الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ﴾. أي موافقًا للتوراة في التوحيد والنبوة [[انظر: "تفسير الطبري" 1/ 251، "تفسير الثعلبي" 1/ 68 أ.]]، وهو حال من الهاء المحذوفة من (أنزلت) كأنه قيل أنزلته مصدقا [[ذكره الطبري وعبر عن الحال بقوله: قطع من الهاء المتروكة في (أنزلته) من ذكر (ما) 1/ 252، وذكره مكي وقال: وإن شئت جعلته حالا من (ما) في (بما) "المشكل" 1/ 42، وانظر: "تفسير ابن عطية" 1/ 269، "الإملاء" 1/ 33، "البحر المحيط" 1/ 177.]]. و [[(الواو) ساقطة من (ب).]] قوله تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ﴾. قال الليث: الأول والأولى: بمنزلة (أَفْعَل) و (فُعْلَى)، وجمع الأول: أولون، وجمع أولى: أوليات. [["تهذيب اللغة" (أول) 1/ 230، "اللسان" (وأل) 8/ 4747، وقوله: (وجمع أول: أولون) سقط من "التهذيب"، وهو في "اللسان" ضمن كلام الليث.]]. قال الأزهري: وقد جمع (أَوَّل) على أُول، مثل أَكْبَر وكُبر، وكذلك الأُولَى، ومنهم من شدد الواو مجموعا من (أَوَّل) [["تهذيب اللغة" (أول) 1/ 230، "اللسان" (وأل) 8/ 4747، وفيه: (ومنهم من شدد الواو من (أوَّل) مجموعًا.]]. واختلفوا في وزنه وتأليفه [[(تأليفه) ساقط من (ب).]]. فذكر الليث فيه وجهين: أحدهما: أن تأليفه من: (همزة) و (واو) و (لام)، وعلى هذا ينبغي أن يكون (أَفْعَل) منه (أَأْوَل) بهمزتين [[في ج: (همزتين).]]، لأنك لو بنيت [[في (ب): (ثنيت).]] (أَفْعَل) من (آب يؤوب) قلت: (أَأْوَب)، ثم قلبت إحدى [[في (ج): (أحد).]] الهمزتين واوا، ثم أدغمت في الواو الأخرى [[قال مكي: (أَوَّل) اسم لم ينطق منه بفعل عند سيبويه ووزنه (أَفْعَل) فاؤه واو، وعينه واو، ولذلك لم يستعمل منه فعل لاجتماع الواوات. وقال الكوفيون: هو أفعل من (وَأَل) إذا لجأ فأصله (أَوْأل)، ثم خففت الهمزة بأن أبدل منها واو وأدغمت الأولى فيها ... وقيل: إن (أول) أَفْعَل من (آل يَؤُل) فأصله: أأْول، ثم قلب فردت الفاء في موضع (العين)، فصار (أَوْأَل) فصنع به من التخفيف والبدل والإدغام ما صنع بالقول الأول، فوزنه بعد القلب (أعفل)، "مشكل إعراب القرآن" 1/ 42، 43، وانظر: "البيان" 1/ 78.]]، وهذا الوجه اختيار الأزهري، قال: إنه (أَفْعَل) من: (آل يَؤول) و (أُولَى) فُعْلى منه، قال وأراه قول سيبويه [[قال سيبويه: (وأما (أَوَّل) فهو أَفْعَل، يدل على ذلك قولهم: هو أول منه ومررت بأوَّلَ منك، والأولى) "الكتاب" 3/ 195.]]، وكأنه من قولهم: (آل يؤول) إذا نجا وسبق، ومثله: (وَأَل يئل) [[في (ب): (آل) بسقوط الواو.]] بمعناه، فمعنى (الأول) السابق الذي هو الابتداء. الوجه الثاني [[عند الليث.]]: أن أصل تأسيسه: واوان ولام، وأدغم إحدى الواوين في الأخرى وشدد، والهمزة فيه ألف (أفعل) [[كلام الليث والأزهري في "تهذيب اللغة" (أول) 1/ 231، "اللسان" (وأل) 8/ 4747، وعبارة المؤلف أقرب إلى "اللسان"، وهذا راجع إلى تقارب نسخة ابن منظور التي اعتمد عليها مع نسخة الواحدي، والله أعلم.]]. وقال ابن دريد: (أَوَّل) فَوْعَل، قال: وكان في الأصل: (وَوْوَل) [[في (ب): (وَوَّل) وكذا في الجمهرة، وما في (أ، ج) ورد على الأصل بفك الإدغام.]] فقلبت الواو الأولى همز وأدغمت إحدى الواوين في الأخرى، فقيل: أول [["الجمهرة" 2/ 1177، والنص من "تهذيب اللغة" (أول) 1/ 232.]]. وقال المبرد في كتاب "المقتضب": أول يكون على ضربين: يكون اسماً، ويكون نعتاً [موصولاً به (من كذا). فأما كونه نعتاً] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]]، فكقولك: هذا رجل أوَّلُ منك مجيئاً، كما تقول أحسن منك وجهاً، وجاءني زيد أَوَّلَ من مجيئك، كما تقول: أسبق من مجيئك، وجئتك أَوَّلَ من أمس. وأما كونه اسماً فقولك: ما تركت أَوَّلاً ولا آخرًا كما تقول: ما تركت له قديماً ولا حديثاً، وعلى أي الوجهين سميت به رجلاً انصرف في النكره، لأنه في باب الأسماء بمنزلة (أَفْكَل)، وفي باب النعوت بمنزلة (أَحْمَر) [["المقتضب" 3/ 340، "التهذيب" (أول) 1/ 232، "اللسان" (وأل) 8/ 4748. قال محمد عضيمة في حاشية "المقتضب": (والخلاصة أن أول لها استعمالات ثلاثة: - تكون أفعل تفضيل ذكرت معها (من) أو حذفت، على أن تقدرها في الكلام فتمنع من الصرف. - وتكون اسمًا منصرفًا وذلك عند حذف (من) وعدم تقديرها. - وتكون ظرفًا منصوبًا أو مبنيا على الضم كالغايات. "المقتضب" 3/ 34.]]. قال الفراء: ووحد الكافر، وقبله جمع، وذلك من كلام العرب فصيح جائز، إذا جاء في الاسم المشتق من الفعل كالفاعل والمفعول به، يريدون [[في "المعاني": (يراد به) 1/ 32.]] به: ولا تكونوا أول من يكفر به، فيحذف [[في "المعاني": (فتحذف).]] (من) ويقوم الاسم المشتق من الفعل مقامها [[في "المعاني": (ويقوم الفعل مقامها).]]، فيؤدي عن مثل ما أدت (من) عنه من التأنيث والجمع، وهو في لفظ توحيد، ولا يجوز في مثله من الكلام: (أنتم أَفْضَلُ رجل)، ولا (أنتما خير رجل)؛ لأن الرجل يثني ويجمع ويفرد، فيعرف واحده من جمعه، واسم الفاعل قد يكون لـ (من) فيؤدي عنه [[عبارة الفراء في "المعاني": (و (القائم) قد يكون لشيء، ولـ (من) فيؤدي عنهما وهو موحد) 1/ 33.]]، وهو موحد، ألا ترى أنك تقول: الجيش [مقبل، والجند منهزم، فتوحد الفعل لتوحيده، فإذا صرت إلى الأسماء قلت: الجيش] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] رجال، والجند رجال. وقد قال الشاعر: وإِذَا هُمُ [[في (ب): (وهو اطعموا).]] طَعِمُوا فَأَلْأمُ طَاعِمٍ ... وَإِذَا هُمُ [[في (ب): (هموا).]] جَاعُوا فَشَرُّ جِيَاعِ [["معاني القرآن" للفراء 1/ 33، وورد البيت مع بيتين قبله في (نوادر أبي زيد)، وقال: قال رجل جاهلي، ص 434، وذكره الطبري 1/ 252، وابن عطية 1/ 270، "الدر المصون" 1/ 318.]] فجمعه وتوحيده جائز حسن [["معاني القرآن" للفراء 1/ 33، وانظر "تفسير الطبري" 1/ 252، "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 168، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 92، "تفسير ابن عطية" 1/ 670.]]. وقال البصريون في هذا: معناه: ولا تكونوا أول فريق كافر، أو أول حزب، أو أول قبيل كافر، ثم حذف المنعوت، وأقيم نعته مقامه، [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 29، "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 168، "المشكل" لمكي 1/ 43، "تفسير ابن عطية" 1/ 199، "البحر المحيط" 1/ 177، == وقال ابن عطية: (وسيبويه يرى أنها نكرة مختصرة من معرفة كأنه قال: (ولا تكونوا أول كافرين به) 1/ 199، ونحوه قال أبو حيان في "البحر" 1/ 177.]] وهذا قول المبرد. وقوله (به) [[في (ب): (والأظهر).]] الأظهر أن الكناية عائدة [[في (ج): (عائد).]] إلى (ما) في قوله: (بما أنزلت) وهو القرآن [[ذكره الطبري في "تفسيره" ورجحه 1/ 251، والزجاج في "معاني القرآن" 1/ 92، وابن الجوزي في "زاد المسير" 1/ 74، "تفسير القرطبي" 1/ 283، وأبو حيان في "البحر" 1/ 178، ورجحه وضعف الأقوال الأخرى.]]. ويجوز أن يعود إلى (ما) في قوله: ﴿لِمَا مَعَكُمْ﴾ والمراد به التوراة، وذلك أنهم إذا [[(إذا) ساقط من (ب).]] كتموا أمر النبي ﷺ من كتابهم، فقد كفروا بكتابهم، كما أن من كتم آية من القرآن فقد كفر به [[ذكره الزجاج في "معاني القرآن" 1/ 92، وانظر: "تفسير ابن عطية" 1/ 269، "زاد المسير" 1/ 74، و"القرطبي" 1/ 283، و"البحر" 1/ 178، وضعفه ابن جرير، وقال: لا معنى لقول من زعم أن العائد من الذكر في (به) على (ما) التي في قوله: (لما معكم) لأن ذلك، وإن كان محتملاً ظاهر الكلام، فإنه بعيد، مما يدل عليه ظاهر التلاوة والتنزيل ... إلخ. "تفسير الطبري" 1/ 251.]]. وإذا قلنا: الكناية تعود إلى القرآن، كان المعنى: ولا تكونوا أول كافر بالقرآن من أهل الكتاب لأن قريشاً كفرت قبلهم بمكة [[انظر: "تفسير الطبري" 1/ 252، و"تفسير أبي الليث" 1/ 1114، و"تفسير ابن عطية" 1/ 269، و"تفسير البغوي" 1/ 87، و"تفسير القرطبي" 1/ 283، "البحر المحيط" 1/ 177، "تفسير ابن كثير" 1/ 89.]] وحكي عن أبي العالية أنه قال: الكناية تعود إلى محمد - صلى الله عليه وسلم [[ذكره الطبري في "تفسيره" 1/ 252، "تفسير أبي الليث" 1/ 114، وتفسير ابن عطية في "تفسيره" 1/ 271، و"تفسير القرطبي" 1/ 283، وكذا أبو حيان في "البحر المحيط" 1/ 178.]]. وإنما قيل لهم: ﴿وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ﴾ لأن الخطاب لعلماء اليهود، فإذا كفروا كفر معهم الأتباع [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 92، وانظر: "تفسير أبي الليث" 1/ 114، و"تفسير الثعلبي" 1/ 68 أ، و"تفسير البغوي" 1/ 87.]]. فإن قيل: ما في [[في (ج): (ما في قوله: وأن تكونوا) ولعله أولى.]] (أن تكونوا أول كافر به) من العظم، على ثان كافر؟ قيل: إنهم إذا كانوا أئمة في الضلالة كانت ضلالتهم أعظم [[انظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 68 أ، و"تفسير البغوي" 1/ 87، "زاد المسير" 1/ 47، و"تفسير الرازي" 1/ 42، "البحر المحيط" 1/ 178.]]. قال الزجاج: اللغة القُدمى فتح الكاف من (كافر) والإمالة في الكاف -أيضا- جيد [[قال ابن الجزري في "النشر": (انفرد صاحب المبهج عن أبي عثمان الضرير عن الدوري بإمالة (أول كافر به) فخالف سائر الرواة ..) "النشر" 2/ 66. وقال عبد الفتاح القاضي: (لا إمالة لأحد في ﴿أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ﴾ "البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة" ص 31.]]، لأن (فاعلاً) إذا سلم من حروف الإطباق، والحروف المستعلية كانت الإمالة فيه سائغة إلا في لغة أهل الحجاز، والإمالة لغة تميم [[انظر: "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 168.]]، وحروف الإطباق (الطاء والظاء والصاد الضاد) فلا تجوز الإمالة [[في (ب): (الا في).]] في ظالم وطالب وضابط وصابر، وحروف الاستعلاء (الخاء، والغين، والقاف) [[ذكر سيبويه حروف الاستعلاء سبعة حروف هي المذكورة هنا، وأربعة منها فيها مع استعلائها إطباق، و (الخاء)، و (الغين)، و (القاف) لا إطباق فيها مع أستعلائها، "الكتاب" 4/ 128، "سر صناعة الأعراب" 1/ 61، 62.]] لأنها من أعلى الحنك واللهاة، فلا تجوز الإمالة في: غافل وخادم وقاهر [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 93، نقل الواحدي كلامه بتصرف.]]. وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ﴾. أي: ببيان صفة محمد ﷺ ونعته عرضاً يسيراً من الدنيا، وذلك أن رؤساء [[في (ج): (راسا).]] اليهود كانت لهم مآكل يصيبونها من سفلتهم وعوامهم، فخافوا إن هم بينوا صفة محمد ﷺ، وتابعوه أن تفوتهم تلك المآكل والرئاسة، فاختاروا الدنيا على الآخرة [["تفسير الثعلبي" 1/ 68 أ، ونحوه ذكر الطبري 1/ 253، وأبو الليث 1/ 114. قال ابن كثير 1/ 89: (يقول: لا تعتاضوا عن الإيمان بآياتي وتصديق رسولي بالدنيا وشهواتها فإنها قليلة فانية ..)، وقد ذكر ابن عطية أقوالا في الثمن الذي نهوا أن يشتروه بالآيات، 1/ 171 - 172، وكذا أبو حيان في "البحر" 1/ 178.]]. قال أبو علي: المعنى [[(المعنى) ساقط من (ب).]] (ذا ثمن) فهو من باب حذف المضاف، لأنه إنما يشتري ما هو ذو ثمن لا الثمن [[قال الفراء: (وكل ما كان في القرآن من هذا قد نصب فيه الثمن وأدخلت الباء في المبيوع أو المشترى، فإن ذلك أكثر ما يأتي في الشيئين ولا يكونان ثمنا معلوما مثل الدنانير والدراهم .. فإن جئت إلى (الدراهم والدنانير وضعت الباء في الثمن ..) "معاني القرآن" 1/ 30، ومعنى كلامه: أنه إذا لم يكن دنانير ولا دراهم في البيع صح أن يكون كل واحد من المبذول ثمنا ومثمنا، انظر: "البحر" 1/ 178، "الدر المصون" 1/ 319.]]. ويجوز أن يكون معنى الاشتراء الاستبدال، فيكون المعنى: ولا تستبدلوا بآياتي ثمنا قليلا فيستغنى عن تقدير المضاف [[انظر: "البحر" 1/ 178، "الدر المصون" 1/ 319.]]. و (القليل) نقيض [[في "اللسان": (القلة خلاف الكثرة) "اللسان" (قل) 6/ 3726.]] الكثير، قَلَّ الشيء يَقِلُّ قِلَّة [[انظر: "تهذيب اللغة" (قلل) 3/ 3036، "اللسان" (قل) 6/ 3726.]]. ﴿وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ﴾ فاخشون في أمر محمد، لا ما يفوتكم من الرئاسة [[الثعلبي في "تفسيره" 1/ 68 أ، ونحوه عند أبي الليث في "تفسيره" 1/ 114، وقال ابن جرير: (فاتقون) في بيعكم آياتي بالخسيس من الثمن وشرائكم بها القليل من العرض، وكفركم بما أنزلت على رسولي وجحودكم نبوة نبيّ أن أحل بكم ما أحللت بأسلافكم ..) 1/ 254، وانظر: "تفسيرابن كثير" 1/ 89.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب