الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿فَبَدَأ بِأوعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِن وِعاءِ أخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أخاهُ في دِينِ المَلِكِ إلا أنْ يَشاءَ اللهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مِن نَشاءُ وفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾
بَدْؤُهُ أيْضًا بِأوعِيَتِهِمْ تَمْكِينٌ لِلْحِيلَةِ، وإبْعادٌ لِظُهُورِ أنَّها حِيلَةٌ. وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "وِعاءِ" بِكَسْرِ الواوِ، وقَرَأ الحَسَنُ: "وُعاءِ" بِضَمِّها، وقَرَأ ابْنُ جُبَيْرٍ: "إعاءِ" بِهَمْزَةٍ بَدَلَ الواوِ، وهَذا شائِعٌ في الواوِ المَكْسُورَةِ، وهو أكْثَرُ في المَضْمُومَةِ، وقَدْ جاءَ مِنَ المَفْتُوحَةِ أحَدٌ في وحَدٍ.
وأضافَ اللهُ تَعالى الكَيْدِ إلى ضَمِيرِهِ لَمّا أخْرَجَ القَدَرَ الَّذِي أباحَ بِهِ لِيُوسُفَ أخْذَ أخِيهِ مَخْرَجَ ما هو في اعْتِيادِ الناسِ كَيْدٌ. وقالَ السُدِّيُّ، والضَحّاكُ: "كِدْنا" مَعْناهُ: صَنَعْنا. و﴿دِينِ المَلِكِ﴾ فَسَّرَهُ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما بِسُلْطانِهِ، وفَسَّرَهُ قَتادَةُ بِالقَضاءِ والحُكْمِ. وهَذا مُتَقارِبٌ، والِاسْتِثْناءُ في هَذِهِ الآيَةِ حِكايَةُ حالٍ، التَقْدِيرُ: "إلّا أنْ شاءَ اللهُ ما وقَعَ مِن هَذِهِ الحِيلَةِ"، ويُحْتَمَلُ أنْ يُقَدَّرَ أنَّهُ تَسَنُّنٌ لَمّا قَرَّرَ النَفْيَ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ: "نَرْفَعُ" عَلى ضَمِيرِ المُعَظَّمِ، و"نَشاءُ" كَذَلِكَ، وقَرَأ الحَسَنُ، وعِيسى، ويَعْقُوبُ بِالياءِ، أيِ: اللهُ تَعالى، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو، ونافِعٌ، وأهْلُ المَدِينَةِ: "دَرَجاتِ مَن" بِإضافَةِ "الدَرَجاتِ" إلى "مَن"، وقَرَأ عاصِمٌ، وابْنُ مُحَيْصِنٍ: "دَرَجاتٍ (p-١٢٤)مَّنْ" بِتَنْوِينِ الدَرَجاتِ، وقَرَأ الجُمْهُورُ: "وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ". وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ: "وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عالِمٍ"، والمَعْنى أنَّ البَشَرَ في العِلْمِ دَرَجاتٌ، فَكُلُّ عالَمٍ فَلا بُدَّ مِن أعْلَمَ مِنهُ، فَإمّا مِنَ البَشَرِ، وإمّا اللهُ عَزَّ وجَلَّ، وأمّا عَلى قِراءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَقِيلَ: "ذِي" زائِدَةٌ، وقِيلَ: "عالِمٍ" مَصْدَرٌ كالباطِلِ.
ورُوِيَ أنَّ المُفَتِّشَ كانَ إذا فَرَغَ مَن رَحْلِ رَجُلٍ فَلَمْ يَجِدْ فِيهِ شَيْئًا اسْتَغْفَرَ اللهَ عَزَّ وجَلَّ تائِبًا مِن فِعْلِهِ ذَلِكَ. وظاهِرُ كَلامِ قَتادَةَ وغَيْرِهِ أنَّ المُسْتَغْفِرَ كانَ يُوسُفُ ؛ لِأنَّهُ كانَ يُفَتِّشُهم ويَعْلَمُ أيْنَ الصُواعُ، حَتّى فَرَغَ مِنهم وانْتَهى إلى رَحْلِ بِنْيامِينَ فَقالَ: ما أظُنُّ هَذا الفَتى رَضِيَ بِهَذا، ولا أخَذَ شَيْئًا، فَقالَ لَهُ إخْوَتُهُ: واللهِ لا نَبْرَحُ حَتّى تُفَتِّشَهُ فَهو أطْيَبُ لِنَفْسِكَ ونُفُوسِنا، فَفَتَّشَ حِينَئِذٍ فَأخْرَجَ السِقايَةَ، وهَذا التَفْتِيشُ مِن يُوسُفَ يَقْتَضِي أنَّ المُؤَذِّنَ إنَّما سَرَّقَهم بِرَأْيِهِ، وإمّا أنْ يُقالَ: جَمِيعُ ذَلِكَ كانَ بِأمْرِ اللهِ تَعالى، ويُقَوِّي ذَلِكَ قَوْلُهُ: (p-١٢٥)"كِدْنا"، وكَيْفَ لا يَكُونُ بِرَأْيِ يُوسُفَ وهو مُضْطَرٌّ في مُحاوَلَتِهِ إلى أنْ يُلْزِمَهم حُكْمَ السَرِقَةِ لِيَتِمَّ لَهُ أخْذُ أخِيهِ.
والضَمِيرُ في قَوْلِهِ: "اسْتَخْرَجَها" عائِدٌ عَلى السِقايَةِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُعَوَّدَ عَلى السَرِقَةِ.
ورُوِيَ أنَّ إخْوَةَ يُوسُفَ لَمّا رَأوا ذَلِكَ قالُوا: يا بِنْيامِينُ بْنَ راحِيلَ، قَبَّحَكَ اللهُ، ولَدَتْ أُمُّكَ أخَوَيْنِ لِصَّيْنِ، كَيْفَ سَرَقْتَ هَذِهِ السِقايَةَ؟ فَرَفَعَ يَدَيْهِ إلى السَماءِ وقالَ: واللهِ ما فَعَلْتُ، فَقالُوا لَهُ: فَمَن وضَعَها في رَحْلِكَ؟ قالَ: الَّذِي وضَعَ البِضاعَةَ في رِحالِكم.
وما ذَكَرْناهُ مِنَ المَعْنى في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ هو قَوْلُ الحَسَنِ وقَتادَةَ، وقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، ورُوِيَ أيْضًا عنهُ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّهُ حَدَّثَ يَوْمًا بِحَدِيثٍ عَجِيبٍ، فَتَعَجَّبَ مِنهُ رَجُلٌ مِمَّنْ حَضَرَ وقالَ: "الحَمْدُ لِلَّهِ وفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ"، فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: "بِئْسَ ما قُلْتَ، إنَّما العَلِيمُ لِلَّهِ، وهو فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ".
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وبَيْنَ هَذا وبَيْنَ قَوْلِ الحَسَنِ فَرْقٌ.
{"ayah":"فَبَدَأَ بِأَوۡعِیَتِهِمۡ قَبۡلَ وِعَاۤءِ أَخِیهِ ثُمَّ ٱسۡتَخۡرَجَهَا مِن وِعَاۤءِ أَخِیهِۚ كَذَ ٰلِكَ كِدۡنَا لِیُوسُفَۖ مَا كَانَ لِیَأۡخُذَ أَخَاهُ فِی دِینِ ٱلۡمَلِكِ إِلَّاۤ أَن یَشَاۤءَ ٱللَّهُۚ نَرۡفَعُ دَرَجَـٰتࣲ مَّن نَّشَاۤءُۗ وَفَوۡقَ كُلِّ ذِی عِلۡمٍ عَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق