الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ﴾ يقوله الأخ المحتبس بمصر لأخوته: ﴿فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ﴾ ذكر ابن الأنباري في هذا وجهين: أحدهما: أن معناه سرق عند الملك، وفيما يقدره الملك وحاضروه، فأما في تقديرنا وما نعلمه من أمره فلا، ومثل هذا كثير كقوله: ﴿إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾ [هود: 87] أي: عند نفسك، و ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ [الدخان:49] أي: عند نفسك، فأما عندنا فلا، قال: وقد قال بعض الناس: تأويله أن ابنك فعل فعلًا يشبه السرق، فسُمي بما يشبه فعله على المجاز، قال: والأول هو الأثبت، لموافقته مذاهب العرب، ومشاكلته ألفاظًا من القرآن، وأكثر المفسرين على أنهم ما عرفوا حقيقة الحال فنسبوا إليه السرق، على ما رأوه من ظاهر الأمر، ولهذا قالوا: ﴿وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا﴾، قال ابن عباس [["زاد المسير" 4/ 267.]]: يريد بما ظهر. قال ابن إسحاق [[الطبري 13/ 36، الثعلبي 7/ 102 أ.]]: معناه: ما قلنا أنه سرق إلا بما علمنا؛ لأنه وجدت السرقة في رحله ونحن ننظر. قال أبو علي الفارسي [["الحجة" 6/ 143، 144، وانظر: 1/ 256 - 264.]]: شهد الذي يراد به علم هو ضرب من العلم مخصوص، وكل شهادة علم، وليس كل علم شهادة، ومما يدل على اختصاصه أنه لو قال عند الحاكم: أعلم أن لزيد على عمرو عشرة، لم يحكم به حتى يقول: أشهد، فالشهادة مثل التيقن في أنه ضرب من العلم مخصوص، فليس كل علم تيقنًا، وإن كان كل تيقن علمًا. وذكرنا حقيقة التيقن عند قوله: ﴿وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾ [[الأنعام: 75 وخلاصة ما ذكره هنالك ما نقله عن أبي علي الفارسي "أن التيقن: ضرب من العلم مخصوص فكل علم ليس تيقنًا، وإن كل تيقن علمًا. لأن التيقن هو العلم الذي قد كان عرضر لعالمه إشكال فيه" تفسير البسيط، تحقيق: د. الفايز، ص 292.]] فمعنى أشهد على كذا: أعلمه علمًا بحصري، وقد تذلل لي التوقف عنه ولا أثبت لوضوحه عندي، ويدل على أن الشهادة يراد بها المعنى الزائد على العلم قوله: ﴿وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا﴾ وليس يتجه حمله على هذا، فعلم أن معناه ما ذكرناه، وشهد في هذا الوجه يتعدَّى بحرف جر، فتارةً يكون بالباء كهذه الآية، وكقوله: ﴿إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ﴾ [الزخرف: 86]،، وأخرى يكون بعلى كقوله: ﴿لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا﴾ [فصلت: 21]. وقوله تعالى: ﴿شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ﴾ [فصلت: 20]. وقوله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ﴾ قال ابن عباس [[الثعلبي 7/ 102 أ، البغوي 4/ 266، القرطبي 9/ 245.]]: لم نعلم ما كان يصنع في ليله ونهاره ومجيئه وذهابه، وتلخيص هذا القول [[ذكره في "زاد المسير" 4/ 268 عن ابن الأنباري.]] أنهم قالوا: ما كنا لغيب ابنك حافظين، أي: كنا نحفظه في محضره، فإذا غاب عنا في الأحوال التي ينفرد فيها، استترت عنا أموره وخفيت علينا حالاته. وقال مجاهد [[الطبري 13/ 36، وابن أبي شيبة وابن المنذر كما في "الدر" 4/ 55.]] وقتادة [[الطبري 13/ 36، وعبد الرزاق 2/ 327، وابن أبي حاتم 7/ 2123 وابن المنذر وأبو الشيخ كما في "الدر" 4/ 55.]] والحسن [[انظر: "تفسير كتاب الله العزيز" 2/ 282.]]: ما كنا نشعر أن ابنك سيسرق ويصير أمرنا إلى هذا، ولو علمنا ذلك ما ذهبنا به، وإنما ضمنا حفظه مما لنا إلى حفظه منه سبيل. وقال ابن كيسان [["زاد المسير" 4/ 268، الثعلبي 7/ 102 ب.]]: لم نعلم أنك تُصاب به كما أصبت بيوسف، ولو علمنا ذلك لم نحرق قلبك ولم نذهب به. وقال عطاء فيما رواه عن ابن عباس: ﴿وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ﴾ أي: لعله قد غاب عنا أمر ليس هو كما ظهر، وشرح هذا ما ذكره عكرمة [[الثعلبي 7/ 102 ب.]] وابن إسحاق [[الثعلبي 7/ 102 ب، و"زاد المسير" 4/ 268، والطبري 13/ 36.]]. قال عكرمة: لعلها دُسّت بالليل في رحله. قال ابن إسحاق: معناه قد أخذت السرقة من رحله ونحن ننظر ولا علم لنا بالغيب فلعلهم سرقوه. وقال أهل المعاني: معنى الآية: أنه يقول لإخوته ﴿ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ﴾ واشرحوا له كيف كانت الحال.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب