قوله تعالى: ﴿وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِم﴾ قال المفسرون [[الطبري 13/ 175، الثعلبي 7/ 144 ب، "زاد المسير" 4/ 340، القرطبي 9/ 335، "تفسير كتاب الله العزيز" 2/ 316.]]: يعني كفار الأمم الخالية مكروا بأنبيائهم؛ مثل: نمروذ مكر بإبراهيم، وغيره من الكفار قبل مشركي مكة.
وقوله تعالى: ﴿فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا﴾ يعني [[انظر: الثعلبي 7/ 144 ب، "زاد المسير" 4/ 341، القرطبي 9/ 335.]] أن مكر الماكرين له، أي هو من خلقه، وإرادته، فالمكر جميعًا مخلوق له بيده الخير والشر، وإليه النفع والضر، والمعنى أن المكر لا يضر إلا بإذنه وإرادته، وفي هذا تسلية للنبي ﷺ، وأمان له من مكرهم، كأنه قيل: قد فعل من قبلهم من الكفار مثل صنيعهم ولا ضرر عليك من مكرهم؛ لأن جميع ذلك لله مخلوق، فلا يضر إلا من أراد الله ضرّه، وذهب بعض الناس [[الثعلبي 7/ 144 ب، القرطبي 9/ 335.]] إلى أن المعنى: فلله جزاء المكر، وذلك أنه لما مكروا بالمؤمنين، بين الله تعالى وبال مكرهم عليهم، فمجازاة [[في (ب): (بمجازاة).]] الله لهم، والأوّل أظهر القولين، يؤكده قوله تعالى: ﴿يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ﴾ يريد أن جميع الاكتساب معلوم له ومخلوق، وإذا كان بخلقه يظهر وبعلمه يحصل، لم يقع ضرره إلا بإذنه، وفيه وعيد للكفار الماكرين.
وقوله تعالى: ﴿وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ﴾ [[هكذا "الكافر" في جميع النسخ، وهي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي ﴿الْكُفَّارُ﴾ على الجمع.
انظر: "السبعة" ص 359، و"الحجة" 5/ 21، و"الإتحاف" ص 270، والطبري 13/ 175، و"زاد المسير" 4/ 341، والقرطبي 9/ 335.]] قال ابن [[في (ج) إقحام (إسحاق)، فيكون (قال ابن إسحاق عباس).]] عباس [["زاد المسير" 4/ 341، والقرطبي 9/ 335، و"البحر المحيط" 5/ 401.]]: يريد أبا جهل، وقال أبو إسحاق [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 151.]]: الكافر اسم جنس، كما تقول: كثر الدرهم في أيدي الناس، فعلى قول ابن عباس التوحيد للتخصيص، وعلى قول أبي إسحاق التوحيد هاهنا كالجمع، قال أبو علي [["الحجة" 5/ 22 مختصرًا.]]: من قرأ "الكافر" جعله اسمًا شائعًا، كالإنسان في قوله: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ [العصر: 2]. وقد جاء فاعل يراد به اسم الجنس، أنشد أبو زيد [[أنشده سيبويه 2/ 82، ونسبه إلى رجل من بني أسد، وورد في "النوادر" ص 53 ضمن أبيات من مشطور السريع منسوبًا إلى منظور بن مرثد الأسدي، و"اللسان" (عهل) 5/ 3152، و"الحجة" 1/ 151.]]:
إن تَبْخَلِي يا جُمْلُ أو تَعْتَلّي ... أو تُصْبِحِي في الظَّاعِنِ المُولِّي
قال: فهذا إنما يكون على الكثرة، وليس المعنى على كافر واحد، وزعموا أنه الألف [[في "الحجة": (أنه لا ألف فيه).]] فيه، وهذا الحرف إنما يقع في فاعل؛ نحو خالد وصالح، ولا يكاد يحذف في فعَّال، وهذا حجة لمن قرأ (الكافر).
ومن [[في (أ): (وأملينها).]] قرأ "الكفار" أراد جميع الكفار ولا إشكال فيه، وحجته قراءة من قرأ [[نسب الطبري هذه القراءة إلى أبي 13/ 175، ونسبها مكي في "الكشف" 2/ 23 إلى أبي، وفي "البحر المحيط" 5/ 401 كذلك.]]: (وسيعلم الذين كفروا) وقراءة من قرأ [[نسب الطبري هذه القراءة إلى ابن مسعود 13/ 175 وكذا أبو حيان في "البحر المحيط" 5/ 401.]] (وسيعلم الكافرون) قال عطاء [["البحر المحيط" 5/ 401.]]: يريد المستهزئين وهم خمسة، والمقتسمين وهم ثمانية وعشرون.
وقوله تعالى: ﴿لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ﴾ الجار [[نقل عن "الحجة" 5/ 21، 22.]] مع المجرور في موضع نصب من حيث سد الكلام الذي هو فيه مسد مفعولي العلم، فصار كقولك: علمت لمن الغلام. والكلام [[(والكلام) ساقط من (أ)، (ج).]] في (عقبى الدار) قد مضى في موضعين من هذه السورة [[آية: 22، 24.]].
{"ayah":"وَقَدۡ مَكَرَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡ فَلِلَّهِ ٱلۡمَكۡرُ جَمِیعࣰاۖ یَعۡلَمُ مَا تَكۡسِبُ كُلُّ نَفۡسࣲۗ وَسَیَعۡلَمُ ٱلۡكُفَّـٰرُ لِمَنۡ عُقۡبَى ٱلدَّارِ"}