الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا﴾ الآية. هذه الآية فيها ثلاثة أقوال للمفسرين: أحدها: وهو الذي عليه العامة، أنها نزلت لمّا قال النبيّ -ﷺ- حين نظر إلى حمزة وقد مُثِّلَ به: "والله لأمثلن بسبعين منهم مكانك"، فنزل جبريل والنبيّ -ﷺ- واقف بعد، بخواتيم سورة النحل، فصبر رسول الله -ﷺ- وكفّر عن يمينه وأمسك عما أراد، هذا قول ابن عباس في رواية عطاء وأبي بن كعب والشعبي [[أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (7/ 366) بمعناه عن الشعبي، وأحمد 5/ 135، بنحوه من طريقين عن أُبي، والترمذي كتاب: التفسير/النحل، بمعناه عن أُبي وحسنه، والنسائي في "التفسير" 1/ 641، بمعناه عن أُبي، والطبري 14/ 195، بنحوه عن عطاء بن يسار، إلا أن فيها: لنُمثلنَّ بثلاثين رجلاً منهم، والطبراني في "الكبير" 11/ 62، بنحوه عن ابن عباس، وفيه: لأمثلن بثلاثين، والحاكم: التفسير، النحل (2/ 359) بمعناه عن أبي وقال صحيح الإسناد، والبيهقي في "الدلائل" 31/ 288 - 289، بنحوه عن ابن عباس، وبمعناه عن أُبي، والواحدي == في "أسباب النزول" ص 291 بنحوه عن أبي هريرة وابن عباس، وورد بنحوه في "سيرة ابن هشام" 3/ 47، و"معاني القرآن" للنحاس 4/ 113 وقال: فأمَّا حديث أبي هريرة وابن عباس فإسنادهما ضعيف، وورد في: "تفسير الجصاص" 3/ 194، بنحوه عن الشعبي وعطاء، والسمرقندي 2/ 256، بنحوه عن ابن عباس، والطوسي 6/ 440، عن الشعبي وعطاء، وانظر: "تفسير ابن الجوزي" 4/ 507، عن ابن عباس وأُبي، وابن كثير 2/ 652 - 653، عن عطاء بن يسار، وقال: وهذا مرسل، وفيه رجل مبهم لم يسم، كما ذكر أنه روي متصلاً وعزاه إلى البزار عن أبي هريرة، وقال: وهذا إسناد فيه ضعف؛ لأن صالحاً هو ابن بشير المري ضعيف عند الأئمة، وقال البخاري هو منكر الحديث، وأورده كذلك بنحوه عن الشعبي وأُبي، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 255، بمعناه وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه عن أبي بن كعب، وأورده بنحوه، 4/ 255، وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس، والحديث يرتقي بكثرة طرقه إلى الحسن لغيره، وقد حسّنه الترمذي كما صححه الحاكم، وقال الألباني: حسن صحيح الإسناد. "صحيح سنن الترمذي" (3129).]]، وعلى هذا قالوا: سورة النحل كلها مكية إلا هذه الآيات الثلاث، فإنها نزلت بالمدينة [[ورد في "تفسير الثعلبي" 2/ 166 ب، بنصه، وانظر: "تفسير ابن الجوزي" 4/ 425، والفخر الرازي 19/ 217.]]. القول الثاني: أن هذا كان قبل الأمر بالسيف والجهاد حين كان المسلمون قد أمروا بقتال من يقاتلهم ولا يبدؤوا بالقتال، وهو قوله: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا﴾ [البقرة: 190]، وفي هذه الآية أُمروا أن يعاقبوا بمثل ما أصابهم من العقوبة ولا يزيدوا، فلما نزلت سورة برآءة نُسخت هذه الآية، كما نُسخ قولُه: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ الآية. وهذا قول ابن عباس والضحاك [[أخرجه الطبري 14/ 196، بمعناه عن ابن عباس من طريق العوفي ضعيفة، وورد بنحوه في "معاني القرآن" للنحاس 4/ 112، عن الضحاك، و"تفسير الثعلبي" == 2/ 167 أ، عنهما، وورد بنحوه غير منسوب في "تفسير الطوسي" 6/ 441، وانظر: "تفسير البغوي" 5/ 53، عنهما، وابن الجوزي 4/ 508، عنهما، والخازن 3/ 143، عنهما، و"الدر المنثور" 4/ 256، وزاد نسبته إلى ابن مردويه عن ابن عباس، وقد مضى الرد على المبالغة في دعوى نسخ بعض الآيات بآية السيف عند آية [85]، من الحجر 1/ 359.]]. القول الثالث: أن هذه الآية نزلت في نهي المظلوم أن ينال من ظالمه أكثر مما نال منه ، وهذا قول مجاهد وإبراهيم وابن سيرين وسفيان [[ورد في "تفسير الثعلبي" 2/ 167 أ، بنحوه عنهم، والطوسي 6/ 441، بنحوه عنهم عدا سفيان.]]؛ قال مجاهد في هذه الآية: لا تعتدوا [["تفسير مجاهد" 355، بلفظه، أخرجه الطبري 14/ 197 بلفظه من طريقين، وورد في: "تفسير الجصاص" 3/ 194، بمعناه، و"تفسير الماوردي" 3/ 221 بمعناه، وانظر:"تفسير ابن كثير" 2/ 652، و"الدر المنثور" 4/ 256، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر.]]. وقال ابن سيرين: يقول: إنْ أَخذَ رجلٌ منك شيئًا فخذ منه مثله [[أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" 2/ 361 بنصه عنهما، والطبري 14/ 197، بنصه عنهما، وورد في: "تفسير الجصاص" 3/ 194، بمعناه، و"تفسير الماوردي" 3/ 221، بمعناه، وانظر: "تفسير ابن كثير" 2/ 652، عنهما، و"الدر المنثور" 4/ 256، وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.]]، ونحوه لفظ إبراهيم. وقال سفيان: لا تأخذ دينارًا مكان درهم [[أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" 2/ 361 بمعناه، والطبري 14/ 197 بمعناه.]]، وعلى هذا القول: الآية محكمة [[وهو ما رجحه الطبري في 14/ 197، والفخر الرازي 20/ 143.]]. غير أن علي بن أبي طلحة روى عن ابن عباس أنه قال: نزلت هذه الآية وقوله: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُم﴾ الآية، [البقرة: 194] وقوله: ﴿وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ﴾ [الشورى: 41]، وقوله: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ الآية، [الشورى:41] بمكة، والمسلمون يومئذ قليل، ليس لهم سلطان يقهر المشركين، فأمر الله المسلمين أن يجازوا بمثل ما أتى إليهم أو يصبروا فهو أمثل، فلما هاجر رسول الله -ﷺ- إلى المدينة وأعز الإسلام، أَمرَ المسلمين أن ينتهوا في مظالمهم إلى [[في (أ)، (د): (أي)، والمثبت هو الصحيح وموافق للمصادر.]] سلطانهم، وأن لا يعدو بعضهم على بعض كأهل الجاهلية، فقال: ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا﴾ الآية. [الإسراء: 33] يقول: ينصره السلطان حتى ينصفه من ظالمه، فمن انتصر لنفسه دون السلطان فهو عاص مسرف قد عمل بحمية الجاهلية ولم يرض بحكم الله [[أخرجه الطبري 2/ 199، بنحوه من طريق ابن أبي طلحة صحيحة، والبيهقي في السنن: الجنايات/الولي لا يستبد بالقصاص دون الإمام (8/ 61) بنصه، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" 1/ 373، بنصه وزاد نسبته إلى أبي داود في ناسخه وابن المنذر وابن أبي حاتم.]]، فعلى هذا نُسخ من الآية أن يتولى المظلوم أخذَ القصاص، بل يجب أن يرفع ذلك إلى السلطان حتى يعاقب خصمه بمثل ما عاقبه، ثم أخبر أن الصبر خير وأفضل، فقال: ﴿وَلَئِنْ صَبَرْتُم﴾، أي: عن المجازاة بالمُثْلَة، أو على ما يصيبكم من أذى المشركين، أو على ظلم من ظلمكم، ﴿لَهُوَ﴾، أي: الصبر، ﴿خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ﴾.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب