الباحث القرآني
﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكم ويَهْدِيَكم سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكم ويَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾ مَفْعُولُ (يَتُوبَ) مَحْذُوفٌ وتَقْدِيرُهُ: يُرِيدُ اللَّهُ، (p-٢٢٥)هَذا هو مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ فِيما نَقَلَ ابْنُ عَطِيَّةَ، أيْ: تَحْلِيلُ ما حَلَّلَ، وتَحْرِيمُ ما حَرَّمَ، وتَشْرِيعُ ما تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. والمَعْنى: يُرِيدُ اللَّهُ تَكْلِيفَ ما كَلَّفَ بِهِ عِبادَهُ مِمّا ذَكَرَ لِأجْلِ التَّبْيِينِ لَهم بِهِدايَتِهِمْ، فَمُتَعَلِّقُ الإرادَةِ غَيْرُ التَّبْيِينِ وما عُطِفَ عَلَيْهِ، هَذا مَذْهَبُ البَصْرِيِّينَ. ولا يَجُوزُ عِنْدَهم أنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقُ الإرادَةِ التَّبْيِينَ، لِأنَّهُ يُؤَدِّي إلى تَعَدِّي الفِعْلِ إلى مَفْعُولِهِ المُتَأخِّرِ بِوَساطَةِ اللّامِ، وإلى إضْمارِ (أنْ) بَعْدَ لامٍ لَيْسَتْ لامَ الجُحُودِ، ولا لامَ كَيْ، وكِلاهُما لا يَجُوزُ عِنْدَهم. ومَذْهَبُ الكُوفِيِّينَ: أنَّ مُتَعَلِّقَ الإرادَةِ هو التَّبْيِينُ، واللّامُ هي النّاصِبَةُ بِنَفْسِها لا (أنْ) مُضْمَرَةٌ بَعْدَها. وقالَ بَعْضُ البَصْرِيِّينَ: إذا جاءَ مِثْلُ هَذا قُدِّرَ الفِعْلُ الَّذِي قَبْلَ اللّامِ بِالمَصْدَرِ، فالتَّقْدِيرُ: إرادَةُ اللَّهِ لِما يُرِيدُ لِيُبَيِّنَ، وكَذَلِكَ أُرِيدُ لا يَنْسى ذِكْرَها، أيْ: إرادَتِي لا يَنْسى ذِكْرَها. وكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ العالَمِينَ﴾ [الأنعام: ٧١] أيْ: أُمِرْنا بِما أُمِرْنا لِنُسْلِمَ انْتَهى. وهَذا القَوْلُ نَسَبَهُ ابْنُ عِيسى لِسِيبَوَيْهِ والبَصْرِيِّينَ، وهَذا يُبْحَثُ في عِلْمِ النَّحْوِ.
وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أصْلُهُ: يُرِيدُ اللَّهُ أنْ يُبَيِّنَ لَكم، فَزِيدَتِ اللّامُ مُؤَكِّدَةً لِإرادَةِ التَّبْيِينِ، كَما زِيدَتْ في لا أبا لَكَ لِتَأْكِيدِ إضافَةِ الأبِ، والمَعْنى: يُرِيدُ اللَّهُ أنْ يُبَيِّنَ لَكم ما خَفِيَ عَنْكم مِن مَصالِحِكم وأفاضِلِ أعْمالِكُمُ. انْتَهى كَلامُهُ وهو خارِجٌ عَنْ أقْوالِ البَصْرِيِّينَ والكُوفِيِّينَ. وأمّا كَوْنُهُ خارِجًا عَنْ أقْوالِ البَصْرِيِّينَ فَلِأنَّهُ جَعَلَ اللّامَ مُؤَكِّدَةً مُقَوِّيَةً لِتَعَدِّي (يُرِيدُ)، والمَفْعُولُ مُتَأخِّرٌ، وأضْمَرَ (أنْ) بَعْدَ هَذِهِ اللّامِ. وأمّا كَوْنُهُ خارِجًا عَنْ قَوْلِ الكُوفِيِّينَ فَإنَّهم يَجْعَلُونَ النَّصْبَ بِاللّامِ، لا بِـ (أنْ)، وهو جَعْلُ النَّصْبِ بِـ (أنْ) مُضْمَرَةً بَعْدَ اللّامِ. وذَهَبَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ إلى أنَّ اللّامَ في قَوْلِهِ: لِيُبَيِّنَ لَكم لامُ العاقِبَةِ، قالَ: كَما في قَوْلِهِ: ﴿لِيَكُونَ لَهم عَدُوًّا وحَزَنًا﴾ [القصص: ٨] ولَمْ يُذْكَرْ مَفْعُولُ (يُبَيِّنَ) .
قالَ عَطاءٌ: يُبَيِّنُ لَكم ما يُقَرِّبُكم. وقالَ أبُو الكَلْبِيُّ: يُبَيِّنُ لَكم أنَّ الصَّبْرَ عَنْ نِكاحِ الإماءِ خَيْرٌ. وقِيلَ: ما فَصَّلَ مِنَ المُحَرَّماتِ والمُحَلَّلاتِ. وقِيلَ: شَرائِعَ دِينِكم، ومَصالِحَ أُمُورِكم. وقِيلَ: طَرِيقَ مَن قَبْلَكم إلى الجَنَّةِ. ويَجُوزُ عِنْدِي أنْ يَكُونَ مِن بابِ الإعْمالِ، فَيَكُونُ مَفْعُولُ (لِيُبَيِّنَ) ضَمِيرًا مَحْذُوفًا يُفَسِّرُهُ مَفْعُولُ (ويَهْدِيَكم)، نَحْوَ: ضَرَبْتُ وأهَنْتُ زَيْدًا، التَّقْدِيرُ: لِيُبَيِّنَها لَكم ويَهْدِيَكم سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكم، أيْ لِيُبَيِّنَ لَكم سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكم.
والسُّنَنُ: جُمَعُ سُنَّةٍ، وهي الطَّرِيقَةُ. واخْتَلَفُوا في قَوْلِهِ: ﴿سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾، هَلْ ذَلِكَ عَلى ظاهِرِهِ مِنَ الهِدايَةِ (p-٢٢٦)لِسُنَنِهِمْ ؟ أوْ عَلى التَّشْبِيهِ ؟ أيْ: سُنَنًا مِثْلَ سُنَنِ الَّذِينَ مِن قَبْلِكم. فَمَن قالَ بِالأوَّلِ أرادَ أنَّ السُّنَنَ هي ما حَرُمَ عَلَيْنا وعَلَيْهِمْ بِالنَّسَبِ والرَّضاعِ والمُصاهَرَةِ. وقِيلَ: المُرادُ بِالسُّنَنِ ما عَنى في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ثُمَّ أوْحَيْنا إلَيْكَ أنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إبْراهِيمَ حَنِيفًا﴾ [النحل: ١٢٣] وقِيلَ: المُرادُ بِها ما ذَكَرَهُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿شَرَعَ لَكم مِنَ الدِّينِ ما وصّى بِهِ نُوحًا﴾ [الشورى: ١٣] وقِيلَ: طُرُقُ مَن قَبْلَكم إلى الجَنَّةِ. وقِيلَ: مَناهِجُ مَن كانَ قَبْلَكم مِنَ الأنْبِياءِ والصّالِحِينَ، والطُّرُقُ الَّتِي سَلَكُوها في دِينِهِمْ لِتَقْتَدُوا بِهِمْ، وهَذا قَرِيبٌ مِمّا قَبْلَهُ. وعَلى هَذِهِ الأقْوالِ فَيَكُونُ ﴿الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ المُرادُ بِهِ الأنْبِياءُ وأهْلُ الخَيْرِ. وقِيلَ: المُرادُ بِقَوْلِهِ سُنَنَ طُرُقُ أهْلِ الخَيْرِ والرُّشْدِ والغَيِّ، ومَن كانَ قَبْلَكم مِن أهْلِ الحَقِّ والباطِلِ، لِتَجْتَنِبُوا الباطِلَ، وتَتَّبِعُوا الحَقَّ.
والَّذِينَ قالُوا: إنَّ ذَلِكَ عَلى التَّشْبِيهِ - قالُوا: إنَّ المَعْنى أنَّ طُرُقَ الأُمَمِ السّابِقَةِ في هِدايَتِها كانَ بِإرْسالِ الرُّسُلِ، وإنْزالِ الكُتُبِ، وبَيانِ الأحْكامِ، وكَذَلِكَ جُعِلَ طَرِيقُكم أنْتُمْ. فَأرادَ أنْ يُرْشِدَكم إلى شَرائِعِ دِينِكم وأحْكامِ مِلَّتِكم بِالبَيانِ والتَّفْصِيلِ، كَما أرْشَدَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكم مِنَ المُؤْمِنِينَ. وقِيلَ: الهِدايَةُ في أحَدِ أمْرَيْنِ: أمّا أنّا خُوطِبْنا في كُلِّ قِصَّةٍ نَهْيًا أوْ أمْرًا كَما خُوطِبُوا هم أيْضًا في قِصَصِهِمْ، وشُرِعَ لَنا كَما شُرِعَ لَهم، فَهِدايَتُنا سُنَنُهم في الإرْشادِ، وإنِ اخْتَلَفَتْ أحْكامُنا وأحْكامُهم. والأمْرُ الثّانِي: أنَّ هِدايَتَنا سُنَنَهم في أنْ سَمِعْنا وأطَعْنا كَما سَمِعُوا وأطاعُوا، فَوَقَعَ التَّماثُلُ مِن هَذِهِ الجِهَةِ.
والمُرادُ بِالهِدايَةِ هُنا الإرْشادُ والتَّوْضِيحُ، ولا يَتَوَجَّهُ غَيْرُ ذَلِكَ بِقَرِينَةِ السُّنَنِ، والَّذِينَ مِن قَبْلِنا هُمُ المُؤْمِنُونَ مِن كُلِّ شَرِيعَةٍ. وقالَ صاحِبُ رَيِّ الظَّمْآنِ وهو أبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أبِي الفَضْلِ المُرْسِيُّ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾، أيْ: يُرِيدُ أنْ يُبَيِّنَ، أوْ يُرِيدُ إنْزالَ الآياتِ لِيُبَيِّنَ لَكم. وقَوْلُهُ تَعالى: ويَهْدِيكم، قالَ المُفَسِّرُونَ: مَعْناهُما واحِدٌ، والتَّكْرارُ لِأجْلِ التَّأْكِيدِ، وهَذا ضَعِيفٌ. والحَقُّ أنَّ المُرادَ مِنَ الأوَّلِ تَبْيِينُ التَّكالِيفِ، ثُمَّ قالَ: ويَهْدِيَكم. وفِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّ هَذا دَلِيلٌ عَلى أنَّ كُلَّ ما بَيَّنَ تَحْرِيمَهُ لَنا وتَحْلِيلَهُ مِنَ النِّساءِ في الآياتِ المُتَقَدِّمَةِ، فَقَدْ كانَ الحُكْمُ كَذَلِكَ أيْضًا في جَمِيعِ الشَّرائِعِ، وإنْ كانَتْ مُخْتَلِفَةً في نَفْسِها، مُتَّفِقَةً في بابِ المَصالِحِ. انْتَهى. وتَقَدَّمَ مَعْنى هَذِهِ الأقْوالِ الَّتِي ذَكَرَها. وقَوْلُهُ: أيْ يُرِيدُ أنْ يُبَيِّنَ، مُوافِقٌ لِقَوْلِ الزَّمَخْشَرِيِّ.
﴿ويَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾ أيْ يَرُدَّكم مِن عِصْيانِهِ إلى طاعَتِهِ، ويُوَفِّقَكم لَها.
﴿واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ عَلِيمٌ بِأحْوالِكم وبِما تَقَدَّمَ مِنَ الشَّرائِعِ والمَصالِحِ، حَكِيمٌ يُصِيبُ بِالأشْياءِ مَواضِعَها بِحَسَبِ الحِكْمَةِ والإتْقانِ.
﴿واللَّهُ يُرِيدُ أنْ يَتُوبَ عَلَيْكم ويُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾ تُعَلَّقُ الإرادَةُ أوَّلًا بِالتَّوْبَةِ عَلى سَبِيلِ العِلِّيَّةِ عَلى ما اخْتَرْناهُ مِنَ الأقْوالِ، لِأنَّ قَوْلَهُ: ويَتُوبَ عَلَيْكم، مَعْطُوفٌ عَلى العِلَّةِ، فَهو عِلَّةٌ. وتَعَلُّقُها هُنا عَلى سَبِيلِ المَفْعُولِيَّةِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ التَّعَلُّقانِ فَلا تَكْرارَ. وكَما أرادَ سَبَبَ التَّوْبَةِ فَقَدْ أرادَ التَّوْبَةَ عَلَيْهِمْ، إذْ قَدْ يَصِحُّ إرادَةُ السَّبَبِ دُونَ الفِعْلِ. ومَن ذَهَبَ إلى أنَّ مُتَعَلِّقَ الإرادَةِ في المَوْضِعَيْنِ واحِدٌ كانَ قَوْلُهُ: واللَّهُ يُرِيدُ أنْ يَتُوبَ عَلَيْكم تَكْرارًا لِقَوْلِهِ: ويَتُوبَ عَلَيْكم، لِأنَّ قَوْلَهُ: ويَتُوبَ عَلَيْكم، مَعْطُوفٌ عَلى مَفْعُولٍ، فَهو مَفْعُولٌ بِهِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وتَكْرارُ إرادَةِ اللَّهِ لِلتَّوْبَةِ عَلى عِبادِهِ تَقْوِيَةٌ لِلْإخْبارِ الأوَّلِ، ولَيْسَ المَقْصِدُ في الآيَةِ إلّا الإخْبارَ عَنْ إرادَةِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ، فَقُدِّمَتْ إرادَةُ اللَّهِ تَوْطِئَةً مُظْهِرَةً لِفَسادِ مُتَّبِعِي الشَّهَواتِ. انْتَهى كَلامُهُ. فاخْتارَ مَذْهَبَ الكُوفِيِّينَ في أنْ جَعَلُوا قَوْلَهُ: لِيُبَيِّنَ، في مَعْنى أنْ يُبَيِّنَ، فَيَكُونُ مَفْعُولًا لِـ(يُرِيدُ)، وعُطِفَ عَلَيْهِ: ويَتُوبَ، فَهو مَفْعُولٌ مِثْلُهُ، ولِذَلِكَ قالَ: وتَكْرارُ إرادَةِ اللَّهِ التَّوْبَةَ عَلى عِبادِهِ إلى آخَرَ كَلامِهِ. وكانَ قَدْ حَكى قَوْلَ الكُوفِيِّينَ وقالَ: وهَذا ضَعِيفٌ، فَرَجَعَ أخِيرًا إلى ما ضَعَّفَهُ، وكانَ قَدْ قَدَّمَ أنَّ مَذْهَبَ سِيبَوَيْهِ: أنَّ مَفْعُولَ (يُرِيدُ) مَحْذُوفٌ، والتَّقْدِيرُ: يُرِيدُ اللَّهُ هَذا التَّبْيِينَ.
والشَّهَواتُ جَمْعُ شَهْوَةٍ، وهي ما يَغْلِبُ عَلى (p-٢٢٧)النَّفْسِ مَحَبَّتُهُ وهَواهُ. ولَمّا كانَتِ التَّكالِيفُ الشَّرْعِيَّةُ فِيها قَمْعُ النَّفْسِ ورَدُّها عَنْ مُشْتَهَياتِها، كانَ اتِّباعُ شَهَواتِها سَبَبًا لِكُلِّ مَذَمَّةٍ، وعُبِّرَ عَنِ الكافِرِ والفاسِقِ بِمُتَّبَعِ الشَّهَواتِ كَما قالَ تَعالى: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أضاعُوا الصَّلاةَ واتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم: ٥٩] واتِّباعُ الشَّهْوَةِ في كُلِّ حالٍ مَذْمُومٌ، لِأنَّ ذَلِكَ ائْتِمارٌ لَها مِن حَيْثُ ما دَعَتْهُ الشَّهْوَةُ إلَيْهِ. أمّا إذا كانَ الِاتِّباعُ مِن حَيْثُ العَقْلِ أوِ الشَّرْعِ فَذَلِكَ هو اتِّباعٌ لَهُما لا لِلشَّهْوَةِ. ومُتَّبِعُو الشَّهَواتِ هُنا هُمُ الزُّناةُ قالَهُ مُجاهِدٌ، أوِ اليَهُودُ والنَّصارى، قالَهُ السُّدِّيُّ. أوِ اليَهُودُ خاصَّةً؛ لِأنَّهم أرادُوا أنْ يَتْبَعَهُمُ المُسْلِمُونَ في نِكاحِ الأخَواتِ مِنَ الأبِ، أوِ المَجُوسُ كانُوا يُحِلُّونَ نِكاحَ الأخَواتِ مِنَ الأبِ، ونِكاحَ بَناتِ الأخِ، وبَناتِ الأُخْتِ، فَلَمّا حَرَّمَهُنَّ اللَّهُ قالُوا: فَإنَّكم تُحِلُّونَ بِنْتَ الخالَةِ والعَمَّةِ، والعَمَّةُ عَلَيْكم حَرامٌ، فانْكِحُوا بَناتِ الأخِ والأُخْتِ، أوْ مُتَّبِعُو كُلِّ شَهْوَةٍ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ، ورَجَّحَهُ الطَّبَرِيُّ. وظاهَرَهُ العُمُومُ والمَيْلُ، وإنْ كانَ مُطْلَقًا فالمُرادُ هُنا المَيْلُ عَنِ الحَقِّ، وهو الجَوْرُ والخُرُوجُ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ. ولِذَلِكَ قابَلَ إرادَةَ اللَّهِ بِإرادَةِ مُتَّبِعِي الشَّهَواتِ، وشَتّانَ ما بَيْنَ الإرادَتَيْنِ. وأكَّدَ فِعْلَ المَيْلِ بِالمَصْدَرِ عَلى سَبِيلِ المُبالَغَةِ، لَمْ يَكْتَفِ حَتّى وصْفَهُ بِالعِظَمِ. وذَلِكَ أنَّ المُيُولَ قَدْ تَخْتَلِفُ، فَقَدْ يَتْرُكُ الإنْسانُ فِعْلَ الخَيْرِ لِعارِضٍ شَغَلَ أوْ لِكَسَلٍ أوْ لِفِسْقٍ يَسْتَلِذُّ بِهِ، أوْ لِضَلالَةٍ بِأنْ يَسْبِقَ لَهُ سُوءُ اعْتِقادٍ. ويَتَفاوَتُ رُتَبُ مُعالَجَةِ هَذِهِ الأشْياءِ، فَبَعْضُها أسْهَلُ مِن بَعْضٍ، فَوُصِفَ مِثْلُ هَؤُلاءِ بِالعِظَمِ، إذْ هو أبْعَدُ المُيُولِ مُعالَجَةً وهو الكُفْرُ. كَما قالَ تَعالى: ﴿ودُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ﴾ [النساء: ٨٩] ﴿ويُرِيدُونَ أنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ﴾ [النساء: ٤٤] .
وقَرَأ الجُمْهُورُ: أنْ تَمِيلُوا بِتاءِ الخِطابِ. وقُرِئَ: بِالياءِ عَلى الغَيْبَةِ. فالضَّمِيرُ في (يَمِيلُوا) يَعُودُ عَلى الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: مَيْلًا بِسُكُونِ الياءِ. وقَرَأ الحَسَنُ بِفَتْحِها، وجاءَتِ الجُمْلَةُ الأُولى اسْمِيَّةً، والثّانِيَةُ فِعْلِيَّةً لِإظْهارِ تَأْكِيدِ الجُمْلَةِ الأُولى، لِأنَّها أدَلُّ عَلى الثُّبُوتِ. ولِتَكْرِيرِ اسْمِ اللَّهِ تَعالى فِيها عَلى طَرِيقِ الإظْهارِ والإضْمارِ. وأمّا الجُمْلَةُ الثّانِيَةُ فَجاءَتْ فِعْلِيَّةً مُشْعِرَةً بِالتَّجَدُّدِ، لِأنَّ إرادَتَهم تَتَجَدَّدُ في كُلِّ وقْتٍ. والواوُ في قَوْلِهِ: ويُرِيدُ لِلْعَطْفِ عَلى ما قَرَّرْناهُ. وأجازَ الرّاغِبُ أنْ تَكُونَ الواوُ لِلْحالِ لا لِلْعَطْفِ، قالَ تَنْبِيهًا عَلى أنَّهُ يُرِيدُ التَّوْبَةَ عَلَيْكم في حالِ ما تُرِيدُونَ أنْ تَمِيلُوا، فَخالَفَ بَيْنَ الإخْبارَيْنِ في تَقْدِيمِ المُخْبَرِ عَنْهُ في الجُمَلِ الأُولى، وتَأْخِيرِهِ في الجُمْلَةِ الثّانِيَةِ، لِيُبَيِّنَ أنَّ الثّانِيَ لَيْسَ عَلى العِطْفِ انْتَهى. وهَذا لَيْسَ بِجَيِّدٍ، لِأنَّ إرادَتَهُ تَعالى التَّوْبَةَ عَلَيْنا لَيْسَتْ مُقَيَّدَةً بِإرادَةِ غَيْرِهِ المَيْلَ، ولِأنَّ المُضارِعَ باشَرَتْهُ الواوُ، وذَلِكَ لا يَجُوزُ، وقَدْ جاءَ مِنهُ شَيْءٌ نادِرٌ يُئَوَّلُ عَلى إضْمارِ مُبْتَدَأٍ قَبْلَهُ، لا يَنْبَغِي أنْ يُحْمَلَ القُرْآنُ عَلَيْهِ، لا سِيَّما إذا كانَ لِلْكَلامِ مَحْمَلٌ صَحِيحٌ فَصِيحٌ، فَحَمْلُهُ عَلى النّادِرِ تَعَسُّفٌ لا يَجُوزُ.
﴿يُرِيدُ اللَّهُ أنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ﴾ لَمْ يَذْكُرْ مُتَعَلِّقَ التَّخْفِيفِ، وفي ذَلِكَ أقْوالٌ: أحَدُها أنْ يَكُونَ في إباحَةِ نِكاحِ الأمَةِ وغَيْرِهِ مِنَ الرُّخَصِ. الثّانِي في تَكْلِيفِ النَّظَرِ وإزالَةِ الحَيْرَةِ فِيما بَيَّنَ لَكم مِمّا يَجُوزُ لَكم مِنَ النِّكاحِ وما لا يَجُوزُ. الثّالِثُ: في وضْعِ الإصْرِ المَكْتُوبِ عَلى مَن قَبْلَنا، وبِمَجِيءِ هَذِهِ المِلَّةِ الحَنِيفِيَّةِ سَهْلَةً سَمْحَةً. الرّابِعُ: بِإيصالِكم إلى ثَوابِ ما كَلَّفَكم مِن تَحَمُّلِ التَّكالِيفِ. الخامِسُ: أنْ يُخَفِّفَ عَنْكم إثْمَ ما تَرْتَكِبُونَ مِنَ المَآثِمِ لِجَهْلِكم. وأعْرَبُوا هَذِهِ الجُمْلَةَ حالًا مِن قَوْلِهِ: ﴿واللَّهُ يُرِيدُ أنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾، والعامِلُ في الحالِ (يُرِيدُ)، التَّقْدِيرُ: واللَّهُ يُرِيدُ أنْ يَتُوبَ عَلَيْكم مُرِيدًا أنْ يُخَفِّفَ عَنْكم، وهَذا الإعْرابُ ضَعِيفٌ، لِأنَّهُ قَدْ فَصَلَ بَيْنَ العامِلِ والحالِ بِجُمْلَةٍ مَعْطُوفَةٍ عَلى الجُمْلَةِ الَّتِي في ضِمْنِها العامِلُ، وهي جُمْلَةٌ أجْنَبِيَّةٌ مِنَ العامِلِ والحالِ، فَلا يَنْبَغِي أنْ يَتَجَوَّزَ إلّا بِسَماعٍ مِنَ العَرَبِ. ولِأنَّهُ رَفَعَ الفِعْلُ الواقِعُ حالًا الِاسْمَ الظّاهِرَ، ويَنْبَغِي أنْ يَرْفَعَ ضَمِيرَهُ لا ظاهِرَهُ، فَصارَ نَظِيرَ: زَيْدٌ يَخْرُجُ، يَضْرِبُ زَيْدٌ عَمْرًا. (p-٢٢٨)والَّذِي سُمِعَ مِن ذَلِكَ إنَّما هو في الجُمْلَةِ الِابْتِدائِيَّةِ، أوْ في شَيْءٍ مِن نَواسِخِها. أمّا في جُمْلَةِ الحالِ فَلا أعْرِفُ ذَلِكَ. وجَوازُ ذَلِكَ فِيما ورَدَ إنَّما هو فَصِيحٌ حَيْثُ يُرادُ التَّفْخِيمُ والتَّعْظِيمُ، فَيَكُونُ الرَّبْطُ في الجُمْلَةِ الواقِعَةِ خَبَرًا بِالظّاهِرِ. أمّا جُمْلَةُ الحالِ أوِ الصِّفَةِ فَيَحْتاجُ الرَّبْطُ بِالظّاهِرِ فِيها إلى سَماعٍ مِنَ العَرَبِ، والأحْسَنُ أنْ تَكُونَ الجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةً، فَلا مَوْضِعَ لَها مِنَ الإعْرابِ. أخْبَرَ بِها تَعالى عَنْ إرادَتِهِ التَّخْفِيفَ عَنّا، كَما جاءَ ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ ولا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥] .
﴿وخُلِقَ الإنْسانُ ضَعِيفًا﴾ قالَ مُجاهِدٌ وطاوُسٌ وابْنُ زَيْدٍ: الإخْبارُ عَنْ ضَعْفِ الإنْسانِ إنَّما هو في بابِ النِّساءِ، أيْ لَمّا عَلِمْنا ضَعْفَكم عَنِ النِّساءِ خَفَّفْنا عَنْكم بِإباحَةِ الإماءِ. قالَ طاوُسٌ: لَيْسَ يَكُونُ الإنْسانُ أضْعَفَ مِنهُ في أمْرِ النِّساءِ. وقالَ ابْنُ المُسَيَّبِ: ما أيِسَ الشَّيْطانُ مِن بَنِي آدَمَ قَطُّ إلّا أتاهم مِنَ النِّساءِ، فَقَدْ أتى عَلَيَّ ثَمانُونَ سُنَّةً وذَهَبَتْ إحْدى عَيْنَيَّ وأنا أعْشَقُ بِالأُخْرى، وإنَّ أخْوَفَ ما أخافُ عَلَيَّ فِتْنَةُ النِّساءِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ضَعِيفًا لا يَصْبِرُ عَنِ الشَّهَواتِ، وعَلى مَشاقِّ الطّاعاتِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ثُمَّ بَعْدَ هَذا المَقْصِدِ أيْ: تَخْفِيفِ اللَّهِ بِإباحَةِ الإماءِ، يُخْرِجُ الآيَةَ مَخْرَجَ التَّفَضُّلِ، لِأنَّها تَتَناوَلُ كُلَّ ما خَفَّفَ اللَّهُ عَنْ عِبادِهِ وجَعَلَهُ الدِّينُ يُسْرًا، ويَقَعُ الإخْبارُ عَنْ ضَعْفِ الإنْسانِ عامًّا حَسَبَ ما هو في نَفْسِهِ ضَعِيفٌ يَسْتَمِيلُهُ هَواهُ في الأغْلَبِ. قالَ الرّاغِبُ: ووَصْفُ الإنْسانِ بِأنَّهُ خُلِقَ ضَعِيفًا، إنَّما هو بِاعْتِبارِهِ بِالمَلَأِ الأعْلى نَحْوَ: ﴿أأنْتُمْ أشَدُّ خَلْقًا أمِ السَّماءُ﴾ [النازعات: ٢٧] أوْ بِاعْتِبارِهِ بِنَفْسِهِ دُونَ ما يَعْتَرِيهِ مِن فَيْضِ اللَّهِ ومَعُونَتِهِ، أوِ اعْتِبارًا بِكَثْرَةِ حاجاتِهِ وافْتِقارِ بَعْضِهِمْ إلى بَعْضٍ، أوِ اعْتِبارًا بِمَبْدَئِهِ ومُنْتَهاهُ كَما قالَ تَعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكم مِن ضَعْفٍ﴾ [الروم: ٥٤] فَأمّا إذا اعْتُبِرَ بِعَقْلِهِ وما أعْطاهُ مِنَ القُوَّةِ الَّتِي يَتَمَكَّنُ بِها مِن خِلافَةِ اللَّهِ في أرْضِهِ ويَبْلُغُ بِها في الآخِرَةِ إلى جِوارِهِ تَعالى، فَهو أقْوى ما في هَذا العالَمِ. ولِهَذا قالَ تَعالى: ﴿وفَضَّلْناهم عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٠] . وقالَ الحَسَنُ: ضَعِيفًا لِأنَّهُ خُلِقَ مِن ماءٍ مَهِينٍ. قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَكم مِن ضَعْفٍ﴾ [الروم: ٥٤] . وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ ومُجاهِدٌ: وخَلَقَ الإنْسانَ مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ مُسْنَدًا إلى ضَمِيرِ اسْمِ اللَّهِ، وانْتِصابُ ضَعِيفًا عَلى الحالِ. وقِيلَ: انْتَصَبَ عَلى التَّمْيِيزِ. لِأنَّهُ يَجُوزُ أنْ يُقَدَّرَ بِـ (مِن)، وهَذا لَيْسَ بِشَيْءٍ. وقِيلَ: انْتَصَبَ عَلى إسْقاطِ حَرْفِ الجَرِّ، والتَّقْدِيرُ: مِن شَيْءٍ ضَعِيفٍ، أيْ مِن طِينٍ، أوْ مِن نُطْفَةٍ وعَلَقَةٍ ومُضْغَةٍ. ولَمّا حَذَفَ المَوْصُوفَ والجابِرَ انْتَصَبَتِ الصِّفَةُ بِالفِعْلِ نَفْسِهِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ويَصِحُّ أنْ يَكُونَ خُلِقَ بِمَعْنى جُعِلَ، فَيُكْسِبُها ذَلِكَ قُوَّةَ التَّعَدِّي إلى مَفْعُولَيْنِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: ضَعِيفًا مَفْعُولًا ثانِيًا. انْتَهى. وهَذا هو الَّذِي ذَكَرَهُ مِن أنَّ (خَلَقَ) يَتَعَدّى إلى اثْنَيْنِ بِجَعْلِها بِمَعْنى جَعَلَ، لا أعْلَمُ أحَدًا مِنَ النَّحْوِيِّينَ ذَهَبَ إلى ذَلِكَ، بَلِ الَّذِي ذَكَرَ النّاسُ أنَّ مِن أقْسامِ جَعَلَ أنْ يَكُونَ بِمَعْنى خَلَقَ، فَيَتَعَدّى إلى مَفْعُولٍ واحِدٍ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وجَعَلَ الظُّلُماتِ والنُّورَ﴾ [الأنعام: ١] أمّا العَكْسُ فَلَمْ يَذْهَبْ إلى ذَلِكَ أحَدٌ فِيما عَلِمْناهُ، والمُتَأخِّرُونَ الَّذِينَ تَتَبَّعُوا هَذِهِ الأفْعالَ لَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ. وقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الآياتُ أنْواعًا مِنَ البَيانِ والبَدِيعِ. مِنها: التَّجَوُّزُ بِإطْلاقِ اسْمِ الكُلِّ عَلى البَعْضِ في قَوْلِهِ: ﴿يَأْتِينَ الفاحِشَةَ﴾ [النساء: ١٥]، لِأنَّ (ألْ) تَسْتَغْرِقُ كُلَّ فاحِشَةٍ ولَيْسَ المُرادُ، بَلْ بَعْضُها، وإنَّما أُطْلِقَ عَلى البَعْضِ اسْمُ الكُلِّ تَعْظِيمًا لِقُبْحِهِ وفُحْشِهِ، فَإنْ كانَ العُرْفُ في الفاحِشَةِ الزِّنا، فَلَيْسَ مِن هَذا البابِ إذْ تَكُونُ الألِفُ واللّامُ لِلْعَهْدِ. والتَّجَوُّزُ بِالمُرادِ مِنَ المُطْلَقِ بَعْضُ مَدْلُولِهِ في قَوْلِهِ: فَآذُوهُما إذْ فُسِّرَ بِالتَّعْيِيرِ أوِ الضَّرْبِ بِالنِّعالِ، أوِ الجَمْعِ بَيْنَهُما، وبِقَوْلِهِ: سَبِيلًا والمُرادُ الحَدُّ، أوْ رَجْمُ المُحْصَنِ. وبِقَوْلِهِ: ﴿فَأعْرِضُوا عَنْهُما﴾ [النساء: ١٦] أيِ اتْرُكُوهُما. وإسْنادُ الفِعْلِ إلى غَيْرِ فاعِلِهِ في قَوْلِهِ: ﴿حَتّى يَتَوَفّاهُنَّ المَوْتُ﴾ [النساء: ١٥]، وفي قَوْلِهِ: ﴿حَتّى إذا حَضَرَ أحَدَهُمُ المَوْتُ﴾ [النساء: ١٨] . والتَّجْنِيسُ المُغايِرُ في: إنْ تابا، ﴿إنَّ اللَّهَ كانَ تَوّابًا﴾ [النساء: ١٦]، وفي: ﴿أرْضَعْنَكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] و﴿مِنَ الرَّضاعَةِ﴾ [النساء: ٢٣]، وفي: مُحْصَناتُ، فَإذا أُحْصِنَّ. والتَّجْنِيسُ المُماثِلُ في: ﴿فَإنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أنْ تَكْرَهُوا﴾ [النساء: ١٩]، وفي: ﴿ولا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ﴾ [النساء: ٢٢] . (p-٢٢٩)والتَّكْرارُ في اسْمِ اللَّهِ في مَواضِعَ، وفي: ﴿إنَّما التَّوْبَةُ﴾ [النساء: ١٧]، ﴿ولَيْسَتِ التَّوْبَةُ﴾ [النساء: ١٨]، وفي: ﴿زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ﴾ [النساء: ٢٠]، وفي: أُمَّهاتُكم، ﴿وأُمَّهاتُكُمُ اللّاتِي﴾ [النساء: ٢٣]، وفي: ﴿إلّا ما قَدْ سَلَفَ﴾ [النساء: ٢٢]، وفي: (المُؤْمِناتِ) في قَوْلِهِ: ﴿المُحْصَناتِ المُؤْمِناتِ﴾ [النساء: ٢٥]، وفي: ﴿فَتَياتِكُمُ المُؤْمِناتِ﴾ [النساء: ٢٥]، وفي: فَرِيضَةً و﴿مِن بَعْدِ الفَرِيضَةِ﴾ [النساء: ٢٤]، وفي: ﴿المُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ﴾ [النساء: ٢٤] والمُحْصَناتُ، و﴿نِصْفُ ما عَلى المُحْصَناتِ﴾ [النساء: ٢٥]، وفي: ﴿بَعْضُكم مِن بَعْضٍ﴾ [النساء: ٢٥]، وفي: (يُرِيدُ) في أرْبَعَةِ مَواضِعَ، وفي: (يَتُوبُ) و(أنْ يَتُوبَ)، وفي: إطْلاقِ المُسْتَقْبَلِ عَلى الماضِي، في: ﴿واللّاتِي يَأْتِينَ الفاحِشَةَ﴾ [النساء: ١٥] وفي: ﴿واللَّذانِ يَأْتِيانِها مِنكُمْ﴾ [النساء: ١٦]، وفي: ﴿يَعْمَلُونَ السُّوءَ﴾ [النساء: ١٧] وفي: ثُمَّ يَتُوبُونَ، وفي: (يُرِيدُ)، وفي: لِيُبَيِّنَ، لِأنَّ إرادَةَ اللَّهِ وبَيانَهُ قَدِيمانِ، إذْ تِبْيانُهُ في كُتُبِهِ المُنَزَّلَةِ والإرادَةُ والكَلامُ مِن صِفاتِ ذاتِهِ وهي قَدِيمَةٌ. والإشارَةُ والإيماءُ في قَوْلِهِ: كَرْهًا، فَإنَّ تَحْرِيمَ الإرْثِ كَرْهًا يُومِئُ إلى جَوازِهِ طَوْعًا، وقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ في قَوْلِهِ: فَإنْ طِبْنَ، وفي قَوْلِهِ: ﴿ولا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ﴾ [النساء: ١٩]، فَلَهُ أنْ يَعْضُلَها عَلى غَيْرِ هَذِهِ الصِّفَةِ لِمَصْلَحَةٍ لَها تَتَعَلَّقُ بِها، أوْ بِمالِها، وفي: ﴿إنَّهُ كانَ فاحِشَةً﴾ [النساء: ٢٢] أوْمَأ إلى نِكاحِ الأبْناءِ في الجاهِلِيَّةِ نِساءَ الآباءِ، وفي: ﴿أُحِلَّ لَكم ما وراءَ ذَلِكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] إشارَةٌ إلى ما تَقَدَّمَ في المُحَرَّماتِ، ﴿ذَلِكَ لِمَن خَشِيَ العَنَتَ﴾ [النساء: ٢٥] إشارَةٌ إلى تَزْوِيجِ الإماءِ. والمُبالَغَةُ في تَفْخِيمِ الأمْرِ وتَأْكِيدِهِ في قَوْلِهِ: ﴿وآتَيْتُمْ إحْداهُنَّ قِنْطارًا﴾ [النساء: ٢٠] عَظَّمَ الأمْرَ حَتّى يُنْتَهى عَنْهُ. والِاسْتِعارَةُ في قَوْلِهِ: ﴿وأخَذْنَ مِنكم مِيثاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: ٢١]، اسْتَعارَ الأخْذَ لِلْوُثُوقِ بِالمِيثاقِ والتَّمَسُّكِ بِهِ، والمِيثاقُ مَعْنًى لا يَتَهَيَّأُ فِيهِ الأخْذُ حَقِيقَةً، وفي: ﴿كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] أيْ فَرْضَ اللَّهِ، اسْتَعارَ لِلْفَرْضِ لَفْظَ الكِتابِ لِثُبُوتِهِ وتَقْرِيرِهِ، فَدَلَّ بِالأمْرِ المَحْسُوسِ عَلى المَعْنى المَعْقُولِ. وفي: مُحْصِنِينَ، اسْتَعارَ لَفْظَ الإحْصانِ وهو الِامْتِناعُ في المَكانِ الحَصِينِ لِلِامْتِناعِ بِالعِقابِ، واسْتَعارَ لِكَثْرَةِ الزِّنا السَّفْحَ وهو صَبُّ الماءِ في الأنْهارِ والعُيُونِ بِتَدَفُّقٍ وسُرْعَةٍ، وكَذَلِكَ: ﴿فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ [النساء: ٢٤] اسْتَعارَ لَفْظَ الأُجُورِ لِلْمُهُورِ، والأجْرُ هو ما يَدُلُّ عَلى عَمَلٍ، فَجَعَلَ تَمْكِينَ المَرْأةِ مِنَ الِانْتِفاعِ بِها كَأنَّهُ عَمَلٌ تَعْمَلُهُ. وفي قَوْلِهِ: طَوْلًا اسْتِعارَةٌ لِلْمَهْرِ يُتَوَصَّلُ بِهِ لِلْغَرَضِ، والطَّوْلُ وهو الفَضْلُ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلى مَعالِي الأُمُورِ. وفي قَوْلِهِ: ﴿يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ﴾ اسْتَعارَ الِاتِّباعَ والمَيْلَ اللَّذَيْنِ هُما حَقِيقَةٌ في الإجْرامِ لِمُوافَقَةِ هَوى النَّفْسِ المُؤَدِّي إلى الخُرُوجِ عَنِ الحَقِّ. وفي قَوْلِهِ: أنْ يُخَفِّفَ، والتَّخْفِيفُ أصْلُهُ مِن خِفَّةِ الوَزْنِ وثِقَلِ الجِرْمِ، وتَخْفِيفُ التَّكالِيفِ رَفْعُ مَشاقِّها مِنَ النَّفْسِ، وذَلِكَ مِنَ المَعانِي. وتَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِما يَئُولُ إلَيْهِ في قَوْلِهِ: ﴿أنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهًا﴾ [النساء: ١٩]، سُمِّيَ تَزْوِيجُ النِّساءِ أوْ مَنعُهُنَّ لِلْأزْواجِ إرْثًا، لِأنَّ ذَلِكَ سَبَبُ الإرْثِ في الجاهِلِيَّةِ. وفي قَوْلِهِ: ﴿وخُلِقَ الإنْسانُ ضَعِيفًا﴾ جَعَلَهُ ضَعِيفًا باسِمِ ما يَئُولُ إلَيْهِ، أوْ بِاسْمِ أصْلِهِ. والطِّباقُ المَعْنَوِيُّ في قَوْلِهِ: ﴿فَعَسى أنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا ويَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [النساء: ١٩]، وقَدْ فُسِّرَ الخَيْرُ الكَثِيرُ بِما هو مَحْبُوبٌ. وفي قَوْلِهِ: ﴿والمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ﴾ [النساء: ٢٤]، أيْ حَرامٌ عَلَيْكم ثُمَّ قالَ: وأُحِلَّ لَكم. والَّذِي يَظْهَرُ أنَّهُ مِنَ الطِّباقِ اللَّفْظِيِّ، لِأنَّ صَدْرَ الآيَةِ ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكم أُمَّهاتُكُمْ﴾ [النساء: ٢٣]، ثُمَّ نَسَقَ المُحَرَّماتِ، ثُمَّ قالَ: ﴿وأُحِلَّ لَكُمْ﴾ [النساء: ٢٤]، فَهَذا هو الطِّباقُ. وفي قَوْلِهِ: ﴿مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ﴾ [النساء: ٢٤]، والمُحْصِنُ الَّذِي يَمْنَعُ فَرْجَهُ، والمُسافِحُ الَّذِي يَبْذُلُهُ. والِاحْتِراسُ في قَوْلِهِ: ﴿اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ﴾ [النساء: ٢٣] احْتَرَزَ مِنَ اللّاتِي لَمْ يُدْخَلْ بِهِنَّ، وفي ﴿ورَبائِبُكُمُ اللّاتِي في حُجُورِكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] احْتَرَسَ مِنَ اللّاتِي لَيْسَتْ في الحُجُورِ. وفي قَوْلِهِ: ﴿والمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ﴾ [النساء: ٢٤] إذِ المُحْصَناتُ قَدْ يُرادُ بِها الأنْفُسُ المُحْصَناتُ، فَيَدْخُلُ تَحْتَها الرِّجالُ، فاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: مِنَ النِّساءِ. والِاعْتِراضُ بِقَوْلِهِ: ﴿واللَّهُ أعْلَمُ بِإيمانِكم بَعْضُكم مِن بَعْضٍ﴾ [النساء: ٢٥] . والحَذْفُ في مَواضِعَ لا يَتِمُّ المَعْنى إلّا بِها.
{"ayahs_start":26,"ayahs":["یُرِیدُ ٱللَّهُ لِیُبَیِّنَ لَكُمۡ وَیَهۡدِیَكُمۡ سُنَنَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَیَتُوبَ عَلَیۡكُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیمࣱ","وَٱللَّهُ یُرِیدُ أَن یَتُوبَ عَلَیۡكُمۡ وَیُرِیدُ ٱلَّذِینَ یَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَ ٰتِ أَن تَمِیلُوا۟ مَیۡلًا عَظِیمࣰا","یُرِیدُ ٱللَّهُ أَن یُخَفِّفَ عَنكُمۡۚ وَخُلِقَ ٱلۡإِنسَـٰنُ ضَعِیفࣰا"],"ayah":"یُرِیدُ ٱللَّهُ أَن یُخَفِّفَ عَنكُمۡۚ وَخُلِقَ ٱلۡإِنسَـٰنُ ضَعِیفࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق