الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَمَن تابَ وعَمِلَ صالِحًا فَإنَّهُ يَتُوبُ إلى اللهِ مَتابًا﴾ ﴿والَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُورَ وإذا مَرُّوا بِاللَغْوِ مَرُّوا كِرامًا﴾ ﴿والَّذِينَ إذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وعُمْيانًا﴾ ﴿والَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِن أزْواجِنا وذُرِّيّاتِنا قُرَّةَ أعْيُنٍ واجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إمامًا﴾
أكَّدَ هَذا اللَفْظُ أمْرَ التَوْبَةِ، والمَعْنى: ومَن تابَ فَإنَّهُ قَدْ تَمَسَّكَ بِأمْرٍ وثِيقٍ، وهَذا كَما تَقُولُ لِمَن يُسْتَحْسَنُ قَوْلُهُ في أمْرٍ: لَقَدْ قُلْتَ يا فُلانُ قُولًا. وكَذَلِكَ الآيَةُ مَعْناها مَدْحُ المَتابِ، كَأنَّهُ قالَ: فَإنَّهُ يَجِدُ بابًا لِلْفَرَجِ والمَغْفِرَةِ عَظِيمًا. ثُمُ اسْتَمَرَّتِ الآياتُ في صِفَةِ عِبادِ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى- المُؤْمِنِينَ بِأنْ نَفى عنهم شَهادَةَ الزُورِ.
و"يَشْهَدُونَ" في هَذَهِ الآيَةِ ظاهِرُ مَعْناها: يُشاهِدُونَ ويَحْضُرُونَ. و "الزُورُ": كُلُّ باطِلٍ زُوِّرَ وزُخْرِفَ، فَأعْظَمُهُ الشِرْكُ، وبِهِ فَسَّرَ الضَحّاكُ، وابْنُ زَيْدٍ، ومِنهُ الغِناءُ، وبِهِ فَسَّرَ مُجاهِدٌ، ومِنهُ الكَذِبُ، وبِهِ فَسَّرَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وقالَ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ تَعالى عنهُ، ومُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ: المَعْنى: لا يَشْهَدُونَ الزُورَ، فَهي مِنَ الشَهادَةِ لا مِنَ المُشاهَدَةِ، و "الزُورُ": الكَذِبُ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
والشاهِدُ بِالزُورِ -حاضِرُهُ ومُؤَدِّيهِ- فَجَرَةٌ، فالمَعْنى الأوَّلُ أعَمُّ، لَكِنَّ المَعْنى الثانِيَ أغْرَقُ في المَعاصِي وأنْكى.
و "اللَغْوُ": كُلُّ سَقْطٍ مِن فِعْلٍ أو قَوْلٍ، ويَدْخُلُ فِيهِ الغِناءُ واللهْوُ وغَيْرُ ذَلِكَ مِمّا قارَبَهُ، ويَدْخُلُ في ذَلِكَ سَفَهُ المُشْرِكِينَ وأذاهم لِلْمُؤْمِنِينَ، وذِكْرُ النِساءِ وغَيْرُ ذَلِكَ مِنُ (p-٤٦٣)المُنْكَرِ، و "كِرامًا" مَعْناهُ: مُعْرِضِينِ مُسْتَخِفِّينَ يَتَجافَوْنَ عن ذَلِكَ، ويَصْبِرُونَ عَلى الإيذاءِ مِنهُ، ورُوِيَ «أنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ سَمِعَ غِناءً فَأسْرَعَ في مَشْيِهِ وذَهَبَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَبِيَّ ﷺ فَقالَ: "لَقَدْ أصْبَحَ ابْنُ أُمْ عَبْدٍ كَرِيمًا، وقَرَأ الآيَةَ.»
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وأمّا إذا مَرَّ المُسْلِمْ بِمُنْكَرٍ فَكَرَمُهُ أنْ يُغَيِّرَهُ، وحُدُودُ التَغْيِيرِ مَعْرُوفَةٌ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿والَّذِينَ إذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ﴾، يُرِيدُ: ذُكِّرُوا بِالقُرْآنِ آخِرَتَهم ومَعادَهُمْ، وقَوْلُهُ: ﴿لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وعُمْيانًا﴾ يَحْتَمِلُ تَأْوِيلَيْنِ: أحَدُهُما أنَّ المَعْنى: لَمْ يَكُنْ خُرُوجُهم بِهَذِهِ الصِفَةِ بَلْ يَكُونُ خُرُوجُهم سُجَّدًا وبُكِيًّا، وهَذا كَما تَقُولُ: لَمْ يَخْرُجْ زَيْدٌ لِلْحَرْبِ جَزَعًا، أيْ: إنَّما خَرَجَ جَرِيئًا مُقْدِمًا، أو كَأنَّ الَّذِي يَخِرُّ أصَمَّ أعْمى هو المُنافِقُ أوِ الشاكُّ، والتَأْوِيلُ الثانِي، وإلَيْهِ ذَهَبَ الطَبَرِيُّ، وهو أنَّ ﴿يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وعُمْيانًا﴾ هي صِفَةٌ لِلْكُفّارِ، وهي عِبارَةٌ عن إعْراضِهِمْ وجَهْدِهِمْ في ذَلِكَ، وقِرْنُ ذَلِكَ بِقَوْلِكَ، قَعَدَ فُلانٌ يَشْتُمُنِي، وقامَ فُلانٌ يَبْكِي، وأنْتَ لَمْ تَقْصِدِ الإخْبارَ بِقُعُودٍ ولا قِيامٍ، وإنَّما هي تَوْطِئاتٌ في الكَلامِ والعِبارَةِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وكَأنَّ المُسْتَمِعَ لِلذِّكْرِ قائِمُ القَناةِ قَوِيمُ الأمْرِ، فَإذا أعْرَضَ وضَلَّ كانَ ذَلِكَ خُرُورًا، وهو السُقُوطُ عَلى غَيْرِ نِظامٍ وتَرْتِيبٍ، وإنْ كانَ قَدْ شُبِّهَ بِهِ الَّذِي يَخِرُّ ساجِدًا، ولَكِنَّ أصْلَهُ أنَّهُ عَلى غَيْرِ تَرْتِيبٍ.
ثُمْ مَدَحَ المُؤْمِنِينَ حالَ الدُعاءِ إلَيْهِ في أنْ يُقِرَّ العُيُونَ بِالأهْلِ والذُرِّيَّةِ. و "قُرَّةُ العَيْنِ" يُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ مِنَ القَرارِ، ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ مِنَ القَرِّ، وهو الأشْهَرُ؛ لِأنَّ دَمْعَ السُرُورِ بارِدٌ ودَمْعَ الحُزْنِ سُخْنٌ، فَمِن هَذا يُقالُ: أقَرَّ اللهُ عَيْنَكَ وأسْخَنَ اللهُ عَيْنَ العَدُوِّ، وقُرَّةُ العَيْنِ في الأزْواجِ والذُرِّيَّةِ أنْ يَراهُمُ الإنْسانُ مُطِيعِينَ لِلَّهِ تَبارَكَ وتَعالى، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، (p-٤٦٤)والحَسَنُ، وحَضْرَمِيٌّ، وبَيَّنَ المِقْدادُ بْنُ الأسْوَدِ الوَجْهَ مِن ذَلِكَ بِأنَّهم كانُوا في أوَّلِ الإسْلامِ يَهْتَدِي الِابْنُ، والأبُ كافِرٌ، والزَوْجُ، والزَوْجَةُ كافِرَةٌ، فَكانَتْ قُرَّةُ عُيُونِهِمْ في إيمانِ أحْبابِهِمْ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، والحَسَنُ: "وَذُرِّيّاتِنا"، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وطَلْحَةُ، وعِيسى: "وَذُرِّيَّتِنا" بِالإفْرادِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِلْمُتَّقِينَ إمامًا﴾ قِيلَ: هو جَمْعُ "آمٍّ"، مِثْلُ قائِمْ وقِيامٌ، وقِيلَ: هو مُفْرَدُ اسْمِ جِنْسٍ، أيِ: اجْعَلْنا يَأْتَمُّ بِنا المُتَّقُونَ، وهَذا لا يَكُونُ إلّا أنْ يَكُونَ الداعِي مُتَّقِيًا قُدْوَةً، وهَذا هو قَصْدُ الداعِي، قالَ إبْراهِيمُ النَخَعِيُّ: لَمْ يَطْلُبُوا الرِياسَةَ، بَلْ أنْ يَكُونُوا قُدْوَةً في الدِينِ، وهَذا حَسَنٌ أنْ يُطْلَبَ ويُسْعى لَهُ.
{"ayahs_start":71,"ayahs":["وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَـٰلِحࣰا فَإِنَّهُۥ یَتُوبُ إِلَى ٱللَّهِ مَتَابࣰا","وَٱلَّذِینَ لَا یَشۡهَدُونَ ٱلزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا۟ بِٱللَّغۡوِ مَرُّوا۟ كِرَامࣰا","وَٱلَّذِینَ إِذَا ذُكِّرُوا۟ بِـَٔایَـٰتِ رَبِّهِمۡ لَمۡ یَخِرُّوا۟ عَلَیۡهَا صُمࣰّا وَعُمۡیَانࣰا","وَٱلَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَا هَبۡ لَنَا مِنۡ أَزۡوَ ٰجِنَا وَذُرِّیَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعۡیُنࣲ وَٱجۡعَلۡنَا لِلۡمُتَّقِینَ إِمَامًا"],"ayah":"وَٱلَّذِینَ لَا یَشۡهَدُونَ ٱلزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا۟ بِٱللَّغۡوِ مَرُّوا۟ كِرَامࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق