الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ﴾ الآية. قال صاحب النظم: تأويل الآية: ولكم من ثمرات النخيل والأعناب ما تتخذون منه سكرًا [[وإلى هذا ذهب الطبري في "تفسيره" 14/ 138، وانظر: "تفسير البغوي" 5/ 28، وابن عطية 8/ 458، قال البغوي: يعني: ولكم أيضًا عبرة فيما نسقيكم ونرزقكم من ثمرات النخيل والأعناب، ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ﴾ والكناية في ﴿مِنْهُ﴾ عائدة إلى (ما) محذوفة، أي: ما تتخذون منه ﴿سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا﴾.]]؛ لأنه لو كان مبتدأً ومنقطعًا مما قبله لوجب أن يقال: منها؛ لأن تأويله يكون راجعًا على قوله: ﴿ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ﴾ على ما نظم، وتتخذون من ثمرات النخيل والأعناب سكرًا. والعرب تضمر (ما) و (من) كقوله تعالي: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ﴾ [[قال الفراء: أي ما ثَمَّ رأيت. "معاني القرآن" للفراء 3/ 218، وانظر: "الدر المصون" 10/ 614.]] [الإنسان: 20]، ﴿وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ﴾ [[وتقديره عند الكوفيين: وما منا إلا مَنْ له، فحذف الموصول وأبقى الصلة، واباه البصريون؛ لأن الموصول عندهم لا يحذف. انظر: "البيان في غريب إعراب القرآن" 2/ 310، و"الفريد في إعراب القرآن" 4/ 146.]] [الصافات: 164] وذكرنا [[ساقطة من (أ)، (د).]] هذا قديمًا. والأعناب عطف على الثمرات لا على النخيل؛ لأنه يصير التقدير: ومن ثمرات الأعناب، والأعناب ثمار، ولكنه ومن الأعناب، وأمَّا السكر فروى سعيد بن جبير وشهر بن حَوْشب وعمرو [[في جميع النسخ (عمر) والصحيح المثبت كما في "تفسير الطبري" 14/ 134، و"معاني القرآن" للنحاس 4/ 81.]] بن سفيان [[عمرو بن سفيان الثقفي، روى عن ابن عباس وابن عمر وعن أبيه رضي الله عنه، وروى عنه الأسود بن فيس، صحح له الحاكم حديثًا في تفسير السَّكر، وضعفه النحاس في معانيه. انظر: "الجرح والتعديل" 6/ 234، و"تهذيب التهذيب" 3/ 273، و"تقريب التهذيب" (5038).]] عن ابن عباس أنه قال: السَّكَر ما حُرِّم من ثمرتيهما، والرزق الحسن ما أُحلَّ من ثمرتيهما [[أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (2/ 357) بنصه، والطبري 14/ 134 بنصه من طرق كثيرة، والجصاص 3/ 185، بنحوه، والحاكم: التفسير/ النحل (2/ 355) بنصه وصححه، وورد في "الناسخ والمنسوخ" للنحاس 2/ 485، بنصه، و"معاني القرآن" للنحاس 4/ 81، بنصه، وقال: وهي روايةٌ تضعفُ من جهة عمرو بن سفيان، و"تفسير هود الهواري" 2/ 376، بنصه، والثعلبي 2/ 159 أبنصه، و"تفسير الماوردي" 3/ 198، بنحوه، وانظر: "تفسير البغوي" 5/ 29، وابن الجوزي 4/ 464، وابن كثير 2/ 633، و"الدر المنثور" 4/ 228، وزاد نسبته إلى الفريابي وسعيد بن منصور وأبي داود في ناسخه وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه.]]، وقال في رواية عطاء: سَكَرًا يريد ما أَسْكَر، وهذا قبل أن يحرم الخمر. ﴿وَرِزْقًا حَسَنًا﴾ يريد الخَلَّ والزبيب والتمر وكل ما يُتَّخَذ من النخيل والأعناب [[أخرجه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص252، بنحوه من طريق الحجاج عن ابن جريج صحيحة، ومن طريق أبي طلحة صحيحة والطبري 14/ 134 - 135 بنحوه من طريق عمرو، ومن طريق أبي طلحة، والجصاص 3/ 185، بنحوه من طريق الحجاج، والسمرقندي 2/ 241، بمعناه، وانظر:"تفسير ابن عطية" 8/ 458.]]، وهذا قول عامة المفسرين؛ قالوا: السكر هي الخمر بعينها، والسكر حرام، والرزق الحسن حلال، وقالوا: نزلت هذه قبل تحريم الخمر [[أخرجه الطبري 14/ 135، بنحوه من طرق عن سعيد بن جبير وأبي رزين والحسن ومجاهد، ورد في "معاني القرآن" للنحاس 4/ 82، بنحوه، و"تفسير السمرقندي" 2/ 241، بنحوه، و"تفسير الماوردي" 3/ 198، بنحوه، والطوسي 6/ 401، بنحوه، وانظر: "تفسير البغوي" 5/ 28.]]، ونزل تحريمها في سورة المائدة [[في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ﴾ [المائدة: 90]، وعلى هذا فآية النحل منسوخة بآية المائدة، وهو ما ذهب إليه ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد والحسن والشعبي والنخعي وأبو رَزين وجمهور المفسرين، وقد ردّ هذه الدعوى جماعة من العلماء، وبينوا أن هذا خبر، ولا يجوز فيه النسخ، قال مكي: وقيل: إن هذا لم ينسخ؛ لأن الله لم يأمرنا باتخاذ ذلك، ولا أباحه لنا في هذه الآية، وإنما أخبرنا بما كانوا يصنعون من النخيل من السَّكَر الذي حرَّمه الله في المائدة. ا. هـ. ومن القائلين بعدم النسخ الطبري، لكنه حمل السَّكر على أن معناه: كل ما حلّ شربه، مما يتخذ من ثمر النخل والكرم، وفَسَّد أن يكون معناه الخمر أو ما يُسْكِر من الشراب. انظر: "الناسخ والمنسوخ" لأبي عبيد ص 252، و"تفسير الطبري" 14/ 134 - 136، و"الناسخ والمنسوخ" للنحاس 2/ 486، و"الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه" لمكي ص 331، و"أسباب النزول" للواحدي ص 208، و"نواسخ القرآن" لابن الجوزي ص 186، و"تفسير القرطبي" 10/ 130.]]. والسَّكَر في اللغة: الخمر [[أصل السَّكر في اللغة: السَّدُّ، ومنه سَكِرَ فلانٌ؛ لأنه سُدَّ عقله ومنع منه، والسَّكَرُ: الخمر نفسها، وكُلّ ما يُسْكِرُ، وقيل: هو شراب يُتخذ من التَّمر والكَشُوث، والسُّكر: حالةٌ تعرض بين المرء وعقله، وأكثر ما يستعمل ذلك في الشراب المُسكرِ، انظر: "تهذيب اللغة" (سكر) 2/ 1720، و"المفردات" ص 416. و"الأساس" ص 302، و"اللسان" (سكر) 4/ 2047، و"عمدة الحفاظ" 2/ 237 و"التاج" (سكر) 6/ 534، و"متن اللغة" 3/ 179.]]، وقال جرير: إذا رَوِينَ على الخِنْزِيرِ من سَكَرٍ ... نادَيْنَ يا أعظمَ القِسِّين جُرْداناَ [["ديوانه" 1/ 167، وفيه: (لمّا) بدل (إذا)، وورد في "تهذيب اللغة" (سكر) 2/ 1720، و"اللسان" (جرد) 1/ 590، (سكر) 4/ 2048، (جردانا): الجُردانُ بالضم: هن أسماء الذَّكَرِ، وهو قضيب ذوات الحوافر، والجمع: جرادين.]] وهذا القول هو اختيار الفراء [["معاني القرآن" للفراء 2/ 109، بلفظه.]] والزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 209، بلفظه.]]. وقال أبو عبيدة بوحده: السَّكَر: الطعام، واحتج بقوله [[نسبه في المجاز إلى جندل، وهوابن المثنى الطَّهوي.]]: جَعَلْتَ أعْرَاضَ الكِرَامِ سَكَرا [[ورد في "تهذيب اللغة" (سكر) 2/ 1720، و"تفسير الزمخشري" 2/ 335، والفخر الرازي 20/ 68، و"اللسان" (سكر) 4/ 2048، وورد برواية: "جَعَلْتَ عَيْبَ الأكْرمين سكرًا" في "مجازالقرآن" 1/ 363، و"تفسير الطبري" 14/ 138، و"معاني القرآن" للنحاس 4/ 83، و"إعراب القرآن" للنحاس 2/ 238، و"تفسير الثعلبي" 2/ 159 ب، والطوسي 6/ 401، وابن الجوزي 4/ 464، و"القرطبي" 10/ 129.]] أي جعلتَ ذَمَّهم [[في"معاني القرآن وإعرابه" 3/ 209: دَمَهُم، ولعل الخطأ من المحقق، والمثبت هو الصحيح المتفق مع المعنى.]] طُعْمًا لك [["مجاز القرآن" 1/ 363، بنحوه، وورد في "التهذيب" (سكر) 2/ 1720، بنصه، والظاهر أنه نقله من التهذيب.]]. قال الزجاج: هذا بالخمر أشبَهُ منه بالطعام، المعنى: جعلْتَ تتخمَّرُ بأعراضِ الكرام، وهو أبينُ فيما يقال: يبترك [[يقال: بارك على الشيء: واظب، وأبرك في عدْوه: أسرع مجتهدًا، والاسم: البرُوُك، يقال: ابْتَرك الرجل في عرض أخيه: إذا اجتهد ذمّه وشتمه == وانتقاصه، والابتراك في العدو: الاجتهاد فيه. انظر: (برك) في "تهذيب اللغة" 1/ 319، و"المحيط في اللغة" 6/ 260، و"اللسان" 1/ 267.]] في أعراض الناس [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 209، بنحوه، وورد في "تهذيب اللغة" (سكر) 2/ 1720، بنصه تقريبًا، والظاهر أنه نقله منه.]]؛ يتخَمَّر بهم. وقوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد عقلوا عن الله قدرَته وما لا يقدر عليه أحدٌ غيرُه وحدَه، فصَدَّقوا نَبِيَّه وأيْقَنُوا بالثواب والعقاب.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب