الباحث القرآني
قوله - تعالى -: ﴿إِنَّمَا جُعِلَ السبت على الذين اختلفوا فِيهِ﴾ الآية.
لما أمر محمَّداً - صلوات الله وسلامه عليه - بمتابعة إبراهيم - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - وكان محمَّد اختار يوم الجمعة، وهذه المتابعة إنَّما تحصل إذا قلنا: إن إبراهيم - صلوات الله وسلامه عليه - كان قد اختار في شرعه يوم الجمعة، وعند هذا القائل أن يقول: فلم اختار اليهود يوم السبت؟ .
فأجاب الله - تعالى - عنه بقوله: ﴿إِنَّمَا جُعِلَ السبت على الذين اختلفوا فِيهِ﴾ ، وفي الآية قولان:
الأول: روى الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - أنه قال: «أمرهم موسى - صلوات الله وسلامه عليه - بالجمعة، وقال: تفرَّغوا لله في كل سبعة أيام يوماً واحداً، وهو يوم الجمعة لا تعملوا فيه شيئاً من أعمالكم، فأبوا أن يفعلوا ذلك، وقالوا: لا نريد إلا اليوم الذي فرغ فيه من الخلق، وهو يوم السبت، فجعل الله - تعالى - السبت لهم، وشدَّد عليهم فيه، ثمَّ جاءهم عيسى - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - أيضاً بالجمعة، فقالت النصارى: لا نريد أن يكون عيدهم بعد عيدنا، واتخذوا الأحد» .
وروى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال «إنَّ الله كَتَبَ يَوْمَ الجُمعَةِ عَلَى مَنْ قَبْلنَا، فاخْتلَفُوا فِيهِ وهَدَانَا الله إلَيْهِ، فَهُمْ لَنَا فِيهِ تَبعٌ، اليَهُود غَداً والنَّصارَى بَعد غدٍ» .
واعلم أن أهل الملل اتَّفقوا على أنه - تعالى - خلق العالم في ستَّة أيام، وبدأ - تعالى - بالخلق والتكوين في يوم الأحد، وتمَّ في يوم الجمعة، وكان يوم السبت يوم الفراغ، فقالت اليهود: نحن نوافق ربنا في ترك الأعمال، فعيَّنوا يوم السبت لهذا المعنى، وقالت النصارى: مبدأ الخلق والتكوين يوم الأحد، فنجعل هذا اليوم عيداص لنا.
وأما وجه جعل يوم الجمعة عيداً؛ فلأنه يوم كمال الخقل وتمامه، وحصول التَّمام والكمال يوجب الفرح الكامل والسُّرور العظيم، فجعل يوم الجمعة يوم العيد أولى.
والقول الثاني: اختلافهم في السبت هو أنهم أحلُّوا الصيد فيه تارة وحرَّموه [تارة] .
قوله - تعالى -: ﴿إِنَّمَا جُعِلَ﴾ العامة على بنائه للمفعول، وأبو حيوة على بنائه للفاعل، و «السَّبْتُ» مفعول به.
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ ، أي: يحكم للمحقِّين بالثواب، وللمبطلين بالعقاب.
قوله - تعالى -: ﴿ادع إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بالحكمة والموعظة الحسنة﴾ الآية لما أمر محمداً - صلوات الله وسلامه عليه - باتِّباع إبراهيم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، بين الشيء الذي أمره بمتابعته فيه؛ فقال - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿ادع إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بالحكمة والموعظة ا﴾ .
واعلم أنه - تعالى - أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يدعو النَّاس بأحد هذه الطرق الثلاثة، وهي: ﴿بالحكمة والموعظة الحسنة﴾ ، والمجادلة بالطريق الأحسن، وذكر - تعالى - هذا الجدل في آية أخرى، فقال - تعالى -: ﴿وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب إِلاَّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [العنكبوت: 46] ولمَّا ذكر الله - تعالى - هذه الطرق الثلاثة، وعطف - تعالى - بعضها على بعض وجب أن تكون طرقاً متغايرة.
واعلم أن الدَّعوة إلى المذاهب لا بد وأن تكون مبنيَّة على حجة وبينة، والمقصود من ذكر تلك الحجة: إما تقرير ذلك المذهب، وذلك على قسمين: لأن تلك الحجة إما أن تكون حجة قطعية مبرَّأة عن احتمال النقيض، أو لا تكون كذلك، بل تكون حجة تفيد الظن الظاهر، والإقناع الكامل، فظهر بهذا التقسيم انحصار الحجج في هذه الأقسام الثلاثة:
أولها: الحجة القطعية المفيدة للعقائد اليقينيّة، وذلك هو المسمَّى بالحكمة.
وثانيها: الأمارات الظنية، والدلائل الإقناعية، وهي الموعظة الحسنة.
وثالثها: الدلائل التي يكون المقصود منها: إلزام الخصوم وإقحامهم، وذلك هو الجدل، ثم هذا الجدل على قسمين:
أحدهما: أن يكون دليلاً مركباً من مقدِّمات مسلمة عند الجمهور، أو من مقدمات مسلمة عند ذلك الخصم، وهذا هو الجدل الواقع على الوجه الأحسن.
والقسم الثاني: أن يكون ذلك الدليل مركباً من مقدمات فاسدة باطلة، إلاَّ أن قائلها يحاول ترويجها على المستمعين، بالسَّفاهة والشَّغب، والحيل الباطلة، والطرق الفاسدة، وهذا القسم لا يليق بأهل [الفضل] ، إنما اللائق بهم القسم الأول، وهو المراد بقوله: ﴿وَجَادِلْهُم بالتي هِيَ أَحْسَنُ﴾ .
فصل
قال المفسرون: قوله: «بالحِكْمَةِ» أي: بالقرآن، «والمَوْعِظَةِ الحَسنَةِ» يعني: مواعظ القرآن. وقيل «المَوعِظَة الحَسنَة» هو الدعاء إلى الله - تعالى - ب التَّرغيب والتَّرهيب، وقيل: بالقول اللَّين من غير غِلَظٍ ولا تعنيف.
﴿وَجَادِلْهُم بالتي هِيَ أَحْسَنُ﴾ ناظرهم بالخصومة، «الَّتي هِيَ أحْسَنُ» أي: أعرض عن أذاهم، أي: ولا تقصِّر في تبليغ الرسالة، والدعاء غلى الحقِّ، والآية نسختها آية القتال.
﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين﴾ ، أي: إنَّك يا محمد مكلَّف بالدعوة إلى الله، وأما حصول الهداية فلا يتعلق بك، فهو أعلم بالضَّالين وأعلم بالمهتدين.
قوله - تعالى -: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ﴾ العامة على «المُفَاعلة» وهي بمعنى: «فَعَلَ» ؛ كَسافَرَ، وابن سيرين: «عَقَّبْتُم» بالتشديد بمعنى: قَفَّيْتُمْ [بالانتصار فقفُّوا] بمثل ما فعل بكم.
وقيل: تتبَّعتم، والباء معدِّية، وفي قراءة ابن سيرين إمَّا للسببية وإما مزيدة.
فصل
قال الواحدي رَحِمَهُ اللَّهُ: هذه الآية فيها ثلاثة أقوال:
أحدها: وهو قول ابن عبَّاس في رواية عطاء وأبيّ بن كعب والشعبي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم -: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لمَّا رأى حمزة وقد مثَّلوا به، قال:
«والله لأمثِّلَنَّ بِسَبْعِينَ مِنهُمْ مَكانَكَ» فنزل جبريل - صلوات الله وسلامه عليه - بخواتيم سورة النحل، فكفَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وأمسك عما أراد؛ وعلى هذا قالوا: سورة النحل مكيَّة إلا هذه الثلاث آيات.
والقول الثاني: أن هذا كان قبل الأمر بالسَّيف والجهاد، حين كان المسلمون لا يبدءون بالقتال، ولا يقاتلون إلا من قاتلهم، ويدلُّ عليه قوله - تعالى -: ﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله الذين يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تعتدوا﴾ [البقرة: 190] وفي هذه الآية أمروا بأن يعاقبوا بمثل ما يصيبهم من العقوبة ولا يزيدوا، فلمَّا أعزَّ الله الإسلام وأهله، نزلت «براءة» وأمروا بالجهاد، ونسخت هذه الآية، قاله ابن عبَّاس والضحاك.
والقول الثالث: أن المقصود من هذه الآية نهي المظلوم عن استيفاء الزيادة من الظالم، وهذا قول مجاهد، والنخعي، وابن سيرين.
وقال ابن الخطيب: وحمل هذه الآية على قصَّة لا تعلق لها بما قبلها، يوجب حصول سوء الترتيب في كلام الله - تعالى - وهو في غاية البعد، بل الأصوب عندي أن يقال: إنه - تعالى - أمر محمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بدعوة الخلق إلى الدين الحقِّ بأحد الطرق الثلاثة، وهي الحكمة، والموعظة، والجدال بالطريق الأحسن، ثم إن تلك الدعوة تتضمَّن أمرهم بالرجوع عن دين آبائهم وأسلافهم، والحكم عليهم بالكفر والضلالة، وذلك مما يشوش قلوبهم، ويوحش صدورهم، ويحمل أكثرهم على قصد ذلك الدَّاعي بالقتل تارة، وبالضرب ثانياً، وبالشَّتْم ثالثاً، ثم إنَّ ذلك الدَّاعي المحقَّ إذا تسمَّع تك السَّفاهات، لا بد وأن يحمله طبعه على تأديب أولئك السفهاء؛ تارة بالقتل، وتارة بالضرب، فعند هذا أمر المحقِّين في هذا المقام برعاية العدل والإنصاف، وترك الزيادة، فهذا هو الوجه الصحيح الذي يجب حمل الآية عليه.
فإن قيل: فكيف تقدحون فيما روي أنه - صلوات الله وسلامه عليه - ترك العزم على المثلة، وكفَّر عن يمينه بسبب هذه الآية؟ .
قلنا: لا حاجة إلى القدح في تلك الرواية؛ لأنا نقول: تلك الواقعة داخلة في عموم هذه الآية، فيمكن التمسُّك بتلك الواقعة بعموم هذه الآية، وذلك لا يوجب سوء الترتيب في كلام الله - تعالى -.
فصل
في هذه الآية دليلٌ على جواز التماثل في القصاص، فمن قتل بحديدٍ قتل بمثلها، ومن قتل بحجرٍ، قتل بمثله، ولا يتعدى قدر الواجب، واختلفوا فيمن ظلمه رجل فأخذ ماله، ثم ائتمن الظالم المظلوم على مال، هل يجوز للمظلوم خيانة الظالم في القدر الذي ظلمه؟ .
فقال ابن سيرين، والنخعي، وسفيان، ومجاهد: له ذلك لعموم هذه الآية.
وقال مالك وجماعة: لا يجوز؛ لقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «أدِّ الأمَانَة إلى من ائْتَمَنَكَ ولا تَخُنْ مَنْ خَانكَ»
رواه الدارقطني.
وقال القرطبي: «ووقع في مسند ابن إسحاق: أنَّ هذا الحديث إنَّما ورد في رجل زنا بامرأة ىخر، ثم تمكَّن الآخر من زوجة الثاني بأن تركها عنده وسافر، فاستشار ذلك الرجل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في الأمرِ، فقال له:» أدِّ الأمَانَة إلى من ائْتَمَنَكَ ولا تَخُنْ مَنْ خَانكَ «وعلى هذا يقوى قول مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - في المال؛ لأن الخيانة لاحقة في ذلك» .
فصل
اعلم أنه - تعالى - أمر برعاية العدل والإنصاف في هذه الآية ورتَّب ذلك على أربع مراتب:
الأولى: قوله: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ يعني: إن رغبتم في استيفاء القصاص، فاقنعوا بالمثل ولا تزيدوا عليه؛ فإن استيفاء الزِّيادة ظلمٌ، والظلم ممنوع منه في عدل الله ورحمته، وفي قوله - تعالى -: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ دليل على أن الأولى ألاّ يفعل؛ كما يقول الطبيب للمريض: إن كنت تأكل الفاكهة، فكل التفاح، فإن معناه: الأولى بك ألاّ تأكله، فذكر - تعالى - بطريق الرَّمز والتعريض [على] أن الأولى تركه.
والمرتبة الثانية: الانتقال من التعريض إلى التَّصريح، وهو قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ﴾ وهذا تصريح بأنَّ الأولى ترك ذلك الانتقام؛ لأن الرحمة أفضل من القسوة، والانتفاع أفضل من الإيلام.
المرتبة الثالثة: وهو الأمر بالجزم بالتَّرك، وهو قوله: «واصْبِرْ» ؛ لأن في المرتبة الثانية ذكر أن التَّرك خيرٌ وأولى، وفي هذه المرتبة الثالثة صرَّح بالأمر بالصَّبر في هذا المقام، ولمَّا ك ان الصبر في هذا المقام شديداً شاقًّا، ذكر بعده ما يفيد سهولته؛ فقال - تعالى -: ﴿واصبر وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بالله﴾ أي: بتوفيقه ومعونته، وهذا هو السب الكلي الأصلي في حصول جميع أنواع الطاعات.
ولما ذكر هذا السبب الكليَّ الأصلي، ذكر بعده ما هو السببُ الجزئي القريب؛ فقال - جل ذكره -: ﴿وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ﴾ ؛ وذلك لأنَّ إقدام الإنسان على الانتقام، وعلى [إنزال] الضرر بالغير لا يكون إلا من هيجان الغضب، وشدَّة الغضب لا تحصل إلا لأحد أمرين:
أحدهما: فوات نفع كان حاصلاً في الماضي، وإليه الإشارة بقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾ قيل: معناه: ولا تحزن على قتلى «أحدٍ» ، أي: ولا تحزن بفوات أولئك الأصدقاء وقيل: ولا تحزن عليهم في إعراضهم عنك، ويرجع حاصله إلى فوات النفع.
والسبب الثاني: أن شدَّة الغضب قد تكون لتوقع ضرر في المستقبل، وإليه الإشارة بقوله: ﴿وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ﴾ ، ومن وقف على هذه اللَّطائف، عرف أنَّه لا يمكن كلام [أدخل] في الحسن والضبط من هذا الكلام.
قوله: «للصَّابِرينَ» يجوز أن يكون عامًّا، أي: الصبر خير لجنس الصَّابرين، وأن يكون من وقوع الظَّاهر موقع المضمر، أي: صبركم خير لكم.
قوله: «إلاَّ بالله» أي: بمعونته، فهي للاستعانة.
قوله: «في ضَيْقٍ» قرأ ابن كثير هنا وفي النَّمل: بكسر الضاد، والباقون: بالفتح، فقيل: هما لغتان بمعنًى في هذا المصدر؛ كالقول والقِيل.
وقيل: المفتوح مخفَّف من «ضَيِّق» ؛ ك «مَيْت» في «مَيِّت» ، أي: في أمر ضيِّق، فهو مثل هَيْن في هيِّن، و «لَيْن» في «لَيِّن» ، قاله ابن قتيبة.
وردَّه الفارسي: بأن الصفة غير خاصة بالموصوف، فلا يجوز ادِّعاء الحذف ولذلك جاز: مررت بكاتب، وامتنع بآكلٍ.
وأما وجه القراءة بالفتح، قال أبو عبيدة الضيِّقُ بالكسر في قلَّة المعاش والمساكن، وما كان في القلب، فإنه الضَّيْق.
وقال أبو عمرو: «الضِّيقُ بالكسر: الشدَّة، والضَّيقُ بالفتح: الغمُّ» .
قوله تعالى: ﴿مِّمَّا يَمْكُرُونَ﴾ متعلق ب «ضَيْقٍ» و «مَا» مصدرية، أو بمعنى الذي، والعائد محذوف.
فصل
هذا من الكلام المقلوب؛ لأن الضَّيق صفة، والصفة تكون حاصلة في الموصوف، ولا يكون الموصوف حاصلاً في الصفة، فيكون المعنى: فلا يكن الضيق فيك؛ لأن الفائدة في قوله: ﴿وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ﴾ هو أنَّ الضِّيق إذا عظم وقوي، صار كالشيء المحيط بالإنسان من الجوانب، وصار كالقميص المحيط به، فكانت الفائدة في هذا اللفظ هذا المعنى.
المرتبة الرابعة: قوله: ﴿إِنَّ الله مَعَ الذين اتقوا﴾ المناهي، ﴿والذين هُم مُّحْسِنُونَ﴾ وهذا يجري مجرى التهديد؛ لأنه في المرتبة الأولى: رغب في ترك الانتقام على سبيل الرمز، وفي الثانية: عدل عن الرمز إلى التصريح، وهو قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ﴾ ، وفي المرتبة الثالثة: أمر بالصبر على سبيل الجزم، وفي هذه المرتبة الرابعة: كأنه ذكر الوعيد على فعل الانتقام، فقال: ﴿إِنَّ الله مَعَ الذين اتقوا﴾ عن استيفاء الزيادة، ﴿والذين هُم مُّحْسِنُونَ﴾ : في ترك أصل الانتقام؛ فكأنه قال: إن أردت أن أكون معك، فكن من المتَّقين ومن المحسنين، وهذه المعيَّة بالرحمة والفضل والتربية.
وقوله - تعالى -: ﴿الذين اتقوا﴾ إشارة غلى التعظيم لأمر الله، وقوله - جل ذكره - ﴿والذين هُم مُّحْسِنُونَ﴾ إشارة إلى الشفقة على خلق الله، وذلك يدلُّ على أن كمال سعادة الإنسان في التعظيم لأمر الله، والشفقة على خلق الله - تعالى -.
قيل لهرم بن حيَّان عند قرب وفاته: أوص، فقال: إنما الوصيَّة في المال ولا مال لِي، ولكن أوصيك بخواتيم سورة النحل، قال بعضهم: إن قوله - جل ذكره -: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ﴾ منسوخ بآية السيف، وهذا في غاية البعد؛ لأن المقصود من هذه الآية تعليم حسن الأدب في كيفيَّة الدَّعوة إلى الله - سبحانه وتعالى -، وترك التَّعدي وطلب الزيادة، ولا تعلق بهذه الأشياء بآية السيف والله أعلم بمراده.
روى أبو أمامة، عن أبيّ بن كعب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «مَنْ قَرَأ سُورَةَ النَّحل، لم يُحاسِبْه الله - تعالى - بالنَّعِيم الذي أنْعَم عليه في دَارِ الدُّنيَا، وأعْطِيَ مِنَ الأجْرِ كالذي مات فأحْسَن الوصيَّة» .
سورة الإسراء
{"ayahs_start":124,"ayahs":["إِنَّمَا جُعِلَ ٱلسَّبۡتُ عَلَى ٱلَّذِینَ ٱخۡتَلَفُوا۟ فِیهِۚ وَإِنَّ رَبَّكَ لَیَحۡكُمُ بَیۡنَهُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ فِیمَا كَانُوا۟ فِیهِ یَخۡتَلِفُونَ","ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِیلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَـٰدِلۡهُم بِٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِیلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِینَ","وَإِنۡ عَاقَبۡتُمۡ فَعَاقِبُوا۟ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبۡتُم بِهِۦۖ وَلَىِٕن صَبَرۡتُمۡ لَهُوَ خَیۡرࣱ لِّلصَّـٰبِرِینَ","وَٱصۡبِرۡ وَمَا صَبۡرُكَ إِلَّا بِٱللَّهِۚ وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَیۡهِمۡ وَلَا تَكُ فِی ضَیۡقࣲ مِّمَّا یَمۡكُرُونَ","إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِینَ ٱتَّقَوا۟ وَّٱلَّذِینَ هُم مُّحۡسِنُونَ"],"ayah":"وَإِنۡ عَاقَبۡتُمۡ فَعَاقِبُوا۟ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبۡتُم بِهِۦۖ وَلَىِٕن صَبَرۡتُمۡ لَهُوَ خَیۡرࣱ لِّلصَّـٰبِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











