الباحث القرآني
﴿ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ والمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وجادِلْهم بِالَّتِي هي أحْسَنُ إنَّ رَبَّكَ هو أعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وهو أعْلَمُ بِالمُهْتَدِينَ﴾ ﴿وإنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ ولَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهو خَيْرٌ لِلصّابِرِينَ﴾ ﴿واصْبِرْ وما صَبْرُكَ إلّا بِاللَّهِ ولا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ولا تَكُ في ضَيْقٍ مِمّا يَمْكُرُونَ﴾ ﴿إنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا والَّذِينَ هم مُحْسِنُونَ﴾: أمَرَ اللَّهُ تَعالى رَسُولَهُ ﷺ أنْ يَدْعُوَ إلى دِينِ اللَّهِ وشَرْعِهِ بِتَلَطُّفٍ، وهو أنْ يَسْمَعَ المَدْعُوُّ حُكْمَهُ، وهو الكَلامُ الصَّوابُ القَرِيبُ الواقِعُ مِنَ النَّفْسِ أجْمَلَ مَوْقِعٍ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: أنَّ الحِكْمَةَ: القُرْآنُ، وعَنْهُ: الفِقْهُ. وقِيلَ: النُّبُوَّةُ. وقِيلَ: ما يَمْنَعُ مِنَ الفَسادِ مِن آياتِ رَبِّكَ المُرَغِّبَةِ والمُرَهِّبَةِ. والمَوْعِظَةُ الحَسَنَةُ: مَواعِظُ القُرْآنِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وعَنْهُ أيْضًا: الأدَبُ الجَمِيلُ الَّذِي يَعْرِفُونَهُ. وقالَ ابْنُ جَرِيرٍ: هي العِبَرُ المَعْدُودَةُ في هَذِهِ السُّورَةِ. وقالَ ابْنُ عِيسى: الحِكْمَةُ المَعْرُوفَةُ بِمَراتِبِ الأفْعالِ، والمَوْعِظَةُ الحَسَنَةُ: أنْ تَخْتَلِطَ الرَّغْبَةُ بِالرَّهْبَةِ، والإنْذارُ بِالبِشارَةِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: إلى سَبِيلِ رَبِّكَ: الإسْلامِ، بِالحِكْمَةِ: بِالمَقالَةِ المُحْكَمَةِ الصَّحِيحَةِ، وهي الدَّلِيلُ المُوَضِّحُ لِلْحَقِّ المُزِيلِ لِلشُّبْهَةِ، والمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ، وهي الَّتِي لا تَخْفى عَلَيْهِمْ إنَّكَ تُناصِحُهم بِها وتَقْصِدُ ما يَنْفَعُهم فِيها، ويَجُوزُ أنْ يُرِيدَ القُرْآنَ؛ أيِ: ادْعُهم بِالكِتابِ الَّذِي هو حِكْمَةٌ ومَوْعِظَةٌ حَسَنَةٌ، وجادِلْهم بِالَّتِي هي أحْسَنُ طُرُقِ المُجادَلَةِ مِنَ الرِّفْقِ واللِّينِ مِن غَيْرِ فَظاظَةٍ ولا تَعْنِيفٍ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: المَوْعِظَةُ الحَسَنَةُ: التَّخْوِيفُ والتَّرْجِئَةُ والتَّلَطُّفُ بِالإنْسانِ بِأنْ تُجِلَّهُ وتُنَشِّطَهُ، وتَجْعَلَهُ بِصُورَةِ مَن يَقْبَلُ الفَضائِلَ ونَحْوَ هَذا. وقالَتْ فِرْقَةٌ: هَذِهِ الآيَةُ مَنسُوخَةٌ بِآيَةِ القِتالِ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: هي مُحْكَمَةٌ.
﴿وإنْ عاقَبْتُمْ﴾ أطْبَقَ أهْلُ التَّفْسِيرِ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ مَدَنِيَّةٌ نَزَلَتْ في شَأْنِ التَّمْثِيلِ بِحَمْزَةَ وغَيْرِهِ في يَوْمِ أُحُدٍ، ووَقَعَ ذَلِكَ في صَحِيحِ البُخارِيِّ، وفي كِتابِ السِّيَرِ. وذَهَبَ النَّحّاسُ إلى أنَّها مَكِّيَّةٌ، والمَعْنى مُتَّصِلٌ بِما قَبْلَها اتِّصالًا حَسَنًا، لِأنَّها تَتَدَرَّجُ الذَّنْبَ مِنَ الَّذِي يَدَّعِي، وتُوعَظُ إلى الَّذِي يُجادِلُ، إلى الَّذِي يُجازى عَلى فِعْلِهِ، ولَكِنْ ما رَوى الجُمْهُورُ أثْبَتُ؛ انْتَهى. وذَهَبَتْ فِرْقَةٌ مِنهُمُ ابْنُ سِيرِينَ ومُجاهِدٌ: إلى أنَّها نَزَلَتْ فِيمَن أُصِيبَ بِظُلامَةٍ أنْ لا يَنالَ مِن ظالِمِهِ إذا تَمَكَّنَ الأمْثَلُ ظُلامَتَهُ لا يَتَعَدّاها إلى غَيْرِها، وسَمّى المُجازاةَ عَلى الذَّنْبِ مُعاقَبَةً لِأجْلِ المُقابَلَةِ، والمَعْنى: قابِلُوا مَن صَنَعَ بِكم صَنِيعَ سُوءٍ بِمِثْلِهِ، وهو عَكْسُ: ﴿ومَكَرُوا ومَكَرَ اللَّهُ﴾ [آل عمران: ٥٤] . المَجازُ في الثّانِي وفي: وإنْ عاقَبْتُمْ في الأوَّلِ. وقَرَأ ابْنُ سِيرِينَ: وإنْ عَقَّبْتُمْ فَعَقِّبُوا، بِتَشْدِيدِ القافَيْنِ؛ أيْ: وإنْ قَفَّيْتُمْ بِالِانْتِصارِ فَقَفُّوا بِمِثْلِ ما فُعِلَ بِكم. والظّاهِرُ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلى المَصْدَرِ الدّالِّ عَلَيْهِ الفِعْلُ مُبْتَدَأً بِالإضافَةِ إلَيْهِمْ؛ أيْ: لِصَبْرِكم ولِلصّابِرِينَ؛ أيْ: لَكم أيُّها المُخاطَبُونَ، فَوَضَعَ الصّابِرِينَ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ ثَناءً مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِصَبْرِهِمْ عَلى الشَّدائِدِ، وبِصَبْرِهِمْ عَلى المُعاقَبَةِ. وقِيلَ: يَعُودُ إلى جِنْسِ الصَّبْرِ، ويُرادُ بِالصّابِرِينَ جِنْسُهم، فَكَأنَّهُ قِيلَ: والصَّبْرُ خَيْرٌ لِلصّابِرِينَ، فَيَنْدَرِجُ صَبْرُ المُخاطَبِينَ في الصَّبْرِ، ويَنْدَرِجُونَ هم في الصّابِرِينَ. ونَحْوُهُ: ﴿فَمَن عَفا وأصْلَحَ﴾ [الشورى: ٤٠] ﴿وأنْ تَعْفُوا أقْرَبُ لِلتَّقْوى﴾ [البقرة: ٢٣٧] (p-٥٥٠)ولَمّا خُيِّرَ المُخاطَبُونَ في المُعاقَبَةِ والصَّبْرِ عَنْها عَزَمَ عَلى الرَّسُولِ ﷺ في الَّذِي هو خَيْرٌ وهو الصَّبْرُ، فَأُمِرَ هو وحْدَهُ بِالصَّبْرِ. ومَعْنى بِاللَّهِ: بِتَوْفِيقِهِ وتَيْسِيرِهِ وإرادَتِهِ. والضَّمِيرُ في (عَلَيْهِمْ) يَعُودُ عَلى الكُفّارِ، وكَذَلِكَ في يَمْكُرُونَ كَما قالَ: ﴿فَلا تَأْسَ عَلى القَوْمِ الكافِرِينَ﴾ [المائدة: ٦٨] وقِيلَ: يَعُودُ عَلى القَتْلى المُمَثَّلِ بِهِمْ؛ حَمْزَةَ، ومَن مُثِّلَ بِهِ يَوْمَ أُحُدٍ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: في ضَيْقٍ، بِفَتْحِ الضّادِ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ: بِكَسْرِها، ورُوِيَتْ عَنْ نافِعٍ، ولا يَصِحُّ عَنْهُ، وهُما مَصْدَرانِ كالقِيلِ والقَوْلِ عِنْدَ بَعْضِ اللُّغَوِيِّينَ. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: بِفَتْحِ الضّادِ مُخَفَّفٌ مِن ضَيِّقٍ؛ أيْ: ولا تَكُ في أمْرٍ ضَيِّقٍ، كَلَيْنٍ في لَيِّنٍ. وقالَ أبُو عَلِيٍّ: الصَّوابُ أنْ يَكُونَ الضَّيْقُ لُغَةً في المَصْدَرِ، لِأنَّهُ إنْ كانَ مُخَفَّفًا مِن ضَيِّقٍ لَزِمَ أنْ تُقامَ الصِّفَةُ مَقامَ المَوْصُوفِ إذا تَخَصَّصَ المَوْصُوفُ، ولَيْسَ هَذا مَوْضِعُ ذَلِكَ، والصِّفَةُ إنَّما تَقُومُ مَقامَ المَوْصُوفِ إذا تَخَصَّصَ المَوْصُوفُ مِن نَفْسِ الصِّفَةِ كَما تَقُولُ: رَأيْتُ ضاحِكًا، فَإنَّما تُخَصِّصُ الإنْسانَ. ولَوْ قُلْتَ: رَأيْتُ بارِدًا لَمْ يَحْسُنْ، وبِبارِدٍ مِثْلَ سِيبَوَيْهِ وضَيِّقٌ لا يُخَصِّصُ المَوْصُوفَ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ، وابْنُ زَيْدٍ: إنَّ ما في هَذِهِ الآياتِ مِنَ الأمْرِ بِالصَّبْرِ مَنسُوخٌ، ومَعْنى المَعِيَّةِ هُنا بِالنُّصْرَةِ والتَّأْيِيدِ والإعانَةِ.
{"ayahs_start":125,"ayahs":["ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِیلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَـٰدِلۡهُم بِٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِیلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِینَ","وَإِنۡ عَاقَبۡتُمۡ فَعَاقِبُوا۟ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبۡتُم بِهِۦۖ وَلَىِٕن صَبَرۡتُمۡ لَهُوَ خَیۡرࣱ لِّلصَّـٰبِرِینَ","وَٱصۡبِرۡ وَمَا صَبۡرُكَ إِلَّا بِٱللَّهِۚ وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَیۡهِمۡ وَلَا تَكُ فِی ضَیۡقࣲ مِّمَّا یَمۡكُرُونَ","إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِینَ ٱتَّقَوا۟ وَّٱلَّذِینَ هُم مُّحۡسِنُونَ"],"ayah":"وَإِنۡ عَاقَبۡتُمۡ فَعَاقِبُوا۟ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبۡتُم بِهِۦۖ وَلَىِٕن صَبَرۡتُمۡ لَهُوَ خَیۡرࣱ لِّلصَّـٰبِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق