الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ﴾ قال المفسرون: لما قال إخوة يوسف: ﴿مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ﴾ الآية. وأقروا بأن من وجد المسروق في رحله فجزاؤه أن يسترق، قال لهم المؤذن: إنه لابد من (تفتيش أمتعتكم [[في (ج): (أوعيتكم).]] وانصرف بهم إلى) [[ما بين القوسين بياض في (ب).]] يوسف فبدأ يوسف بأوعيتهم قبل وعاء أخيه؛ لإزالة التهمة، والأوعية [["اللسان" (وعى) 8/ 4876.]] جمع الوعاء وهو كل (ما استودع شيئًا) فأحاط به، يقال: أوعيت الشيء في الوعاء أوعيه إيعاء.
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ﴾ إن شئت رددت الكناية إلى السقاية، وإن شئت إلى الصواع، على لغة من يؤنث. وإن شئت على السرقة؛ لأن فيما تقدم دليلاً عليها، قاله الفراء [["معاني القرآن" 2/ 52.]] والزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 122.]] وابن الأنباري [["زاد المسير" 4/ 261.]].
وقوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ﴾ قال الزجاج [["إعراب القرآن" للنحاس 2/ 151، ولم أجده في "معاني الزجاج" 3/ 122.]]: موضع الكاف نصب، المعنى: مثل ذلك الكيد كدنا ليوسف.
قال عطاء عن ابن عباس [[الثعلبي 7/ 98 ب، و"زاد المسير" 4/ 261، القرطبي 9/ 236.]]: يريد ألهمنا يوسف هذا الكيد، ونحوه قال الربيع [[الثعلبي 7/ 98 ب.]].
وقال قتادة [[هذا القول أخرجه الطبري 13/ 25، عن ابن جريح والسدي والضحاك، وابن أبي حاتم 4/ 230 ب عن الضحاك.]]: صنعنا ليوسف.
وقال ابن إسحاق [[الطبري 13/ 25.]]: كذلك كدنا له إخوته حتى ضممنا أخاه إليه.
وقال مجاهد [[الطبري 13/ 24.]]: كاد [[(كاد) ساقط من (ج).]] الله له حتى فعل بأخيه ما فعل.
هذا قول المفسرين في معنى قوله ﴿كِدْنَا﴾، وروى ثعلب عن ابن الأعرابي [["تهذيب اللغة" (كاد) 4/ 3076.]]: الكيد التدبير بباطل أو حق، وعلى هذا معنى قوله {كِدْنَا لِيُوسُفَ} أي دبرنا له بأن ألهمناه أن يجعل السقاية في رحل أخيه ليتوصل به إلى حبسه، وهذا معنى ما حكينا عن المفسرين.
وقال أبو بكر [["زاد المسير" 4/ 261 مختصرًا.]]: ﴿كِدْنَا﴾ وقع خبرًا عن الله تعالى، على خلاف معناه في أوصاف المخلوقين، فإنه إذا أخبر به عن مخلوق كان تحته احتيال. وهو في وصف فعل الله يُعرّى من المعاني المذمومة، ويخلص أنه وقع بمن يكيده ما يريد من حيث لا يشعر به، ولا يقدر على دفعه، فهو من الله مشبه بالذي يكون من المخلوقين، من أجل أن المخلوق إذا كاد المخلوق ستر عنه ما ينويه ويضمر له، والذي يقع به الكيد من الله تعالى يتستر عنه ما كتم الله عاقبته، والذي وقع بإخوة يوسف من كيد الله تعالى ما انتهى إليه شأن يوسف من ارتفاع المنزلة، وتمام النعمة، فحيث جرى الأمر على غير ما قدروا من إهلاكه، وخلوص أبيهم لهم بعده، بتدبير الله وخفي لطفه، جعل ذلك كيدًا لمَّا أشبه كيد المخلوقين [[يراجع مبحث منهجه في تفسير آيات العقيدة، في المقدمة.]] وعلى ما ذكر أبو بكر: كيد الله ليوسف عائد إلى جميع ما أعطاه على خلاف تقدير إخوته من غير أن علموا بذلك. وعلى ما ذكره المفسرون: كيد الله له في هذه الآية خاص بإلهامه الحيلة في حبس أخيه.
وقولى تعالى: ﴿مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ﴾ قال ابن عباس [["تنوير المقباس" ص 152، و"زاد المسير" 4/ 261.]] في رواية عطاء: في حكم الملك وقضائه. وهو قول قتادة [[الطبري 13/ 25، وعبد الرزاق 2/ 326، وابن المنذر وابن أبي حاتم 7/ 2176، وأبو الشيخ كما في "الدر" 4/ 52، والثعلبي 7/ 98 ب، وابن عطية 8/ 32، والبغوي 4/ 262.]]، وروى عنه [[الطبري 13/ 25، وابن أبي حاتم 7/ 2176، وأبو الشيخ كما في "الدر" 4/ 51، والثعلبي 7/ 98 ب، والبغوي 4/ 262، وابن عطية 8/ 32، والقرطبي 9/ 238.]] أيضًا: في سلطان الملك، وهو اختيار ابن قتيبة [["مشكل القرآن وغريبه" ص 227.]].
قال أبو بكر: والدين معناه في اللغة: السلطان.
وأنشد قول زهير [[عجز بيت لزهير، وصدره:
لئن حللت بجوفي بني أسد
من قصيدة له يخاطب بها الحارث بن ورقاء الصيداوي من بني أسد، وكان قد أغار على بني عبد الله بن غطفان فغنم واستاق إبل زهير وراعيه يسارًا، وجو: موضع في ديار بني أسد، وعمرو: هو عمرو بن هند بن المنذر بن ماء السماء، وفدك: قرية بالحجاز وقد روي: (وحالت دوننا). انظر: "ديوانه" ص 83، الكامل 3/ 328، الأمالي 2/ 295، "تأويل مشكل القرآن" ص 453، اللسان (فدك) 6/ 3364، و"جمهرة الأمثال" 1/ 116، و"تاج العروس" (فدك)، وبلا نسبة في "جمهرة اللغة" ص 688.]]:
في دِينِ عَمْرو وحَالَتْ بَيْنَنَا فَدَكُ
وقال الزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 122.]]: في سيرة الملك، وقال غيره [[ذكره القرطبي 9/ 238 ونسبه إلى ابن عيسى، وانظر "تهذيب اللغة" (دين) 2/ 1136، اللسان (دين).]]: في عادة الملك.
وأنشد [[عجز بيت للمُثَقِّب العبدي، وصدره:
تقول إذ درأت لها وضيني
من قصيدة له في "المفضليات" ص 292، "ديوانه" ص 195، والبيت كما يلي:
تقول إذا درأت لها وضيني ... أهذا دأبه أبدًا وديني
الكامل 1/ 329، الصناعتين ص 86 "اللسان" (درأ) 1349، الطبري 1/ 511، "تأويل مختلف الحديث" 82، "تهذيب اللغة" 2/ 1166، "تاج العروس" (درأ) 1/ 150.]]: أهَذَا دِينُه أَبَدًا ودَينِي
قال أهل التفسير [[انظر: الطبري 13/ 22، ابن أبي حاتم 7/ 2174، الثعلبي 7/ 98 ب، القرطبي 9/ 238، "زاد المسير" 4/ 261.]]: كان حكم الملك في السارق أن يضرب ويغرم ضعفي ما سرق، فلم يكن يتمكن يوسف من حبس أخيه عنده في حكم الملك لولا ما كاد الله له تلطفًا حتى وجد السبيل إلى ذلك، وهو ما أجرى على ألسنة إخوته أن جزاء السارق الاسترقاق، فأقروا به وكان ذلك مراده، وهو معنى قوله: ﴿إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ فكان ذلك بمشيئة الله.
قال أبو إسحاق [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 122، وفيه: (لما سقطت) بدل: (سقط).]]: موضع "أن" نصب، لما سقط الباء أفضى الفعل فنصب، المعنى: ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا بمشيئة الله.
وقال أبو بكر: تأويله: ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك ويستوجب ضمّه إلا بمشيئة الله ذلك، وتقريبه منه ما لا يوصل إليه إلا بتسهيله وتيسيره. وروي عن الحسن [["تفسير كتاب الله العزيز" 2/ 280.]] في قوله: ﴿إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ أي أنه الآمر له بذلك، والمفسرون على أن ذلك كان إلهامًا.
وقوله تعالى: ﴿نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ﴾ قال أهل المعاني أي [[(أي) ساقط من (ج).]] بما نريه من وجوه الصواب في بلوغ المراد، وفي هذا إشارة إلى رفع درجة يوسف.
وقال أبو بكر [["زاد المسير" 4/ 262.]]: نرفع درجات من نشاء، بضروب عطايانا وكراماتنا وأبواب علومنا، كما رفعنا درجة يوسف على إخوته في كل شيء.
وقوله تعالى: ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ ذكر المفسرون في هذا قولين أحدهما: أن المراد بقوله (عليم) الله تعالى، والمعنى: وفوق كل ذي علم معلّم عليم، وهو الله تعالى الغني بعلمه عن التعليم، وهذا قول ابن عباس [[الطبري 13/ 27.]] والحسن [[الطبري 13/ 27، العلبي 7/ 99 أ، ابن عطية 8/ 35.]] وسعيد بن جبير [[الطبري 13/ 27.]].
وروي عن سعيد أنه قال: "ذكر ابن عباس آية فقال رجل من القوم: الحمد لله وفوق كل ذي علم عليم، قال ابن عباس: بئسما قلت: الله هو العلم وهو فوق كل شيء [[الطبري 13/ 26، وعبد الرزاق 2/ 326 وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي هاشم 7/ 2177، وأبو الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات كما في "الدر" 4/ 52، وابن عطية 8/ 35، والقرطبي 9/ 238.]].
قال أبو بكر: وتأويل الآية على هذا: وفوق كل ذي علم اختص به وانكشف له رب العالمين الذي المِنّة له وكل العلوم منه بدأت وإليه تعود.
والقول الثاني: والذي عليه أكثر المفسرين: وفوق كل ذي علم ممن رفعه الله عليم قد رفعه الله بالعلم فهو أعلم منه، وهذا قول ابن عباس [[الطبري 13/ 27، والفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم 7/ 2177، وأبو الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات كما في "الدر" 4/ 52، الثعلبي 7/ 99 أ، البغوي 4/ 263، القرطبي 9/ 238.]] في رواية عكرمة. قال: يكون هذا أعلم من هذا حتى ينتهي العلم إلى الله تعالى، وفي هذا إشارة إلى أن علم يوسف في ذلك الأمر كان ألطف من علم إخوته.
قال أبو بكر: قال جماعة من أهل التفسير: إن العالم واجب عليه أن يتهم نفسه ويستشعر التواضع لربه، ولا يطمع نفسه بالغلبة على العلوم؛ لأنه لا يخلو عالم من عالم يفوقه.
{"ayah":"فَبَدَأَ بِأَوۡعِیَتِهِمۡ قَبۡلَ وِعَاۤءِ أَخِیهِ ثُمَّ ٱسۡتَخۡرَجَهَا مِن وِعَاۤءِ أَخِیهِۚ كَذَ ٰلِكَ كِدۡنَا لِیُوسُفَۖ مَا كَانَ لِیَأۡخُذَ أَخَاهُ فِی دِینِ ٱلۡمَلِكِ إِلَّاۤ أَن یَشَاۤءَ ٱللَّهُۚ نَرۡفَعُ دَرَجَـٰتࣲ مَّن نَّشَاۤءُۗ وَفَوۡقَ كُلِّ ذِی عِلۡمٍ عَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق