إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الله) أي لا تقولن لأجل شيء أو في شأن شيء تعزم عليه فيما يستقبل من الزمان، فعبر عنه بالغد، ولم يرد الغد بعينه، فيدخل فيه الغد دخولاً أولياً، قال الواحدي: قال المفسرون لما سألت اليهود النبي صلى الله عليه وسلم عن خبر الفتية فقال: أخبركم غداً ولم يقل إن شاء الله فاحتبس الوحي عنه حتى شق عليه، فأنزل الله هذه الآية يأمره بالاستثناء بمشيئة الله، يقول إذا قلت لشيء إني فاعل ذلك غداً فقل إن شاء الله.
قيل وهذا الاستثناء مفرغ من أعم الأحوال، أي لا تقولن ذلك في حال من الأحوال إلا في حال ملابسته لمشيئة الله، وهو أن تقول إن شاء الله، أو في وقت من الأوقات إلا وقت أن يشاء الله أن تقوله لا مطلقاً بل بإذن الله، فحذف الوقت وهو مراد، أولا تقولن أفعل غداً إلا قائلاً إن شاء الله، فحذف القول ونقل شاء إلى لفظ الاستقبال حملاً على المعنى. قاله الأخفش والمبرد والكسائي.
وقيل: التقدير إلا بأن يشاء الله، أي متلبساً بقول إن شاء الله، والمعنى إلا أن تذكر مشيئة الله فليس إلا أن يشاء الله من القول الذي نهى عنه، وقيل الاستثناء جار مجرى التأبيد، كأنه قيل لا تقولنه أبداً، كقوله (وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله) لأن عودهم في ملتهم مما لا يشاؤه الله. (واذكر ربك إذا نسيت) الاستثناء بمشيئة الله، أي فقل إن شاء الله سواء كانت المدة قليلة أو كثيرة؛ وقد اختلف أهل العلم في المدة التي يجوز إلحاق الاستثناء فيها بعد المستثنى منه على أقوال معروفة في مواضعها، وقيل: المعنى واذكر ربك بالاستغفار إذا نسيت مبالغة في الحث عليه، أو اذكر ربك عقابه إذا تركت بعض ما أمرك به ليبعثك على التدارك، أو اذكره إذا اعتراك النسيان لتذكر المنسيّ. وعن ابن عباس أنه كان يرى الاستثناء ولو بعد سنة ثم قرأ هذه الآية. وعنه قال: هي خاصة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وليس لأحد أن يستثني إلا في صلة يمين.
وعن ابن عمر قال: كل استثناء موصول فلا حنث على صاحبه وإذا
كان غير موصول فهو حانث.
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال سليمان بن داود: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة. وفي رواية تسعين تلد كل امرأة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله، فقال له الملك قل إن شاء الله، فلم يقل، فطاف فلم تلد منهن إلا امرأة واحدة نصف إنسان، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " والذي نفسي بيده لو قال إن شاء الله لم يحنث وكان دركاً لحاجته " [[مسلم 1654 - البخاري 1347.]].
وعن عكرمة قال: معنى إذا نسيت إذا غضبت. وعن الحسن قال: إذا نسيت إذا لم تقل إن شاء الله. وقيل الآية في الصلاة ويدل له حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مَن نسي صلاةً فليُصلِّها إذا ذَكَرَها " [[مسلم 684 - البخاري 384.]] أقم الصلاة لذكري متفق عليه. والأول أولى.
(وقل) يا محمد (عسى أن يهدين) أي يوفقني ويدلني (ربي لأقرب) أي لشيء أقرب (من هذا) أي من خبر أهل الكهف من الآيات والدلائل الدالة على نبوتي (رشداً) هداية أو إرشاداً للناس ودلالة على ذلك، وعلى الأول هو مفعول مطلق، وعلى الثاني تمييز لأقرب. قال الزجاج: عسى أن يعطيني ربي من الآيات والدلالات على النبوة ما يكون أقرب في الرشد وأدل من قصة أصحاب الكهف.
وقد فعل الله به ذلك حيث آتاه من علم غيوب المرسلين وخبرهم والحوادث النازلة في الأعصار المستقبلة إلى قيام الساعة ما كان أوضح في الحجة وأقرب إلى الرشد من خبر أصحاب الكهف. وقيل عسى أن يهديني ربي عند هذا النسيان لشيء آخر بدل هذا المنسي، وأقرب من ذلك رشداً وأدنى منه خيراً ومنفعة، والأول أولى.
{"ayah":"إِلَّاۤ أَن یَشَاۤءَ ٱللَّهُۚ وَٱذۡكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِیتَ وَقُلۡ عَسَىٰۤ أَن یَهۡدِیَنِ رَبِّی لِأَقۡرَبَ مِنۡ هَـٰذَا رَشَدࣰا"}