الباحث القرآني

﴿قالُوا﴾ اسْتِئْنافٌ مَبْنِيٌّ عَلى سُؤالٍ نَشَأ مِن حِكايَةِ السُّؤالِ، كَأنَّهُ قِيلَ: فَماذا قالُوا في الجَوابِ ؟ فَقِيلَ: قالُوا ﴿سُبْحانَكَ﴾ تَعَجُّبًا مِمّا قِيلَ لَهم لِأنَّهم إمّا مَلائِكَةٌ مَعْصُومُونَ وجَماداتٌ لا قُدْرَةَ لَها عَلى شَيْءٍ، أوْ إشْعارًا بِأنَّهُمُ المَوْسُومُونَ بِتَسْبِيحِهِ تَعالى وتَوْحِيدِهِ فَكَيْفَ يَتَأتّى مِنهم إضْلالُ عِبادِهِ، أوْ تَنْـزِيهًا لَهُ تَعالى عَنِ الأنْدادِ. ﴿ما كانَ يَنْبَغِي لَنا﴾ أيْ: ما صَحَّ وما اسْتَقامَ لَنا ﴿أنْ نَتَّخِذَ مِن دُونِكَ﴾ أيْ: مُتَجاوِزِينَ إيّاكَ ﴿مِن أوْلِياءَ﴾ نَعْبُدُهم لِما بِنا مِنَ الحالَةِ المُنافِيَةِ لَهُ، فَأنّى يُتَصَوَّرُ أنْ نَحْمِلَ غَيْرَنا عَلى أنْ يَتَّخِذَ ولِيًّا غَيْرَكَ فَضْلًا أنْ يَتَّخِذَنا ولِيًّا أوْ أنْ نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ أوْلِياءَ، أيْ: أتْباعًا، فَإنَّ الوَلِيَّ كَما يُطْلَقُ عَلى المَتْبُوعِ يُطْلَقُ عَلى التّابِعِ كالمَوْلى يُطْلَقُ عَلى الأعْلى والأسْفَلِ، ومِنهُ: أوْلِياءُ الشَّيْطانِ، أيْ: أتْباعُهُ. وقُرِئَ عَلى البِناءِ لِلْمَفْعُولِ مِنَ المُتَعَدِّي إلى المَفْعُولَيْنِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿واتَّخَذَ اللَّهُ إبْراهِيمَ خَلِيلا﴾ ومَفْعُولُهُ الثّانِيَ ﴿مِن أوْلِياءَ﴾ عَلى أنَّ "مِن" لِلتَّبْعِيضِ، أيْ: أنْ نَتَّخِذَ بَعْضَ أوْلِياءَ، وهي عَلى الأوَّلِ مَزِيدَةٌ. وتَنْكِيرُ "أوْلِياءَ" مِن حَيْثُ إنَّهم أوْلِياءُ مَخْصُوصُونَ (p-209)وَهُمُ الجِنُّ والأصْنامُ. ﴿وَلَكِنْ مَتَّعْتَهم وآباءَهُمْ﴾ اسْتِدْارَكٌ مَسُوقٌ لِبَيانِ أنَّهم هُمُ الضّالُّونَ بَعْدَ بَيانِ تَنَـزُّهِهِمْ عَنْ إضْلالِهِمْ، وقَدْ نُعِيَ عَلَيْهِمْ سُوءُ صَنِيعِهِمْ حَيْثُ جَعَلُوا أسْبابَ الهِدايَةِ أسْبابًا لِلضَّلالَةِ، أيْ: ما أضْلَلْناهم ولَكِنَّكَ مَتَّعْتَهم وآباءَهم بِأنْواعِ النِّعَمِ لَيَعْرِفُوا حَقَّها ويَشْكُرُوها فاسْتَغْرَقُوا في الشَّهَواتِ وانْهَمَكُوا فِيها ﴿حَتّى نَسُوا الذِّكْرَ﴾ أيْ: غَفَلُوا عَنْ ذِكْرِكَ أوْ عَنِ التَّذَكُّرِ في آلائِكَ والتَّدَبُّرِ في آياتِكَ، فَجَعَلُوا أسْبابَ الهِدايَةِ بِسُوءِ اخْتِيارِهِمْ ذَرِيعَةً إلى الغِوايَةِ. ﴿وَكانُوا﴾ أيْ: في قَضائِكَ المَبْنِيِّ عَلى عِلْمِكَ الأزَلِيِّ المُتَعَلِّقِ بِما سَيَصْدُرُ عَنْهم فِيما لا يَزالُ بِاخْتِيارِهِمْ مِنَ الأعْمالِ السَّيِّئَةِ ﴿قَوْمًا بُورًا﴾ أيْ: هالِكِينَ، عَلى أنَّ "بُورًا" مَصْدَرٌ وُصِفَ بِهِ الفاعِلُ مُبالَغَةً، ولِذَلِكَ يَسْتَوِي فِيهِ الواحِدُ والجَمْعُ أوْ جَمْعُ بائِرٍ كَعُوَّذٍ في جَمْعِ عائِذٍ، والجُمْلَةُ اعْتِراضٌ تَذْيِيلِيٌّ مُقَرِّرٌ لِمَضْمُونِ ما قَبْلَهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب