الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَآمِنُوا بِما أنْـزَلْتُ مُصَدِّقًا لِما مَعَكم ولا تَكُونُوا أوَّلَ كافِرٍ بِهِ﴾، يَعْنِي القُرْآنَ، ويَكُونُ أيْضًا: ”وَلا تَكُونُوا أوَّلَ كافِرٍ بِكِتابِكُمْ، وبِالقُرْآنِ“، إنْ شِئْتَ عادَتِ الهاءُ عَلى قَوْلِهِ: ”لِما مَعَكم“، وإنَّما قِيلَ لَهُمْ: ”وَلا تَكُونُوا أوَّلَ كافِرٍ“، لِأنَّ الخِطابَ وقَعَ عَلى حُكَمائِهِمْ، فَإذا كَفَرُوا كَفَرَ مَعَهُمُ الأتْباعُ، فَلِذَلِكَ قِيلَ لَهُمْ: ”وَلا تَكُونُوا أوَّلَ كافِرٍ“ . فَإنْ قالَ قائِلٌ: كَيْفَ تَكُونُ الهاءُ لِكِتابِهِمْ؟ قِيلَ لَهُ: (p-١٢٣)إنَّهم إذا كَتَمُوا ذِكْرَ النَّبِيِّ ﷺ في كِتابِهِمْ، فَقَدْ كَفَرُوا بِهِ، كَما أنَّهُ مَن كَتَمَ آيَةً مِنَ القُرْآنِ فَقَدْ كَفَرَ بِهِ، ومَعْنى: ”وَلا تَكُونُوا أوَّلَ كافِرٍ بِهِ“: إذا كانَ بِالقُرْآنِ، لا مُؤْنَةَ فِيهِ، لِأنَّهم يُظْهِرُونَ أنَّهم كافِرُونَ بِالقُرْآنِ، ومَعْنى: ”أوَّلَ كافِرٍ“: أوَّلَ الكافِرِينَ، قالَ بَعْضُ البَصْرِيِّينَ في هَذا قَوْلَيْنِ: قالَ الأخْفَشُ: مَعْناهُ: أوَّلَ مَن كَفَرَ بِهِ، وقالَ البَصْرِيُّونَ أيْضًا: مَعْناهُ: ولا تَكُونُوا أوَّلَ فَرِيقٍ كافِرٍ بِهِ، أيْ: بِالنَّبِيِّ ﷺ، وكِلا القَوْلَيْنِ صَوابٌ حَسَنٌ، وقالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: إنَّ هَذا إنَّما يَجُوزُ في ”فاعِلٌ“، و”مَفْعُولٌ“، تَقُولُ: ”اَلْجَيْشُ مُنْهَزِمٌ“، و”اَلْجَيْشُ مَهْزُومٌ“، ولا يَجُوزُ فِيما ذُكِرَ: ”اَلْجَيْشُ رَجُلٌ“، و”اَلْجَيْشُ فَرَسٌ“، وهَذا في ”فاعِلٌ“، و”مَفْعُولٌ“، أبْيَنُ، لِأنَّكَ إذا قُلْتَ: ”اَلْجَيْشُ مُنْهَزِمٌ“، فَقَدْ عُلِمَ أنَّكَ تُرِيدُ: ”هَذا الجَيْشُ“، فَنَقَطْتَ في لَفْظِهِ بِفاعِلٍ، لِأنَّ المَعْنى الَّذِي وُضِعَ عَلَيْهِ ”اَلْجَيْشُ“، مَعْنًى يَدُلُّ عَلى جَمْعٍ، فَهو ”فاعِلٌ“، و”مَفْعُولٌ“، يَدُلُّ عَلى ما يَدُلُّ عَلَيْهِ ”اَلْجَيْشُ“، وإذا قُلْتَ: ”اَلْجَيْشُ رَجُلٌ“، فَإنَّما يُكْرَهُ في هَذا أنْ يُتَوَهَّمَ أنَّكَ تُقَلِّلُهُ، فَأمّا إذا عُرِفَ مَعْناهُ، فَهو سائِغٌ جَيِّدٌ، تَقُولُ: ”جَيْشُهم إنَّما هو فَرَسٌ ورَجُلٌ“، أيْ: لَيْسَ بِكَثِيرِ الأتْباعِ، فَيَدُلُّ المَعْنى عَلى أنَّكَ تُرِيدُ: ”اَلْجَيْشُ خَيْلٌ ورِجالٌ“، وهَذا في ”فاعِلٌ“، و”مَفْعُولٌ“، أبْيَنُ، كَما وصَفْنا. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿أوَّلَ كافِرٍ بِهِ﴾، اَللُّغَةُ العُلْيا والقُدْمى: اَلْفَتْحُ في الكافِ، وهي لُغَةُ أهْلِ الحِجازِ، والإمالَةُ في الكافِ أيْضًا جَيِّدٌ بالِغٌ في اللُّغَةِ، لِأنَّ ”فاعِلًا“، إذا سَلِمَ مِن حُرُوفِ الإطْباقِ، (p-١٢٤)وَحُرُوفِ المُسْتَعْلِيَةِ، كانَتِ الإمالَةُ فِيهِ سائِغَةً، إلّا في لُغَةِ أهْلِ الحِجازِ، والإمالَةُ لُغَةُ بَنِي تَمِيمٍ، وغَيْرِهِمْ مِنَ العَرَبِ، ولِسانُ النّاسِ الَّذِينَ هم بِالعِراقِ جارٍ عَلى لَفْظِ الإمالَةِ، فالعَرَبُ تَقُولُ: ”هَذا عابِدٌ“، و”هو عابِدٌ“، فَيَكْسِرُونَ ما بَعْدَها إلّا أنْ تَدْخُلَ حُرُوفُ الإطْباقِ، وهِيَ: اَلطّاءُ، والظّاءُ، والصّادُ، والضّادُ، لا يَجُوزُ في قَوْلِكَ: ”فُلانٌ ظالِمٌ“: ”ظالِمٌ“ - ”مُمالٌ“ -، ولا في ”طالِبٌ“: ”طالِبٌ“ - ”مُمالٌ“ -، ولا في ”صابِرٌ“: ”صابِرٌ“ - ”مُمالٌ“ -، ولا في ”ضابِطٌ“: ”ضابِطٌ“ - ”مُمالٌ“ -، وكَذَلِكَ حُرُوفُ الِاسْتِعْلاءِ، وهِيَ: اَلْخاءُ، والغَيْنُ، والقافُ، لا يَجُوزُ في ”غافِلٌ“: ”غافِلٌ“ - ”مُمالٌ“ -، ولا في ”خادِمٌ“: ”خادِمٌ“ - ”مُمالٌ“ -، ولا في ”قاهِرٌ“: ”قاهِرٌ“ - ”مُمالٌ“ -، وبابُ الإمالَةِ يَطُولُ شَرْحُهُ، إلّا أنَّ هَذا في هَذا المَوْضِعِ هو المَقْصُودُ، وقَدْرُ الحاجَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب