الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ﴾ قَالَهُ الَّذِي قَالَ: "فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ". (فَقُولُوا يَا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ) وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ وَأَبُو رَزِينٍ "إِنَّ ابْنَكَ سُرِّقَ". النَّحَّاسُ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ شَاذَانَ [[هو العباس بن الفضل بن شاذان، كما في "غاية النهاية".]] قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ، الْكِسَائِيَّ يَقْرَأُ: "يَا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ" بِضَمِّ السِّينِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ مَكْسُورَةً، عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، أَيْ نُسِبَ إِلَى السرقة ورمي بها، مثل خونته وفسقته وجرته إِذَا نَسَبْتُهُ إِلَى هَذِهِ الْخِلَالِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: "سَرَقَ" يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا- عُلِمَ مِنْهُ السَّرِقُ، وَالْآخَرُ- اتُّهِمَ بِالسَّرِقِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالسَّرِقُ وَالسَّرِقَةُ بِكَسْرِ الرَّاءِ فِيهِمَا هُوَ اسْمُ الشَّيْءِ الْمَسْرُوقِ، وَالْمَصْدَرُ يَسْرِقُ سَرَقًا بِالْفَتْحِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا﴾. فِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا﴾ يُرِيدُونَ مَا شَهِدْنَا قَطُّ إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا، وَأَمَّا الْآنَ فَقَدْ شَهِدْنَا بِالظَّاهِرِ وَمَا نَعْلَمُ الْغَيْبَ، كَأَنَّهُمْ وَقَعَتْ لَهُمْ تُهْمَةٌ مِنْ قَوْلِ بِنْيَامِينَ: دَسَّ هَذَا فِي رَحْلِي مَنْ دَسَّ بِضَاعَتَكُمْ فِي رِحَالِكُمْ، قَالَ مَعْنَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ. وَقِيلَ الْمَعْنَى: مَا شَهِدْنَا عِنْدَ يُوسُفَ بِأَنَّ السَّارِقَ يُسْتَرَقُّ إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا مِنْ دِينِكَ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. (وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ) أَيْ لَمْ نَعْلَمْ وَقْتَ أَخَذْنَاهُ مِنْكَ أَنَّهُ يَسْرِقُ فَلَا نَأْخُذُهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: ما كنا نَعْلَمُ أَنَّ ابْنَكَ يُسْتَرَقُّ وَيَصِيرُ أَمْرُنَا إِلَى هَذَا، وَإِنَّمَا قُلْنَا: نَحْفَظُ أَخَانَا فِيمَا نُطِيقُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنُونَ أَنَّهُ سَرَقَ لَيْلًا وَهُمْ نِيَامٌ، وَالْغَيْبُ هُوَ اللَّيْلُ بِلُغَةِ حِمْيَرَ، وَعَنْهُ: مَا كُنَّا نَعْلَمُ مَا يَصْنَعُ فِي لَيْلِهِ وَنَهَارِهِ وَذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ. وَقِيلَ: مَا دَامَ بمرأى منا لم يجز خَلَلٌ، فَلَمَّا غَابَ عَنَّا خَفِيَتْ عَنَّا حَالَاتُهُ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ: قَدْ أُخِذَتِ السَّرِقَةُ مِنْ رَحْلِهِ، وَنَحْنُ أَخْرَجْنَاهَا وَنَنْظُرُ إِلَيْهَا، وَلَا عِلْمَ لَنَا بِالْغَيْبِ، فَلَعَلَّهُمْ سَرَّقُوهُ وَلَمْ يَسْرِقْ. الثَّانِيَةُ- تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ جَوَازَ الشَّهَادَةِ بِأَيِ وَجْهٍ حَصَلَ الْعِلْمُ بِهَا، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ مُرْتَبِطَةٌ بِالْعِلْمِ عَقْلًا وَشَرْعًا، فَلَا تُسْمَعُ إِلَّا مِمَّنْ عَلِمَ، وَلَا تُقْبَلُ إِلَّا مِنْهُمْ، وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الشَّهَادَاتِ، وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا: شَهَادَةُ الْأَعْمَى جَائِزَةٌ، وَشَهَادَةُ الْمُسْتَمِعِ جَائِزَةٌ، وَشَهَادَةُ الْأَخْرَسِ إِذَا فُهِمَتْ إِشَارَتُهُ جَائِزَةٌ، وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ عَلَى الْخَطِّ- إِذَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ خَطُّهُ أَوْ خَطُّ فُلَانٍ- صَحِيحَةٌ فَكُلُّ مَنْ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِشَيْءٍ جَازَ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْهُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾[[راجع ج ١٦ ص ١٢٢.]] [الزخرف: ٨٦] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ خَيْرُ الشُّهَدَاءِ الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا" وَقَدْ مَضَى فِي "الْبَقَرَةِ" [[راجع ج ٣ ص ٣٩٩.]]. الثَّالِثَةُ- اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي شَهَادَةِ الْمُرُورِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: مَرَرْتُ بِفُلَانٍ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ كَذَا فَإِنِ اسْتَوْعَبَ الْقَوْلَ شَهِدَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَفِي الْقَوْلِ الْآخَرِ لَا يَشْهَدُ حَتَّى يُشْهِدَاهُ. وَالصَّحِيحُ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الِاسْتِيعَابِ، وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ الْحَقُّ، لِأَنَّهُ [قَدْ] [[من ع.]] حَصَلَ الْمَطْلُوبُ وَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ أَدَاءُ الْعِلْمِ، فَكَانَ خَيْرَ الشُّهَدَاءِ إِذَا أَعْلَمَ الْمَشْهُودَ لَهُ، وَشَرَّ الشُّهَدَاءِ إِذَا كَتَمَهَا [وَاللَّهُ أَعْلَمُ] [[من ك وى.]]. الرَّابِعَةُ- إِذَا ادَّعَى رَجُلٌ شَهَادَةً لَا يَحْتَمِلُهَا عُمْرَهُ رُدَّتْ، لِأَنَّهُ ادَّعَى بَاطِلًا فَأَكْذَبَهُ الْعِيَانُ ظاهر.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب