الباحث القرآني
﴿قُلْ أفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أعْبُدُ أيُّها الجاهِلُونَ﴾ ﴿ولَقَدْ أُوحِيَ إلَيْكَ وإلى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ولَتَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرِينَ﴾ ﴿بَلِ اللَّهَ فاعْبُدْ وكُنْ مِنَ الشّاكِرِينَ﴾ ﴿وما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ والأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيامَةِ والسَّماواتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ﴾ ﴿ونُفِخَ في الصُّورِ فَصَعِقَ مَن في السَّماواتِ ومَن في الأرْضِ إلّا مَن شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإذا هم قِيامٌ يَنْظُرُونَ﴾ ﴿وأشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبِّها ووُضِعَ الكِتابُ وجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ والشُّهَداءِ وقُضِيَ بَيْنَهم بِالحَقِّ وهم لا يُظْلَمُونَ﴾ ﴿ووُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وهو أعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ﴾ .
رُوِيَ أنَّهُ قالَ لِلرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلامُ - المُشْرِكُونَ: اسْتَلِمْ بَعْضَ آلِهَتِنا ونُؤْمِنُ بِإلَهِكَ، و(غَيْرَ) مَنصُوبٌ بِـ (أعْبُدُ) .
قالَ الأخْفَشُ: ﴿تَأْمُرُونِّي﴾ مُلْغاةٌ، وعَنْهُ أيْضًا: (أفَغَيْرَ) نُصِبَ بِـ ﴿تَأْمُرُونِّي﴾ لا بِـ (أعْبُدُ)؛ لِأنَّ الصِّلَةَ لا تَعْمَلُ فِيما قَبْلَها، إذِ المَوْصُولُ مِنهُ حُذِفَ فَرُفِعَ، كَما في قَوْلِهِ:
؎ألا أيُّها ذا الزّاجِرِي أحْضُرَ الوَغى
والصِّلَةُ مَعَ المَوْصُولِ في مَوْضِعِ النَّصْبِ بَدَلٌ مِنهُ، أيْ: أفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونَنِي عِبادَتَهُ ؟ والمَعْنى: أتَأْمُرُونَنِي بِعِبادَةِ غَيْرِ اللَّهِ ؟ .
وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أوْ يُنْصَبُ بِما يَدُلُّ عَلَيْهِ جُمْلَةُ قَوْلِهِ: ﴿تَأْمُرُونِّي أعْبُدُ﴾؛ لِأنَّهُ في مَعْنى تَعْبُدُونَ وتَقُولُونَ لِي: أعْبُدُهُ، وأفَغَيْرَ اللَّهِ تَقُولُونَ لِي أعْبُدُ، فَكَذَلِكَ أفَغَيْرَ اللَّهِ تَقُولُونَ لِي أنْ أعْبُدَهُ، وأفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أنْ أعْبُدَ.
والدَّلِيلُ عَلى صِحَّةِ هَذا الوَجْهِ (p-٤٣٩)قِراءاتُ مَن قَرَأ (أعْبُدَ) بِالنَّصْبِ، يَعْنِي: بِنَصْبِ الدّالِ بِإضْمارِ أنْ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿تَأْمُرُونِّي﴾، بِإدْغامِ النُّونِ في نُونِ الوِقايَةِ وسُكُونِ الياءِ؛ وفَتَحَها ابْنُ كَثِيرٍ.
وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ: (تَأْمُرُنَّنِي)، بِنُونَيْنِ عَلى الأصْلِ؛ ونافِعٌ: (تَأْمُرُنِيَ)، بِنُونٍ واحِدَةٍ مَكْسُورَةٍ وفَتْحِ الياءِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وهَذا عَلى حَذْفِ النُّونِ الواحِدَةِ، وهي المُوَطِئَةُ لِياءِ المُتَكَلِّمِ، ولا يَجُوزُ حَذْفُ النُّونِ الأُولى، وهو لَحْنٌ؛ لِأنَّها عَلامَةُ رَفْعِ الفِعْلِ. انْتَهى.
وفِي المَسْألَةِ خِلافٌ، مِنهم مِن يَقُولُ: المَحْذُوفَةُ نُونُ الرَّفْعِ، ومِنهم مِن يَقُولُ: نُونُ الوِقايَةِ، ولَيْسَ بِلَحْنٍ؛ لِأنَّ التَّرْكِيبَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، والخِلافُ جَرى في أيِّهِما حُذِفَ، ونَخْتارُ أنَّها نُونُ الرَّفْعِ.
ولَمّا كانَ الأمْرُ بِعِبادَةِ غَيْرِ اللَّهِ لا يَصْدُرُ إلّا مِن غَبِيٍّ جاهِلٍ، ناداهم بِالوَصْفِ المُقْتَضِي ذَلِكَ فَقالَ: ﴿أيُّها الجاهِلُونَ﴾ .
ولَمّا كانَ الإشْراكُ مُسْتَحِيلًا عَلى مَن عَصَمَهُ اللَّهُ، وجَبَ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: ﴿لَئِنْ أشْرَكْتَ﴾ أيُّها السّامِعُ، ومَضى الخِطابُ عَلى هَذا التَّأْوِيلِ. ويَدُلُّ عَلى هَذا التَّأْوِيلِ أنَّهُ لَيْسَ بِراجِعِ الخِطابِ لِلرَّسُولِ إفْرادُ الخِطابِ في ﴿لَئِنْ أشْرَكْتَ﴾، إذْ لَوْ كانَ هو المُخاطَبَ، لَكانَ التَّرْكِيبُ: لَئِنْ أشْرَكْتُما، فَيَشْمَلُ ضَمِيرُ هو ضَمِيرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِ، ويُغَلَّبُ الخِطابُ.
وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإنْ قُلْتَ): المُومى إلَيْهِمْ جَماعَةٌ، فَكَيْفَ قالَ: ﴿لَئِنْ أشْرَكْتَ﴾ عَلى التَّوْحِيدِ ؟ (قُلْتُ) مَعْناهُ: لَئِنْ أُوحِيَ إلَيْكَ، لَئِنْ أشْرَكْتَ لِيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ، وإلى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ مِثْلُهُ، وأُوحِيَ إلَيْكَ وإلى كُلِّ واحِدٍ مِنهم ﴿لَئِنْ أشْرَكْتَ﴾، كَما تَقُولُ: كَسانا حُلَّةً، أيْ: كُلَّ واحِدٍ مِنّا. (فَإنْ قُلْتَ): كَيْفَ يَصِحُّ هَذا الكَلامُ مَعَ عِلْمِ اللَّهِ تَعالى أنَّ رُسُلَهُ لا يُشْرِكُونَ ولا يَحْبَطُ أعْمالُهم ؟ (قُلْتُ): هو عَلى سَبِيلِ الفَرْضِ والمُحالاتِ يَصِحُّ فَرْضُها ثُمَّ ذَكَرَ كَلامًا يُوقَفُ عَلَيْهِ في كِتابِهِ.
ويُسْتَدَلُّ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى حُبُوطِ عَمَلِ المُرْتَدِّ مِن صَلاةٍ وغَيْرِها. و(أُوحِيَ) مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ، ويَظْهَرُ أنَّ الوَحْيَ هو هَذِهِ الجُمَلُ مِن قَوْلِهِ: ﴿لَئِنْ أشْرَكْتَ﴾ إلى: (مِنَ الخاسِرِينَ)، وهَذا لا يَجُوزُ عَلى مَذْهَبِ البَصْرِيِّينَ؛ لِأنَّ الجُمَلَ لا تَكُونُ فاعِلَةً، فَلا تَقُومُ مَقامَ الفاعِلِ.
وقالَ مُقاتِلٌ: أوْحى إلَيْكَ بِالتَّوْحِيدِ، والتَّوْحِيدُ مَحْذُوفٌ. ثُمَّ قالَ: ﴿لَئِنْ أشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾، والخِطابُ لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلامُ - خاصَّةً. انْتَهى.
فَيَكُونُ الَّذِي أُقِيمَ مَقامَ الفاعِلِ هو الجارَّ والمَجْرُورَ، وهو إلَيْكَ، وبِالتَّوْحِيدِ فَضْلَةً يَجُوزُ حَذْفُها لِدَلالَةِ ما قَبْلَها عَلَيْها. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿لَيَحْبَطَنَّ﴾ مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ، ﴿عَمَلُكَ﴾: رُفِعَ بِهِ. وقُرِئَ: ﴿لَيُحْبِطَنَّ﴾ بِالياءِ، مِن أحْبَطَ عَمَلَهُ بِالنَّصْبِ، أيْ: لَيُحْبِطَنَّ اللَّهُ عَمَلَكَ، أوِ الإشْراكُ عَمَلَكَ.
وقُرِئَ بِالنُّونِ أيْ: (لَنُحْبِطَنَّ عَمَلَكَ) بِالنَّصْبِ، والجَلالَةُ مَنصُوبَةٌ بِقَوْلِهِ: (فاعْبُدْ) عَلى حَدِّ قَوْلِهِمْ: زَيْدًا فاضْرِبْ، ولَهُ تَقْرِيرٌ في النَّحْوِ وكَيْفَ دَخَلَتْ هَذِهِ الفاءُ.
وقالَ الفَرّاءُ: إنْ شِئْتَ نَصْبَهُ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ قَبْلَهُ، كَأنَّهُ يُقَدَّرُ: اعْبُدِ اللَّهَ فاعْبُدْهُ.
وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ﴿بَلِ اللَّهَ فاعْبُدْ﴾، لِما أمَرُوهُ بِهِ مِنَ اسْتِلامِ بَعْضِ آلِهَتِهِمْ، كَأنَّهُ قالَ: لا تَعْبُدْ ما أمَرُوكَ بِعِبادَتِهِ، بَلْ إنْ كُنْتَ عاقِلًا فاعْبُدِ اللَّهَ، فَحُذِفَ الشَّرْطُ وجُعِلَ تَقَدُّمُ المَفْعُولِ عِوَضًا مِنهُ. انْتَهى.
ولا يَكُونُ تَقَدُّمُ المَفْعُولِ عِوَضًا مِنَ الشَّرْطِ لِجَوازِ أنْ يَجِيءَ: زَيْدٌ فَعَمْرًا اضْرِبْ. فَلَوْ كانَ عِوَضًا، لَمْ يَجُزِ الجَمْعُ بَيْنَهُما.
﴿وكُنْ مِنَ الشّاكِرِينَ﴾ لِأنْعُمِهِ الَّتِي أعْظَمُها الهِدايَةُ لِدِينِ اللَّهِ. وقَرَأ عِيسى: (بَلِ اللَّهُ) بِالرَّفْعِ، والجُمْهُورُ: بِالنَّصْبِ.
﴿وما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ أيْ: ما عَرَفُوهُ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ، وما قَدَرُوهُ في أنْفُسِهِمْ حَقَّ تَقْدِيرِهِ، إذْ أشْرَكُوا مَعَهُ غَيْرَهُ، وساوَوْا بَيْنَهُ وبَيْنَ الحَجَرِ والخَشَبِ في العِبادَةِ.
وقَرَأ الأعْمَشُ: ﴿حَقَّ قَدْرِهِ﴾ بِفَتْحِ الدّالِ؛ وقَرَأ الحَسَنُ، وعِيسى، وأبُو نَوْفَلٍ، وأبُو حَيْوَةَ ﴿وما قَدَرُوا﴾ بِتَشْدِيدِ الدّالِ، ﴿حَقَّ قَدْرِهِ﴾: بِفَتْحِ الدّالِ، أيْ: ما عَظَّمُوهُ حَقِيقَةَ تَعْظِيمِهِ. والضَّمِيرُ في (قَدَرُوا)، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: في كُفّارِ قُرَيْشٍ، كانَتْ هَذِهِ الآيَةُ كُلُّها مُحاوَرَةً لَهم ورَدًّا عَلَيْهِمْ. وقِيلَ: نَزَلَتْ في قَوْمٍ مِنَ اليَهُودِ تَكَلَّمُوا في صِفاتِ اللَّهِ وجَلالِهِ، فَألْحَدُوا وجَسَّمُوا وجاءُوا بِكُلِّ تَخْلِيطٍ. وهَذِهِ الجُمْلَةُ مَذْكُورَةٌ في الأنْعامِ وفي الحَجِّ وهُنا.
ولَمّا أخْبَرَ أنَّهم ما عَرَفُوهُ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ، نَبَّهَهم عَلى عَظَمَتِهِ وجَلالَةِ شَأْنِهِ عَلى (p-٤٤٠)طَرِيقِ التَّصْوِيرِ والتَّخْيِيلِ فَقالَ: ﴿والأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيامَةِ والسَّماواتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ .
وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: والغَرَضُ مِن هَذا الكَلامِ، إذا أخَذْتَهُ كَما هو بِجُمْلَتِهِ ومَجْمُوعِهِ تَصْوِيرُ عَظَمَتِهِ، والتَّوْقِيفُ عَلى كُنْهِ جَلالِهِ لا غَيْرَ، مِن غَيْرِ ذَهابٍ بِالقَبْضَةِ ولا بِاليَمِينِ إلى جِهَةِ حَقِيقَةٍ أوْ جِهَةِ مَجازٍ. انْتَهى.
ويَعْنِي: أوْ جِهَةِ مَجازٍ مُعَيَّنٍ، والإخْبارُ: التَّصْوِيرُ، والتَّخْيِيلُ هو مِنَ المَجازِ. وقالَ غَيْرُهُ: الأصْلُ في الكَلامِ حَمْلُهُ عَلى حَقِيقَتِهِ، فَإنْ قامَ دَلِيلٌ مُنْفَصِلٌ عَلى تَعَذُّرِ حَمْلِهِ عَلَيْها، تَعَيَّنَ صَرْفُهُ إلى المَجازِ.
فَلَفْظُ القَبْضَةِ واليَمِينِ حَقِيقَةٌ في الجارِحَةِ، والدَّلِيلُ العَقْلِيُّ قائِمٌ عَلى امْتِناعِ ثُبُوتِ الأعْضاءِ والجَوارِحِ لِلَّهِ تَعالى، فَوَجَبَ الحَمْلُ عَلى المَجازِ، وذَلِكَ أنَّهُ يُقالُ: فُلانٌ في قَبْضَةِ فُلانٍ، إذا كانَ تَحْتَ تَدْبِيرِهِ وتَسْخِيرِهِ، ومِنهُ: ﴿أوْ ما مَلَكَتْ أيْمانُهُمْ﴾ [المؤمنون: ٦]، فالمُرادُ كَوْنُهُ مَمْلُوكًا لَهم، وهَذِهِ الدّارُ في يَدِ فُلانٍ، وقَبَضَ فُلانٌ كَذا، وصارَ في قَبْضَتِهِ، يُرِيدُونَ خُلُوصَ مِلْكِهِ، وهَذا كُلُّهُ مَجازٌ مُسْتَفِيضٌ مُسْتَعْمَلٌ.
وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: اليَمِينُ هُنا والقَبْضَةُ عِبارَةٌ عَنِ القُدْرَةِ، وما اخْتَلَجَ في الصَّدْرِ مِن غَيْرِ ذَلِكَ باطِلٌ.
وما ذَهَبَ إلَيْهِ القاضِي، يَعْنِي ابْنُ الطَّيِّبِ، مِن أنَّها صِفاتٌ زائِدَةٌ عَلى صِفاتِ الذّاتِ، قَوْلٌ ضَعِيفٌ، وبِحَسَبِ ما يَخْتَلِجُ في النُّفُوسِ الَّتِي لَمْ يُحْصِها العِلْمُ.
قالَ عَزَّ وجَلَّ: ﴿سُبْحانَهُ وتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ﴾ أيْ: مُنَزَّهٌ عَنْ جَمِيعِ الشُّبَهِ الَّتِي لا تَلِيقُ بِهِ. انْتَهى.
وقالَ القَفّالُ: هَذا كَقَوْلِ القائِلِ: وما قَدَّرَنِي حَقَّ قَدْرِي، وأنا الَّذِي فَعَلْتُ كَذا وكَذا، أيْ: لَمّا عَرَفْتَ أنَّ حالِي وصِفَتِي هَذا الَّذِي ذَكَرْتُ، وجَبَ أنْ لا تُخْطِئَ عَنْ قَدْرِي ومَنزِلَتِي، ونَظِيرُهُ: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وكُنْتُمْ أمْواتًا فَأحْياكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨]، أيْ: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِمَن هَذِهِ صِفَتُهُ وحالُ مُلْكِهِ ؟ فَكَذا هُنا، ﴿وما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ أيْ: زَعَمُوا أنَّ لَهُ شُرَكاءً، وأنَّهُ لا يَقْدِرُ عَلى إحْياءِ المَوْتى، مَعَ أنَّ الأرْضَ والسَّماواتِ في قَبْضَةِ قُدْرَتِهِ. انْتَهى.
(والأرْضُ) أيْ: والأرْضُونَ السَّبْعِ، ولِذَلِكَ أكَّدَ بِقَوْلِهِ: (جَمِيعًا)، وعَطَفَ عَلَيْهِ (والسَّماواتُ)، وهو جَمْعٌ، والمَوْضِعُ مَوْضِعُ تَفْخِيمٍ، فَهو مُقْتَضِ المُبالَغَةَ. والقَبْضَةُ: المَرَّةُ الواحِدَةُ مِنَ القَبْضِ، وبِالضَّمِّ: المِقْدارُ المَقْبُوضُ بِالكَفِّ، ويُقالُ في المِقْدارِ: قَبْضَتَهُ بِالفَتْحِ، تَسْمِيَةٌ لَهُ بِالقَدْرِ، فاحْتَمَلَ هُنا هَذا المَعْنى. واحْتَمَلَ أنْ يُرادَ المَصْدَرُ عَلى حَذْفِ مُضافٍ، أيْ: ذَواتُ قَبْضَةٍ، أيْ: يَقْبِضُهُنَّ قَبْضَةً واحِدَةً، فالأرْضُونَ مَعَ سِعَتِها وبَسْطَتِها لا يَبْلُغْنَ إلّا قَبْضَةَ كَفٍّ، وانْتَصَبَ جَمِيعًا عَلى الحالِ.
قالَ الحَوْفِيُّ: والعامِلُ في الحالِ ما دَلَّ عَلَيْهِ قَبْضَتُهُ. انْتَهى.
ولا يَجُوزُ أنْ يَعْمَلَ فِيهِ قَبْضَتُهُ، سَواءٌ كانَ مَصْدَرًا، أمْ أُرِيدَ بِهِ المِقْدارُ.
وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ومَعَ القَصْدِ إلى الجَمْعِ يَعْنِي في الأرْضِ، وأنَّهُ أُرِيدَ بِها الجَمْعُ قالَ: وتَأْكِيدُهُ بِالجَمِيعِ، أتْبَعَ الجَمِيعَ مُؤَكِّدَةً قَبْلَ مَجِيءِ ذَلِكَ الخَبَرِ، لِيُعْلَمَ أوَّلُ الأمْرِ أنَّ الخَبَرَ الَّذِي يَرِدُ لا يَقَعُ عَنْ أرْضٍ واحِدَةٍ، ولَكِنْ عَنِ الأراضِي كُلِّهِنَّ. انْتَهى.
ولَمْ يَذْكُرْ العامِلُ في الحالِ، و(يَوْمَ القِيامَةِ) مَعْمُولٌ لِقَبْضَتِهِ. وقَرَأ الحَسَنُ: ﴿قَبْضَتُهُ﴾ بِالنَّصْبِ. قالَ ابْنُ خالَوَيْهِ: بِتَقْدِيرِ في قَبْضَتِهِ، هَذا قَوْلُ الكُوفِيِّينَ.
وأمّا أهْلُ البَصْرَةِ فَلا يُجِيزُونَ ذَلِكَ، كَما لا يُقالُ: زَيْدٌ دارًا. انْتَهى.
وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: جَعَلَها ظَرْفًا مُشَبِّهًا لِلْوَقْتِ بِالمُبْهَمِ. وقَرَأ عِيسى، والجَحْدَرِيُّ: ﴿مَطْوِيّاتٌ﴾ بِالنَّصْبِ عَلى الحالِ، وعَطْفِ (والسَّماواتُ) عَلى (الأرْضُ) فَهي داخِلَةٌ في حَيِّزِ (والأرْضُ) فالجَمِيعُ قَبَضْتُهُ. وقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ القِراءَةِ الأخْفَشُ عَلى جَوازِ: زَيْدٌ قائِمًا في الدّارِ، إذْ أُعْرِبَ (والسَّماواتُ) مُبْتَدَأٌ، و(بِيَمِينِهِ) الخَبَرُ، وتَقَدَّمَتِ الحالُ والمَجْرُورُ، ولا حُجَّةَ فِيهِ، إذْ يَكُونُ (والسَّماواتُ) مَعْطُوفًا عَلى (والأرْضُ)، كَما قُلْنا، و(بِيَمِينِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِـ ﴿مَطْوِيّاتٌ﴾، و﴿مَطْوِيّاتٌ﴾: مِنَ الطَّيِّ الَّذِي هو ضِدُّ النَّشْرِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ﴾ [الأنبياء: ١٠٤] وعادَةُ طاوِي السِّجِلِّ أنْ يَطْوِيَهُ بِيَمِينِهِ. وقِيلَ: قَبَضَتُهُ مِلْكُهُ بِلا مُدافِعٍ ولا مُنازِعٍ، وبِيَمِينِهِ: وبِقُدْرَتِهِ.
قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وقِيلَ: ﴿مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾: مُفْنَياتٌ بِقَسَمِهِ؛ لِأنَّهُ أقْسَمَ أنَّ يُفْنِيَها؛ ثُمَّ أخَذَ يُنَحِّي عَلى مَن تَأوَّلَ هَذا التَّأْوِيلَ بِما (p-٤٤١)يُوقَفُ عَلَيْهِ في كِتابِهِ، وإنَّما قَدَّرَ عَظَمَتَهُ بِما سَبَقَ إرْدافُهُ أيْضًا بِما يُناسِبُ مِن ذَلِكَ، إذْ كانَ فِيما تَقَدَّمَ ذَكَرَ حالَ الأرْضِ والسَّماواتِ يَوْمَ القِيامَةِ، فَقالَ: ﴿ونُفِخَ في الصُّورِ﴾، وهَلِ النَّفْخُ في الصُّورِ ثَلاثُ مَرّاتٍ أوْ نَفْخَتانِ ؟ قَوْلُ الجُمْهُورِ: فَنَفْخَةُ الفَزَعِ هي نَفْخَةُ الصَّعْقِ، والصَّعْقُ هُنا المَوْتُ، أيْ: فَماتَ مَن في السَّماواتِ ومَن في الأرْضِ.
قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: والصُّورُ هُنا: القَرْنُ، ولا يُتَصَوَّرُ هُنا غَيْرُ هَذا. ومَن يَقُولُ: الصُّورُ جَمْعُ صُورَةٍ، فَإنَّما يَتَوَجَّهُ قَوْلُهُ في نَفْخَةِ البَعْثِ. ورُوِيَ أنَّ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أرْبَعِينَ. انْتَهى، ولَمْ يُعَيَّنْ.
وقِراءَةُ قَتادَةَ، وزَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ هُنا: في (الصُّوَرِ)، بِفَتْحِ الواوِ جَمْعُ صُورَةٍ، يُعَكِّرُ عَلى قَوْلِ ابْنِ عَطِيَّةَ؛ لِأنَّهُ لا يُتَصَوَّرُ هُنا إلّا أنْ يَكُونَ القَرْنُ، بَلْ يَكُونُ هَذا النَّفْخُ في (الصُّورِ) مَجازًا عَنْ مُشارَفَةِ المَوْتِ وخُرُوجِ الرُّوحِ.
وقُرِئَ: ﴿فَصَعِقَ﴾ بِضَمِّ الصّادِ، والظّاهِرُ أنَّ الِاسْتِثْناءَ مَعْناهُ: ﴿إلّا مَن شاءَ اللَّهُ﴾، فَلَمْ يُصْعَقْ أيْ: لَمْ يَمُتْ، والمُسْتَثْنَوْنَ: جِبْرِيلُ، ومِيكائِيلُ، وإسْرافِيلُ، ومَلَكُ المَوْتِ، أوْ رَضْوانُ خازِنُ الجَنَّةِ، والحُورُ، ومالِكٌ، والزَّبانِيَةُ؛ أوِ المُسْتَثْنى اللَّهُ، أقْوالٌ آخِرُها لِلْحَسَنِ، وما قَبْلَهُ لِلضَّحّاكِ.
وقِيلَ: الِاسْتِثْناءُ يَرْجِعُ إلى مَن ماتَ قَبْلَ الصَّعْقَةِ الأُولى، أيْ: يَمُوتُ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ إلّا مَن سَبَقَ مَوْتُهُ؛ لِأنَّهم كانُوا قَدْ ماتُوا، وهَذا نَظِيرُ: ﴿لا يَذُوقُونَ فِيها المَوْتَ إلّا المَوْتَةَ الأُولى﴾ [الدخان: ٥٦]، ﴿ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى﴾ واحْتَمَلَ أُخْرى عَلى أنْ تَكُونَ في مَوْضِعِ نَصْبٍ، والقائِمُ مَقامَ الفاعِلِ الجارُ والمَجْرُورُ، كَما أُقِيمَ في الأوَّلِ، وأنْ يَكُونَ في مَوْضِعِ رَفْعٍ مَقامًا مَقامَ الفاعِلِ، كَما صَرَّحَ بِهِ في قَوْلِهِ: ﴿فَإذا نُفِخَ في الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ﴾ [الحاقة: ١٣] .
﴿فَإذا هم قِيامٌ يَنْظُرُونَ﴾ أيْ: أحْياءٌ قَدْ أُعِيدَتْ لَهُمُ الأبْدانُ والأرْواحُ، (يُنْظَرُونَ) أيْ: يَنْتَظِرُونَ ما يُؤْمَرُونَ، أوْ يَنْتَظِرُونَ ماذا يُفْعَلُ بِهِمْ، أوْ يُقَلِّبُونَ أبْصارَهم في الجِهاتِ نَظَرَ المَبْهُوتِ إذا فاجَأهُ خَطْبٌ عَظِيمٌ.
والظّاهِرُ قِيامُهُمُ الَّذِي هو ضِدُّ القُعُودِ لِأجْلِ اسْتِيلاءِ الذِّهْنِ عَلَيْهِمْ. وقَرَأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: (قِيامًا) بِالنَّصْبِ عَلى الحالِ، وخَبَرُ المُبْتَدَأِ الظَّرْفُ الَّذِي هو إذا الفُجائِيَّةُ، وهي حالٌ لا بُدَّ مِنها، إذْ هي مَحَطُّ الفائِدَةِ، إلّا أنْ يُقَدَّرَ الخَبَرُ مَحْذُوفًا، أيْ: فَإذا هم مَبْعُوثُونَ، أيْ: مَوْجُودُونَ قِيامًا.
وإنْ نَصَبْتَ قِيامًا عَلى الحالِ، فالعامِلُ فِيها ذَلِكَ الخَبَرُ المَحْذُوفُ. إنْ قُلْنا: الخَبَرُ مَحْذُوفٌ، وأنْ لا عامِلَ، فالعامِلُ هو العامِلُ في الظَّرْفِ، إنْ كانَ إذا ظَرْفَ مَكانٍ عَلى ما يَقْتَضِيهِ كَلامُ سِيبَوَيْهِ، فَتَقْدِيرُهُ: فَبِالحَضْرَةِ هم قِيامًا؛ وإنْ كانَ ظَرْفَ زَمانٍ، كَما ذَهَبَ إلَيْهِ الرِّياشَيُّ، فَتَقْدِيرُهُ: فَفي ذَلِكَ الزَّمانِ الَّذِي نُفِخَ فِيهِ، هم أيْ: وُجُودُهم، واحْتِيجَ إلى تَقْدِيرِ هَذا المُضافِ؛ لِأنَّ ظَرْفَ الزَّمانِ لا يَكُونُ خَبَرًا عَنِ الجُثَّةِ؛ وإنْ كانَتْ إذا حَرْفًا، كَما زَعَمَ الكُوفِيُّونَ، فَلا بُدَّ مِن تَقْدِيرِ الخَبَرِ، إلّا إنِ اعْتُقِدَ أنَّ يَنْظُرُونَ هو الخَبَرُ، ويَكُونُ يَنْظُرُونَ عامِلًا في الحالِ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿وأشْرَقَتِ﴾ مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ، أيْ: أضاءَتْ؛ وابْنُ عَبّاسٍ، وعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، وأبُو الجَوْزاءِ: مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ مِن شَرَقَتْ بِالضَّوْءِ تَشْرُقُ، إذا امْتَلَأتْ بِهِ واغْتَصَّتْ وأشْرَقَها اللَّهُ، كَما تَقُولُ: مَلَأ الأرْضَ عَدْلًا وطَبَّقَها عَدْلًا، قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ.
وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وهَذا إنَّما يَتَرَتَّبُ عَلى فِعْلٍ يَتَعَدّى، فَهَذا عَلى أنْ يُقالَ: أشْرَقَ البَيْتُ وأشْرَقَهُ السِّراجُ، فَيَكُونُ الفِعْلُ مُجاوِزًا وغَيْرُ مُجاوِزٍ، كَرَجَعَ ورَجَعْتُهُ ووَقَفَ ووَقَفْتُهُ.
والأرْضُ في هَذِهِ الآيَةِ: الأرْضُ المُبَدَّلَةُ مِنَ الأرْضِ المَعْرُوفَةِ، ومَعْنى أشْرَقَتْ: أضاءَتْ وعَظُمَ نُورُها. انْتَهى.
وقالَ صاحِبُ اللَّوامِحِ: وجَبَ أنْ يَكُونَ الإشْراقُ عَلى هَذِهِ القِراءَةِ مَنقُولًا مِن شَرَقَتِ الشَّمْسُ إذا طَلَعَتْ، فَيَصِيرُ مُتَعَدِّيًا بِالفِعْلِ بِمَعْنى: أذْهَبَتْ ظُلْمَةَ الأرْضِ، ولا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِن أشْرَقَتْ إذا أضاءَتْ، فَإنَّ ذَلِكَ لازِمٌ، وهَذا قَدْ تَعَدّى إلى الأرْضِ لَمّا لَمْ يُذْكَرِ الفاعِلُ، وأُقِيمَتِ الأرْضُ مَقامَهُ؛ وهَذا عَلى مَعْنى ما ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ المُتَأخِّرِينَ مِن غَيْرِ أنْ يَتَقَدَّمَ في ذَلِكَ؛ لِأنَّ مِنَ الأفْعالِ ما يَكُونُ مُتَعَدِّيًا لازِمًا مَعًا عَلى مِثالٍ واحِدٍ. انْتَهى.
وفِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ: " «يُحْشَرُ النّاسُ عَلى أرْضٍ بَيْضاءَ عَفْراءَ كَقُرْصَةِ النَّقِيِّ، لَيْسَ بِها عَلَمٌ لِأحَدٍ» (p-٤٤٢)﴿بِنُورِ رَبِّها﴾ . قِيلَ: يَخْلُقُ اللَّهُ نُورًا يَوْمَ القِيامَةِ، فَيُلْبِسُهُ وجْهَ الأرْضِ، فَتُشْرِقُ الأرْضُ بِهِ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: النُّورُ هُنا لَيْسَ مِن نُورِ الشَّمْسِ والقَمَرِ، بَلْ هو نُورٌ يَخْلُقُهُ اللَّهُ فَيُضِيءُ الأرْضَ.
ورُوِيَ أنَّ الأرْضَ يَوْمَئِذٍ مِن فِضَّةِ، والمَعْنى: أشْرَقَتْ بِنُورٍ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعالى، أضافَهُ إلَيْهِ إضافَةَ المُلْكِ إلى المَلِكِ.
وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: اسْتَعارَ اللَّهُ النُّورَ لِلْحَقِّ والقُرْآنِ والبُرْهانِ في مَواضِعَ مِنَ التَّنْزِيلِ، وهَذا مِن ذَلِكَ. والمَعْنى: وأشْرَقَتِ الأرْضُ بِما يُقِيمُهُ فِيها مِنَ الحَقِّ والعَدْلِ، وبَسْطٍ مِنَ القِسْطِ في الحَسَناتِ، ووَزَنِ الحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ، ويُنادِي عَلَيْهِ بِأنَّهُ مُسْتَعارٌ إضافَتُهُ إلى اسْمِهِ؛ لِأنَّهُ هو الحَقُّ العَدْلُ، وإضافَةُ اسْمِهِ إلى الأرْضِ؛ لِأنَّهُ يُزَيِّنُها حِينَ يَنْشُرُ فِيها عَدْلَهُ، ويَنْصِبُ فِيها مَوازِينَ قِسْطِهِ، ويَحْكُمُ بِالحَقِّ بَيْنَ أهْلِها، ولا تَرى أزْيَنَ لِلْبِقاعِ مِنَ العَدْلِ ولا أعْمَرَ لَها مِنهُ.
ويَقُولُونَ لِلْمَلِكِ العادِلِ: أشْرَقَتِ الآفاقُ بِعَدْلِكَ وأضاءَتِ الدُّنْيا بِقِسْطِكَ، كَما يَقُولُونَ: أظْلَمَتِ البِلادُ بِجَوْرِ فُلانٍ.
وقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الظُّلْمُ ظُلُماتٌ يَوْمَ القِيامَةِ»، وكَما فَتَحَ الآيَةَ بِإثْباتِ العَدْلِ، خَتَمَها بِنَفْيِ الظُّلْمِ.
﴿ووُضِعَ الكِتابُ﴾ أيْ: صَحائِفُ الأعْمالِ، ووُحِّدَ لِأنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ، وكُلُّ أحَدٍ لَهُ كِتابٌ عَلى حِدَةٍ، وأبْعَدَ مَن قالَ: الكِتابُ هُنا اللَّوْحُ المَحْفُوظُ.
ورُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، ولَعَلَّهُ لا يَصِحُّ، وقَدْ ضُعِّفَ بِأنَّ الآيَةَ سِيقَتْ مَقامَ التَّهْدِيدِ في سِياقِ الخَبَرِ.
﴿وجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ﴾ لِيَشْهَدُوا عَلى أُمَمِهِمْ، ﴿والشُّهَداءِ﴾، قِيلَ: جَمْعُ شاهِدٍ، وهُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ عَلى النّاسِ بِأعْمالِهِمْ.
وقِيلَ: هُمُ الرُّسُلُ مِنَ الأنْبِياءِ. وقِيلَ: أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ، يَشْهَدُونَ لِلرُّسُلِ.
وقالَ عَطاءٌ، ومُقاتِلٌ، وابْنُ زَيْدٍ: الحَفَظَةُ.
وقالَ ابْنُ زَيْدٍ أيْضًا: النَّبِيُّونَ، والمَلائِكَةُ، وأُمَّةُ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ -، والجَوارِحُ. وقالَ قَتادَةُ: الشُّهَداءُ جَمْعُ شَهِيدٍ، ولَيْسَ فِيهِ تَوَعُّدٌ، وهو مَقْصُودُ الآيَةِ.
﴿وقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾ [الزمر: ٧٥] أيْ: بَيْنَ العالَمِ، ولِذَلِكَ قُسِّمُوا بَعْدُ إلى قِسْمَيْنِ: أهْلِ النّارِ، وأهْلِ الجَنَّةِ، (بِالحَقِّ) أيْ: بِالعَدْلِ.
﴿ووُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ﴾ أيْ: جُوزِيَتْ مُكَمَّلًا.
﴿وهُوَ أعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ﴾، فَلا يَحْتاجُ إلى كاتِبٍ ولا شاهِدٍ، وفي ذَلِكَ وعِيدٌ وزِيادَةُ تَهْدِيدٍ.
{"ayahs_start":64,"ayahs":["قُلۡ أَفَغَیۡرَ ٱللَّهِ تَأۡمُرُوۤنِّیۤ أَعۡبُدُ أَیُّهَا ٱلۡجَـٰهِلُونَ","وَلَقَدۡ أُوحِیَ إِلَیۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكَ لَىِٕنۡ أَشۡرَكۡتَ لَیَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَـٰسِرِینَ","بَلِ ٱللَّهَ فَٱعۡبُدۡ وَكُن مِّنَ ٱلشَّـٰكِرِینَ","وَمَا قَدَرُوا۟ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦ وَٱلۡأَرۡضُ جَمِیعࣰا قَبۡضَتُهُۥ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ وَٱلسَّمَـٰوَ ٰتُ مَطۡوِیَّـٰتُۢ بِیَمِینِهِۦۚ سُبۡحَـٰنَهُۥ وَتَعَـٰلَىٰ عَمَّا یُشۡرِكُونَ","وَنُفِخَ فِی ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَن فِی ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا مَن شَاۤءَ ٱللَّهُۖ ثُمَّ نُفِخَ فِیهِ أُخۡرَىٰ فَإِذَا هُمۡ قِیَامࣱ یَنظُرُونَ","وَأَشۡرَقَتِ ٱلۡأَرۡضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ ٱلۡكِتَـٰبُ وَجِا۟یۤءَ بِٱلنَّبِیِّـۧنَ وَٱلشُّهَدَاۤءِ وَقُضِیَ بَیۡنَهُم بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ لَا یُظۡلَمُونَ","وَوُفِّیَتۡ كُلُّ نَفۡسࣲ مَّا عَمِلَتۡ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِمَا یَفۡعَلُونَ"],"ayah":"وَأَشۡرَقَتِ ٱلۡأَرۡضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ ٱلۡكِتَـٰبُ وَجِا۟یۤءَ بِٱلنَّبِیِّـۧنَ وَٱلشُّهَدَاۤءِ وَقُضِیَ بَیۡنَهُم بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ لَا یُظۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق