الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واللَّهُ أنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً﴾ يَعْنِي: المَطَرَ " فَأحْيا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِها " أيْ: بَعْد يُبْسِها ﴿إنَّ في ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ أيْ: يَعْتَبِرُونَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإنَّ لَكم في الأنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ﴾ قَرَأ أبُو عَمْرٍو، وابْنُ كَثِيرٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: " نُسْقِيكم " بِضَمِّ النُّونِ، ومِثْلُهُ في (المُؤْمِنُونَ:٢١) . وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، وأبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ: " نَسْقِيكم " بِفَتْحِ النُّونِ فِيهِما. وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ: " تَسْقِيكم " بِتاءٍ مَفْتُوحَةٍ، وكَذَلِكَ في (المُؤْمِنُونَ:٢١)، (p-٤٦٣)وَقَدْ سَبَقَ بَيانُ الأنْعامِ. وذَكَرْنا مَعْنى " العِبْرَةِ " في (آلِ عِمْرانَ:١٣)، والفَرْقَ بَيْنَ " سَقى " و " أسْقى " في (الحِجْرِ:٢٢) . فَأمّا قَوْلُهُ: ﴿مِمّا في بُطُونِهِ﴾ فَقالَ الفَرّاءُ: النَّعَمُ والأنْعامُ شَيْءٌ واحِدٌ، وهُما جَمْعانِ، فَرَجَعَ التَّذْكِيرُ إلى مَعْنى " النَّعَمِ " إذْ كانَ يُؤَدِّي عَنِ الأنْعامِ، أنْشَدَنِي بَعْضُهم: وَطابَ ألْبانُ اللَّقاحِ وبَرَدْ فَرَجَعَ إلى اللَّبَنِ، لِأنَّ اللَّبَنَ والألْبانَ في مَعْنًى؛ قالَ: وقالَ الكِسائِيُّ: أرادَ: نُسْقِيكم مِمّا في بُطُونِ ما ذَكَرْنا، وهو صَوابٌ، أنْشَدَنِي بَعْضُهم: مِثْلَ الفِراخِ نُتِفَتْ حَواصِلُهْ وَقالَ المُبَرِّدُ: هَذا فاشٍ في القُرْآنِ، كَقَوْلِهِ لِلشَّمْسِ: ﴿هَذا رَبِّي﴾ [الأنْعامِ:٧٨] يَعْنِي: هَذا الشَّيْءُ الطّالِعُ، وكَذَلِكَ ﴿وَإنِّي مُرْسِلَةٌ إلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ﴾ ثُمَّ قالَ: ﴿فَلَمّا جاءَ سُلَيْمانَ﴾ [النَّمْلِ:٣٥،٣٦] ولَمْ يَقُلْ: " جاءَتْ " لِأنَّ المَعْنى: جاءَ الشَّيْءُ الَّذِي ذَكَرْنا، وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: الهاءُ في " بُطُونِهِ " لِلْبَعْضِ، والمَعْنى: نُسْقِيكم مِمّا في بُطُونِ البَعْضِ الَّذِي لَهُ لَبَنٌ، لِأنَّهُ لَيْسَ لِكُلِّ الأنْعامِ لَبَنٌ، وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: ذَهَبَ بِقَوْلِهِ: ﴿مِمّا في بُطُونِهِ﴾ إلى النَّعَمِ، والنَّعَمُ تُذَكَّرُ وتُؤَنَّثُ، والفَرْثُ: ما في الكِرْشِ، والمَعْنى: أنَّ اللَّبَنَ كانَ طَعامًا، فَخَلَصَ مِن ذَلِكَ الطَّعامِ دَمٌ، وبَقِيَ مِنهُ فَرْثٌ في الكِرْشِ، وخَلُصَ مِن ذَلِكَ الدَّمِ " لَبَنًا خالِصًا سائِغًا لِلشّارِبِينَ " أيْ: سَهْلًا في الشُّرْبِ لا يَشْجى بِهِ شارِبُهُ، ولا يَغَصُّ. وقالَ بَعْضُهم: سائِغًا، أيْ: لا تَعافُهُ النَّفْسُ وإنْ كانَ قَدْ خَرَجَ مِن بَيْنِ فَرْثٍ ودَمٍ، ورَوى (p-٤٦٤)أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: إذا اسْتَقَرَّ العَلَفُ في الكِرْشِ، طَحَنَهُ، فَصارَ أسْفَلُهُ فَرْثًا، وأعْلاهُ دَمًا، وأوْسَطُهُ لَبَنًا، والكَبِدُ مُسَلَّطَةٌ عَلى هَذِهِ الأصْنافِ الثَّلاثَةِ، فَيَجْرِي الدَّمُ في العُرُوقِ، واللَّبَنُ في الضَّرْعِ، ويَبْقى الفَرْثُ في الكِرْشِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمِن ثَمَراتِ النَّخِيلِ والأعْنابِ﴾ تَقْدِيرُ الكَلامِ: ولَكم مِن ثَمَراتِ النَّخِيلِ والأعْنابِ ما تَتَّخِذُونَ مِنهُ سَكَرًا. والعَرَبُ تُضْمِرُ " ما " كَقَوْلِهِ: ﴿وَإذا رَأيْتَ ثَمَّ﴾ [الإنْسانِ:٢٠] أيْ: ما ثَمَّ. والكِنايَةُ في " مِنهُ " عائِدَةٌ عَلى " ما " المُضْمَرَةُ. وقالَ الأخْفَشُ: إنَّما لَمْ يَقُلْ: مِنهُما، لِأنَّهُ أضْمَرَ الشَّيْءَ، كَأنَّهُ قالَ: ومِنها شَيْءٌ تَتَّخِذُونَ مِنهُ سَكَرًا. وَفِي المُرادِ بِالسَّكَرِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: أنَّهُ الخَمْرُ، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وابْنُ عُمَرَ، والحَسَنُ، وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، ومُجاهِدٌ، وإبْراهِيمُ ابْنُ أبِي لَيْلى، والزَّجّاجُ، وابْنُ قُتَيْبَةَ. ورَوى عَمْرُو بْنُ سُفْيانَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: قالَ السَّكَرُ: ما حُرِّمَ مِن ثَمَرَتِها، وقالَ هَؤُلاءِ المُفَسِّرُونَ: وهَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ إذْ كانَتِ الخَمْرَةُ مُباحَةً، ثُمَّ نُسِخَ [ذَلِكَ] بِقَوْلِهِ: ﴿فاجْتَنِبُوهُ﴾ [المائِدَةِ:٩٠] ومِمَّنْ ذَكَرَ أنَّها مَنسُوخَةٌ، سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، ومُجاهِدٌ، والشَّعْبِيُّ، والنَّخَعِيُّ. والثّانِي: أنَّ السَّكَرَ: الخَلُّ، بِلُغَةِ الحَبَشَةِ، رَواهُ العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وقالَ الضَّحّاكُ: هو الخَلُّ، بِلُغَةِ اليَمَنِ. والثّالِثُ: أنَّ " السَّكَرَ " الطُّعْمُ، يُقالُ: هَذا لَهُ سَكَرٌ، أيْ: طُعْمٌ، وأنْشَدُوا: جَعَلْتَ عَيْبَ الأكْرَمِينَ سَكَرا (p-٤٦٥)قالَهُ أبُو عُبَيْدَةَ. فَعَلى هَذَيْنِ القَوْلَيْنِ، الآيَةُ مُحْكَمَةٌ. فَأمّا الرِّزْقُ الحَسَنُ، فَهو ما أُحِلَّ مِنهُما، كالتَّمْرِ، والعِنَبِ، والزَّبِيبِ، والخَلِّ، ونَحْوِ ذَلِكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب