الباحث القرآني

﴿وقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ﴾ ولَمّا كانَ المُرادُ بِالمَكَرَةِ إنَّما هو بَعْضُ النّاسِ في بَعْضِ الزَّمانِ قالَ: ﴿مِن قَبْلِهِمْ﴾ أيْ بِالرُّسُلِ وأتْباعِهِمْ، فَكانَ مَكْرُهم وبالًا عَلَيْهِمْ، فَطَوى في هَذِهِ الجُمْلَةِ مَكْرَهُمُ الَّذِي اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ [غَيْرَ] مَرَّةٍ وأتْقَنُوهُ بِزَعْمِهِمْ، فَكانَ سَبَبُ الرِّفْعَةِ لِلْإسْلامِ وأهْلِهِ وذُلِّ الشِّرْكِ وأهْلِهِ، ودَلَّ عَلى ذَلِكَ المَطْوِيُّ بِواوِ العَطْفِ في قَوْلِهِ ﴿وقَدْ﴾ وطَوى في الكَلامِ السّابِقِ إهْلاكَ الأُمَمِ الماضِيَةِ في الِاسْتِدْلالِ عَلى قُدْرَتِهِ عَلى الجَزاءِ الَّذِي هو رُوحِ الحِسابِ ودَلَّ عَلَيْهِ بِواوِ العَطْفِ في ﴿أوَلَمْ يَرَوْا﴾ [الرعد: ٤١] فَتَأمَّلْ هَذا الإبْرازَ في قَوالِبِ الإعْجازِ. ولَمّا كانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، تَسَبَّبَ عَنْهُ أنْ يُقالَ: ﴿فَلِلَّهِ﴾ أيِ المَلِكُ الأعْظَمُ المُحِيطُ عِلْمُهُ وقُدْرَتُهُ خاصَّةً ﴿المَكْرُ جَمِيعًا﴾ والمَكْرُ: الفَتْلُ عَنِ البُغْيَةِ بِطَرِيقِ الحِيلَةِ، ويَلْزَمُهُ السَّتْرُ - كَما مَضى بَيانُهُ، ولا شَيْءَ أسْتُرُ عَنِ العِبادِ مِن أفْعالِهِ تَعالى: فَلا طَرِيقَ لَهم إلى عِلْمِها (p-٣٦٧)إلّا مِن جِهَتِهِ سُبْحانَهُ، وسُمِّي فِعْلُهُ مَكْرًا مَجازًا لِأنَّهُ ناشِئٌ عَنْ مَكْرِهِمْ جَزاءً لَهُمْ؛ ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿يَعْلَمُ﴾ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا لِما قَبْلَهُ، لِأنَّ عِلْمَ المَكْرِ مِنَ الماكِرِ مَكَّنَ حَيْثُ لا يَشْعُرُ أدَقَّ المَكْرِ ﴿ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ﴾ أيْ مِن مَكْرٍ وغَيْرِهِ، فَيُجازِيهِمْ إذا أرادَ بِأنْ يَنْتِجَ عَنْ كُلِّ سَبَبٍ أقامُوهُ مُسَبِّبًا يَكُونُ ضِدَّ ما أرادُوا، ولا تُمَكِّنُهم إرادَةَ شَيْءٍ إلّا بِإرادَتِهِ، فَسَتَنْظُرُونَ ماذا يَحِلُّ بِهِمْ مِن بَأْسِهِ بِواسِطَتِكم أوْ بِغَيْرِها حَتّى تَظْفَرُوا بِهِمْ فَتُبِيدُوهم أجْمَعِينَ ﴿وسَيَعْلَمُ الكُفّارُ﴾ أيْ كُلُّ كافِرٍ بِوَعْدٍ لا خَلَفَ فِيهِ، إنْ كانَ مِنَ الجَهْلِ بِحَيْثُ لا يَعْلَمُ الأشْياءَ إلّا بِالتَّصْرِيحِ أوِ الحِسِّ ﴿لِمَن عُقْبى الدّارِ﴾ حِينَ نَأْتِيهِمْ ضِدَّ مُرادِهِمْ؛ والكَسْبُ: الفِعْلُ لِاجْتِلابِ النَّفْعِ أوْ دَفْعِ الضُّرِّ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب