الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾ [[عقب الله تعالى تركهم الزنا بالإعراض أصلاً عن اللغو الذي هو أعظم مقدمات الزنا. "تفسير ابن عاشور" 13/ 432.]] معنى ﴿الزُّورَ﴾ هاهنا: الشرك بالله في قول أكثر المفسرين؛ وهو قول ابن عباس في رواية عطاء، ومقاتل، والضحاك [["تفسير مقاتل" ص 47 ب. وأخرجه ابن جرير 19/ 48، عن الضحاك، وابن زيد. وأخرجه ابن أبي حاتم 8/ 2737، عن الضحاك، من طريقين. قال الزجاج 4/ 77: والذي جاء في الزور أنه الشرك بالله.]]. ونحو هذا قول من فسر: ﴿الزُّورَ﴾ بأعياد المشركين [[ذكره السيوطي عن ابن عباس، ونسبه للخطيب، "الدر المنثور" 6/ 282. قال الفراء: لأنها زور وكذب؛ إذ كانت لغير الله. "معاني القرآن" للفراء 2/ 74. و"معاني القرآن" للزجاج 4/ 77، ولم ينسباه.]]. وهو قول الضحاك، فيما روى عنه حسين بن عقيل [[أخرجه ابن أبي حاتم 8/ 2737، من طريق الحسين بن عقيل. ثم قال ابن أبي حاتم: وروي أبي العالية، وطاوس، والربيع بن أنس، والمثنى بن الصباح نحو ذلك. الحسين بن عقيل، لم أجد ترجمته إلا عند ابن أبي حاتم الرازي في الجرح والتعديل 3/ 61، حيث قال: الحسين بن عقيل العقيلي، روى عن الضحاك، وعائشة بنت بجدان، روى عنه ابن عيينة، وأبو نعيم، قال يحيى بن معين: ثقة.]]، وقول مجاهد، فيما روى عنه يحيى بن اليمان [[ذكره عنه الثعلبي 8/ 104 ب، والبغوي 6/ 98. يحيى بن اليمان العجلي الكوفي، صدوق عابد يخطئ كثيرًا، وقد تغير، من أتباع التابعين. ت: 189هـ. "سير أعلام النبلاء" 8/ 356، و"تقريب التهذيب" ص 1070.]]. ونحو هذا قال ابن سيرين؛ هو: الشعانين [[أخرجه ابن أبي حاتم 8/ 2737. وهو عيد من أعياد المشركين. وفي حاشية الطبرسي 7/ 283: عيد معروف للنصارى قبل عيدهم الكبير بأسبوع، كما قاله ابن الأثير. ولم أجده في كتابه النهاية؛ حرف الشين مع العين. قال الطوسي 7/ 511: قال ابن سيرين: هو أعياد أهل الذمة كالشعانين وغيرها.]]. قال أبو إسحاق: الذي جاء في الزور أنه الشرك جامع لأعياد النصارى، وغيرها [[هذا كلام جيد؛ لكن لم أجده في كتاب المعاني، المطبوع، وإنما فيه (4/ 77) بلفظ: والذي جاء في الزور أنه الشرك بالله، فأما النهي عن شهادة الزور ..]]. و ﴿اَلزُّورَ﴾ في اللغة: الكذب [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 425.]]. ولا كذب فوق الشرك بالله عز وجل. وقال ابن الحنفية: معنى الزور هاهنا: الغناء [[أخرجه ابن أبي حاتم 8/ 2737. وذكره السيوطي 6/ 283، واقتصر على تخريج عبد بن حميد، والفريابي له، ولم يذكر ابن أبي حاتم.]]. وهو رواية ليث عن مجاهد [[أخرجه عن مجاهد، ابن جرير 19/ 48، من طريق الليث. وذكره الثعلبي 8/ 104 ب. وليث هو ابن أبي سليم، قال فيه ابن حجر: صدوق اختلط جداً، ولم في يتميز حديثه فترك. "تقريب التهذيب" ص 817.]]. وقال الكلبي: لا يحضرون مجالس الباطل والكذب [["تنوير المقباس" ص 305. وذكر نحوه الفراء 2/ 273، ولم ينسبه. وأخرج ابن جرير 19/ 48، عن ابن جريج.]]. وهو قول قتادة [[ذكره عنه الثعلبي 8/ 105 أ، والسيوطي، في "الدر" 6/ 283.]]. وقال عمرو بن قيس: مجالس الخنا [[أخرجه ابن أبي حاتم 8/ 2737، والثعلبي 8/ 104 ب. - عمرو بن قيس المُلائي، أبو عبد الله الكوفي، ثقة عابد متقن، حدث عن == عكرمة، وعطاء، ومصعب بن سعد، وغيرهم، وحدث عنه سفيان الثوري، وصحبه زماناً. مات سنة بضع وأربعين ومائة. "سير أعلام النبلاء" 6/ 250، و"تقريب التهذيب" ص 743.]]. وقال علي بن أبي طلبة: يعني شهادة الزور [[ذكره عنه الثعلبي 8/ 104 ب. وعلى هذا فهو من الشهادة لا من المشاهدة. "تفسير ابن عطية" 11/ 78.]]. وهو قول وائل بن ربيعة [[وائل بن ربيعة، لم أقف على نسبه؛ لكن ذكر ابن سعد في "الطبقات" 6/ 204، أن وائل بن ربيعة روى عن عبد الله بن مسعود، وروى عن وائل: المسيب بن رافع. وعده البخاري في الكوفيين. "التاريخ الكبير" 8/ 176. لم يرجح الواحدي -رحمه الله- شيئاً من هذه الأقوال، وقد أوصلها ابن أبي حاتم في "تفسيره" 8/ 2736، إلى تسعة أوجه، والذي يظهر أنها كلها مرادة؛ إذ لا تعارض بينها، فتأويل الآية كما قال ابن جرير 19/ 49: والذين لا يشهدون شيئاً من الباطل. قال الرازي 24/ 113: واعلم أن كل هذه الوجوه محتملة، ولكن استعماله في الكذب أكثر. قال ابن القيم: وتأمل كيف قال سبحانه: ﴿لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾ ولم يقل: بالزور؛ لأن يشهدون، بمعنى يحضرون، فمدحهم على ترك حضور مجالس الزور، فكيف بالتكلم به، وفعله. "إغاثة اللَّهفان" 1/ 260.]]. قوله تعالى: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ معنى اللغو، في اللغة: كل ما يُلغى وُيطرح [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 77. وقال أبو عبيدة: اللغو: كل كلام ليس بحسن، وهو في اليمين: لا والله، وبلى والله. "مجاز القرآن" 2/ 82.]]. والمعنى: إذا مروا بجميع ما ينبغي أن يُلغى؛ وهو: المعاصي كلها؛ قاله الحسن، والكلبي [[أخرج قول الحسن، عبد الرزاق 2/ 72. وعنه ابن جرير 19/ 50. وذكره الثعلبي 8/ 105 أ، عنهما. ونسبه في "الوسيط" 3/ 348، للحسن، والكلبي. وفي "تنوير المقباس" ص 305: بمجالس الباطل.]]. وقال ابن زيد: يعني ما يشتغل به المشركون من الباطل [[في نسخة: (أ)، كتب قول ابن زيد هكذا: ما يشتغل به الإنسان المشركون من الباطل. فكلمة الإنسان زائدة. أخرج ابن جرير 19/ 50، عن ابن زيد: اللغو: ما كانوا فيه من الباطل، يعني المشركين، وقرأ: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ﴾ [الحج: 30].]]. وروى جويبر عن الضحاك: مروا بالشرك [[أخرج ابن أبي حاتم 8/ 2739، من طريق جويبر. قال الرازي 24/ 113: ومنهم من فسر اللغو بكل ما ليس بطاعة، وهو ضعيف؛ لأن المباحات لا تعد لغواً.]]. ﴿مَرُّوا كِرَامًا﴾ قال الكلبي: يعني حلماء لا يشهدونه، ولا يحضرونه [["تنوير المقباس" ص 305، بلفظ: أعرضوا حلماء.]]. وقال أبو إسحاق: لا يجالسون أهل المعاصي، ولا يمالئونهم عليها [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 77.]]. والمعنى: مروا مر الكرماء، الذين لا يرضون باللغو؛ لأنهم يجلون عن الدخول فيه، والاختلاط بأهله. وقيل: أصل هذا من قولهم: ناقة كريمة، وبقرة كريمة، إذا كانت تعرض عند الحلب تكرمًا؛ كأنها لا تبالي بما يحلب منها [["تفسير الثعلبي" 8/ 105أ.]]. وقال الليث: يقال: تكرم فلان عما يَشِينُه، إذا تنزه وأكرم نفسه عنها [[كتاب "العين" 5/ 368 (كرم)، و"تهذيب اللغة" 10/ 236.]]. ومعنى الآية: مروا منزهين أنفسهم، معرضين عنه [[وهذا اختيار ابن جرير 19/ 50، حيث جعل الآية عامة، في كل باطل، وأنه لا وجه لتخصيص بعض دون بعض بدون دلالة من حبر أو عقل. وجعل من خبر ابن ميسرة، الذي ساقه الواحدي، دليلاً على ذلك.]]. يدل على صحة هذا المعنى ما روى ابن ميسرة [[ابن ميسرة، إبراهيم بن ميسرة الطائفي، نزيل مكة، ثبت حافظ، من صغار التابعين، حدث عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وطاوس وعمرو بن الشريد، وغيرهم، وحدث عنه شعبة وابن جريج، وسفيان الثوري، وسفيان ابن عيينة. ت: 220 هـ. "سير أعلام النبلاء" 6/ 123، و"تقريب التهذيب" ص 117.]]: أن ابن مسعود مر بلهو معرضًا فقال رسول الله -ﷺ-: "إن أصبح ابن مسعود لكريمًا" [[أخرجه ابن جرير 19/ 50، بلفظ: مر بلهو مسرعاً. وابن أبي حاتم 8/ 2738، كلهم من طريق: محمد بن مسلم، عن إبراهيم بن ميسرة وذكره الثعلبي 105 أ، وابن عطية 11/ 79، وضعفه الألباني؛ لأن إبراهيم بن ميسرة تابعي ثقة، إلا أنه أرسل الحديث، ومحمد بن مسلم، وهو: الطائفي، صدوق يخطئ. "سلسلة الأحاديث الضعيفة" 3/ 310، رقم: 1167.]]. وقال مقاتل في هذه الآية: إذا سمعوا من كفار مكة الشتم والأذى مروا معرضين، كقوله: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ﴾ [القصص: 55] [["تفسير مقاتل" ص 47 ب.]]. وهذا رواية ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: إذا أُوذوا صَفحوا [["تفسير مجاهد" 2/ 456، وأخرجه ابن جرير 19/ 49، وابن أبي حاتم 8/ 2739.]]. ولهذا قال السدي: هي منسوخة بآية القتال [[لعل هذا مأخوذ من قوله عن هذه الآية: هي مكية. "تفسير ابن جرير" 19/ 50. وقد ذكره عنه صريحاً الثعلبي 8/ 105 أ. قال ابن جرير: وإنما عني السدي بقوله هذا -إن شاء الله- أن الله نسخ ذلك بأمره المؤمنين بقتال المشركين بقوله: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ وأمرهم إذا مروا باللغو الذي هو شرك، أن يقاتلوا أمراءه، إذا مروا باللغو الذي هو معصية لله أن يغيروه، ولم يكونوا أمروا بذلك في مكة. والصحيح أن الآية لا نسخ فيها بل هي من الآيات التي يعمل بها في مواضعها المناسبة كما سبق ذكر ذلك عند قوله تعالى: ﴿أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا﴾ [الفرقان: 43].]] وقال في قوله: ﴿كِرَامًا﴾ لا يكلمونهم ويعرضون عنهم، واللغو: الوقيعة من المشركين في المسلمين [[أخرجه ابن أبي حاتم 8/ 2740.]]. وروى العوام بن حوشب، عن مجاهد قال: كانوا إذا أتوا على ذكر النكاح كَنَوا عنه [[أخرج ابن جرير 19/ 49، وابن أبي حاتم 8/ 2739، من طريق العوام بن حوشب. وذكره الثعلبي 8/ 105 (أ). كَنَى فلان عن الكلمة المستفَحشة يَكْنِي: إذا تكلم بغيرها. "تهذيب اللغة" 10/ 373 (كنى).]]. وهو اختيار الفراء؛ قال: ذُكِر أنهم كانوا إذا أَجروا ذكر النساء كَنَوا عن قبيح الكلام فيهن وذلك مرورهم به [["معاني القرآن" للفراء 2/ 274. وذكره الزجاج 4/ 77.]]. وقال أبو علي الفارسي في هذه الآية: يجوز أن يكون المعنى: إذا مروا بأهل اللغو، [وذوي اللغو] [[ما بين المعقوفين، في (ج).]] مروا كرامًا فلم يجاروهم فيه ولم يخوضوا معهم فيه [[قال ابن قتيبة: لم يخوضوا فيه، وأكرموا أنفسهم عنه. "غريب القرآن" 315. وليس معنى ذلك أهم يتركون الإنكار، قال ابن عطية 11/ 79: وأما إذا مر المسلم بمنكر فكرمه أن يغيره. إما باليد أو باللسان أو ينكره بالقلب كما دل على ذلك حديث أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول الله -ﷺ-، يقول: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان". أخرجه مسلم 1/ 69، كتاب الإيمان، حديث رقم: 49، والبيهقي في "الكبرى" 10/ 90.]]، قال: ويجوز أن يكون مِثل: فمرت بي آية كذا، ومرت بي سورة كذا؛ أي: تلوتها، وقرأتها، إذا أتوا على ذكر ما يُستفحَش ذكره كَنَوا عنه ولم يصرحوا. وليس هذا في كل حال ولكن في بعض دون بعض؛ فإذا كانت الحال تقتضي التبيين فالتصريح أولى، كما روي في الحديث: "فأعِضُّوه بِهِنِ أبيه، ولا تَكْنُوا" [[هذا جزء من حديث أخرجه الإمام أحمد 8/ 48، رقم: 21292. عَنْ عُتَيِّ عَنْ أُبَيِّ ابْنِ كَعْبٍ قَالَ رَأَيْتُ رَجُلاً تَعَزَّى عِنْدَ أُبَيٍّ بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ افْتَخَرَ بأَبِيهِ فَأَعَضَّهُ بِأَبِيهِ وَلَمْ يُكَنِّهِ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: أَمَا إِنِّي قَدْ أَرَى الَّذِي في أَنْفُسِكُمْ إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ إِلا ذَلِكَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله -ﷺ- يَقُولُ: "مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ وَلا تَكْنُوا". وفي رواية: "قَالَ أُبَيِّ كُنَّا نُؤْمَرُ إِذَا الرَّجُلُ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ بِهَنِ أَبِيهِ وَلا تَكْنُوا". وأخرجه البخاري، في "الأدب المفرد" ص 193. وذكره الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" 1/ 477، رقم: 269. قال ابن الأثير: أي: قولوا له: عُضَّ أيْرَ أبيك. "النهاية في غريب الحديث" 5/ 278.]] وكما رُوي عن بعض الصحابة، أنه قال لبعض المشركين: اعضض [[(اعضض) في (ج).]] بظر اللات [[هذا جزء من حديث طويل في قصة الحديبية، وقد وجه هذا الكلام أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- لعروة بن مسعود، عندما قال: أَيْ مُحَمَّدُ أَرَأَيْتَ إِنِ اسْتَاصَلْتَ أَمْرَ قَوْمِكَ هَلْ سَمِعْتَ بِأَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ اجْتَاحَ أَهْلَهُ قَبْلَكَ وَإِنْ يكُنِ الأخْرَى فَإِنِّي والله لأَرَى وُجُوهًا وَإِنِّي لأَرَى أَوْشَابًا مِنَ النَّاسِ خَلِيقًا أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: امْصُصْ بِبَظْرِ اللاتِ أَنَحْنُ نَفِرُّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ فَقَالَ: مَنْ ذَا قَالُوا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلا يَدٌ كَانَتْ لَكَ عِنْدِي لَمْ أَجْزِكَ بِهَا لأَجَبْتُكَ. أخرجه البخاري، كتاب الشروط، رقم: 2734، "الفتح" 5/ 329. والأشواب: الأخلاط من أنواع شتى، والأوباش: الأخلاط من السفلة. والبظر: قطعة تبقى بعد الختان في فرج المرأة. قال ابن المنير: في قول أبي بكر تخسيس للعدو وتكذيبهم، وتعريض بإلزامهم من قولهم: إن اللات بنت الله، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، بأنها لو كانت بنتاً لكان لها ما يكون للإناث. "فتح الباري" 5/ 340.]]. ﴿وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ﴾ قال مقاتل: إذا وعظوا بالقرآن ﴿لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا﴾ يقول لم يقعوا عليها و ﴿وصُمَّا﴾ لم يسمعوه ﴿وَعُمْيَانًا﴾ لم يبصروه، ولكنهم سمعوا وأبصروا وانتفعوا به [["تفسير مقاتل" ص 47 ب. ولفظ الآيات هنا عام فيدخل تحته الآيات الشرعية، == والآيات الكونية، من الشمس والقمر، ونحوها. وقد اقتصر على الآيات الكونية الطوسي 7/ 511. والآية كما سبق أعم، وإن كانت الآيات الشرعية أقرب. والله أعلم. وجمع بين القولين الطبرسي 7/ 284. وابن عاشور 13/ 433.]]. ونحو هذا قال المفسرون كلهم [[أخرجه ابن جرير 19/ 51، عن مجاهد. وأخرج نحوه ابن أبي حاتم 8/ 2740، عن قتادة، ومجاهد، وأسباط، والحسن، وابن زيد. وأخرج ابن جرير 19/ 51، وابن أبي حاتم 8/ 2740، عن ابن عون، قال: قلت للشعبي: رأيت قوماً قد سجدوا، ولم أعلم ما سجدوا منه، أسجد؟ قال: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا﴾ قال ابن كثير 6/ 132: يعني أنه لا يسجد معهم؛ لأنه لم يتدبر آية السجدة، ولا ينبغي للمؤمن أن يكون إمعة، بل يكون على بصيرة في أمره ويقين واضح بين.]]؛ قال ابن عباس: لم يكونوا عنها صمًا ولا عميًا بل كانوا خائفين، خاشعين. وقال الكلبي: يخرون عليها سمعاء، وبصراء [["تنوير المقباس" ص 306.]]. قال الفراء: يقول: إذا تلي عليهم القرآن لم يقعدوا على حالهم الأولى كأنهم لم يسمعوه فذلك الخرور، وسمعت العرب تقول: قعد يشتمني كقولك: قام يشتمني وأقبل يشتمني [["معاني القرآن" للفراء 2/ 274. ونحوه عند ابن جرير 19/ 51، ولم ينسبه.]]. ومعنى ﴿لَمْ يَخِرُّوا﴾ على ما ذكر: لم يقعدوا، ولم يصيروا عندها صمًا وعميًا. وقال الزجاج: تأويله: إذا تليت عليهم خروا سجدًا [وبكيًا، سامعين مبصرين، لما أمروا به ونهوا عنه، ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾ [مريم: 58]] [[ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ب).]] قال: ومثل هذا من الشعر قول الشاعر: بأيدي رجالٍ لَمْ يَشيمُوا سيوفَهم ... ولَمْ تَكثر القتلى بها حين سُلَّتِ [[أنشده المبرد، ونسبه للفرزدق، وقال عنه المبرد: هذا البيت طريف عند أصحاب المعاني، وتأويله: لم يشيموا: أي: لم يُغمدوا، ولم تكثر القتلى، أي: لم يغمدوا سيوفهم إلا وقد كثرت القتلى حين سلت. الكامل 1/ 401، وقال المحقق: لم أجده في ديوان الفرزدق، ط: دار صادر. وبحثت عنه في ط: دار بيروت، فلم أجده أيضًا. وأنشده الزجاج، "معاني القرآن" 4/ 77، ولم ينسبه. وفيه: ولم يكثروا. وأنشده ابن الأنباري، الإنصاف 2/ 667، ولم ينسبه، وفي الحاشية: وقد وجدته في ديوان الفرزدق بيتاً مفرداً.]] تأويله: بأيدي رجال شاموا سيوفهم، أي: أغمدوها وقد كثرت القتلى، فتأويل الآية: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ﴾ خروا ساجدين سامعين مبصرين [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 78. قال الزمخشري 3/ 287: ﴿لَمْ يَخِرُّوا﴾ ليس بنفي للخرور، وإنما هو إثبات له، ونفي للصمم والعمى، كما تقول: لا يلقاني زيد مسلِّماً، هو نفي للسلام لا للقاء.]]. وقال ابن قتيبة: أي: لم يتغافلوا عنها كأنهم صم لم يسمعوها، وعمي لم يروها [["غريب القرآن" ص 315، و"تأويل مشكل القرآن" 22. وفي (ج): (لم يبصروها).]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب