الباحث القرآني

وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا﴾ قال مقاتل: خلق من النطفة إنسانًا [["تفسير مقاتل" ص 46 أ. و"مجاز القرآن" لأبي عبيدة 2/ 77. و"غريب القرآن" لابن قتيبة ص 314. و"تفسير ابن جرير" 19/ 26.]] ﴿فَجَعَلَهُ﴾ يعني: الإنسان [["تفسير مقاتل" ص 46 أ.]] ﴿نَسَبًا﴾ [[قال ابن كثير 6/ 117: فهو في ابتداء أمره ولد نسيب، ثم يتزوج فيصير صهرًا، ثم يصير له أصهار، وأختان، وقرابات، وكل ذلك من ماء مهين.]] النسب: نسب القرابات. والصهر: حرمة الختونة [[قال ابن قتيبة ص 314: ﴿فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا﴾ عني: قرابة النسب. ﴿وَصِهْرًا﴾ يعني: قرابة النكاح. قال الماوردي 4/ 151: النسب: من تناسب كل والد وولد، وكل شيء أضفته إلى شيء عرَّفته به فهو مناسبه. ثم قال: وأصل الصهر الاختلاط، فسميت المناكح صهرًا لاختلاط الناس بها، ومنه قوله تعالى: ﴿يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ﴾ [الحج: 20] وقيل: إن أصل الصهر: الملاصقة. وأما الختونة فهي المصاهرة. "تهذيب اللغة" 7/ 301 (ختن).]]. قال الأصمعي، وابن الأعرابي: الأسماء من قبل الزوج، والأختان من قبل المرأة، والصهر يجمعهما [["تهذيب اللغة" 7/ 300 (ختن).]]. قال أبو عبيد: يقال: فلان مصهر بنا، وهو من القرابة، وأنشد لزهير: قَوْدُ الجيادِ وإصهارُ الملوكِ وصبـ ... رٌ في مواطنَ لو كانوا بها سَئِمُوا [["تهذيب اللغة" 6/ 108 (صهر)، ونسب البيت إلى زهير من إنشاد أبي عبيد. والبيت في "ديوان زهير" ص 94، من قصيدة يمدح فيها: هرم بن سنان، فيصفه بقيادة الخيل، ومصاهرة الملوك، والصبر في مواطن الحرب، وغيرها مما يسأم فيه غيره. حاشية الديوان.]] واختلفوا في المراد بالنسب، والصهرة فقال علي -رضي الله عنه-: النسب: ما لا يحل نكاحه، والصهر: ما يحل نكاحه [[ذكره الثعلبي 8/ 100 ب، منسوبًا لعلي -رضي الله عنه- بدون إسناد.]]. والآية من باب حذف المضاف، على تقدير: فجعله ذا نسب، وصهر، أي ذا قرابات لا يحل له التزوج بهن، وفيهن. كالأم، والأخت، والبنت، وبنات الأخ، وبنات الأخت. وذا نسب لا يحرم عليه ذلك النسب التزوج؛ كالأخوين يتزوجان بأختين، فصهر أحد الأخوين لم يحرِّم مصاهرة الأخ الثاني. وكذلك الرجل يتزوج بالمرأة، وابنه بابنتها، وما شاكل هذا من باب المصاهرة. هذا على قول علي -رضي الله عنه-. قال الكلبي، والضحاك، وقتادة، ومقاتل: النسب: سبعة أصناف من القرابة؛ وهو قوله: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ﴾ [[أمهات النساء، غير داخلة في المحرمات من القرابة، فقوله: إلى، لا يدخل فيه ما بعدها. وظاهر صنيع الواحدي -رحمه الله- أنه يدخل المحرمات من الرضاعة في == المحرمات من القرابة؛ لأن المحرمات من الرضاعة في الآية المشار إليها ذكر قبل ذكر المحرمات من الصهر. وهذا مخالف لكون المحرمات بالنسب خمسة، إذ لا يكمل العدد إلا بإدخال المحرمات من الرضاعة فيه. وهذا موافق لما في "تفسير مقاتل" ص 46 أ؛ قال: والصهر من القرابة خمس نسوة: أمهاتكم اللاتي أرضعنكم، وأخواتكم من الرضاعة ... وما ذكره الواحدي، عن الضحاك، مخالف لما أخرجه عنه ابن جرير 19/ 26، ومخالف أيضًا لما سينقله عن ابن عباس -رضي الله عنهما - حيث جعل الرضاعة من الصهر. ومخالف لما ذكر الثعلبي 100 ب، منسوبًا للضحاك، وقتادة، ومقاتل. فالظاهر أن الآية كتبت خطأ. ويشهد لهذا ما ذكره في "الوسيط" 3/ 343، حيث جعل المحرمات من الصهر سبعًا، ستة مذكورة في الآية، والسابعة في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: 22].]] [النساء: 23] والصهر: مَنْ لا قرابة له، ويحرم بالنسب، وهي خمسة: ﴿وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ﴾ إلى قوله ﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ﴾ [[أخرجه ابن جرير 19/ 26، عن الضحاك. ونسبه السمرقندي 2/ 463، للكلبي. وهو في "تفسير الثعلبي" 100 ب، منسوبًا لمن ذكر الواحدي؛ عدا الكلبي.]] وهذا القول اختيار الفراء، والزجاج [["معاني القرآن" للفراء 2/ 270. و"معاني القرآن" للزجاج 4/ 72. وليس فيهما التفصيل الذي ذكره الواحدي.]]. وعلى هذا: الصهر محرم، كالنسب. ونحو هذا روى سعيد بن جبير، عن ابن عباس، وجعل من جهة الصهر سبعًا أيضًا؛ فقال: حرم الله من النسب سبعًا: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ﴾ وبنات الأخت، من النسب، ومن الصهر: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ﴾ إلى آخر الآية. والسابعة: ﴿مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [[أخرج هذا القول ابن أبي حاتم 8/ 2710، عن قتادة. وليس في رواية قتادة تفصيل المحرمات، بل قال: سبع من النسب، وسبع من الصهر. وذكر قول قتادة، == الشنقيطي 6/ 342، ثم قال: لم يظهر لي وجهه، ومما يزيده عدمَ ظهورٍ ضعف دلالة الاقتران عند أهل الأصول. وجعل الزمخشري 3/ 279، هذه الآية كقوله تعالى: ﴿فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى﴾ [القيامة: 39] فقال: أي: قسمه قسمين، ذوي نسب، أي: ذكورًا ينتسب إليهم، وذوات صهر، أي: إناثًا يصاهر بهن. وتبعه أبو السعود 6/ 226، والبرسوي 6/ 130، والبغوي 19/ 26. وأيده الشنقيطي 6/ 340. وكذا الألوسي 19/ 36.]]. وهؤلاء جعلوا الصهر السبب المحرم، وهو الخلطة التي تشبه القرابة [[وصحح هذا القول البغوي 6/ 90؛ فقال: وقيل: -وهو الصحيح- النسب من القرابة، والصهر: الخلطة التي تشبه القرابة.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب