الباحث القرآني

وقوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ أكثر الناس على أن معناه: إذا نسيت الاستثناء بمشيئة الله تعالى فاذكره، وقله إذا ذكرت. قال ابن عباس رواية عطاء: (يريد الاستثناء ولو بعد شهر) [["زاد المسير" 5/ 129، و"تفسير القرآن العظيم" 3/ 89، و"الجامع لأحكام القرآن" 10/ 386، و"التفسير الكبير" 11/ 110.]]. يعني أن من قال: أفعل غدًا كذا وكذا، ونسي أن يقول: إن شاء الله، فقد واقع ما نهى الله عنه، فإذا ذكر أنه كان قد نسي الاستثناء فقاله وضع عنه الحرج. وقال سعيد بن جبير: (إذا قلت لشيء إنك فاعله غدًا، فنسيت أن تقول: إن شاء الله، ثم ذكرت، فقل: إن شاء الله، وإن كان بعد يوم أو شهر أو سنة) [["الكشاف" 2/ 386، و"زاد المسير" 5/ 128، و"الدر المنثور" 4/ 394، و"التفسير الكبير" 11/ 110.]]. وقال أبو العالية: (إذا ذكرت فاستثن) [[انظر: "جامع البيان" 15/ 229، و"المحرر الوجيز" 9/ 278، و"زاد المسير" 5/ 129، و"تفسير القرآن العظيم" 3/ 89، و"الدر المنثور" 4/ 394.]]. وقال عمرو بن دينار: (له الاستثناء متى ما ذكر) [[ذكره الواحدي في "الوسيط" 3/ 431، وذكرته كتب الفقه بلا نسبة. انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي 3/ 1235، و"أحكام القرآن" للجصاص 5/ 41، و"الجامع لأحكام القرآن" 6/ 273، و"المغني" لابن قدامة 13/ 485.]]. هذا كله فيما يعد من نفسه أن يفعله من غير يمين، فإن حلف ثم استثنى بمشيئة الله متصلاً بيمينه فلا حنث عليه، كذلك روى أبو هريرة عن النبي ﷺ: "مَنْ حلف فقال: إن شاء الله، لم يحنث" [[أخرجه ابن ماجة في "سننه" كتاب: الكفارات، باب: الاستثناء في اليمين 1/ 680، النسائي في "سننه" كتاب الأيمان والنذر باب: الاستثناء 7/ 23، والترمذي في "جامعه" كتاب: النذور والأيمان باب: ما جاء في الاستثناء في اليمين 4/ 91 وقال: حديث حسن. والإمام أحمد في "مسنده" 2/ 275، والدارمي في "سننه" كتاب: النذور والأيمان باب: في الاستثناء في اليمين 2/ 106، وابن الأثير في "جامع الأصول" كتاب: الأيمان، باب: في الاستثناء في اليمين 11/ 664.]]. وروى ابن عمر عن النبي -ﷺ- قال: "مَنْ حلف على يمين فقال: إن شاء الله، فهو بالخيار" [[أخرج نحوه الترمذي في "جامعه" كتاب: النذور والأيمان، باب: الاستثناء في اليمين 4/ 91، والنسائي في "سننه" كتاب: الكفارات، باب: الاستثناء 7/ 23، وابن ماجة في "سنة" كتاب: الكفارات، باب: الاستثناء في اليمين 1/ 680، والإمام أحمد في "مسنده" 2/ 6، ومالك في "الموطأ" كتاب: الأيمان، باب: ما لا تجب فيه الكفارة من اليمين 2/ 477 والدارمى في "سننه"، كتاب. النذور والأيمان باب: في الاستثناء في اليمين 2/ 106، والسيوطي في "الدر المنثور" 4/ 395.]]. ولا خلاف في هذا بين الناس، وإنما الخلاف فيه إذا انقطع الاستثناء عن اليمين، روى قتادة عن الحسن في الرجل يحلف فيستثني في يمينه قال: (له ثنياه إذا اتصل كلامه، ولم يكن بين ذلك كلام) [["المحرر الوجيز" 9/ 278، و"زاد المسير" 5/ 129، و"تفسير القرآن العظيم" == 3/ 89، و"الجامع لأحكام القرآن" 10/ 386، و"المغني" لابن قدامة 13/ 273.]]. وقال طاووس: (له ثنياه ما كان في مجلسه) [["الكشاف" 2/ 386، و"المحرر الوجيز" 9/ 278، و"التفسير الكبير" 11/ 110، و"روح المعاني" 15/ 249، و"الدر المنثور" 4/ 394.]]. وعن حماد [[حماد بن زيد بن درهم الأزدي، تقدمت ترجمته.]] قال: (إن استثنى في نفسه فليس بشيء حتى يسمع نفسه) [[ذكرته كتب الفقه بلا نسبة. انظر: "أحكام القرآن" للجصاص 5/ 41، و"المحلى" 8/ 406، و"بلغة السالك" 1/ 700، و"المغني" لابن قدامة 3/ 485، كتاب: "الأيمان والنذور" لأبي فارس ص 37.]]. وقال الحسن: (إذا حرك لسانه أجزأ عنه) [[ذكره القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" 6/ 283 بلا نسبة، وابن قدامة في "المغني" 13/ 485.]]. ومذهب الشافعي -رحمه الله-: أن الحالف إذا نسي الاستثناء موصولاً بكلامه، فات وقته في الطلاق والعتاق وسائر الأيمان [[انظر: "الأم" للشافعي 7/ 65، و"روضة الطالبين" 11/ 3، و"الجامع لأحكام القرآن" 6/ 274.]]. حتى قال بعض أصحابنا: (إنما ينفعه الاستثناء إذا أنشأ أول يمينه مع نية الاستثناء ثم وصله باليمين، فإن أنشأ اليمين ثم بدا له أن يستثني فوصل الاستثناء لم ينفعه) [[انظر: "الأم" للشافعي 7/ 65، و"روضة الطالبين" 11/ 4، و"أحكام القرآن" للجصاص 5/ 41، و"الجامع لأحكام القرآن" 6/ 283، و"المغني" لابن قدامة 13/ 484.]]. والصحيح: أنه إذا اتصل نفع، ووقع موقعه [[وهذا ما عليه جمهور العلماء. قال الإمام الطبري -رحمه الله- في "تفسيره" 15/ 229: فأما الكفارة فلا تسقط عنه بحال إلا أن يكون استثناؤه موصولاً بيمينه، وقال الشنقيطي في "أضواء البيان" 4/ 79: والتحقيق الذي لا شك فيه أن == الاستثناء لا يصح إلا مقترنًا بالمستثنى منه، وأن الاستثناء المتأخر لا أثر له ولا تحل به اليمين، ولو كان الاستثناء المتأخر يصح لما علم في الدنيا أنه تقرر عقد ولا يمين ولا غير ذلك، لاحتمال طرو الاستثناء بعد ذلك. وانظر: "روضة الطالبين" 11/ 4، و"بداية المجتهد" 8/ 406، و"أحكام القرآن" للكيا الهراس 4/ 207، و"الجامع لأحكام القرآن" 6/ 273، و"المغني" لابن قدامة 13/ 484.]]. وروي عن ابن عباس أنه قال: (يستثني الرجل في يمينه متى ما ذكر، وإن تطاول الزمان، وقرأ هذه الآية) [[ذكرت نحوه كتب التفسير. انظر: "جامع البيان" 15/ 229، و"الكشف والبيان" 3/ 389 أ، و"المحرر الوجيز" 9/ 278، و"معالم التنزيل" 5/ 162، و"زاد المسير" 5/ 129، و"ابن كثير" 3/ 89.]]. وهذا لا يصح؛ لأن سبيل الاستثناء أن لا يكون منفردًا بنفسه، هو مضمر كلام غيره، والآية وردت في غير اليمين، وليس في الآية: ولا تحلفن على شيء إني فاعل ذلك غدًا، يدل على هذا سبب نزول الآية، والنبي -ﷺ- لما سألوه عن قصة أصحاب الكهف قال: غدًا أخبركم، ولم يحلف على ذلك، ويؤكد هذا ما روي أن النبي -ﷺ- قال: "مَنْ حلف على يمين ورأى غيرها خيرًا منه، فليأتِ الذي هو خير ويُكَفّر عن يمينه" [[أخرجه البخاري كتاب: الأيمان والنذور، باب: قول الله تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ﴾ [البقرة: 225] 8/ 229، ومسلم، كتاب: الأيمان، باب: ندب من حلف يمينًا فرأى غيرها خيرًا منها 3/ 1268، والنسائي كتاب: الأيمان والنذور، باب: الكفارة قبل الحنث 7/ 9، وابن ماجة كتاب: الكفارات، باب: من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها 1/ 681 ومالك في "الموطأ" كتاب: الأيمان، باب: ما جاء فيه الكفارة من الأيمان 2/ 478.]]. ولو كان يخرج بقوله: إن شاء الله عن الحنث، لقال: وليقل: إن شاء الله، وأيضًا فإن الإنسان إذا حلف من غير نية [فقد تمت يمينه واستقرت، فلم يجز أن ينقض حكمها شيء يحدثه بعد ذلك، بخلاف ما يقارنه الاستثناء] [[ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت في بقية النسخ.]]؛ لأنه لا يستقر، على أن كثيرًا من المفسرين حملوا قوله: ﴿اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ على غير الاستثناء؛ لأن قوله: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ﴾ ابتداء كلام آخر وقصة أخرى، والاستثناء الذي ذكر وقع في موضعه متصلاً. قال عكرمة: (﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ قال: إذا غضبت) [["جامع البيان" 15/ 229، و"معالم التنزيل" 5/ 163، و"المحرر الوجيز" 9/ 278، و"زاد المسير" 5/ 129، و"الدر المنثور" 4/ 395.]] ومعناه أنه إنما يغضب لما يطرأ عليه من نسيان ذكر الله، فأمر بذكر الله ليزول غضبه. وروي عن السدي والضحاك أنهما قالا: (هذا فيمن نسي صلاة فعليه أن يصليها إذا ذكرها) [["معالم التنزيل" 5/ 163، و"الكشاف" 2/ 387، و"الجامع لأحكام القرآن" 10/ 386.]]. وقال المبرد: (إن ابن عباس أعلم من أن يسقط حكم الحنث بالاستثناء الذي لا يصله الحالف بيمينه، ولعله قال هذا في الاستثناء من غير يمين كما قال المفسرون، قال: إذا نسي أن يقول: إن شاء الله، ثم ذكر فليقله. فظن بعض الناس أنه يقول ذلك في اليمين، فروي عنه ذلك في اليمين) [[انظر: "جامع البيان" 15/ 229. وقال الشنقيطي في "أضواء البيان" 79/ 4: والتحقيق الذي لا شك فيه أن الاستثناء لا يصح، إلا مقترنًا بالمستثى منه وأن المستثناء المتأخر لا أثر له ولا تحل به اليمين، ولو كان الاستثناء المتأخر يصح لما علم في الدنيا أن تقرر عقد ولا يمين ولا غير ذلك لاحتمال طرو الاستثناء بعد ذلك، وهذا في غاية البطلان كما تري.]]. قوله تعالى: ﴿وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ﴾ إلى آخرها، قال أبو إسحاق: (أي قل عسى أن يعطيني ربي من الآيات والدلالات على النبوة ما يكون أقرب في الرشد، وأدل من قصة أصحاب الكهف) [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 278.]]. قال المفسرون: (إن الله -عز وجل- فعل به ذلك حيث آتاه من علم غيوب المرسلين، وخبرهم ما كان أوضح في الحجة وأقرب إلى الرشد من خبر أصحاب الكهف) [["معالم التنزيل" 5/ 163، و"الكشاف" 2/ 387، و"زاد المسير" 5/ 129 و"التفسير الكبير" 11/ 111.]]. وقال بعضهم: (هذا نبأ أمر أن يقوله مع الاستثناء إذا ذكر، وهو كفارة نسيان الاستثناء أن يقول: ﴿عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ﴾ إلى آخرها) [["جامع البيان" 15/ 230، و"معالم التنزيل" 5/ 164، و"المحرر الوجيز" 9/ 281، و"الدر المنثور" 4/ 395.]]. والمعنى: عسى أن يهدين حتى لا أنسى الاستثناء بمشيئته، وهو أقرب رشدًا من أن ينسى ذلك. وقال بعضهم: (هذا فيما ينساه النبي -ﷺ- أمر أن يذكر الله تعالى فسأله أو يذكره ما نسي، أو يهديه لما هو خير له من ذكر ما نسيه) [["معالم التنزيل" 5/ 164، و"الكشاف" 2/ 387.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب