الباحث القرآني
وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ﴾ أي: لليهود، و ﴿إِذَا﴾ عند النحويين وقت للفعل الذي هو جواب، كما تقول: إذا جئتني وصلتك، أخبرتَ أنك تصلُهُ وقت مجيئه، وليس كذلك إنْ، لأنك إذا قلت: إن جئتني وصلتك، يصلح أن تصلَه بعد وقت المجيء [[ينظر في معاني إذا "مغني اللبيب" 1/ 87 - 101.]].
وقوله تعالى: ﴿بِمَا أَنزَلَ الله﴾ يعني القرآن، ﴿قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا﴾، يعني التوراة [["تفسير الثعلبي" 1/ 1033.]].
﴿وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ﴾، قال ابن الأنباري: يجوز أن يكون هذا إخبارًا من الله عز وجل عن اليهود، وتم الكلام عند قوله: ﴿بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا﴾، ثم ابتدأ بالإخبار عنهم، فقال: [[ساقطة من (ش).]] ﴿وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ﴾ [[في (ش): (تكفرون).]]. والدليل على انقطاع الكلام الأول: الانصرافُ عن الإخبار عن النفس إلى الحديث عن الغيب. ويجوز أن يكون [[في (ش): (تكون).]] حكاية عن اليهود أنهم قالوا ذلك، وتأويله: نؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا، وَيَكْفُرُونَ [[في (ش): (ونكفر).]] بِمَا وَرَاءَه، فردّ الفعل الثاني إلى الغيبة، كما تقول العرب: قال عبد الله: لأقُومَنّ، وقال عبد الله ليقومن، فالألف: لمعنى الإخبار، والياء: لمعنى الغيبة [[من قوله: كما تقول العرب .. ساقطة من (ش).]]، وكذلك تقول العرب: استحلفت عبد الله: لأقومنّ، وليقومنّ، ولتقومنّ.
فمن قال: لأقومنّ، أراد: قلت له: قل لأقومن، ومن قال بالتاء، أخرجه على معنى الخطاب.
ومن قال بالياء، أخرجه على لفظ عبد الله؛ لأنه غائب، قال الشاعر [[البيتان للقيط بن زُرارة كما في "اللسان" 3/ 1728، "تهذيب اللغة" 2/ 1467، ورواية التهذيب: ياليت شعري اليوم ... إذا أتاهها الخبر. ومعنى المرموس: المكتوم، وتميسُ: تتبختر.]]:
يا ليت شعري عنك دَخْتَنُوس [[في (ش): (وختنوس).]] ... إذا أتاك الخبرُ المرموسُ
أتحلِقُ القرونَ أم تَمِيسُ ... لا، بل تَميسُ إنّها عروسُ [[الرجز للقيط بن زرارة، في "لسان العرب" 6/ 101 مادة: (رمس)، و"تاج العروس" 8/ 279 (دختنس)، و"المعجم المفصل" 10/ 282.]]
فقدم أفعالًا على المخاطبة، ثم رجع إلى الغيبة على ما وصفنا.
ومعنى ﴿بِمَا وَرَاءَهُ﴾ بما سواه، قال الفراء: وذلك كثير في العربية يتكلم الرجل بالكلام الحسن، فيقول السامع: ليس وراء هذا الكلام شيء، يريد ليس سوى هذا الكلام شيء [["معاني القرآن" للفراء 1/ 60.]].
ويحتمل ﴿بِمَا وَرَاءَهُ﴾ بما بعده، أي: ما بعد التوراة، يريد: الإنجيل والقرآن، وهذا كقوله: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ [النساء: 24]، أي: ما بعده، وما سواه.
وقوله تعالى: ﴿فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ﴾ [[جزء من آية وردت في سورة [المؤمنون: 7]، [المعارج: 31]]] مثله [[ينظر: "البحر المحيط" 1/ 307.]]. أبو العباس، عن ابن الأعرابي في قوله: ﴿وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ﴾ قال: بما سواه [[نقله عنه في "تهذيب اللغة" 4/ 3879، "اللسان" 8/ 4807، وينظر: "تفسير القرطبي" 2/ 25، "البحر المحيط" 1/ 307.]]. وسنذكر الكل في (وراء) عند قوله: ﴿وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ﴾ [الكهف: 79] وقوله ﴿وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾ [هود: 71] وقولِه: ﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي﴾ [مريم: 5]، إن شاء الله.
وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ اَلحَقُّ﴾ (هو) كناية عما في قوله: ﴿بِمَا وَرَاءَهُ﴾.
و (ما وراءه)، يجوز أن يكون واقعًا على الإنجيل والقرآن، فأفرد الله القرآن بقوله: (وَهُوَ الْحَقّ) تفصيلًا له وتخصيصًا [[ينظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 1033، "البحر المحيط" 1/ 307.]].
ويجوز أن يكون (هو) كناية عن محمد ﷺ؛ لأن الله تعالى لما ذكر الإنزال والمنزِّل دلّا على المُنزَّل عليه، فكان كالظاهر.
قال أبو إسحاق: في قوله: ﴿وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ﴾ دلالة على أنهم قد كفروا بما معهم، إذ كفروا بما يُصَدِّق مَا معهم. قال: ونصبت ﴿مُصَدِّقًا﴾ على الحال [["معاني القرآن" 1/ 174 بتصرف، وينظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 1034.]]، ومثله قولك: هو زيد معروفا، فـ (معروف) حال؛ لأنه إنما يكون زيدًا بأنه يعرف بزيد، وكذلك تقول: القرآن هو الحق، إذا كان مصدقًا لكتبِ الرُّسُل صلى الله عليهم.
وقوله تعالى: ﴿فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ﴾ هذا تكذيب من الله تعالى لهم في قولهم: ﴿نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا﴾، أي: أيّ كتاب جوّز فيه قتل نبي، وأيّ دين وإيمان جوّز فيه ذلك [["تفسيرالثعلبي" 1/ 1034.]].
وأضاف القتل هاهُنا إلى المخاطبين، وإن كان آباؤهم قَتَلوا؛ لأنهم كانوا يتولّون الذين قَتَلوا فهم على مذهبهم، وإذا كانوا على ذلك المذهب فقد شركوهم. قال ابن عباس: كلما عُمِلَت مَعصِية، فمن أنكرها برئ، ومن رضي بها كان كمن شهدها [[ذكره في "الوسيط" ولم أجده عنه في التفاسير المسندة، وفي معناه حديث أم سلمة قالت: قال رسول الله ﷺ: "إنها ستكون أمراء، تعرفون وتنكرون، فمن أنكر فقد برئ ومن كره فقد سلم، ولكن من رضي وتابع" رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 8/ 621 وقوله ﷺ: "إن الخطيئة إذا عملت في الأرض كان من غاب عنها ورضيها كمن حضرها، ومن شهدها وسخطها كان كمن غاب عنها وأنكرها" رواه أبو داود.]].
وقال ابن الأنباري: تأويله: فلم توليتم آباءكم القاتلين ورضيتم ما كانوا عليه، وصوبتم أفعالهم. والمراد بلفظ الاستقبال هاهنا: المضي [[ينظر: "تفسير القرطبي" 2/ 25 - 26.]]، وجاز ذلك؛ لأنه لا يذهب الوهم إلى غيره؛ لقوله: ﴿مِنْ قَبلُ﴾، ودليل هذا قوله: ﴿قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ﴾ [آل عمران: 183]. ومما وضع فيه المستقبل موضع الماضي قوله تعالى: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ﴾ [البقرة: 102]، وسنذكره في موضعه، ومثل هذا قولك للرجل تعنفه بما سلف من قبيح فعله: ويحك لم تكذب؟ لم تُبَغِّض نفسك إلى الناس؟، كأنه قيل: لم هذا من شأنك [["معاني القرآن" للفراء 1/ 60 - 61 ونقله الطبري في تفسيره 1/ 420.]]. قال الفراء: وذلك كثير في الكلام، أنشدني بعض العرب:
إذا ما انْتَسَبْنا لم تلدني لئيمةٌ ... ولم تَجِدِي من أن تُقِرِّي بها بُدَّا [[البيت لزائد بن صعصعة الفقعسي يُعَرِّض بزوجته، وكانت أمها سرية، وذكره الفراء في "معاني القرآن" 1/ 61، 178، ولم ينسبه وكذا الطبري في "تفسيره" 1/ 328، 420، 3/ 73.]].
يعني: أن الولادة قد مضت، وقد عبَّر عنها بجواب الجزاء، وذلك يكون في الاستقبال، كما تقول: إذا ما جئتني لم أضربْك، لم يوجد المجيء ولا الضرب [[من قوله: (يعني أن الولادة) ساقط من (ش).]] فالجزاء للمستقبل، والولادة قد مضت، وذلك أن المعنى معروف [["معاني القرآن" للفراء 1/ 61، ومن قوله: (يعنىِ أن الولادة) إلى قوله: (ولا الضرب) من كلام الواحدي، في "تفسيره".]] يدل عليه، فجاز ذلك. والذي يدل على أن المراد بما في الآية المضي أن (لِمَ) معناه التعنيف، وأنت إنما تعنف الرجل بما سلف من فعله [["معاني القرآن" للفراء 1/ 61 ونقله الطبري في تفسيره عنه 1/ 42 ذكر جوابًا آخر وهو أن معناه: فلم قتلتم أنبياء الله من قبل، كقوله: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ﴾ أي: ما تلت، وكقول الشاعر:
ولقد أمر على اللئيم يسبني ... فمضيت عنه وقلت: لا يعنيني
يريد بقوله: (ولقد أمر): ولقد مررت. اهـ. قال في "البحر المحيط" 1/ 307 نقلًا عن ابن عطية: وفائدة سوق المستقبل في معنى الماضي الإعلام بأن الأمر مستمر، ألا ترى أن حاضري محمد ﷺ ولما كانوا راضين بفعل أسلافهم بقي لهم من قتل الأنبياء جزء.]].
وقوله تعالى: ﴿إِن كنُتُم مُّؤمِنِينَ﴾ (إِنْ) بمعنى الشرط، وجوابها قبلها، يراد به: إن كنتم مؤمنين، فلم تقتلون أنبياء الله؛ لأنه ليس سبيل المؤمنين أن تقتلوا الأنبياء، ولا أن يتولوا قاتليهم [[استظهر هذا الوجه أبو حيان في "البحر المحيط" 1/ 307 وقال: ويكون الشرط وجوابه قد كرر مرتين على سبيل التوكيد، لكن حذف الشرط من الأول وأبقي جوابه، وهو فلم تقتلون، وحذف الجواب من الثاني وأبقي شرطه.]].
{"ayah":"وَإِذَا قِیلَ لَهُمۡ ءَامِنُوا۟ بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُوا۟ نُؤۡمِنُ بِمَاۤ أُنزِلَ عَلَیۡنَا وَیَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَاۤءَهُۥ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقࣰا لِّمَا مَعَهُمۡۗ قُلۡ فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِیَاۤءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق