الباحث القرآني

وَقَدْ عَتَبَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ ﷺ حَيْثُ قالَ لِمَن سَألَهُ مِن أهْلِ الكِتابِ عَنْ أشْياءَ " غَدًا أُخْبِرُكم "، ولَمْ يَقُلْ إنْ شاءَ اللَّهُ، فاحْتَبَسَ الوَحْيُ عَنْهُ شَهْرًا، ثُمَّ نَزَلَ عَلَيْهِ: ﴿وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا - إلا أنْ يَشاءَ اللَّهُ واذْكُرْ رَبَّكَ إذا نَسِيتَ﴾ أيْ: إذا نَسِيتَ ذَلِكَ الِاسْتِثْناءَ عَقِيبَ كَلامِك فاذْكُرْهُ بِهِ إذا ذَكَرْت، هَذا مَعْنى الآيَةِ، وهو الَّذِي أرادَهُ ابْنُ عَبّاسٍ بِصِحَّةِ الِاسْتِثْناءِ المُتَراخِي، ولَمْ يَقُلْ ابْنُ عَبّاسٍ قَطُّ، ولا مَن هو دُونَهُ: إنّ الرَّجُلَ إذا قالَ لِامْرَأتِهِ: " أنْتِ طالِقٌ " أوْ لِعَبْدِهِ: " أنْتَ حُرٌّ " ثُمَّ قالَ بَعْدَ سَنَةٍ " إنْ شاءَ اللَّهُ " إنّها لا تَطْلُقُ، ولا يُعْتَقُ العَبْدُ، وأخْطَأ مَن نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، أوْ عَنْ أحَدٍ مِن أهْلِ العِلْمِ ألْبَتَّةَ، ولَمْ يَفْهَمُوا مُرادَ ابْنِ عَبّاسٍ، والمَقْصُودُ أنَّ الِاسْتِثْناءَ لا يَخْتَصُّ بِاليَمِينِ لا شَرْعًا، ولا عُرْفًا، ولا لُغَةً. * (فصل) وَتَفْسِيرُ الآيَةِ عِنْدَ جَماعَةِ المُفَسِّرِينَ: أنَّكَ لا تَقُلْ لِشَيْءٍ: أفْعَلُ كَذا وكَذا، حَتّى تَقُولَ: إنْ شاءَ اللَّهُ. فَإذا نَسِيتَ أنْ تَقُولَها فَقُلْها مَتى ذَكَرْتَها. وهَذا هو الِاسْتِثْناءُ المُتَراخِي الَّذِي جَوَّزَهُ ابْنُ عَبّاسٍ وتَأوَّلَ عَلَيْهِ الآيَةَ. وهو الصَّوابُ. فَغَلِطَ عَلَيْهِ مَن لَمْ يَفْهَمْ كَلامَهُ ونُقِلَ عَنْهُ أنَّ الرَّجُلَ إذا قالَ لِامْرَأتِهِ: أنْتِ طالِقٌ ثَلاثًا، أوْ قالَ: نِسائِيَ الأرْبَعُ طَوالِقُ. ثُمَّ بَعْدَ سَنَةٍ يَقُولُ: إلّا واحِدَةً، أوْ: إلّا زَيْنَبَ - إنَّ هَذا الِاسْتِثْناءَ يَنْفَعُهُ. وَقَدْ صانَ اللَّهُ عَنْ هَذا مَن هو دُونَ غِلْمانِ ابْنِ عَبّاسٍ بِكَثِيرٍ، فَضْلًا عَنِ البَحْرِ حَبْرِ الأُمَّةِ وعالِمِها الَّذِي فَقَّهَهُ اللَّهُ في الدِّينِ وعَلَّمَهُ التَّأْوِيلَ. وما أكْثَرَ ما يَنْقُلُ النّاسُ المَذاهِبَ الباطِلَةَ عَنِ العُلَماءِ بِالأفْهامِ القاصِرَةِ. وَلَوْ ذَهَبْنا نَذْكُرُ ذَلِكَ لَطالَ جِدًّا وإنْ ساعَدَ اللَّهُ أفْرَدْنا لَهُ كِتابًا. والَّذِي أجْمَعَ عَلَيْهِ المُفَسِّرُونَ: أنَّ أهْلَ مَكَّةَ سَألُوا النَّبِيَّ عَنِ الرُّوحِ وعَنْ أصْحابِ الكَهْفِ وعَنْ ذِي القَرْنَيْنِ، فَقالَ: أُخْبِرُكم غَدًا. ولَمْ يَقُلْ: إنْ شاءَ اللَّهُ. فَتَلَبَّثَ الوَحْيُ أيّامًا ثُمَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ ومُجاهِدٌ والحَسَنُ وغَيْرُهُمْ: مَعْناهُ: إذا نَسِيتَ الِاسْتِثْناءَ ثُمَّ ذَكَرْتَ فاسْتَثْنِ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: ويَجُوزُ الِاسْتِثْناءُ إلى سَنَةٍ. وَقالَ عِكْرِمَةُ رَحِمَهُ اللَّهُ: واذْكُرْ رَبَّكَ إذا غَضِبْتَ وقالَ الضَّحّاكُ والسُّدِّيُّ: هَذا في الصَّلاةِ؛ أيْ إذا نَسِيتَ الصَّلاةَ فَصَلِّها مَتى ذَكَرْتَها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب