الباحث القرآني

﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ﴾ قال ابن عباس، ومقاتل: نزهوا الله، وعظموه من أن يكون معه إله [["تفسير مقاتل" ص 43 ب. و"تنوير المقباس" ص 301. وذكره الهوّاري 3/ 204. والسمرقندي 2/ 455. والواحدي في "الوسيط" 3/ 336، والبغوي 6/ 76. ولم ينسبوه لأحد. قال القرطبي 13/ 10: فإن قيل: فإن كانت الأصنام التي تعبد تحشر فكيف تنطق وهي جماد؟ قيل: ينطقها الله تعالى يوم القيامة؛ كما ينطق الأيدي والأرجل.]]. ﴿مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾ إن قيل: كيف يجوز للمعبودين أن يقولوا هذا؛ وإنما اتخذهم غيرهم أولياء من دون الله، وليس هذا الجواب يليق للسؤال المتقدم. والجواب عنه من وجوه؛ أحدها: أن المعنى: ما كان ينبغي لنا أن نعبد غيرك [ونتخذ غيرك وليًا ومعبودًا فكيف ندعوا إلى عبادتنا، أي: إذا كنا نحن لا نعبد غيرك] [[ما بين المعقوفين ساقط من نسخة (ج).]] فكيف ندعوا أحدًا إلى أن يعبدنا؟. فذكر من جوابهم على أنهم لم يضلوهم، ولم يأمروهم بعبادتهم، وهو أنهم إذا كانوا لا يرون لأنفسهم عبادة غير الله؛ فكيف يدعون غيرَهم إلى عبادتهم. وهذا معنى قول الفراء [["معاني القرآن" للفراء 2/ 263. وقريب من هذا في "تنوير المقباس" ص 301. و"تفسير مقاتل" ص 43 ب.]]. وقال صاحب النظم: هذا بالتدريج يصير جوابًا للسؤال الظاهر؛ وهو أن من عبد شيئًا فقد تولاه، وإذا تولاه العابد صار المعبود وليًا للعابدين [[في (ج): (للعابد).]]، ويدل على هذا قوله: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ﴾ [سبأ 40، 41] أي: لم نتخذهم أولياء وإن عبدونا في الظاهر. فدل هذا على أن العابد يُسمَّى وليًا للمعبود. ويصير المعنى: كأنهم قالوا: ما كان ينبغي لنا أن نأمر غيرنا باتخاذنا وليًا، ولن نتخذ من دونك وليًا يعبدنا. فحذف من الكلام اتخاذ العابدين إياهم أولياء بدلالة ما ذكر عليه، وهذا معنى قول ابن عباس في هذه الآية: يقولون ما توليناهم ولا أحببنا عبادتهم. قال: ويحتمل أن يكون قولهم: ﴿مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾ أرادوا معشر العبيد لا أنفسهم، أي: إنا وهم عبيدك فكان لا ينبغي لعبيدك أن يتخذوا من دونك أولياء، ولكنهم تواضعًا منهم أضافوا ذلك إلى أنفسهم وعنوهم به، كما يقول الرجل إذا أتى أخوه كبيرةً: ما كان ينبغي لي أن أفعل مثل هذا، وهو يعني به غيره، ولهذا الإشكال قرأ من قرأ ﴿أَنْ نَتَّخِذَ﴾ بضم النون. وهذه القراءة أقرب في التأويل لو صحت [[هذه قراءة أبي جعفر المدني. "معاني القرآن" للفراء 2/ 264، و"إرشاد المبتدي" ص 466. ونسبها ابن جرير 18/ 191، للحسن، ويزيد بن القعقاع، وهو: أبو جعفر المدني. قال ابن الجزري 2/ 333، بعد أن نسبها لأبي جعفر: وهي قراءة زيد بن ثابت، وأبي الدرداء، وأبي رجاء، وزيد بن علي .... وذكرها ابن جني في المحتسب 2/ 119. وقول الزجاج 4/ 60: وقرأ أبو جعفر المدني وحده، يعني من العشرة. وجزْمُ الواحدي -رحمه الله- بضعف هذه القراءة تبع فيه الزجاج، حيث نقل كلامه في تضعيفها، ولم يعترض عليه. وضعف ابن جرير 18/ 191، هذه القراءة لعلل ثلاث؛ لإجماع الحجة على القراءة بفتح النون، ولقوله تعالى في سورة سبأ: 40، == 41 ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ﴾ والعلة الثالثة ما ذكره الواحدي عن الزجاج. وقد وجه هذه القراءة ابن جني، فقال: ﴿مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾ في موضع الحال، أي: ما كان ينبغي لنا أن نُتخذ من دونك أولياء، ودخلت ﴿مِنْ﴾ زائدة لمكان النفي، كقولك: أتخذتَ زيداً وكيلاً، فإن نفيت قلت: ما اتخذت زيداً من وكيل، وكذلك: أعطيته درهماً، وما أعطيته من درهم. "المحتسب" 2/ 120، وقد حسن هذا التوجيه وارتضاه ابن الجزري، في "النشر" 2/ 333. وتبعه على ذلك البناء، في: "إتحاف فضلاء البشر" ص 328. ووجه هذه القراءة أيضًا الزمخشري 3/ 263. وصححها ابن القيم، في "إغاثة اللَّهفان" 2/ 237. قال ابن كثير 6/ 99، بعد ذكر هذه القراءة: وهي قريبة المعنى من الأُولى. قال البقاعي: وقراءة أبي جعفر بالبناء للمفعول، بضم النون وفتح الخاء، واضحة المعنى، أي: يتخذنا أحد آلهة نتولى أموره. "نظم الدرر" 13/ 361. فالحاصل أن هذه القراءة ثابتة، مقروء بها عن أبي جعفر المدني. والله أعلم.]]؛ قال أبو إسحاق: هذه القراءة خطأ؛ لأنك تقول: ما اتخذتُ من أحد وليًا، ولا يجوز: ما اتخذتُ أحدًا من ولي؛ لأن ﴿مِنْ﴾ إنما دخلت لأنها تنفى واحدًا في معنى جمع، تقول: ما من أحد قائمًا، وما من رجل محبًا لما يضره، ولا يجوز: ما رجل من محب ما يضره، ولا وجه لهذا عندنا البتة. ولو جاز هذا لجاز في ﴿فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾ [الحاقة: 47] ما أحد عنه من حاجزين. ولو لم يكن ﴿مِنْ﴾ لصحت هذه القراءة [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 60. وتخطئة الزجاج لهذه القراءة لتخطئة أكثر النحويين لها! حيث قال: وهذه القراءة عند أكثر النحويين خطأٌ. ومثل هذا لا يكفي لتخطئة القراءة، إذ الاعتبار بصحة الرواية، قال ابن جني في الرد على من رد الرواية لمجرد مخالفتها للمشهور من القراءة: وكيف يكون هذا والرواية تنميه إلى رسول الله -ﷺ- والله تعالى يقول ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: 7] وهذا حكم عام في المعاني والألفاظ. "المحتسب" 1/ 33، وقال أيضًا: والقرآن يُتخير له، ولا يتخير عليه. "المحتسب" 1/ 53. وقال ابن الجزري: كل == قراءة وافقت العربية مطلقاً، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو تقديراً، وتواتر نقلها: هذه القراءة المتواترة المقطوع بها. ومعنى العربية مطلقاً: ولو بوجه من الإعراب .. ثم قال: والذي جمع في زماننا هذه الأركان الثلاثة، هو قراءة الأئمة العشرة التي أجمع الناس على تلقيها بالقبول، وهم: أبو جعفر، ونافع، وابن كثير، وأبو عمرو، ويعقوب، وابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي، وخلف. "منجد المقرئين" ص 15.]]. وقال صاحب النظم: العلة في سقوط هذه القراءة: أن ﴿مِّن﴾ لا تحدث إلا على مفعول، لا مفعول دونه، فإذا كان قبل المفعول [مفعول سواه لم يحسن دخول: من، مثل قوله -عز وجل-: ﴿مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ﴾ [مريم: 35] فقوله: ﴿مِنْ وَلَدٍ﴾ لا مفعول دونه سواه] [[ما بين المعقوفين، ساقط من (ج).]] ولو قال: ما كان لله أن يتخذ أحدًا من ولد، لم يحسن فيه دخول: (مِن)؛ لأن [[لأن فعل الاتخاذ مشغول. بزيادة: فعل. هكذا عند ابن القيم في "إغاثة اللَّهفان" 2/ 237.]] الاتخاذ مشغول بـ: أحد [[انظر قول صاحب النظم في "إغاثة اللَّهفان" 2/ 237، وقد صرح ابن القيم بالنقل عنه، وهو مطابق لما نقله الواحدي.]]. كذلك قوله: ﴿مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ﴾ قد قامت النون المضمومة مقام مفعول، وشغل الاتخاذ به فلم تعمل: (مِن) في المفعول الذي بعده؛ لأن تأويله يكون مثل قولك: ما كان لزيد أن يتخذ من ولي. هذا كلامه. ومن أجاز هذه القراءة يجعل (مِن) صلة [["تفسير البغوي" 6/ 76.]]. قال الفراء: العرب تدخل (مِنْ) في الأسماء لا في الأخبار. ألا ترى أنهم يقولون: ما أخذت من شيء، وما عندي من شيء، ولا يقولون: ما رأيت عبد الله من رجل. فلو لم يكن في الأولياء: ﴿مِنْ﴾ لكان وجهًا جيدًا، وهو على قلة من قرأ به، قد يجوز أن يجعل الاسم في ﴿مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾ ويجعل الخبر ما في ﴿نَتَّخِذَ﴾ على القلب [["معاني القرآن" للفراء 2/ 264.]]. ثم ذكر المعبودون سبب ترك العابدين للإيمان بالله بقوله: ﴿وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ﴾ قال ابن عباس: أطلت لهم العمر فأفضلت عليهم ووسعت لهم في الرزق [[أخرج ابن أبي حاتم 8/ 2672، عن ابن عباس في تفسير هذه الآية: ذهبت أعمالهم في الدنيا ولم يكن لهم أعمال صالحة. ولم يذكر القول الذي أورده الواحدي. وقريب من هذا القول في "تفسير السمرقندي" 2/ 456، ولم ينسبه. وهو بنصه في "الوسيط" 3/ 337، منسوبًا لابن عباس -رضي الله عنهما-.]]. وقال الفراء: ولكنك يا رب متعتهم بالأموال والأولاد [["معاني القرآن" للفراء 2/ 264. قال الزمخشري 3/ 86، ط: دار الفكر حيث لم أجده في ط: دار الكتب العلمية: فجعلوا النعمة التي حقها أن تكون سبب الشكر سببَ الكفر، ونسيان الذكر. والمترفون عادة هم أعداء الرسل وأتباعهم، قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34) وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ [سبأ 34، 35] وقال تعالى: قال تعالى: ﴿وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ [يونس: 88].]]. ﴿حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ﴾ قال ابن عباس: يريد تركوا الموعظة. وقال مقاتل: تركوا إيمانًا بالقرآن [["تفسير مقاتل" ص 43 ب. قال ابن قتيبة: يعني القرآن غريب القرآن 311. وممن قال: إنه القرآن، زيد بن أسلم. أخرجه ابن أبي حاتم 8/ 2672. وفي "تفسير == السمرقندي" 2/ 456 تركوا التوحيد، والإيمان بالقرآن. ولم ينسبه. وذكر الثعلبي 93، في الذكر خمسة أقوال: القرآن، الرسول، التوحيد، الإسلام، ذكر الله. وكلها متلازمة. والقولان في "الوسيط" 3/ 337، بدون نسبة.]]. ﴿وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا﴾ قال مجاهد، والكلبي ومقاتل [["تفسير مجاهد" 2/ 448. وأخرجه عنه ابن جرير 18/ 190. وقول الكلبي في "تنوير المقباس" ص 301. و"تفسير السمرقندي" 2/ 456. و"تفسير مقاتل" ص 43 ب.]]، والمفسرون [[(المفسرون) في (ج).]]: فاسدين هالكين قد غلب عليهم الشقاء والخذلان [[أخرج ابن جرير 18/ 190، وابن أبي حاتم 8/ 2673، عن ابن عباس رضي الله عنهما، من طريق علي ابن أبي طلحة: ﴿بُورًا﴾ هلكى. ونسبه الماوردي 4/ 137، لابن عباس. وذكر هذا القول هود الهوّاري 3/ 204. وابن الأنباري، "الزاهر في معاني كلمات الناس" 1/ 314، والثعلبي 94 أ. وهو بنصه في "الوسيط" 3/ 337، غير منسوب.]]. وقال الزجاج: البائر في اللغة: الفاسد الذي لا خير فيه [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 60. وأخرج ابن أبي حاتم 8/ 2673، عن شهر بن حوشب، ﴿بُورًا﴾ قال: معناه: فسدتم. ومثله عن قتادة، قال: والبور الفاسد، وإنه والله ما نسي قوم ذكر الله إلا باروا، وفسدوا.]]. وقال الفراء: البور مصدر يكون واحدًا وجمعًا [["معاني القرآن" للفراء 2/ 264.]]. وقال أبو عبيدة: رجل بور، ورجلان بور، وقوم بور، وكذلك الأنثى، ومعناه: هالك، وقد يقال: رجل بائر، وقوم بور. وأنشد: يا رسول المليك إن لساني ... راتِقٌ ما فَتَقْتُ إذ أنا بور [["مجاز القرآن" لأبي عبيدة 2/ 73. ونسبه لعبد الله بن الزبعرى. وكذا ابن جرير 18/ 191. وابن الأنباري، في "الزاهر" 1/ 315. والثعلبي 94 أ. وابن عطية 11/ 19. وهو في ديوان ابن الزبعرى 36، من قصيدة يمدح فيها النبي -ﷺ-، ويعتذر إليه مما فعل؛ يعني أنه مصلح لما أفسد. الرتق: ضد الفتق. "اللسان" 10/ 114. و"القاموس" 1143. والفتق: الشق. "اللسان" 10/ 296. و"القاموس" 1182.]] أبو الهيثم: البائر: الهالك. والبوار: الهلاك. وقال الحسن، وابن زيد: البور الذي ليس فيه من الخير شيء [[أخرجه عبد الرزاق 2/ 67، عن الحسن، ومن طريقه أخرجه ابن جرير 18/ 190، وابن أبي حاتم 8/ 2673. وأخرجه عن ابن زيد: ابن جرير 18/ 191. وذكره عنهما الثعلبي 94 أ.]]. ومعنى هذه الآية أن المعبودين قالوا: ما أضللناهم ولكنهم ضلوا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب