الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَبَدَأ بِأوْعِيَتِهِمْ﴾ قالَ المُفَسِّرُونَ: انْصَرَفَ بِهِمُ المُؤَذِّنُ إلى يُوسُفَ، وقالَ: لا بُدَّ مِن تَفْتِيشِ أمْتِعَتِكم، ﴿فَبَدَأ﴾ يُوسُفُ ﴿بِأوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أخِيهِ﴾ لِإزالَةِ التُّهْمَةِ، فَلَمّا وصَلَ إلى وِعاءِ أخِيهِ، قالَ: ما أظُنُّ هَذا أخَذَ شَيْئًا، فَقالُوا: واللَّهِ لا نَبْرَحُ حَتّى تَنْظُرَ في رَحْلِهِ، فَهو أطْيَبُ لِنَفْسِكَ. فَلَمّا فَتَحُوا مَتاعَهُ وجَدُوا الصُّواعَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ ﴿ثُمَّ اسْتَخْرَجَها﴾ . (p-٢٦١)وَفِي هاءِ الكِنايَةِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: أنَّها تَرْجِعُ إلى السَّرِقَةِ، قالَهُ الفَرّاءُ. والثّانِي: إلى السِّقايَةِ، قالَهُ الزَّجّاجُ. والثّالِثُ: إلى الصُّواعِ عَلى لُغَةِ مَن أنَّثَهُ، ذَكَرَهُ ابْنُ الأنْبارِيِّ. قالَ المُفَسِّرُونَ: فَأقْبَلُوا عَلى بِنْيامِينَ، وقالُوا: أيَّ شَيْءٍ صَنَعْتَ ؟! فَضَحْتَنا وأزْرَيْتَ بِأبِيكَ الصِّدِّيقِ، فَقالَ: وضَعَ هَذا في رَحْلِي الَّذِي وضَعَ الدَّراهِمَ في رِحالِكم، وقَدْ كانَ يُوسُفُ أخْبَرَ أخاهُ بِما يُرِيدُ أنْ يَصْنَعَ بِهِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَذَلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: كَذَلِكَ صَنَعْنا لَهُ، قالَهُ الضَّحّاكُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي: احْتَلْنا لَهُ، والكَيْدُ: الحِيلَةُ، قالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ. والثّالِثُ: أرَدْنا لِيُوسُفَ، ذَكَرَهُ ابْنُ القاسِمِ. والرّابِعُ: دَبَّرْنا لَهُ بِأنْ ألْهَمْناهُ ما فَعَلَ بِأخِيهِ لِيَتَوَصَّلَ إلى حَبْسِهِ. قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: لَمّا دَبَّرَ اللَّهُ لِيُوسُفَ ما دَبَّرَ مِنِ ارْتِفاعِ المَنزِلَةِ وكَمالِ النِّعْمَةِ عَلى غَيْرِ ما ظَنَّ إخْوَتُهُ، شُبِّهَ بِالكَيْدِ مِنَ المَخْلُوقِينَ، لِأنَّهم يَسْتُرُونَ ما يَكِيدُونَ بِهِ عَمَّنْ يَكِيدُونَهُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما كانَ لِيَأْخُذَ أخاهُ في دِينِ المَلِكِ﴾ في المُرادِ بِالدِّينِ هاهُنا قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ السُّلْطانُ، فالمَعْنى: في سُلْطانِ المَلِكِ، رَواهُ العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي: أنَّهُ القَضاءُ، فالمَعْنى: في قَضاءِ المَلِكِ، لِأنَّ قَضاءَ المَلِكِ أنَّ مَن سَرَقَ إنَّما يُضْرَبُ ويُغَرَّمُ، قالَهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وبَيانُهُ أنَّهُ لَوْ أجْرى أخاهُ عَلى حُكْمِ المَلِكِ ما أمْكَنَهُ حَبْسُهُ، لَأنَّ حُكْمَ المَلِكِ الغُرْمُ والضَّرْبُ فَحَسْبُ، فَأجْرى اللَّهُ عَلى ألْسِنَةِ إخْوَتِهِ أنَّ جَزاءَ السّارِقِ الِاسْتِرْقاقُ، فَكانَ ذَلِكَ مِمّا كادَ اللَّهُ لِيُوسُفَ لُطْفًا حَتّى أظْفَرَهُ بِمُرادِهِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ، فَذَلِكَ مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿إلا أنْ يَشاءَ اللَّهُ﴾ وقِيلَ: إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ إظْهارَ عِلَّةٍ يَسْتَحِقُّ بِها أخاهُ. (p-٢٦٢)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَن نَشاءُ﴾ وقَرَأ يَعْقُوبُ " يَرْفَعُ دَرَجاتِ مَن يَشاءُ " بِالياءِ فِيهِما. وقَرَأ أهْلُ الكُوفَةِ " دَرَجاتٍ " بِالتَّنْوِينِ، والمَعْنى: نَرْفَعُ الدَّرَجاتِ بِصُنُوفِ العَطاءِ، وأنْواعِ الكَراماتِ، وأبْوابِ العُلُومِ، وقَهْرِ الهَوى، والتَّوْفِيقِ لِلْهُدى، كَما رَفَعْنا يُوسُفَ. ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ أيْ: فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ رَفَعَهُ اللَّهُ بِالعِلْمِ مَن هو أعْلَمُ مِنهُ حَتّى يَنْتَهِيَ العِلْمُ إلى اللَّهِ تَعالى، والكَمالُ في العِلْمِ مَعْدُومٌ مِن غَيْرِهِ. وَفِي مَقْصُودِ هَذا الكَلامِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: أنَّ المَعْنى: يُوسُفُ أعْلَمُ مِن إخْوَتِهِ، وفَوْقَهُ مَن هو أعْلَمُ مِنهُ. والثّانِي: أنَّهُ نَبَّهَ عَلى تَعْظِيمِ العِلْمِ، وبَيَّنَ أنَّهُ أكْثَرُ مِن أنْ يُحاطَ بِهِ. والثّالِثُ: أنَّهُ تَعْلِيمٌ لِلْعالِمِ التَّواضُعَ لِئَلّا يُعْجَبَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب