الباحث القرآني
ثُمَّ قالَ: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أنْ يُخَفِّفَ عَنْكم وخُلِقَ الإنْسانُ ضَعِيفًا﴾ وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: في التَّخْفِيفِ قَوْلانِ:
الأوَّلُ: المُرادُ مِنهُ إباحَةُ نِكاحِ الأمَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وهو قَوْلُ مُجاهِدٍ ومُقاتِلٍ، والباقُونَ قالُوا: هَذا عامٌّ في كُلِّ أحْكامِ الشَّرْعِ، وفي جَمِيعِ ما يَسَّرَهُ لَنا وسَهَّلَهُ عَلَيْنا، إحْسانًا مِنهُ إلَيْنا، ولَمْ يُثْقِلِ التَّكْلِيفَ عَلَيْنا كَما ثَقَّلَ عَلى بَنِي إسْرائِيلَ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ويَضَعُ عَنْهم إصْرَهم والأغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ [الأعراف: ١٥٧] وقَوْلُهُ: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ ولا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥] وقَوْلُهُ: ﴿وما جَعَلَ عَلَيْكم في الدِّينِ مِن حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨] وقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ -: ”«جِئْتُكم بِالحَنِيفِيَّةِ السَّهْلَةِ السَّمْحَةِ» “ .
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قالَ القاضِي: هَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ فِعْلَ العَبْدِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ لِلَّهِ تَعالى، إذْ لَوْ كانَ كَذَلِكَ، فالكافِرُ يُخْلَقُ فِيهِ الكُفْرُ ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: لا تَكْفُرْ، فَهَذا أعْظَمُ وُجُوهِ التَّثْقِيلِ، ولا يَخْلُقُ فِيهِ الإيمانَ ولا قُدْرَةَ (p-٥٦)لِلْعَبْدِ عَلى خَلْقِ الإيمانِ ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: آمِن، وهَذا أعْظَمُ وُجُوهِ التَّثْقِيلِ. قالَ: ويَدُلُّ أيْضًا عَلى أنَّ تَكْلِيفَ ما لا يُطاقُ غَيْرُ واقِعٍ؛ لِأنَّهُ أعْظَمُ وُجُوهِ التَّثْقِيلِ.
والجَوابُ: أنَّهُ مُعارَضٌ بِالعِلْمِ والدّاعِي، وأكْثَرِ ما ذَكَرْناهُ.
* * *
ثُمَّ قالَ: ﴿وخُلِقَ الإنْسانُ ضَعِيفًا﴾ والمَعْنى أنَّهُ تَعالى لِضَعْفِ الإنْسانِ خَفَّفَ تَكْلِيفَهُ ولَمْ يُثْقِلْ، والأقْرَبُ أنَّهُ يُحْمَلُ الضَّعْفُ في هَذا المَوْضِعِ لا عَلى ضَعْفِ الخِلْقَةِ، بَلْ يُحْمَلُ عَلى كَثْرَةِ الدَّواعِي إلى اتِّباعِ الشَّهْوَةِ واللَّذَّةِ، فَيَصِيرُ ذَلِكَ كالوَجْهِ في أنْ يَضْعُفَ عَنِ احْتِمالِ خِلافِهِ. وإنَّما قُلْنا: إنَّ هَذا الوَجْهَ أوْلى؛ لِأنَّ الضَّعْفَ في الخِلْقَةِ والقُوَّةِ لَوْ قَوّى اللَّهُ داعِيَتَهُ إلى الطّاعَةِ كانَ في حُكْمِ القَوِيِّ، والقَوِيُّ في الخِلْقَةِ والآلَةِ إذا كانَ ضَعِيفَ الدَّواعِي إلى الطّاعَةِ صارَ في حُكْمِ الضَّعِيفِ، فالتَّأْثِيرُ في هَذا البابِ لِضَعْفِ الدّاعِيَةِ وقُوَّتِها، لا لِضَعْفِ البَدَنِ وقُوَّتِهِ، هَذا كُلُّهُ كَلامُ القاضِي، وهو كَلامٌ حَسَنٌ، ولَكِنَّهُ يَهْدِمُ أصْلَهُ، وذَلِكَ لَمّا سَلَّمَ أنَّ المُؤَثِّرَ في وُجُودِ الفِعْلِ وعَدَمِهِ قُوَّةُ الدّاعِيَةِ وضَعْفُها، فَلَوْ تَأمَّلَ لَعَلِمَ أنَّ قُوَّةَ الدّاعِيَةِ وضَعْفَها لا بُدَّ لَهُ مِن سَبَبٍ، فَإنْ كانَ ذَلِكَ لِداعِيَةٍ أُخْرى مِنَ العَبْدِ لَزِمَ التَّسَلْسُلُ، وإنْ كانَ الكُلُّ مِنَ اللَّهِ، فَذاكَ هو الحَقُّ الَّذِي لا مَحِيدَ عَنْهُ، وبَطَلَ القَوْلُ بِالِاعْتِزالِ بِالكُلِّيَّةِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ: ثَمانُ آياتٍ في سُورَةِ النِّساءِ هي خَيْرٌ لِهَذِهِ الأُمَّةِ مِمّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وغَرَبَتْ: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ [النساء: ٢٦] ﴿واللَّهُ يُرِيدُ أنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾ ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ﴾ ﴿إنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ [النساء: ٣١] ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾ [النساء: ٤٨] ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ﴾ [النساء: ٤٠] ﴿ومَن يَعْمَلْ سُوءًا أوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ﴾ [النساء: ١١٠] ﴿ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٤٧] .
ويَقُولُ مُحَمَّدٌ الرّازِيُّ مُصَنِّفُ هَذا الكِتابِ خَتَمَ اللَّهُ لَهُ بِالحُسْنى: اللَّهُمَّ اجْعَلْنا بِفَضْلِكَ ورَحْمَتِكَ أهْلًا لَها يا أكْرَمَ الأكْرَمِينَ ويا أرْحَمَ الرّاحِمِينَ.
{"ayah":"یُرِیدُ ٱللَّهُ أَن یُخَفِّفَ عَنكُمۡۚ وَخُلِقَ ٱلۡإِنسَـٰنُ ضَعِیفࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق