كفر به هؤلاء بعد إيمانهم؛ لأن الإنسان إذا آمن بدين وكان الدين حقًّا ثبت عليه لم يرجع. والدليل على هذا: «أن هرقل سأل أبا سفيان حينما لاقاه في الشام؛ سأله عن أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: هل يرجع أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه؟ قال: لا، ما يرجع أحد. قال: هكذا الإيمان إذا خالط بشاشة القلوب لم يرجع[[متفق عليه؛ البخاري (٤٥٥٣) ومسلم (١٧٧٣ / ٧٤) من حديث أبي سفيان.]] ». أو كلمة نحوها. المهم أن هؤلاء يموهّون على الناس بفعلهم فإن الناس يقولون: لولا أنهم علموا ببطلانه ما رجعوا عنه؛ لأن الإنسان بطبيعته لا يرجع عن أيش؟ عن دين الحق ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾.
﴿وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ﴾ [آل عمران ٧٣] هذا من قول الطائفة؛ يعني آمنوا ولا تؤمنوا. ﴿وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ﴾ أي: لا تظهروا ما أنتم عليه إلا لمن تبع دينكم؛ لأنكم لو أظهرتم للمسلمين أنكم آمنتم ثم رجعتم من أجل إفساد دينهم ما قبلوا منكم هذا ولا رجعوا، لكن إذا أخبرتم بهذا المكر والخديعة من تبع دينكم سلم لكم الأمر؛ يعني كأنهم يقولون: أخفوا هذه الطريقة إلا على من تبع دينكم، فمن تبع دينكم أخبروه لا مانع، أما غيرهم فلا تخبروهم.
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ﴾ وهذه جملة معترضة، لكنها في محل موافق تمامًا؛ لأنه لما كان الغرض من هذا العمل الماكر أن يُضلوا الناس عن دينهم صار من المناسب تمامًا أن يُفسد هذا المكر ببيان أن الهدى والتوفيق بيد مَن؟ بيد الله؛ يعني قل: لن ينفعكم هذا المكر والخداع فإن الهدى هدى الله حتى لو عملتم هذه الطريقة الماكرة الخادعة فإن ذلك لن يضر المسلمين شيئًا؛ لأن الهدى هدى الله، وبهذا عرفنا أن هذه الجملة المعترضة لها فائدة كبيرة في هذا المقام، لأيش؟ لأن هذا المكر مكر عظيم يخدَع، ولكن من علم أن الهداية بيد الله سبحانه وتعالى لم يهتم بهذا المكر وهذه الخديعة.
ثم قال: ﴿أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ﴾،﴾ قوله: ﴿أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ﴾ هذه أشكلت على المفسرين والمعربين كثيرًا، لكن لننظر في سياق الآية الكريمة ﴿أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ﴾ أظهر ما نقول فيها أنها متعلقة بقوله: ﴿وَلَا تُؤْمِنُوا﴾ يعني ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم؛ يعني لا تخبروا أحدًا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم؛ لأنكم لو قلتم للناس: إنكم ستؤتون مثل ما أوتينا من الكتاب والفضائل وغيرها؛ لأن الله أعطى بني إسرائيل كتبًا بل آتاهم التوراة التي فيها الهدى والنور وآتاهم فضائل؛ ظلل عليهم الغمام، وأنزل عليهم المنّ والسلوى، وقتل عدوهم اللدود حتى شاهدوه، إلى آخره.
يقول: لا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لمن تبع دينكم؛ لأنكم لو قلتم للناس إن هذه الأمة الإسلامية ستؤتى مثل ما أوتينا من الفضائل والشرائع لكان في ذلك حث على تمسكهم بدينهم.
وقيل: المعنى ﴿لَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ﴾ أي: لا تخبروا بهذا المكر والخداع أنكم تؤمنون أول النهار وتكفرون آخره من أجل أن يرجع المسلمون عن دينهم ﴿لَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ﴾ يعني لا تخبروا أحدًا إلا لمن تبع دينكم بأن يؤتى مثل ما أوتيتم من هذا المكر وهذا الخداع.
ثم قال الله تعالى: ﴿أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ﴾ يعني ولا تؤمنوا أيضًا أن يحاجوكم عند الله؛ لأنكم لو آمنتم بذلك وأنكم يوم القيامة سيحاجكم هؤلاء عند الله ما قبِل أحد منكم هذه الحيلة، فصارت الآية: ﴿أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ﴾ متعلقة بأيش؟ بقوله: ﴿وَلَا تُؤْمِنُوا﴾ يعني لا تؤمنوا لأحد بل أخفوا عنه. ﴿أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ﴾.
لماذا قالوا: لا تؤمنوا إلا من تبع دينكم؟ لأن من تبع دينهم يعلمون أن الله سيُظهر محمدًا ﷺ ويكون له من الشريعة والفضائل ما كان لهم أو أكثر، ويؤمنون كذلك بأنهم سوف يحاجونهم عند الله كما قال تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ﴾ [الزمر ٣١]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [الحج ١٧]، فأنتم لا تخبرون الناس بهذا إلا لمن تبع دينكم، إذن هم يؤمنون بأنهم سوف يحاجّهم المسلمون يوم القيامة عند الله.
قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ فمن قالوا: لا تؤمنوا لأحد أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ﴾ حتى لو حاولتم أن تخفوا ما يمنّ الله به من الفضائل على هذه الأمة فإن ذلك لن يمنع الأمر الواقع؛ لأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، وقد آتى الله هذه الأمة -ولله الحمد- من الفضائل ما يربو بكثير على الفضائل التي أوتيها بنو إسرائيل.
﴿وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ واسع في كل صفاته، واسع العلم، واسع الرحمة، واسع الحكمة، واسع القدرة، في كل الصفات، عليم بمن يستحق الفضل سبحانه وتعالى؛ فهو يؤتي فضله من يشاء عن علم وحكمة.
﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ [آل عمران ٧٤] ﴿يَخْتَصُّ﴾ بمعنى يخص بالرحمة من يشاء، ولكنه عز وجل يختص برحمته من هو أهل للرحمة كما قال تعالى: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [الأنعام ١٢٤]، وقد مر علينا قاعدة أن كل فعل من أفعال الله قُرن بالمشيئة فهو تابع للحكمة، واستدللنا لذلك بقوله تعالى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [الإنسان ٣٠] فهو سبحانه وتعالى عليم حكيم يؤتي فضله من يشاء ممن يستحق ذلك الفضل، يؤتيه من يشاء.
﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾،﴾ ذُو الْفَضْلِ﴾ أي: صاحب الفضل العظيم يعني الواسع الكثير، فلا فضل أعظم من فضل الله عز وجل، وانظر إلى ما أنعم الله به على العباد من أول الدنيا إلى آخرها، وكل ذلك لم ينقص من عند الله شيئًا، قال الله تعالى في الحديث القدسي: «لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي شَيْئًا إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا غُمِسَ فِي الْبَحْرِ»[[أخرجه مسلم (٢٥٧٧ / ٥٥) من حديث أبي ذر.]]. اغمس المخيط في البحر وأخرجه هذا البلل الذي حمله المخيط هل ينقص البحر شيئًا؟ أبدًا ولا شيء، فهكذا كل فضل أعطاه الله عز وجل، لو فُرض أنه خارج عن ملكه ولا هو في ملكه، هو في ملكه، لكن لو فُرض أنه خارج عن ملكه فإنه لن ينقص ملك الله شيئًا إلا كما ينقص المخيط إذا غمس في البحر، وهذا لا ينقص المخيط شيئًا.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥) بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧٦) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [آل عمران ٧٥ - ٧٧].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. قال الله تبارك تعالى: ﴿وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾.
في هذه الآية من الفوائد: بيان عداوة أهل الكتاب للمؤمنين، وذلك.
* طالب: بعد: ﴿وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا﴾.
* الشيخ: ويش اللي مكتوب عندك؟ ويش آخر ما كتب؟
* الطالب: بيان عداوة أهل الكتاب للمسلمين، حيث يريدون ضلالهم.
التحذير من أهل الكتاب وأنهم يحاولون صد المسلمين عن دينهم.
ثالثًا: أن المعتدي يجازى بمثل عدوانه لقوله: ﴿وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾.
رابعًا: تعزية المسلمين بما يريد بهم هؤلاء من الإضلال.
خامسًا: أن الإنسان قد يعمى عن الباطل مع ممارسته له لقوله: ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾.
سادسًا: إحاطة علم الله بما في قلوب الخلق لقوله: ﴿وَدَّتْ﴾.
سابعًا: أننا نردّ على كل شخص يدعي أن الكفار يريدون الخير للمسلمين.
* الشيخ: هذه الفائدة ويش هي؟
* الطالب: أننا نردّ على كل شخص يدعي أن الكفار يريدون الخير للمسلمين بهذه الآية.
* الشيخ: إيه، لازم بهذه الآية.
* الطالب: ثم ذكرنا أيضًا: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ﴾ وذكرنا فوائدها أيضًا. وقفنا ﴿وَقَالَتْ طَائِفَةٌ﴾.
* الشيخ: قال الله تعالى: ﴿وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾.
في هذه الآية: بيان كيد الكفار للمسلمين، وذلك بسلوك طُرُق الحيل المتنوعة؛ لأنهم قالوا: ﴿آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: أن أهل الكتاب قد يكون فيهم منافقون لقوله: ﴿آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ﴾ فإن المؤمن حقًّا لا بد أن يستقر الإيمان في قلبه ولا يكفر ويرجع.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن المؤمن قد يُخدع بمثل هذه الخديعة فيتظاهر عدوه بأنه موافق له، ثم يتبرأ به في النهاية لقوله: ﴿آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ فيريدون أن يرجع المسلمون عن دينهم من أجل أن هؤلاء رجعوا، وقد سبق في تفسيرها ما يبيّن هذا تمامًا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: تعصّب أهل الكتاب لدينهم على ضلالهم لقوله: ﴿وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: أن المسلم يرد كيد هؤلاء بإعلان أن الهدى هدى الله، وأنهم مهما حاولوا أن يصدونا عن ديننا وقد أراد الله هدايتنا فإن ذلك لا يضرنا، فيتفرع على هذه الفائدة: أنه ينبغي للعبد أن يعتمد على ربه في طلب الهدى، وأن لا يعتمد على نفسه؛ لأنه إذا اعتمد على نفسه خُذل مهما كان من الذكاء والحيلة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن هؤلاء الذين صنعوا هذه الخديعة بيّنوا وأظهروا أن الذي حملهم على ذلك هو الحسد لقولهم: ﴿أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ﴾ لأن اليهود من أبرز صفاتهم الحسد ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء ٥٤]، ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ﴾ [البقرة ١٠٩].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن أهل الكتاب يؤمنون بالبعث والحساب لقوله: ﴿أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ﴾، ولهذا اتفقت الأديان الثلاثة؛ اليهودية والنصرانية والدين الإسلامي على الإيمان بالبعث، لكن ليس كل من آمن بالبعث يعمل له، فاليهود والنصارى ما داموا على كفرهم بمحمد ﷺ فإنهم لم يعملوا لهذا البعث؛ إذ لو عملوا له لآمنوا بالرسول ﷺ.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات أن العطاء عطاء الله عز وجل، وأن الله إذا منَّ على أحد بفضل فلن يستطيع أحد منعه لقوله: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ﴾.
* ومن فوائدها: إثبات اليد لله عز وجل لقوله: ﴿بِيَدِ اللَّهِ﴾، وهذه اليد يد حقيقية يقبضها الله عز وجل، ويقبض بها، ويأخذ بها كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [الزمر ٦٧] وأخبر النبي ﷺ: «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَبْسُطُ يَدَهُ فِي اللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَفِي النَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ»[[أخرجه مسلم (٢٧٥٩ / ٣١) من حديث أبي موسى.]].
وأخبر ﷺ: «أَنَّ الإنْسَانَ إِذَا تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ -أي بما يعادل التمرة- مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْخُذُهَا بِيَمِينِهِ فَيُربِّيهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٤١٠) ومسلم (١٠١٤ / ٦٤) من حديث أبي هريرة.]] الحديث. أهل السنة والجماعة يؤمنون بأن ذلك حق على حقيقته؛ لأن الله تعالى أخبر به عن نفسه، وهو أعلم بنفسه وأعلم بغيره، وأخبر به عن نفسه بكلام فصيح بيّن لا يحتمل الشك.
قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾ [النساء ٨٧] وأخبر به عن نفسه بخبر هو أصدق الأخبار لقول الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا﴾ [النساء ١٢٢] فخبر الله أصدق الأخبار، وأخبر به عن نفسه ليهتدي الناس به كما قال الله تعالى: ﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ﴾ [المائدة ١٦]، وقال تعالى: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾ [النساء ١٧٦]، وقال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [النساء ٢٦]، فهذه أربعة أوصاف اتصف بها خبر الله تعالى عن نفسه، الوصف الأول؟
* طالب: أولًا: أنه أصدق.
* الشيخ: الوصف الأول؟
* الطالب: الوصف الأول أنه أحسن حديثًا.
* الشيخ: الوصف الأول؟
* الطالب: أصدق.
* الشيخ: نعم.
* طالب: يريد الله.
* الشيخ: لا، الوصف الأول في كلامه.
* طالب: ومن أحسن من الله قيلًا؟
* الشيخ: لا، نريد الوصف الأول، أنا أريد أن أرتبها؟
* الطالب: العلم.
* الشيخ: أنه خبر صادر عن علم، كذا؟ فإن الله عالم بنفسه وبغيره، هذه واحدة. الوصف الثاني؟
* الطالب: ومَن أحسن من الله حديثًا.
* الشيخ: كيف من أحسن من الله، ويش لونها؟
* الطالب: أن كلام الله أحسن الحديث.
* الشيخ: زين، أن كلام الله أحسن الحديث؛ يعني بالفصاحة والبيان والوضوح. الثالث؟
* الطالب: أن الخبر الذي يصدر عن الله أصدقه.
* الشيخ: طيب، أن خبر الله عن نفسه أصدق خبر. الرابع؟
* طالب: أنه يريد البيان لنفسه يريد الله أن يبين لكم.
* الشيخ: طيب، أن الله تعالى يريد بما أخبر به عن نفسه أن يهتدي الناس به لئلا يضلوا، فإذا اجتمعت هذه الأوصاف الأربعة في كلام لم يبقَ فيه أدنى شك، ولا يمكن أن نقول: إنه من المتشابه خلافًا لمن زعم أن آيات الصفات من المتشابِه، ولهذا قالوا: إنها من المتشابه، وإنَّ فرْضنا نحوها أن نمرّها بدون أن نتعرض لمعناها، وهذا -كما مر علينا كثيرًا- خطأ، بل نقرأ آيات الصفات ونتعرض لمعناها ونسأل عن معناها، لكن لا نسأل عن الكيفية؛ يعني نسأل: ما معنى استوى؟ نسأل ما فيه مانع، ما معنى استوى على العرش؟ لكن كيف استوى؟ ما نقول، ما نسأل، هنا يد الله، نسأل ما هذه اليد؟ هل هي حسية أو معنوية؟ الجواب: أنها حسية يأخذ بها ويقبض عز وجل، ولكن لا نسأل عن كيفيتها، ما نقول: كيف هذه اليد؟ هل كف الرحمن عز وجل ككفّ الإنسان أو لا؟ ما نقول هكذا.
فإن قال قائل: إنه جاء في الحديث عن النبي ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ»[[أخرجه مسلم (٢٦١٢ / ١١٥) من حديث أبي هريرة. ]] وفي رواية: «عَلَى صُورَةِ الرَّحْمَنِ»[[أخرجه الطبراني في الكبير (١٣٥٨٠) من حديث عبد الله بن عمر.]]، وهذا يقتضي أن تكون صفات الله كصفات المخلوق، فوجهه كوجه المخلوق، ويده كيد المخلوق، وعينه كعين المخلوق، وساقه كساق المخلوق، وقدمه كقدم المخلوق، فما الجواب؟
الجواب على ذلك: أن هذا لا يمكن أن يكون مراد الحديث؛ لأنه لو كان هذا مراد الحديث لكان تكذيبًا لقوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى ١١] وخبر الله ورسوله لا يتكاذب، بل يصدّق بعضه بعضًا، فإذا كان كذلك فما معنى الحديث؟ فالجواب أن نقول: لا يلزم من كون آدم على صورة الله أن يماثلة؛ فقد يكون الشيء على صورة الشيء من حيث العموم لا من حيث التفصيل، ويدل لهذا أن النبي ﷺ أخبر بأن «أَوَّل زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٢٤٦) ومسلم (٢٨٣٤ / ١٤) من حديث أبي هريرة.]] وهل يلزم من ذلك أن يكونوا مثل القمر؟ أبدًا لكن من حيث الإجمال على صورة القمر، وإلا فليس للقمر أنف، وليس له عين، وليس له فم، وأهل الجنة لهم آناف وأعين وأفواه، لكن من حيث العموم، وهذا وجه قوي جدًّا ويبقي النص على ظاهره.
والوجه الثاني: أن نقول: إن الله خلق آدم على صورة الرحمن أي: على الصورة التي اختارها عز وجل، على صورته على الصورة التي اختارها كما لو قلت: هذا الباب صنعة فلان؛ يعني هو الذي صنعه، فالله هو الذي صوَّر آدم، وإضافة صورة آدم إلى الله تقتضي التشريف؛ ولذلك جاءت هذه الجملة في بعض الأحاديث تعليلًا للنهي عن ضرب الوجه وتقبيح الوجه؛ لأن آدم خُلق على صورة الرحمن، فإذا ضربت الوجه الذي خلقه الله عز وجل واختار هذه الصورة له فإن ذلك الضرب قد يخدشه ويغيّره، وإذا قبّحت الوجه قلت: ما أقبح هذا الوجه! فإن هذا أيضًا قدح في الصورة التي خلقها الله عز وجل واختارها لهذا الوجه.
وعلى هذا فيكون إضافة الصورة إلى الله من باب إضافة المخلوق إلى أيش؟ إلى خالقه كقوله: ناقة الله، وبيت الله، ومساجد الله، بيوت الله، وما أشبه ذلك، وحينئذٍ تبقى النصوص -ولله الحمد- سليمة لا تتناقض ولا تتعارض، فاليد ثابتة لله على الوجه اللائق به من غير أيش؟ من غير مماثلة، نجزم ونعلم علم اليقين أنه لا مماثلة بين صفات الخالق وصفات المخلوق.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه ينبغي للإنسان أن يعلّق الرجاء بالله خوفًا وطمعًا لقوله: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ﴾ فإذا علمت أن الفضل بيد الله فممن تسأل الفضل؟ من الله، وإذا علمت أن الفضل بيد الله، فمن الذي تخاف أن يمنع الفضل عنك؟ الله، إذن فينبغي، بل يجب على المؤمن أن يعلّق قلبه بالله تعالى رجاءً وخوفًا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات قيام الأفعال الاختيارية بالله عز وجل، ويش الكلام هذا معناه؟ ويش معنى هذا؟ معنى هذا أن الله تعالى يُوصف بصفات الأفعال المتعلقة بمشيئته لقوله: ﴿يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ فالإتيان فعل عُلّق بالمشيئة، إذن فنؤمن بأن الله تعالى له أفعال يفعلها يحدثها تتعلق بمشيئته. ففيه ردّ على المعطّلة الذين قالوا: إن الله تعالى لا يُوصف بالصفات الفعلية الاختيارية؛ لأنه ما فيه صفة عندهم ما فيه صفة لله تتعلق بمشيئته، كل الصفات أزلية، ليس فيه صفات تحدث بمشيئة الله، وهذه الآية ترد عليهم، لماذا يقولون: إن الله ما يفعل؟ يقولون: إن الله لا يستوي على العرش استواءً فعليًّا، ولا ينزل إلى السماء الدنيا، ولا يأتي للفصل بين عباده، لماذا؟ قالوا: لأن الحوادث لا تقوم إلا بحادث والله عز وجل ليس بحادث، الله أزلي أبدي، سبحانه وتعالى، فإذا أثبتّ له الأفعال الاختيارية المتعلقة بالمشيئة أثبتّ قيام فعل حادث به ولا يقوم الحادث إلا بحادث. فما هو الجواب عن هذا؟
الجواب: أن هذه القضية أو هذا الحكم حُكم عقلي معارض للنص؛ لأنه يتضمن رد كل نص يدل على قيام الأفعال الاختيارية بالله، وما تضمّن رد النصوص فهو باطل؛ لأن ما تضمن رد الحق فهو باطل.
ثانيًا: أن نقول: هذه القضية أو القاعدة التي ذكرتم قاعدة باطلة؛ فإن الأفعال تأتي بعد الفاعل، ولا يلزم أن تكون قديمة بقدمه، ولا يلزم أن يكون حادثًا بحدوثها، ولذلك نحن نأكل اليوم ونأكل بالأمس وما قبل أمس، هل يلزم إذا أكلنا اليوم أننا لم نوجد إلا اليوم؟
* طلبة: لا، لا يلزم.
* الشيخ: يعني وجودنا يسبق أفعالنا، فكذلك أفعال الله الاختيارية وجود الله سابق عليها، ولا يلزم أن نقول: إذا أثبتنا الأفعال الحادثة فقد أثبتنا حدوث الفاعل أبدًا، فهذه الملازمة العقلية ملازَمة باطلة لذاتها، وهي أيضًا ملازمة باطلة لمصادمتها لأيش؟ للنصوص.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات المشيئة لله؛ لقوله: ﴿مَنْ يَشَاءُ﴾، ولا أحد ينكر إثبات المشيئة لله فيما يتعلق بفعله، أنه تابع لمشيئته، ولا يكون إلا بمشيئته، لكن اختلفت الأمة في فعل العبد هل يكون بمشيئة الله أو لا يكون، فأهل السنة والجماعة قالوا: إنه يكون بمشيئة الله مع إثبات إرادة العبد، أنتم معنا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: فعل العبد بمشيئة الله مع إثبات إرادة العبد له، وذهبت القدريّة -مجوس هذه الأمة- إلى أن فعل العبد لا يقع بمشيئة الله، وأن العبد حُرّ يفعل ما يشاء، ولا تعلق لإرادة الله ومشيئته بفعله، ولهذا سموا مجوس هذه الأمة؛ لأنهم اعتقدوا أن العبد مستقل بما يحدثه، فجعلوا للحوادث خالقَيْنِ: الله عز وجل فيما يتعلق بفعل نفسه، والإنسان فيما يتعلق بفعل نفسه أيضًا؛ فالله خالق لأفعاله والإنسان خالق لأفعاله، والله شاءٍ لأفعاله والإنسان شاءٍ لأفعاله، ولا تعلق لمشيئة الله بفعل العبد.
طائفة أخرى قابلتهم، قالت: أفعال العبد بمشيئة الله ولا إرادة للعبد فيها، عرفتم؟ هؤلاء هم الجبرية، قالوا: إن أفعال العبد بمشيئة الله ولا إرادة له فيها أبدًا، إن قام فهو مجبر، وإن جلس فهو مجبر، وإن نزل من السطح على الدرج فهو مجبر، وإن تدحرج غصبًا عنه فهو مجبر، وإن مات فهو مجبر، وإن شرب فهو مجبر، كله إجبار ما له اختيار، وهؤلاء أيضًا خالفوا المعقول والمنقول والمحسوس، لو أن أحدًا منهم وقف أمامنا وقال: الإنسان مجبر على فعله، فقام أحدنا وضربه كفًّا وقال: والله هذا غصب عليّ، أنا مجبر على أن أضربك كفًّا، ويش يقول؟ ما يرضى، إن قال: أبدا لأيش تتعدى عليّ؟ نقول: الآن أبطلت قاعدتك.
ولهذا يذكر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رُفع إليه سارق فأمر بقطع يده، قال: اقطعوا يده ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة ٣٨] فقال: مهلًا يا أمير المؤمنين، والله ما سرقت إلا بقدر الله؛ يعني غصبًا عليّ، فقال: ونحن لا نقطع يدك إلا بقدَر الله. فرد عليه بحجّته مع أن أمير المؤمنين يقطع يد السارق بقدر الله وشرع الله، والسارق يسرق بأيش؟ بقدر الله لا بشرع الله؛ لأن الله ينهاه عن السرقة. المهم أن إثبات المشيئة لله في الآيات كثير، وهي شاملة لفعله ولفعل المخلوقين.
وهنا نقول: هل مشيئة الله مطلقة؟ يعني يشاء ما تقتضيه الحكمة، وما تقتضي الحكمة عدمه، أو مقيدة بالحكمة؟
الجواب: مقيَّدة بالحكمة، كلما مر بك آية فيها إثبات المشيئة فإنها مقيّدة بالحكمة، ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [الإنسان ٣٠] فقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ يدل على أن مشيئة الله عز وجل مقرونة بالعلم والحكمة وهو كذلك، فلا يشاء سبحانه وتعالى شيئًا إلا لحكمة، ولكن الحكمة قد تبين لنا، وقد أيش؟ وقد تخفى علينا؛ لأن عقولنا قاصرة، قد نظن مثلًا أن نزول المطر في هذا الوقت ضرر وليس بضرر، قد نظن أن حبس المطر عنا ضرر وليس بضرر، فنحن نؤمن بأنه ما من شيء يجريه الله سبحانه وتعالى إلا لحكمة، ولكن الحكمة قد تخفى علينا وقد تظهر لنا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات اسمين من أسماء الله وهما: واسع، والثاني: عليم، واسع بأي شيء؟ في كل صفاته؛ كل صفاته سبحانه وتعالى واسعة، رحمته وسعت كل شيء، وعلمه وسع كل شيء، وسلطانه شمل كل شيء، وقدرته على كل شيء، واسع بكل معناها، حتى إن الله قال: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة ١١٥]. أيّ مكان تولي وجهك له فالله أمامك، إذا كنت في الصلاة فإن الله تعالى يناجيك وهو أمامك كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٠٦) ومسلم (٥٤٧ / ٥٠) من حديث عبد الله بن عمر.]] أي إنسان، الذين يستقبلون المشرق كالذين يقعون غربًا عن مكة، والذين يستقبلون المغرب كالذين يقعون شرقًا عن مكة، والذين يستقبلون الجنوب كالذين يقعون عنها شمالًا، والذين يستقبلون الشمال كالذين يقعون عنها جنوبًا، كل هؤلاء أينما تولوا فإن ثَمَّ وجه الله؛ لأن الله واسع، واسع عليم. ولكن لا تظن أن الله سبحانه وتعالى في الأرض قِبل وجهك وأنت تصلي، فإنه قِبل وجهك وهو في السماء؛ لأن الله ليس كمثله شيء في جميع صفاته، وإذا كان المخلوق وهو مخلوق يمكن أن يكون في السماء وقِبَل وجهك فما بالك بالخالق؟ لو استقبلت الشمس حين شروقها لكانت أيش؟ قِبل وجهك وأين هي؟ في السماء، وكذلك عند الغروب تكون قِبل وجهك وهي في السماء، فالحاصل أن الله تعالى واسع بجميع صفاته وبكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.
* ومن فوائد الآية: إثبات علم الله سبحانه وتعالى في قوله: ﴿عَلِيمٌ﴾ عِلم الله في قوله: ﴿عَلِيمٌ﴾، فما هو العلم؟ العلم إدراك الشيء على ما هو عليه، فمن لم يدرك الشيء فليس بعالم، ومن أدركه على خلاف ما هو عليه فليس بعالم، والأول جاهل بسيط، والثاني جاهل مركب. فلو سألَنا سائل: متى كانت غزوة الفتح؟ فقيل له: كانت في السنة الثالثة من الهجرة، فالقائل جاهل جهلًا مركبًا، ولو سألنا سائل فقال: متى كانت غزوة الفتح؟ فقيل له: الله أعلم، فالقائل جاهل لكن جهله بسيط، أيهما أشد عمًى؟ الأول أشد عمًى، المشكل، جاهل وهو جاهل أنه جاهل، ولهذا قيل: إن الجهل المركب أشد قبحًا من الجهل البسيط؛ فعالم لم ينتفع بعلمه أشد إثمًا من الجاهل؛ لأن العالم الذي لم ينتفع بعلمه علم ولكنه -والعياذ بالله- لم يعمل بعلمه.
ولو سألنا سائل: متى كانت غزوة الفتح؟ فقيل له: في السنة الثامنة في رمضان، لكان عالِمًا، إذن الله تعالى عالم مدرك للأشياء على ما هو عليه، وعِلْمه سبحانه وتعالى تامّ من كل وجه أزلًا وأبدًا، فلم يزل عالِمًا يعلم ما سيكون وإذا علم -وهو عالم عز وجل- فلن ينسى كما قال موسى عليه الصلاة والسلام: ﴿فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى﴾ [طه ٥٢].
هل يوصف الله بأنه عارف؟
* طلبة: لا.
* الشيخ: قال أهل العلم: لا يوصف الله بأنه عارف، لماذا؟ لأن المعرفة انكشاف بعد لُبس، انكشاف بعد خفاء، أحسن أو أبْين لكم، المعرفة انكشاف بعد خفاء، ولهذا إذا علمت الصبي تقول له: هل عرفت؟ فيقول أيش؟ نعم؛ يعني بعد أن كان خافيًا عليه صار الآن معلومًا له، فمن أجل أنها انكشاف بعد خفاء لم يصح إطلاقها على الله؛ لأن الله لم يزل ولا يزال عليمًا.
ثانيًا: أن المعرفة تطلق على العلم والظن، ولهذا إذا قلنا: العِلم معرفة الحق بدليله شمل قولنا معرفة الحق بدليله شمل العلم والظن؛ لأن المعلومات إما علمية وإما ظنيَّة؛ لهذا لا يصح أن يطلق على الله بأنه عارف.
فإن قال قائل: كيف تقولون هذا وقد صح عن النبي ﷺ أنه قال: «تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ»[[أخرجه أحمد في المسند (٢٨٠٣) من حديث ابن عباس.]] يعرفك، وهذا فعل؟ فالجواب عن ذلك: أن هذه معرفة خاصة تستلزم العناية؛ العناية بالذي تعرَّف إلى الله من قبل، والدليل على أنها ليست معرفة العلم، بل هي معرفة العناية؛ الدليل أنه قال: تعرَّف إلى الله مع أن الله يعرفك سواء قمت بعبادته أم لم تقم، يعلمك عز وجل، يعلمك سواء قمت بعبادته أم لم تقم، لكن إذا قمت بعبادته فقد تعرَّفت إليه، فإذا تعرفت إليه في الرخاء عرفك في الشدة.
ثم قال الله عز وجل: ﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أن الله عز وجل قد يرحم بعض العباد رحمة خاصة لقوله: ﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ وقد بيّن الله في آيات أخرى: أن الله تعالى يرحم من يستحق أن يُرحم وهو الذي تعرّض لأسباب الرحمة مثل قوله تعالى: ﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ﴾ [المائدة ١٦]، وأن من كان على العكس لم يأتِ بما يقتضي الرحمة فإنه ليس أهلًا لها، قال الله تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا﴾ [الأعراف ١٥٦] لمن؟ ﴿لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾، وقال عز وجل: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الصف ٥].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه لا اعتراض على الله في كونه يختص برحمته زيدًا، ويمنع رحمته عن عمرو؛ لأن الأمر إليه وهو فضل إن شاء منعه وإن شاء أعطاه.
* ويتفرع على هذه الفائدة: أن من مُنعوا فضل الله لم يكونوا قد ظُلِموا شيئًا؛ لأن فضل الله يؤتيه من يشاء ويختص برحمته من يشاء، (...) لو كان أمامك عشرة رجال فأعطيت واحدًا عشرة، وواحدًا تسعة، وواحدًا ثمانية، وواحدًا سبعة، وواحدًا ستة، وواحدًا خمسة، وواحدًا أربعة، وواحدًا ثلاثة، وواحدًا اثنين، وواحدًا واحدًا، هل ظلمت من لم تُعطه إلا درهمًا واحدًا؟ لا، ما ظلمته؛ لأن هذا فضل منك، فلا يقال: إنك ظلمت من أعطيته درهمًا واحدًا؛ لأنك أعطيت الأول عشرة دراهم.
ولو استأجرت عشرة أجراء على عشرة دراهم كل يوم فقاموا بالعمل، فأعطيت واحدًا عشرة دراهم؛ لأنه عمل يومًا كاملًا، والثاني كلهم عملوا على يوم كامل، أعطيت واحدًا عشرة، والثاني تسعة، والثالث ثمانية، وهكذا تنقص، لعُددتَ ظالِمًا؛ لأن هذا ليس من العدل أن يقوم الجميع بما استأجرتهم عليه، ثم تعطي بعضهم وتحرم بعضًا، والفرق بين هذه والتي قبلها: أن الأولى فضل وإحسان، مجرد فضل وإحسان، وهذه الثانية عدل، والعدل يجب أن يُعطى فيه كل ذي حق حقه.
﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: جواز وصف غير الله بالعِظم لقوله: ﴿ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾؛ لأن الفضل هنا يحتمل أن يراد بها الفضل الذي هو فضل الله أي: عطاؤه، أو أن المراد بها المتفضل به وهو أيش؟ المعطَى، فعلى الثاني لا إشكال في استنباط الفائدة التي ذكرناها، أن العِظم يوصف به غير الله، وعلى الأول إذا قلنا: إن الفضل هو نفس فعل الله فوصفه بالعِظم لا إشكال فيه، لماذا؟ لأنه من صفات الله.
الشيخ: ﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [آل عمران ٧٤].
* ومن فوائد الآيات الكريمة: جوازُ وصف غيرِ الله بالعِظَم؛ لقوله: ﴿ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾؛ لأن الفضل هنا يَحتمل أن يُراد بها الفضل الذي هو فضل الله؛ أي عطاؤه، أو أن المراد بها المتفضَّل به وهو أيش؟ الْمُعْطَى، وهو المعطى، فعلى الثاني: لا إشكال في استنباط الفائدة التي ذكرناها؛ أن العِظَمَ يُوصف به غيرُ الله. وعلى الأول: إذا قلنا: إن الفضل هو نفسُ فعلِ الله فوصفُه بالعِظَم لا إشكال فيه، لماذا؟ لأنه من صفات الله، وصفات الله كذاته عظيمة، فإن قال قائل: ما دام الاحتمالان قائمين فلا دلالة على أنه يوصف بالعظم مَن سوى الله ما دمنا نقول: يحتمل أن يكون الفضل هنا صفةَ الله وصفةُ الله عظيمة كذات الله.
الجواب عن هذا أن يُقال: إذا لم تقتنع بهذا فاقرأ قول الله تعالى: ﴿وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾ [النمل ٢٣]. فوصف العرش بالعظم مع أن عرشها مخلوق؛ إذن يصح أن نقول والله هذا الفعل عظيم، نعم، يصح أن نقول هذا، هذا رجل عظيم، هذه سيارة عظيمة، هذا بيت عظيم، وما أشبه ذلك؛ ولا يضر، كما أنه يصح أن نقول: فلان عزيز، فلان قوي، يصلح؟
* الطلبة: نعم..
* الشيخ: نعم، فلان قوي، ولا حرج في ذلك ولكن يجب أن نعلم أن ما نصف به المخلوق من صفات الله لا يماثل صفات الله ولا يدانيها أيضًا؛ لأن صفة كل موصوف تناسبه.
* طالب: هل فيه هناك مقارنة بين منافقي المسلمين وأهل الكتاب؟
* الشيخ: كيف؟
* طالب: هل بين المسلمين ومنافقو أهل الكتاب بينهما مقارنة في الفعل؟
* الشيخ: مسلمين ومنافقين.
* الطالب: المنافقين.. هل المنافقون الذين في عهد النبي ﷺ يقارَنون بمنافقي أهل الكتاب؟
* الشيخ: لا، الآيات التي مرَّت بنا ينافقون ما كل وقت، ينافقون خداعًا في أول النهار ويكفرون في آخره.
* طالب: يا شيخ، «يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ» هذا الحديث «يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ»؟
* الشيخ: هيه؟
* الطالب: حديث «يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ» «تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ»[[أخرجه أحمد (٢٨٠٣)، وعبد بن حميد (٦٣٥)، والحاكم في المستدرك (٦٤٣٦، ٦٤٣٧) من حديث ابن عباس.]].
* الشيخ: نعم.
* طالب: صفة العرف هل يعني نثبتها لله صفة فعلية؟
* الشيخ: هيه؟
* طالب: هل نثبت أن الله عارف صفة فعلية؟
* الشيخ: إي نعم، إذا قلنا: المراد بها العناية ما هو المعرفة العلمية؛ لأن الله لم يزل عالمًا من قبل أن تكون فيه الشدة، لكن إذا قلنا: المعرفة التي مقتضاها العناية صارت من هذا النوع، نعم.
* طالب: هل يعني يصح أن يُقال: أن الذي لم ينتفع بعلمه أن فيه صفة من صفات اليهود؛ لأنهم كان عندهم علم؟
* الشيخ:كيف؟ نعم، كيف ما فيه شك.
* طالب: سؤال ذو شقين. بالنسبة إلى الله سبحانه وتعالى بعض الناس يصفونه يقولون: إن الله قديم؟
* الشيخ: إيه؟
* الطالب: يعني بعض الناس من أهل الفرق يعني يصفون يقولون: إن الله قديم أو أزلي أو كذا، هذه الألفاظ من أين أتت؟
* الشيخ: إيه.
* الطالب: من هم الفرق الذين قالوا هذا؟
* الشيخ: نعم، هذه جاءت من المتكلمين ما فيها شك، ما كانت معروفة في عهد الرسول ﷺ ولا الصحابة وإن كان وَرَدَ «أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ»[[أخرجه أبو داود (٤٦٦) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.]] وصفًا للسلطان لا لله، لكن معناها حسب ما يريدون بها صحيح؛ لأن عندهم أن القديم هو الذي ليس له أول؛ يعني الذي لم يزل ولا يزال موجودًا، ولا يريدون القديم الذي هو القديم لغةً؛ لأن القديم في اللغة يطلق على الشيء الحادث الذي سبق غيره كقوله: ﴿حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾ [يس ٣٩]. وقد مرَّ علينا أن ما يُخبَر به عن الله إما أن يكون الله قد أخبر به، أو لم يُخبِر به لكن لا ينافي كمالَه، أو لم يخبر به وينافي كماله؛ فالأولُ معلوم الجواز والثالث معلوم الامتناع والثاني جائز جائز؛ فيجوز أن تُخبِر عن الله بما لا ينافي كماله ولكن لا يجوز أن تخبر عن الله بما ينافي كماله حتى إن بعض العلماء يقول: لا يجوز لك أن تُفَصِّل في خلق الله فتقول مثلًا: إن الله خلق الحمير والكلاب والأقذار والأنتان وما أشبه ذلك؛ لأن في هذا نوع من الاستخفاف، لكن قل: خلق كل شيء، ثم لو أنكر إنسان قال: إن الله لم يخلق الحمير قل: لا، بل خلق الحمير، في مقابلة النفي.
على كل حال ما يقع خبرًا عن الله إما أن يكون قد أَخبر الله به عن نفسه، فأمرُه ظاهر، أو لم يخبِر به ولكنه ينافي كماله، فأمرُه ظاهر أيضًا، الأول واضح الجواز والثاني واضح الامتناع. أو يكون مما لم يُخبر الله به عن نفسه لكن لا يُنافي كمالَه، فهذا لا بأس به؛ ولهذا نقول: إنَّ الله مُريد متكلم صانع مع أنه لم يَرِد هذه المشتقات من أسماء الله، ولا أخبر الله به عن نفسه بهذا اللفظ.
* طالب: جهم بن صفوان يا شيخ عندما مرَّ مع جماعة من الطلاب فذهب بهم إلى أماكن المصابين بالأمراض فقال لهم: انظروا هل يعني هذه رحمة الله هكذا يصاب الناس.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: كيف نرد على هذا القول؟
* الشيخ: نرد أن هذا من رحمة الله.
* الطالب: أن يصابوا بهذا..
* الشيخ: نعم، أن يصابوا؛ ﴿لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا﴾ [الروم ٤١] أيش؟ ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ فإن لم ينتفعوا انتفع غيرهم؛ لأنك لا تعرف قَدْرَ نعمة الله عليك إلا إذا أُصبت بضدها أو رأيت من أصيب بضدها، نراجع يلَّا سمّعنا جزاك الله خيرًا، قوله: ﴿قَالَ الْحَوَارِيُّونَ﴾ [آل عمران ٥٢] ما معنى الحواريين؟
* طالب: الحور مشتق من الحَوَر، الحَوَر هو البياض.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: وقلوبهم سالمة من..
* الشيخ: صافية نقية.
* الطالب: من الكفر والشرك.
* الشيخ: أحسنت، إذن سُمُّوا حواريين؛ لصفاء قلوبهم.
* الطالب: لصفاء قلوبهم.
* الشيخ: لصفاء قلوبهم. طيب أحسنت، قوله تعالى: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ﴾ [آل عمران ٥٤] كيف يُوصف الله بالمكر؟
* الطالب: لأنَّ مَكَر إذا كان في مقابل الخصم يوصف الله تبارك وتعالى وهو صفة الكمال، وإذا كان ليس في مقابلة الغير هو صفة نقص؛ يعني ما يُوصَفُ الله تبارك وتعالى إلا في مقابلة الخصم.
* الشيخ: أحسنت، وحينئذ يكون؟
* الطالب: يكون في مقابلة مكر المشركين..
* الشيخ: يكون كمالًا.
* الطالب: إي نعم..
* الشيخ: كمالًا؛ لأنه يدل على أنه أقوى من ذاك، من عدوه، قوله: ﴿لَهُوَ الْقَصَصُ﴾ و﴿لَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ فيها قراءتان.
* طالب: (لهو) بضم الهاء وسكونها.
* الشيخ: بضم الهاء وسكونها ﴿لَهُوَ﴾ و﴿لَهْوَ﴾ .
طيب، قوله تعالى: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ﴾ الضمير في ﴿خَلَقَهُ﴾ المفعول يعود على؟
* طالب: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ﴾.
* الشيخ: ﴿كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ﴾.
* طالب: أي آدم.
* الشيخ: يعود على آدم. ما الغرض من هذه الآية؟ الرد على من؟
* طالب: الرد على الذين قالوا: إن عيسى ابن الله.
* الشيخ: الرد على النصارى الذين قالوا: إن عيسى ابن الله، وقالوا: كيف يأتي بدون أب؟ فأبوه هو الله. طيب فقال الله تعالى: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى﴾.
* الطالب: ﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾.
* الشيخ: يعني شأنه كشأن آدم؛ خَلَقَهُ الله من تراب ﴿ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾.
طيب هذه الآية اختصت بشيء فما هو الشيء الذي اختصت به ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ﴾؟
* طالب: (...)
* الشيخ: لها خصيصة يعني معينة هه؟
* الطالب: (...)
* الشيخ: أن النبي ﷺ كان يقرأ بها في الركعة الثانية من سنة؟
* الطالب: صلاة الفجر.
* الشيخ: صلاة الفجر، ويقرأ في الركعة الأولى؟
* الطالب: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ [البقرة ١٣٦].
* الشيخ: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ الّلي في سورة البقرة.
طيب، قوله: ﴿إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾ ويش معناها؟
* الطالب: ﴿قُلْ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ﴾..
* الشيخ: ﴿سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾؟
* الطالب: أي تكون..
* الشيخ: ﴿سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾.
* الطالب: أي تكون فاصلة بيننا وبينكم.
* الشيخ: كيف؟
* طالب: هي كلمة التوحيد.
* الشيخ: أيش لون هذا الفاصل؟
* الطالب: يعني نحتكم نحن وإياكم إلى هذه..
* الشيخ: إي، لكن شو المراد بـ﴿سَوَاءٍ﴾ يعني؟
* طالب: عدل.
* الشيخ: عدل، طيب هذه واحدة، المعنى الآخر؟
* طالب: مستويًا.
* الشيخ: مستويًا.
* الطالب: من اسم فاعل.
* الشيخ: إي، يعني بمعنى أنها كاملة، إلى كلمة كاملة؛ لاشتمالها على العدل.
طيب، قوله: ﴿وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ كيف اتخذ بعضهم بعضًا أربابًا من دون الله؟
* طالب: يريد دعاء بعضهم لبعض (...).
* الشيخ: هم يدعون بعضهم بعضًا.
* طالب: يعني يتخذ بعضهم؛ أي: يعبد بعضهم بعضًا.
* الشيخ: لكن هل حديث عدي بن حاتم أنهم يعبد بعضهم بعضًا؟
* الطالب: قال على استثناء (...).
* الشيخ: قال: لسنا نعبدهم.
* الطالب: لكن قال: نحن ندعوهم. قال: «فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ»[[أخرجه الترمذي (٣٠٩٥)، والبيهقي في السنن (١٠ / ١١٦)، والطبراني في المعجم الكبير (٢١٨) (١٧ / ٩٢) من حديث عدي بن حاتم.]].
* الشيخ: لا، ما قال: إنهم يدعونهم.
* طالب: يتبعونهم في تحريم الحلال وتحليل الحرام.
* الشيخ: نعم، يتبعونهم في تحليل الحرام وتحريم الحلال.
طيب، أنتم أظن أخذتم الجزء هذا من القرآن؟ أنت؟
* طالب: أنا؟
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: أخذت منه شيء.
* الشيخ: أدركت أوله ولّا لا، من أين أدركت؟
* طالب: من هذه الآيات.
* الشيخ: من هذه الآيات، يلَّا سمِّعْنا، ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ﴾، سمِّعْنا عن ظهر قلب.
* الطالب: لم أحفظ.
* الشيخ: شو الفائدة، نعم.
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٦٥) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران ٦٥، ٦٦].
* الشيخ: أحسنت، قوله تعالى: ﴿هَا أَنْتُمْ﴾ فيها قراءتان.
* طالب: بضم الميم..
* الشيخ: أيش؟
* طالب: ها أنتمُ؟
* الشيخ: لا، نسيت ولا ما حفظت؟
* الطالب: ما عرفت.
* الشيخ: قراءتان.
* طالب: ﴿هَا أَنْتُمْ﴾ و﴿هَأَنْتُمْ﴾ بالتسهيل.
* الشيخ: ﴿هَا أَنْتُمْ﴾ بالمد، و﴿هَأَنْتُمْ﴾ بدون المدِّ.
طيب، قوله: ﴿لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ﴾؟ الاستفهام هنا ما المراد به؟
* طالب: الإنكار.
* الشيخ: الإنكار، يعني؟
* طالب: يعني ينكر على الكافر (...).
* الشيخ: ما فيه معنى آخر؟
* طالب: التوبيخ والإنكار، المراد به التوبيخ والإنكار.
* الشيخ: التوبيخ.
* طالب: والإنكار.
* الشيخ: والتعجب، هه، كيف الآية، ويش معنى الآية؟ القصة ما هي؟
* طالب: القصة أنهم ادَّعَوْا أنهم على ملة إبراهيم، فالله أنكر عليهم وتعجَّب منهم، كيف تقولون: إنكم على ملة إبراهيم؟!
* الشيخ: يعني ادعوا أن إبراهيم على ملة التوراة مثلًا وعلى ملة الإنجيل.
* الطالب: نعم.
* الشيخ: طيب، وأنهم مُتَّبِعون له، ما وجه الإنكار عليهم؟
* طالب: لأن التوراة والإنجيل ما أُنزلت إلا بعد إبراهيم.
* الشيخ: نعم، فكيف يكون؟
* الطالب: فكيف يكون إبراهيم على ملته؟!
* الشيخ: على ملة شيء لم ينزل إلا من بعده، كذا؟ طيب، نعم.
* طالب: فيه معنى آخر.
* الشيخ: فيه معنى آخر.
* طالب: وهو أنهم هم على ملة إبراهيم.
* الشيخ: أنهم هم..
* طالب: يدَّعون أنهم على ملة إبراهيم.
* الشيخ: نعم، وأنهم أولى الناس به. طيب، هل في قوله تعالى: ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ دليل على تحكيم العقل في الأمور الشرعية؟
* طالب: المقصود بالعقل هنا عقل الرشد..
* الشيخ: أي عقل الرشد، لا بأس، لكن هل فيه دليل على الرجوع إلى عقل الرشد للأمور الشرعية؟ أو هنا التوبيخ مُنْصَبٌّ على فعلهم هم؛ يعني كونهم يدَّعون أن إبراهيم تابع للتوراة أو أنهم على ملة إبراهيم وهم مخالفون له؟
* طالب: بل هو على الإنكار عليهم.
* الشيخ: ليس على أمر شرعي، هل له نظير؛ أنكر الله تعالى أو نعى الله على قوم عقولَهم لمخالفتهم لما يقتضيه العقل؟ نعم. من يعرف؟ ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة ٤٤]. طيب، يلَّا.
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٦٧) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (٦٨) وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ [آل عمران ٦٧ - ٦٩].
* الشيخ: أحسنت، قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا﴾ هذا رد على من؟
* طالب: من تعني؟
* الشيخ: ﴿إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا﴾.
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: ردٌّ على من؟
* الطالب: على اليهود والنصارى.
* الشيخ: اليهود والنصارى كلهم؟
* الطالب: على النصارى.
* الشيخ: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا﴾ بس نقرأ هذا ردًّا على من؟
* الطالب: على اليهود.
* الشيخ: ﴿وَلَا نَصْرَانِيًّا﴾؟
* الطالب: على النصارى.
* الشيخ: ردًّا على النصارى؛ لأن كل طائفة منهم تدعي أنها على ملته وأنه على ملتهم.
طيب، قوله تعالى: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ﴾ كيف بدأ بـ﴿الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ﴾ قبل ذِكر النبي محمد ﷺ والنبي أشرف منهم، هه، يلّا؟
* طالب: لأن الاتباع ما يجيء إلا يكون أولًا بتصديق كتاب الله ثم كلام النبي ﷺ.
* الشيخ: لا.
* طالب: لأنهم الأول في الخلق.
* الشيخ: هه.
* طالب: لأنهم الأول في الخلق.
* الشيخ: أسبقُ زمنًا.
* الطالب: أسبق زمنًا من النبي.
* الشيخ: لأنهم أسبق زمنًا، هذه واحدة، وجه ثانٍ؟
* طالب: أن الله عز وجل شرَّف الرسول فقال: ﴿وَهَذَا﴾ عطفه.
* الشيخ: عطفه؟
* الطالب: أشار..
* الشيخ: أخَّره، مش المشكلة التأخير، لكن الأخ يريد يقول: لأن الذين اتبعوه أسبق زمنًا، شيء آخر؟
* طالب: الظاهر -والعلم عند الله- أن هؤلاء اليهود والنصارى الذين يدَّعون أن إبراهيم من ملتهم وهم لم يتبعوه وليسوا منه في شيء، بيّن الله لهم أن أولى الناس بإبراهيم الذين اتبعوه وهؤلاء لم يتبعوه وإنما يدَّعون أنهم يتبعونه بالاسم.
* الشيخ: إي، لكن الرسول ﷺ أشرف من الذين اتبعوه، فلماذا قدَّمهم؟ نعم.
* طالب: لأنهم اتبعوه في شريعته (...) أصول الدين.
* الشيخ: أيش؟
* طالب: شريعة الرسول الإسلام، ولكن لكل نبي شريعته الخاصة قال: اتبعوه في شريعته الخاصة (...).
* الشيخ: إي نعم، صحيح؛ لأن الذين اتبعوه اتبعوه اتباعًا كاملًا، وأمَّا النبي ﷺ فله منهاج يخالف منهاج إبراهيم فيما يتعلَّق بالمصالح ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة ٤٨]. فلمَّا كان الذين اتبعوه آخذين بأصول شريعته وفروعها ودقيقها وجليلها قدَّمَهُم.
طيب، قوله: ﴿لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ﴾ اللام هذه ويش معناها؟
* طالب: تعليل.
* الشيخ: لا، ما كل لام تعليل، ما كلُّ بيضاءَ شحمة.
* طالب: حرف جر.
* الشيخ: ولا هي بحرف جر، حرف الجر اسم مكسور مع اسم موصول، نعم..
* طالب: للتوكيد.
* الشيخ: الأخ..
* الطالب: للتوكيد.
* الشيخ: للتوكيد، ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ﴾. طيب، قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ وفي بعض الآيات ﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ﴾ [الأنعام ٦٢] فأثبت ولايته على الكفار فما الجمع؟
* طالب: اتبعوا الرسول ﷺ.
* الشيخ: لكن الله هنا قال: ﴿وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ وفي بعض الآيات أثبت الله ولايته لغير المؤمنين.
* طالب: إي نعم؛ لأن ولي المؤمنين بالاتباع الرسل.
* الشيخ: لا.
* طالب: المراد الولاية الخاصة يا شيخ.
* الشيخ: المراد هنا الولاية الخاصة، وولاية الله لغير المؤمنين الولاية؟
* الطلبة: عامة.
* الشيخ: العامة، طيب.
* طالب: بمعنى المحبة يا شيخ؟
* الشيخ: نعم؟
* الطالب: بمعنى المحبة الولاية العامة؟
* الشيخ: لا لا، الولاية العامة بمعنى التبليغ والسلطة، تولي الأمور. طيب، الأخ.. اقرأ.
* طالب: (...) أعداء المسلمين.
* الشيخ: التحذير..
* طالب: من ولاية الكفار.
* الشيخ: إي نعم، التحذير من اليهود والنصارى؛ لأنهم يريدون منَّا أيش؟ أن يُضِلُّونا؛ طيب كيف قال: ﴿وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾؟ ما وجه كونهم لا يُضلون إلا أنفسهم؟
* طالب: لأنهم بهذا الإضلال هم ضالين في الأصل، وبهذا الإضلال يزيدون ضلالًا فيضلون أنفسهم.
* الشيخ: أحسنت تمام. قوله: ﴿مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ﴾
لماذا سمي القرآن ذِكْرًا؟ هه، يلَّا (...) سهمه الآن.
* طالب: سُمي ذكرًا؛ لأن فيه ذكر الله، وكذلك الذكر يطلق على ثلاثة معانٍ.
* الشيخ: على ثلاث جماعات؟!
* الطالب: على ثلاثة معانٍ.
* الشيخ: هيه.
* الطالب: ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ [الشرح ٤]، وكذلك واذكر ربك قيامًا وقعودًا، وهذا الذكر القرآن فيه ذكر لله تبارك وتعالى، وكذلك التلفظ والذكر يطلق على التلفظ وكذلك فيه ألفاظ.
* الشيخ: كثَّرت علينا يا شيخ، نعم.
* طالب:..
* الشيخ: إي نعم.
* طالب: لأن فيه ذكر من قبلنا ومن بعدنا.
* الشيخ: أيش؟
* الطالب: لأن فيه ذكر من قبلنا وذكر من بعدنا من القرون.
* الشيخ: هيه.
* طالب: كما قال النبي ﷺ..
* الشيخ:طيب، وغيره؟
* الطالب: الحديث..
* الشيخ: هيه؟
* الطالب: كما قال النبي ﷺ..
* الشيخ: طيب هات!
* الطالب: لا أحفظه.
* طالب: لذكره في زبر الأولين.
* الشيخ: لا.
* طالب: لأنه يُتذكر به.
* الشيخ: صح، لأنه يُتذكر به، طيب.
* طالب: الذِّكر بمعنى الشرف يقول تعالى: ﴿وَإِنَّهُ﴾..
* الشيخ: نعم.
* الطالب: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ [الزخرف ٤٤].
* الشيخ: زين!
* الطالب: ولإنه يُذكر به عزَّ وجلَّ.
* الشيخ: لإنه ذكر..
* الطالب: لله عز وجل..
* الشيخ: لمن اتبعه ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ﴾؛ أي: شرف، ﴿وَلِقَوْمِكَ﴾. طيب، يلَّا.. الحكيم وصف للقرآن فهل هو من الحُكم لأن القرآن حاكم بين الناس، أو هو من الإحكام، لأن القرآن مُحكم؟
* طالب: (...).
* الشيخ: من المعنيين جميعًا؛ فالقرآن محكم وحاكم، طيب هذا الوصف لكل القرآن؟
* الطالب: إي نعم، ورد الاختلاف فيه (...) إي نعم هو وصف لكل القرآن.
* الشيخ: لكل القرآن.
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: طيب، أَلَا يَرِدُ على هذا قوله تعالى: ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ [آل عمران ٧] فلم يجعل الله القرآن كله محكمًا؟
* طالب: لأن المتشابهات بالنسبة لله سبحانه (...)، والمتشابهات بالنسبة للعامة غير حكيم.
* الشيخ: يعني التشابه نسبي؟
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: إيه، توافقون على هذا؟ وإذا رُد المتشابه إلى المحكم صار الجميع محكمًا. اتفضل.
* طالب: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥) بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧٦) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [آل عمران ٧٥ - ٧٧].
{"ayahs_start":69,"ayahs":["وَدَّت طَّاۤىِٕفَةࣱ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ لَوۡ یُضِلُّونَكُمۡ وَمَا یُضِلُّونَ إِلَّاۤ أَنفُسَهُمۡ وَمَا یَشۡعُرُونَ","یَـٰۤأَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ لِمَ تَكۡفُرُونَ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ وَأَنتُمۡ تَشۡهَدُونَ","یَـٰۤأَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ لِمَ تَلۡبِسُونَ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَـٰطِلِ وَتَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ","وَقَالَت طَّاۤىِٕفَةࣱ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ ءَامِنُوا۟ بِٱلَّذِیۤ أُنزِلَ عَلَى ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَجۡهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكۡفُرُوۤا۟ ءَاخِرَهُۥ لَعَلَّهُمۡ یَرۡجِعُونَ","وَلَا تُؤۡمِنُوۤا۟ إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِینَكُمۡ قُلۡ إِنَّ ٱلۡهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ أَن یُؤۡتَىٰۤ أَحَدࣱ مِّثۡلَ مَاۤ أُوتِیتُمۡ أَوۡ یُحَاۤجُّوكُمۡ عِندَ رَبِّكُمۡۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡفَضۡلَ بِیَدِ ٱللَّهِ یُؤۡتِیهِ مَن یَشَاۤءُۗ وَٱللَّهُ وَ ٰسِعٌ عَلِیمࣱ","یَخۡتَصُّ بِرَحۡمَتِهِۦ مَن یَشَاۤءُۗ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِیمِ"],"ayah":"وَلَا تُؤۡمِنُوۤا۟ إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِینَكُمۡ قُلۡ إِنَّ ٱلۡهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ أَن یُؤۡتَىٰۤ أَحَدࣱ مِّثۡلَ مَاۤ أُوتِیتُمۡ أَوۡ یُحَاۤجُّوكُمۡ عِندَ رَبِّكُمۡۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡفَضۡلَ بِیَدِ ٱللَّهِ یُؤۡتِیهِ مَن یَشَاۤءُۗ وَٱللَّهُ وَ ٰسِعٌ عَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق